اطبع هذه الصفحة


أسباب تهيب النقد...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@aboyo2025


يُدعى للنقاش فينزوي...!
وتقام الفعاليات الحوارية فيتخلف..!
وينتدب أقوام للحديث والتجلية فيعتذرون...!
ومثقف مرموق يفر من سؤالات الناس..!
ويرتجف علمانيون من إسلاميين، فتحوا افاقا للحوار ..!
تسيطر فوبيا النقد الثقافي على جل الأوساط العربية، للأسف الشديد...!
وما فطنوا أن النقد حصانة لهم، لا مهانة واستهانة..!
النقد الثقافي والإداري من الظواهر الصحية المثرية للمجتمعات، وحركة الوعي البشري لأنه ضرب من النصيحة، وعملية فرزية، وتصحيح معرفي وسلوكي،،،! إذا تم في شكل أخلاقي بنائي مثرٍ....(( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذئ )).
ولكن من المؤسف الضيق به في الواقع العربي، والتهيب من صوته، والاشمئزاز من رائحته....!
لكأن أمورنا على ما يرام، وآخر حلاوة، ومكتمله التمام، وعالية الجودة،،...!
وهذا تصور غريب مريب....!
الناقد موحش،،،.!
والناصح مترصد...!
والمناظر عبثي..!
والمتعقب متطاول...!
والإعلام فتان بإطلاق ...!
حتى بات كثير من المعنيين والمسؤولين يفرون من النقد فرارهم من الآساد، وينزوون انزواءهم من الأنكاد ....

وإذا تأملت ذلك، تبين أن الفرار يعود لأسباب لا تكاد تخرج عما يلي :

١/ اعتقاد الصواب :
وأن كل فعاله دائرة في مدار الصواب والصحة والقداسة، ولا تقبل النقد أو التعليق والتعقيب..!
ولا تدري هل رُبي على ذلك، ومن أين وردت عليه تلك الثقافة...؟!
ويتعشق المدح دائماً، واعتادت أذنه المجاملات ومساعي الطبطبات، وترانيم التطبيل الشامل، حتى بات هو الحق على الدوام، فيستنكف سماع الأخطاء فضلا عن الاعتراف بها...!
وهكذا نصنع جهالنا ومستبدينا ومتخلفينا...!(( ما أريكم إلا ما ارى )) غافر .

٢/ ثقل الأخطاء :
يستشعر أن الخطا ثقيل، والعثرة سقوط، فيكره سماعها فضلا عن حملانها والإدانة بذلك ..!! ولو تريث لعلم أن الخطأ قد ينقلب على صاحبه ، وتدرك جماهير الناس أن الصواب مع فلان، والخطأ من ذاك الناقد، وتكون حينئذ مكسبا اجتماعيا وثقافيا له ، وقد يحتف به شئ من العنت والتحامل، فيدفعك إلى التصدي والمبادرة الإيجابية ، كما قيل :

عِداتي لهم فضل علي ومنةٌ// فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
همُ بحثوا عن زلتي فاجتنبتها// وهم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا !
 

٣/ ضعف الحجة : قد يكون لديه معلومات، ولكن تخونه الحجج وحضورها، وحسن سردها واستحضارها..!
فلا أقل من الكتابة او جعل ناطق متخصص لمثل تلك المواقف .
واذا اجتمع مع ضعف الحجة ضعف الإنتاج، وخوف المساءلة ، حملهم على التستر والاعتذارات، والانزواء عن الإعلام وصوره وألوانه وتطلعاته....

٤/ عدم القدرة على الحوار :
لا يطيق الحوار، ولا يستحسن النقاش، بفضل التربية القمعية، المتولدة من البيت او الأسرة، ومن وسائل الإعلام كذلك....!!

٥/ احتكار المكانة :
بمعنى أن لا مقام للنقد وإسداء النصائح لديه، وأذنه صمّاء عن سماع التوجيهات، او الإصغاء للتعليقات، ولربما اعتقد أن مكانته فوق مستوى النقد، ولا يسوغ للعوام، كشف المخالفات والأوهام، ولا للتلاميذ التذكير، ولا للمعوزين تنبيهه وتسديده...!

٦/ ذيوع الفشل :
فهم يعتقدون أن المنتقَد فاشل على كل حال، وأن عثراته تمحو كل حسناته وإنجازاته، وهذا تصور خاطئ...!
فليس تصحيح المسالك، او مواجهة الجماهير علامة لفشل موجود، وتعثر مخبوء، وإنما هي توضيح وإصلاح، وكشف للحسابات، حتى يبيت الناس على اطلاع واستيثاق، وأن المسؤول لم يتجاهلهم أو يخادعهم...!
ثم إن في البروز النقدي الجماهيري، شجاعة أدبية وذاتية، يفتقر إليها كثير من الخلق..!
ولذلك اقتحام وسائل الإعلام، والسماع للرأي المخالف، والتعقيب الصحفي وكشف الملابسات، من خير ما اتصف به العقلاء، وانتهجه الحكماء الشجعان...!
أما الفرار والضبابية، وتوسيع رقعة الصمت، ولغة الرموز، فلا محل لها في أدبيات الإدارة الحديثة، ومنطقة الإعلام الجديد..!

٧/ جهل معاني الحركة :
وأنها قائمة غالبا على الاجتهاد البشري، والقصور الإنساني، والذي تعتريه الشوائب، وتخونه التقديرات، وأن الإنسان نسّاء خطاء، والكمال للواحد الأحد تبارك وتعالى، ولأجل ذلك كان مبدأ وعقدا تبايعيا، علمه رسولنا الكريم لجرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، هدفه التسديد والعون والتصحيح (( بايعت رسول الله على النصح لكل مسلم )).

٨/ إغراء الآخرين :
كالجهال والمرضى والذين يفرحون بالتتبع ورصد الأخطاء، وعدّ العثرات....! بحيث يتوسعون حتى يصلوا لدرجة الحيف والشطط، فيخشى صاحبنا مثل ذلك، فيقفل الباب من أساسه،،،! وهذا يصدق في الواقع التخلفي القديم، أما الآن ومع ثورة الاتصالات فالأمر مختلف، حيث الإشعاع والهواء،،،! ثم إن الناقد ليكشف من حقيقة عقله وثقافاته، ويوضح جانب خلقه والتزامه، فلربما جاءت النقدات القاسيات على رأسه وانكشف للناس تحامله وجهله،،،!
وكما قال أبو الطيب:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا// وآفته من الجهل السقيمِ..!
فالنقد المتحامل المندفع، قد يحمل في طياته الجهل السقيم، والحمق اللئيم، فيبين فضلك وحلمك، وتبدو سوأة ذلك الجاهل ...!

٩/ تكريس الأخطاء:
والجهالات والخيمة الضبابية ، حتى يبيت المجتمع: لا أرى، لا أسمع ولا أتكلم ،!! ويثمر ذاك ترسيخ الجهلة والمستبدين، وإعطاء ضمانة للمتخلفين والمتجاوزين، وتدفن الأنظمة واللوائح ، والتي لو طبقت لوجدت في كثير منها عملية بناء وعي تنموي وحضاري بارزَين ..!
والله ولي التوفيق ....
ومضة : (( كل بني آدم خطاء ..)) فلم التهيب حينئذ ؟!

١٤٣٦/٨/١٧

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية