اطبع هذه الصفحة


ستةُ كتبٍ وستةُ أقلام..!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


قبلَ عشرينَ سنة تقريبا رأيتُ مجموعا ضخما يضم (الكتب الستة )، في مجلدة طويلة عريضة، تجمع الأئمة " البخاري ومسلم وأبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه" رحمهم الله ، وما يعرف "بالأمهات الست"... ورأيت الناس مندهشين منه، ولم أنشط لشرائه لكِبر حجمه ...!

ثم بدأت تظهرُ كتبُ السنة والتراث في مجلدات ضخمة مضغوطة من بعض الدور، بورق شفاف، ومن أشهرهم : بيت الأفكار الدولية ، فاقتنيتُ بعضها وأعجبني مطالعتها بقربي في مجلدة واحدة...!

وسهّلت علينا البحثَ في الصحاح والسنن وشروحاتها، فبدلا من أن تقرّبَ كل المجلدات صارت تعتمد مجلدا واحدا ، يسهل تقليبه واستخراج المراد والمبتغى منه..!

على أن تقليبها بسرعة ضار لها، وحملها في الأسفارِ، لا تستطيعه بسبب شفافية ورقها ، حتى الكتابة عليها، يكون بالرصاص أو الأقلام الجافة ، والمقصد أن لها محاسن ومساوئ..!

ثم إننا رأينا طباعةً أخرى جديدة لموسوعة الكتب الستة من مطبوعات ( دار السلام ) الرياض- وكان أول طباعتها سنة ( ١٤٢٠هـ)... وشاهدته في طباعتها الرابعة سنة (١٤٢٩هـ). من قبل بعض طلاب العلم، وإشراف معالي الشيخ صالح آل الشيخ، وفقه الله، فرأيتُ اقتناءه هذه الأيام ..والبداية في جرده سريعا، وأخذه حثيثا.... وترددت في أحسن الوسائل، وأبسط الطرائق لاختراق كنوزه، والعثور على ذخائره ومنائره...!

الكتابُ كبيرٌ وضخم ، وثقيل المحمل، وقيمته في محتواه ومجموعه واختزانه كنوزا ثمينة، ودررا فاخرة، يعز مثيلها، وإذا كان الإمام مسلم رحمه الله يقول عن كتابه (... فمدارهم على هذا الجامع ) فأنت هنا في جوامع ولوامع فريدة عليها مدار العقائد والأحكام والسير والأخلاق ..! والترمذي رحمه الله يقول في كتابه :( من كان في بيته سنن الترمذي، فكأنما في بيته نبي يتكلم ). فكيف بكتب ستة، وأصول عالية متكلمة بالهدي، وناطقة بالفضائل، تحوي المحاسن والروائع والنفائس...؟!

وحتى يُستفادَ منه نقترح جلب ستة أقلام ملونة، وست فواصل للقراءة ، ويجعل لون للبخاري ، ولون لمسلم ...الخ... ويُشرع في القراءة السردية السريعة .

مع استعمال التخطيط والتلوين على شيخ المصنف وطرف الحديث، أو غريبه وجميله وعجيبه...!

ولتكن القراءةُ في غاية الخفة والخطف والمبادرة بتأمل خفي.. لا يوقف ولا ينهمك، إلا إذا ندّ معنى، أو برزت نادرة أو فريدة...!

وكلُّ يومٍ صفحات أو ساعات ملتزمة كورد يومي، لا يفوت ولا يتخلف .

ومن كل كتاب قدرٌ معلوم، وجزء محدود، يتم من خلالها المرور على المراد، وتخطيط المقصود، وعقد المقارنة بين المحدثين وطرائقهم . ولتكن الستة متوالية في مجلسٍ واحد .

ومن المستحسنِ استعمالُ فواصل من ورق مقوّى للكتاب ، حتى يبين المراد، ويسهل التعامل، ويتم الانتقال بلا استثقال .

ويستطيعُ القارئُ الخاطف أن يقارنَ عدةَ أبواب في الكتب الستة ويخرج بوحدة موضوعية، كالصلاة أو العلم، أو الصدقة والحج، والسير والغزوات، أو الشمائل والأخلاق...! فيجمع جمعا نادرا ، ويخرج بتصور حديثي منتظم في كثير من القضايا الشرعية، لا سيما وهو في ينابيع الكتب الستة التي هي أصول الإسلام، ومنتهى الفقه والأحكام .

وهذه المطالعةُ الاستقرائية ستكشف لك الفرائد والزوائد والقصص، والعلل والأسباب، واختلاف الأسماء في قضايا مهمة، وقضايا خاطئة، وقضايا مختصرة .

وستتعلم "طريقةَ المحدثين" في السرد والتأليف وفن السياقة والتعليل والتعليق ، وتعاين الفوارق بين محدثين عظماء، كتب الله لكتبهم القبول والانتشار .

وستدرك "الفارق التصنيفي والمنهجي " بين الجوامع والسنن، وأن الجوامع لقضايا الدين كلها، والسنن أحكام محضة، لا تكاد تأتي على الموضوعات الأخرى ..! فالصحيحانِ جوامع، والأربعة سنن فقهية مشهورة .

ستكونُ قراءتك مزهرةً بمعانٍ حديثية وأقوال نبوية، ومعالم إسنادية ، وفروقات لفظية واصطلاحية .

وتستطيعُ أن تقيد -أحيانا - بعضَها، وترسمَ وتخطط وتعلل، وتشير، وتنبه وتحدد ، على وجه السرعة للإضاءة المستقبلية ، كما قال أبو زيد اللغوي رحمه الله :( لا يضئ الكتابُ حتى يظلم ) . فأنِره بسُرج ومنائر ومشاعل، لكي يشتعل في الخاطر، ولا يذهب أدراج الرياح ...!

ويمكنُ استخراجُ بعض الفوائد والفرائد وتقييدها على طُرّة الكتاب أو هامشه، أو في كراس خارجي، يستجمعُ حينا وحينا حتى يصبح "مصنفا حديثيا " نادرا ...!

والمهمُّ أنك طوّافٌ جوالٌ في نعيم ستة كتب، وتسرح في حدائق السنن ، فتشتم طيبَها، وتنهل من ربيعها، وتستطعم ثمرها ونميرها ، وترشف جمالها ، وهذا كافٍ في تحقيق البروز العلمي، والصفاء النفسي، والنضرة الحديثية، والقوة البرهانية . فلا تنطلق إلا بدليل، ولا تلهج إلا بحجة...!( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:( فإن كثرة المزاولات تعطي الملكات ).

وفي حجج الآثارِ عزّ ومنحةٌ... وفيها براهينٌ وقولٌ مسدَّدُ.../ إذا نحن أسرجنا بنصٍ وسنةٍ...كُفيت الذي يَهذي وما عاد منشدُ..!

فاقرأ في هذا المجموع النفيس، واستخرج قلائده ، وانسج أساوره ، وتفيأ تحت ظلاله ومرافئه، حتى تصلكَ بالرسول الأعظم ، وتعاين شخصيته، وقد أحببته بسبب دينه وسنته... فإن كانت الأجسَامُ منّا تباعدت...فإنّ المدى بين القُلوب قَريبُ

وهو فرصةٌ لفهم الإسلام على حقيقته، وتأمل الحياة النبوية والتشريعية والدعوية ، مما يعني الوقوف بجلاء على الحقيقة الدينية، والرعاية الربانية لها، وفي مضامينها جمالٌ لا حدود له، وعز لا يعرف مداه، وكما قال المتنبي: وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ...
‏ وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ

وهذه القراءة ليست قراءة حفظية ترسيخية ، ولكنها استطلاعية واستشرافية تأملية ، تعرفك المعالم والدلائل، وبعض المضامين السنية المهمة ، ولذلك تحتاجها مع الكتب الضخمة، والمجلدات الطويلة، بحيث تسردها سردا سريعا، أو خاطفا استكشافيا .

وإذا زاولتَها وعيتَ، وزال عنك عناء التعبُ والفهمُ والعجز، وباتت الكتبُ الحديثية سهلا طيبا وماء باردًا على القلب، لا تخشى طولَها ، ولا تحمل همَّ أسانيدها ، وكله بفضل الله، والاستدامة القرائية الثابتة .... وفقنا الله وإياكم لحسن العلم والعمل، إنه جواد كريم ..

١٤٤١/١١/٢٣هـ

hamzah10000@outlook.com

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية