اطبع هذه الصفحة


النّضارةُ الحَدِيثيةُ...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000



إن للسنة أثراً ونورا في حياة المسلم، ونضارةً وبهجةً تُلحظُ في شكله وهيئته، مصداقَ الحديث الصحيح المروي عند أبي داود و الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) .

قال الحافظ الخطابي رحمه الله : ( معناه: الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة، يقال: نضره الله ونضره بالتخفيف والتثقيل وأجودهما التخفيف. اهـ .وقال في النهاية: نضره ونضره وأنضره أي: نعّمه ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق، وإنما أراد حسن خلقه وقدره. انتهى.

وفي القرآن ( ولقّاهم نضرةً وسرورا ) سورة الإنسان . قال ابن كثير رحمه الله " أَيْ: فِي وُجُوهِهِمْ، ﴿وَسُرُورًا﴾ أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ. قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ [عَبَسَ: ٣٨، ٣٩] . وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ الْوَجْهُ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا سُرَّ، اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَر ". و قال سفيان بن عيينة رحمه الله : " ما من أحد يطلب حديثا إلا وفي وجهه نضرة ".

وهذه النضارة تُكتسب بالجد الحديثي، والسلوك السني، والتخلق الأثري، روايةً واطلاعاً، وحرصا وبلاغا.. ( بلغوا عني ولو آية ) .

وأولى الخطوات: محبةُ السنن وحفظها، ثم فهمها والعمل بها، فالتسنن بها وإحياؤها، ثم بلاغها والدعوة إليها .. قال تعالى:( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدَّ تثبيتا...) سورة النساء .

وكلما تعمقَ المؤمنُ في الأحاديث ، وزاد عليها حبا واطلاعا، وكان له منها الوِرد والغذاء، والدواءُ والترياق، زكت روحُه، وزانت نُضرته، وجمّله الله خُلقا وخليقة( نضّر الله امرءاً ..). كيف وهو في ضيافة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأمام مائدته الزاهية ، وحدائقه الفائقة... وَبي شَوْقٌ إلَيْكَ أعَلَّ قَلْبي... وَمَا لي غَيرَ قُرْبِكَ مِنْ طَبيبِ .

ومن الضروري للمحب الحديثي حفظ السنن، وتعاهدها صباحًا ومساء ، وتطبيقها في الحياة ، وملامستها في كل مناسبة، ونشرها في الآفاق .

وأن يكون له درسهُ الحديثي، وبلاغه الأسري، وورده اليومي في الصحيحين ، أو الرياض والمشكاة ، وبلوغ المرام ... ولو صفحات معدودات .

وأما الدعاة وطلاب العلم فهؤلاء حتمٌ عليهم سردها ودرسها كلَّ يوم وساعة، وانقطاعهم عنهم قطع لخيرهم، وأفول لبركاتهم .

فكيف يليقُ بطالب العلم، وقد جانبَ السنة ، أو جانفَ الآثار، أو لا يعرف رسمها ودروسها، أو كتبها ووظائفها...؟!

وحتمٌ على داعي الفضيلة أن يُرى...له سننٌ فضلى وهديٌ وموئلُ.../ ومن يكنِ المختار ضوء سبيلهِ...يعشْ سيدا دوما وذاك المؤملُ...!

فاجعل من زادك اليومي، وميرتك الغذائية، غذاءً سنيًا متعاقدا ، لا تنفك عنه، ولا تؤثر عنه سواه، تتلذذ بمطالعتها، وتتشرب معانيها، وتتخلق بدروسها وعمقها .

وإن السنن على حاملها كدرعٍ متين، وعقد ثمين، يُزينُ صاحبه ، ويعلي قدره، ويصونه من كل الشبه والتلوثات .

فانظر من النضارة الحديثية كلَّ فتح ونور واستباق ، فهي تاجُ التيجان، وزخرفُ الإيوان، ولسان الميزان ، يَعز صاحبُها، ويشمخُ حافظُها، ويرتقي عاملُها .

وحقُّ كل بيت إيماني، أن يسطعَ بالنضارة الحديثية في بيته، فينشّئُ صغارَه عليها واستطابتها، فيعلمهم "الأربعين النووية"، ويحفظهم ما تيسر منها، أو " الأربعين الولدانية"، وكتابنا نحن " أربعون الطفولة "، ويقلدهم السنن، ويحليهم بالآداب في الدخول والخروج والمساء والصباح، حتى يتشبعوا ويعيشوا من أجلها .

١٤٤٢/٣/٢هـ

hamzah10000@outlook.com


 

 
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية