اطبع هذه الصفحة


الشَّخصيةُ المُبهِرة.. وما اتفقَ عليه طلابُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.! (١)

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000



حينما يكونُ العالمُ والفقيه مدرسةً في الإخلاص والبذل، وجامعةً في التعليم والتربيةوالتبيين ، تنهلُّ روائعُه ، وتتعاظمُ محاسنُه، ويتناثَر محبّوه وروّاده. ومن أطيبِاللقاءات ، ومن أمتعِ حدائقِ السعادات ما بُثَّ في رمضان الفائت من حلقات تاريخيةوسيرة ذاتية ، كشفت لنا أسرارَ عالمٍ علامة، وشيخٍ فذٍّ فهامة ، تعلّمنا منه، وتدافعناعلى دروسه ، وأنخنا عند شرائطه، وتسابقنا إلى كتبه وفتاويه.. إنه شيخُنا العلامةمحمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ..!! وجزى الله الإخوةَ القائمين على ذلك، وكانرأسُهم ومقدمُهم أخانا الشيخ جمال سعيد حفظه الله، من تجمّل أداءً، وأسعدنا إلقاءًوإشرافًا ، فحلّى رمضان ٤٣هـ بماتع السير، وجميل المواقف والعبر من حَيَاةِ الشيخالكريم . ولكأنّ الشيخ جمالَ قد فتح ثغرةً في جدار مسدود أو مغلقٍ، ففاضَ سيلٌ منالمكارم والشيم المدفونة ..!

وكانت فكرةً رائدة ، ووجهةً سديدة، ومَلمحًا رائعا في التنبيه على سير الأفذاذ ، المنتفَعبسيرهم وعلومهم ، وقد انتفعَ خلائقُ بالشيخ ، وكان العبد الفقيرُ من أولئك بحمد الله ،ولكنَّ المفيدَ هنا التذكير بسير الخِيار من الناس ، علمًا ودينا وعقلًا ، وانتثال المعانيالفائقة منها…! جمالَ ذي الأرض كانوا في الحياةِ وهم… بعدَ الممات جمالُ الكُتْبوالسيرِ..!

وكذلك إبراز السيرة الخفية من حياة الشيخ، وكشف الجانب الإنساني والأخلاقيلدى الشيخ، وسمات كانت لنا مجهولة ، فقد انطبعَ في أذهاننا - وقد عرفناه من الحرموالمساجد - بالحزم والشدة، وأنه شيخٌ مَهيب لا يكادُ يتبسّط ويتفكه…!

وقد أفاضَ الضيوفُ الكرام في بيان أسرار شخصيته في السكن والمسجد ، والعلاقةالمتدانية بين الشيخ وتلامذته وصيانته للعلم، بما يجلّي ما خفي منها، ولم يعاينهالآخرون…! وقد عاينا حُسنَ علاقتهم بشيخهم ومدى إجلالهم له، وتواطأ الجميعُ علىالثناءِ والترحم عليه، وحملوا المشاهدين على ذكره والدعاء له، وهو جزءٌ من حقوقالشيوخ.. الدعاء لهم بظهر الغيب، وهذا من أعظم عُرى الوفاء لهم؛ قال أبو حنيفةرحمه الله: (ما صليتُ منذ مات شيخي حماد، إلا استغفرتُ له مع والدي، وإنيلأَستغفر لمن تعلَّمت منه علمًا أو علَّمته علمًا). وقال صاحبه أبو يوسف رحمه الله: (إني لأدعو لأبي حنيفةَ قبل أَبوَيَّ ). وقال الإمام أحمد رحمه الله: (ما بتُّ منذ ثلاثينسنةً إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له) . وهذا منتهى الغراسِ الحسنة ، والتربيةالمثلى .

وأُحيي أولئك الطلاب الَّذينَ أمتعونا بهذه السير العطرة، والوقفات النادرة غيرالمشتهرة ، وما فاهت به ألسنتهم صدقًا وانسيابًا وشفافية … كذا فلتكونوا يا صحابُعلى الوفا… بيانًا وإحسانًا وجودًا مُرفرِفا../ فما كان من علمٍ فأنتم له صدىً… وما كانمن خير فنورٌ ومقتفَى…!

ووددتُ لو وُفِّقنا لذلك الشرف ، شرفِ السفر إليه والانتهال من ينابيعه المتدفقة ، كماحصل للطلاب سابقًا ، والمشايخ لاحقًا ..! وقد حالت الحالةُ المادية وميرةُ السفر منالظفرِ بمثل ذلك، ولم نعلم بدعاية السكن ونحن في الجنوب… لكننا بحمد الله التقيناهفي الحرم لأربع سنوات في مواسم رمضان والصيف، ورشفنا منه شيئا عجيبًا ،وعلمًا جماً..! وكان للنفس ما جمعت منه تقييدات في كراريس معلومة ، واقتنيت لهقرابةَ ألف شريط ، لا أزعم أنني فرغت منها كلَّها، ولكني سمعتُ أكثرها ، وقيّدتُنوادرَها وفرائدها …!

ومما اتفقَ عليه المُترجمون والواصفون: جلَدَه العلمي، واستدامته في التدريس،واستبساله التربوي والدعوي ، فلا يكادُ يمل أو يفتر، لكأنه المتعشقُ للعلم ، المتصلبشغافه ، ولا يقطعه عنه، حتى في ليالي الزيارات المقصود بها ، وبعض المناسباتالأسرية..!

وكذلك : محبتُه للسنة وعنايته بها ، فلا يكادُ يخالف المنصوص ، أو يتساهل فيالسنن والنوافل ، وأنه عالمٌ قولا وعملا، يصدق علمُه عمله وإخلاصه…! وتطابقَت تلك َالعلومُ فلا تَرى… إلا تقيًا عاملًا أوّابا …!

وكذلك : حزمُه الإداري والتربوي في ضبط أخلاق الطلاب، ورعاية السكن وشؤونه ،وأنه يختبر من يأتي للطلب، ويوضع في الضيافة، ويسأل عن تزكيته ، فلا ينضمُّللكوكبة العلمية إلا من كان أهلًا لذلك ، جِدا واهتماما، أو حاملا توصيةً من شيخمعتبر..!!

وقالوا : تبسيطُه العلمَ وتحبيبُه المستمعين بحيث يأتي إلى أوعر المسائل، فيقرِّبهاتقريبا ويُسهلها تسهيلا ، بحُسنِ إلقائه ، وتقسيمه التفريعي المدهش .

وكذلك اتفقوا: على أبوته لهم، وهم يتعاملون معه مثل الأبناء لأبيهم… وأبوة العلموالروح قد تفوقُ أبوة الجسد ، كما قال بعضهم : أُفضِّل أستاذي على فضل والدي --- وإنْ نالني من والدي المجدُ والشرفْ
فهذا مربّي الروحِ والروحُ جوهرٌ --- وذاك مربي الجسمِ والجسمُ كالصدفْ…!

وكذلك : عونُه للطلاب، وحلّ مشكلاتهم ، وسدّ حوائجهم فقرًا وزواجا، ودرءا ومعاشا،كما ذكر الشيخ يحي الخليل التشادي وغيره .

وقالوا : الاحتواءُ الطلابي، بتهيئة السكن والمطعم المناسب ، والإعانة الشهرية ،بحيث حل إشكالية سفر الشباب واغترابهم، وهذه لا يكاد يفعلها علماء موسرون إلاقلة، ويذكرنا بفعال الإمام ابن المبارك رحمه الله الخيرية رحمه الله، على فقراء طلابِالحديث ، فيقول :( أعرفُ مكانَ قومٍ لهم فضلٌ وصدق، طلبوا الحديثَ فأحسنوا الطلبةللحديث، وقد احتاجوا فإن تركناهم ضاع علمُهم، وإن أعنَّاهم بثّوا علمهم لأمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، ولا أعلم بعد النبوة أفضلَ من بث العلم ). وقال الحسنُ بنشقيق رحمه الله : ( كان ابنُ المبارك ينفقُ على الفقراء في كل سنة ، مائة ألف درهم، وأنهقال مرةً للفُضيل بن عياض رحمه الله : لولاك وأصحابُك ما اتّجرت). وقد ذكر الشيخوليد الحسين شيئًا عجباً من ذلك، وكيف خفف ضائقتهم ، وقد قدِم مبكرًا في الطلب…!

وقالوا: عفةُ لسانه وعدمُ نقده العلماء في مجالسه، واكتفاؤه بالعطاء العلمي، وتركهبُنيات الطريق العلمي ، وتهاوش الناس وردودهم .

ونصّوا على تباعده عن التصنيفات الشبابية والحزبية ، وعكوفه على النفعوالتدريس ، وقد اشتدت في فترة من الفترات الدعوية الملتهبة ، ولا نكادُ نسمعُ لهتعليقًا ، بل لما سُئِلَ عن بعض المناهج وتضادها، قال: ما علمتُ عليهم إلا خيرا..!

وكذلك: ملءُ الزمان بالعلم، فثمةَ دروس تسمى( الفتاوى الثلاثية ) قبل مبدء الدرس،والقراءة عليه في الطريق ذهابًا وإيابًا ، كما ذكر الشيخ جمال بأنه قرأ عليه منظومة(سلم الوصول) للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله ، في الطريق وأتمها في (ستة أشرطة). وسلّمها لمؤسسته . وقد كان الشيخُ محشودا محفوداً بالطلاب، يحوطون به من كلمكان حبًا ومهابة ، ومن يشاهد المنظر تتجلّى له ذكريات علماء السلف ومحبة الناسلهم..!

وأن الشيخَ كان مرجعا وجامعةً للطلاب الوافدين من غالب الدول إفريقيا وآسيا ، وأنّالمنتفعين به، من بلاد شتى، وتنوع الضيوف في البرنامج، وصيروة بعضهم دكاترةوعلماء في بلدانهم ينتفع بهم الناس دليل قائمٌ على ذلك..!

وتواطؤوا على أنّ تعليمَه (تفاعلي تشاركي)، يحملُ التلامذة على النباهة والجد،فليس هنالك موضعٌ للنوم والسرحان، وقد حكوا طرائف في ذلكَ ، وحذقه في متابعةالطلاب وملاحظة شروده وإقبالهم .

وبيّنوا أن أولَ ظهورٍ له في الحرم المكي " سنة ١٤٠٢هـ " ولم يكن معروفا تلك المدة، ثممع اتساع الجوانب الدعوية وظهور الحشود الشبابية عُرف واشتهر وأحبه الناسُ. وصلّى التراويح في الحرم إمامًا سنة ١٤٠٣هـ كما ذكر الشيخ وليد الحسين حفظه الله.

ونصّوا على طيب علاقته بولاة الأمر حفظهم الله، وصيانته لحقهم، وتوقيرهم هملقدْره وعلمه، ولقد تهيأ له من حُسن العلاقة بهم رعايةُ الطلاب وتسهيلُ قضاياهموالشفاعة لهم عند المسؤولين . واكتسب كثير من الوافدين إقامات وتسهيلات دراسية،والأعجب منح الشيخ عبد الحميد الجزائري إقامة( طالب علم ) وهذه تقريبًا لا تُعرففي أنظمة الجوازات ، ولكن لثقتهم في الشيخ نالوا ما نالوا، وهذا ديدنُ بلادنا حفظهاالله، وشكر الله للقيادة والمسؤلين تمكينَهم ودعمهم .

واتفق الجميعُ على جاذبيته العلمية ، وتفننه المعرفي ، وذكائه الفقهي ، الذي جبذَالناسَ إليه ، ووجّهم قبلَته، وإلا كيف يتعنّى بعضُهم من أماكنَ بعيدة ، وأقطارٍمختلفة، ويذرُ معيشتَه ليتفقه من الشيخ، ويظفر بتلك السنين الذهبية .

وكذلك نصَّ بعضُهم على أنه "الشيخُ التقني" ، وأنه متفاعلٌ مع مستجدات الحياةالتي تهم المسلم، كالهاتف والجوال ، ونقل الدروس وبثها، وموقفه من التصوير،وسؤاله عن التقنية وتوظيفها دعويا وعلميا، وعدم اعتذاره عن المحاضرات الهاتفيةذاك الزمان، كما ذكر الشيخ الصائغ والشمري تقريبًا .

واتفقوا على حسن عبادته، وأنه متينُ الديانة، له أوراد يديمها كالقيام والوردِ اليوميكجزأين، ويستيقظ قبل الفجر، فيصلي ما تيسر، وأنه كان يقوم الليل حتى في السفروهم قد بلغ بهم الجهدُ ما بلغ …!

وقرر بعضُهم: براعته التعليمية وحيازته مهارة التدريس والإفهام، ويعرفُ ذلك منأدمنَ استماعه ، وأنه يملكُ فنونا غيرَ الجامعية العلمية والتفنن المعرفي ، كالتقسيموالتبسيط والتقريب والتفكير النقدي ، وفنِّ الاستدلال والتقرير ، والقدرة على الإقناعوالترجيح ومواءمة الأدلة .. وهذه فنون تُكتسب بالدربة ومخالطة هؤلاء بكل صدقٍوصرامة . وقد أوضحها الدكتور محمد موسى الدالي المصري حفظه الله بجلاء ،وضرب أمثلة، كتعليقاتِه على الكافي وفهمه لعبارات المتقدمين، وتعليقاته النحويةالمدهشة ..!وأذكر مرةً في سطح الحرم سنة ١٤١٤هـ سأل عن قوله تعالى :( وَسِيقَالَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَاسَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) سورة الزمر (73). قال: وأنا أسألُ أئمةَ اللغة أينجواب إذا… فسكت الغالبيةُ هيبةً ، ومن أجاب من الطلاب خطَّأه.. ثم قال: جوابها "محذوف مقدر قبل الواو " هُذّبوا ونُقوا "، ثم دخلوها ، هذا الصحيح، وأصح منقولهم : واو الثمانية ، أو واو الحال .

وهذه أدركناها من أول استماع له، وحضور عايناه فيه، وقد قال فيه بعضُهم في أبياتتعنيه رحمه الله : أبصرتُه فلحظتُ فيه الطّابا… وموائدًا قد أُترعت ورُضابا ./ ورأيتُشيخًا من بقايا زمرةٍ… ملأوا الزمانَ تدفقًا ومَهابا./ طافت به زهرُ العلومِ ودرُّها… وتطيّبت مِن نُطقهِ تَطيابا ./ مَنْ مثلُ شيخِ الحاذقين "محمدٍ"… حُمِدت لنا أوصافُهوترابى؟!./ باعٌ له في العلم عزَّ نظيرُه … بل عزَّ عقلٌ عندهُ أحقابا ./ هزَّ العلومَ بفقهِهوتناغَمت…ألفاظُه وتناسَقت أترابا…!

وكذلك تواضُعه وقُربه من طلابه : كإجابة دعوتهم للطعام على الميسور، ومشاركتهمالسباحة ، وممازحتهم في ساعاتها المناسبة ، ورجوعه إلى الحق إذا انتُقد ونُبّه..! وقص التلامذة النجباءُ قصصًا عجيبًا في ذلك نحو ما ذكره الشيخ عبد المنانالبخاري ، أن بعض الجهات استفتت الشيخ، فكتب هو تعريفًا لشيخه :" نشأ فيبيت علم ودين" فمسحها ، ورفعت بنفس الصورة لهم، وقال: لم أكن كذلك والديمزارع، وعملت معه مدةً ،ثم طلبت العلم بعد ذلك …!!

أبرزُ ما تعلمناه من العلامة ابن عثيمين وأدركه طلابه :

١-
الجلَد العلمي: كتدريسه ليلًا ونهارًا ، وملء الساعات بالإفادات، حتى إن إنتاجهالعلمي ليشهد بذلك ..! وأذكر وهذا ما عايشته بنفسي في رمضانَ خصوصا من سنة١٤١٢هـ إلى وفاته تقريبًا ، وفي رمضان خصوصا يشرح من بعد التروايح إلى صلاةالتهجد في كتب مختلفة ، وقبلها ينتزع آيةً من تلاوة المشايخ ثمّ يفسرها بالسؤال نحوربع الساعة ، فيستغرقُ الدرسَ ساعتين وزيادة، فنتعبُ وهو في أَوج النشاط والتحمل،والملذة والاستطعام .
ويأتي بنِكات ولطائف في التفسير لا نظير لها..!
وبعد الفجر درسٌ آخر، أذكر في عمدة الأحكام تارةً في الطهارة، ومرةً كنا في البيوع،ويختم بالفتاوى كعادته المألوفة .

٢-
العطاءُ المتزايد : حبًا للعلم، وتفانيًا في تدريسه والنفع والانتفاع به ، وهذه بركةالعالم…( وجعلني مباركاً أينما كنت ..) سورة مريم .

٣-
تعظيمُ العلم: بحيث يتعاطاه بقوة، ويمنع الضحكَ والانشغال عنه، وتلحظ الوقاروالهيبةَ في أدائه .

٤-
الاستقلالُ الفكري: فهو لا يقلد عالمًا ولا مذهبا، بل ويستدرك على مشاهير وحفاظ، حتىفي أقطار الولع باختيارات شيخِ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، تبدو له تعليقاتوتعقبات…!

٥-
البرهانُ الاحتجاجي : لا يعرفُ الطرحَ المجرد العريّ ، بل برهانه حاضر ، وحجتهساطعة ، بحيث يتربى التلاميذ على اقتناص الأدلة وحفظها ، وأن العلم بلا دليل، كطريقٍبلا ظلٍّ ظليل ..!

٦-
التفكيرُ النقدي : الذي يحرك الذهن ، ويفرزُ المعلومة ، وينهضُ الذكاء وحسن التفقه،ويحميك من زخارف التسليم والقبول بلا تدبر وتعمق …!

٧-
التقسيمُ المعرفي : وهي مزية فاز بها، ومسلك تفوّق فيه حتى بات بِهِ لسانُه معسولا ،وطرحُه طيّبا مقبولًا ..! وهذا يشمل اكثر العلومِ التي يشرحها ويفسرها .
وفيه قال القائل :

في كل فنّ دُربةٌ ومناهلٌ…ويفيضُ فيه مسائلاً وجوابا
مستدركٌ في الفقهِ أو متعقبٌ… لا يعرفُ التكرارَ والتَّقلابا
وأصولُه مضبوطةٌ لكأنه… حُسبت له في نهجه تَحسابا

لا تلقَى فيها المُغرِبات كأنها…درٌّ تناثرَ عِقدُه وانسابا
العلمُ مِن فِيه الطليقِ حدائقٌ… رفّت بنا وتضوّعت تَرحابا
حُيِّيتَ يا شيخَ الشيوخِ فإنكم… نهرٌ يغيثُ بفيضِه الألبابا


٨-
العملُ بالعلم : وإحياء السنن ظاهرا وباطنا ، فلا يكاد يتخلفُ عن الصلوات ، ويحييالفضائل ، مع عناء السفر ، وضعف البنية .

٩-
الإخلاصُ العملي: وتباعده عن الشهرة والمدائح ، يظهر ذلك في عطائه العلمي،واختياراته، وملبسه ومنطقه، وكراهيته الألقاب.

١٠-
الزهادةُ الدنيوية : من حيث قلة الأكل والملبس ، وهجر المناصب ، والانكباب على العلمتدريسًا وتعليمًا ، حتى أتته الدنيا وهي صاغرة، فبذلها في منافع الطلاب وتذليلالمعوقات…!

ماذا تعني هذه السيرة المخفية :

١-
أن بركةَ العالم من أثره في طلابه، وما يورثه لهم من علمٍ ميمون، وصفات مباركة ، ومعانٍثابتة .

٢-
وأن من الطلاب أبناءً بررة، ينشرون علم شيخهم، ويحتفونَ به، ويذبون عن عرضه . والآن نشاهد الشيوخ المصلح والقاضي والصقير والخميس، والمشيقح ، وقد باتوا دكاترةفضلاء، ولهم دورات علمية مختلفة، وجهود دعوية مشكورة، جزاهم الله خيرًا- وعذرًا ممننسيت- . وفقهم الله جميعا .

٣-
وأن من الأخذ العلمي أخذاً من الشيخ ظاهرًا وباطناً. ومن استجمعها أدركَ أعاجيب،وفاقَ أصاحيب..!

٤-
وأن في حَيَاةِ بعض العلماء مكانزَ للطيب والورع ، لا تُدرك إلا بالملاصقة الشديدة،والقرب الغالب..!

٥- حُسنُ وفاء التلاميذ لشيخهم ، ومكافأتهم له . وكان الشافعي رحمه الله يقول: (الحر مَنراعى وِداد لحظةٍ، وانتمى لمن أفاده لفظةً).
وكان محمد بن واسع رحمه الله يقول: (لا يبلغُ العبدُ مقام الإحسان حتى يُحسنَ إلى كل مَنصحِبه، ولو ساعة) . فكيف بكم صحبوه سنين عددًا…؟!
ومن المؤسف أن ثمة فقهاء ضيعهم تلاميذهم كما قال الإمام الشافعيُّ في الليث بن سعدرحمه الله:( اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مالك إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لم يَقُوْمُوا بِهِ ).

٦- وأن ذلك الانتشارَ من توفيق الله، وقد صاحبته نيةٌ صادقة ، وعملٌ مبرور، وتفانٍ منقطعُالنظير ، وبقدر ما تتعنى تنالُ ما تتمنَّى…!

٧- وأن العالمَ المتفننَ يستطيعُ التوسعَ ونفعَ الآخرين بالاحتواء والعون من خلال " وقفسكني، ودعم خيري، وتربية مصنوعة " ، وقد قيّضَ الله له المسؤولين محبةً ودعمًا ، فتذللتمعضلةُ الإسكان واحتواء الطلاب ..! وإلا فإن عالمًا فقيرًا لا يستطيع القيام بكل ذلك ،ونظراؤه في العطاء العلمي، وبعض طلابه الأكابر معنيون حاليًا باستنساخ تلكمُ الفكرةوتطويرها ، سداً لعوَز التلامذة ، وحلاً لمعضلة الغربة والانقطاع، والحمد لله على إنعامه.

٨- وأن العالمَ عالمٌ عاملٌ في الظاهر والباطن ، والسر والعلانية ، لا يبدّل ولا يختلف،محافظ على سلوكه، منضبط في أقواله وسمته..( وما بدلوا تبديلا ) سورة الأحزاب .

٩- وأن مجدَ الشيخ المتعاظم يكمن في جِدّه ، وقيام الورثة به من مؤسسات أو تلاميذ بررةيعلون قواعده، ويزخرفونَ أمتعته.. وقد قيل:( مجدُ التاجر في كيسه ، ومجد العالم فيكراريسه ).

١٠- وأن هنالكَ فئاما من العلماء لو تيسر دعمُهم، واعتزلوا للعلمِ ، لنفع الله بهم، وهنا يأتيدورُ المحسنين والجمعيات الخيرية المحفزة لهذا الجانب ، وقد استبانَ حبُّ المسؤولينلشيخِنا ودعمهم له، حتى نجحَ مشروعه ، واستقامت معالمُه..!

حفظ اللهُ البلادَ والعباد، وأدام صنائعَ المعروف ، ونفع بعلمائنا ومساعيهم والسلام .

١٤٤٣/١٠/٢٠هـ

 
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية