اطبع هذه الصفحة


المطوع الشاعر..!

د.حمزة بن فايع الفتحي


لا تناقض بينهما،،،!
ولا يحارب الاسلام الشعر العذب الجميل،،،!
ولا التدين يكرهه،،،!
ولكن أناسا أساؤوا الفهم، فاعتقدوا كراهة الشعر، او انه مضيعة زمان، وقسوة جَنان،،،،! فضاقوا به،،،،! وقس على ذلك بقية ألوان الثقافة المحمودة .
وآخرون فسّروا الشعر بهواهم، واختزلوه لغنج الغواني والحسان، والتشبيب بهن،،،! وأن المطوع المتدين لا يجرؤ على كتابة مثل ذلك، للعقيدة المسبقة من التغزل الفاحش ،،،،! علاوة على ما عندهم من أن الشعر لا يصلح للأمور الجادة،،،،،!
وإنما هو عاطفي رومانسي لأبعد الحدود،،،!
ويؤسفك هنا ان بعضهم، سلخ دهره في الوله والهيام، ولم يكتب لأمته او لدينه او لخلقه، شيئا يذكر ،،،!!
رغم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال في نصين مشهورين :
(( إن من الشعر حكمة ))
(( إن من البيان لسحرا ))
وكان يقرب المنبر لحسان رضي الله عنه، في دفعه ومهاجيه لمشركي مكة،،،،،!!
وله فرسان ثلاثة برعوا في الشعر، هم حسان وكعب وابن رواحة رضي الله عنهم،،،!
وللطائفتين نقول: إن الشعر كلام كسائر الكلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح... فمن تحرى حسنه فاض بالمحاسن، مطوعا كان او غيره، ومن تتتبع قبحه، أنتج القبائح، وآل الى مضار لا تنتهي ،،،!
وكل إناء بما فيه ينضح،،،!!
والشعر من صميم لغتنا الغراء، وأدبنا الدفاق، وثقافتنا الأصيلة، وميراثنا الفاخر الفخم، يحلّي الكلام، ويورث الحكمة، ويصنع التجربة، ويستشهد به للقران، ويؤصل للقضايا، ويرقق الطباع، ويقيم الألسن، ويستهوي النفوس، ولا يضيق به إلا المتخلفون الأعسار، والجامدون الأغمار،،،!!
فهلا استطابه المطاوعة، وألان له الأخيار، واستروحه الشيوخ، وأنشده الأعلام،،،،!
بالطبع نعم...! وهذا ما يسلكه النبلاء الكَملة، لا السذح الجهلة، من يعتقدون في الشعر الفوائد الماضية وزيادة، ويقدحون منه معاني رائعة ، ومغازي سامية ،،،!
والعجيب هنا ان بعض الأخيار قد يضيق بالشعر، وهو يسولف ويتسلى كلاميا الساعات الطوال، والخالية من الذكر والحكمة،،،،!
ويتجاهل احتواء الشعر على مثل المعاني الشرعية، والحكم النوعية كقول الحارث بن عباد البكري وهو جاهلي :

كل شي مصيرُه للزوال// غيرَ ربي وصالح الاعمالِ

وقول زهير :

لسان الفتى نصفٌ ونصف فؤادُه// فلم تبق إلا صورة اللحم والدمِ

وقول حسان:

وأفضلَ منك لم تر قطُّ عيني// وأحسن منك لم تلد النساءُ
خُلقت مبرءا من كل عيبٍ// كأنك قد خُلقت كما تشاءُ !!

وللشافعي رحمه الله وهو من المطاوعة الشعراء:

يُغطّى بالسماحة كل عيب// وكم عيب يغطيه السخاءُ ؟!

وقول ايليا ابو ماضي، وهو نصراني:

وعيون ماء دافقات في الثرى// تشفي العليل كأنما هي زمزمُ !!

والشواهد تطول هنا، ولكن المقصد، أن الأخيار الوعاة يستطيعون توظيف الشهر بشكل راق لقضاياهم وهمومهم، ولا يخدش ذلك في إيمانهم او يقلل من تدينهم لله تعالى،،،!
لأن الكلمة يحاسب عليها العبد،شعرا كانت او نثرا،،فإما ان يرتقي بها للجنان، او يتلظى بها في النيران، فقد صح في الحديث (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم )) رواه البخاري .
ولا يصح ان يقال حينئذ ان الشعر إيحاء داخلي، وتدفق قرائحي، يخرج بغير ضبط صاحبه، فيكتبه على اي شكل كان ، ويختص به فئام علمانية او حداثية، كلا،،!
بل يتدفق منه ويحققه ويراجعه، وإلا حوسب عليه، وفي القران (( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد )) سورة ق.
والمسلم من اولى الناس التزاما وانصياعا وأما ما ورد من ذم الشعر في آية ونص مشهور،،،
وهو قوله تعالى(( والشعراء يتبعهم الغاوون ،،،)) سورة الشعراء. فالمراد:
شعراء المشركين، او كتَبة الشعر الباطل، الحاوي للمعاني الزائفة، بخلاف من يكتب تعظيما لله ورسوله ونصرة لدينه والحكمة الجميلة، فهذا محسن مأجور، وهم من استثني موخرا(( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا ))
ويدخل فيه من غلب عليه الشعر حتى أنساه ذكر ربه، وهو ما أفاده النص الآخر(( لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا فيَريه، خير من ان يمتلئ شعرا ))، وقد ترجم له البخاري ( باب ما يُكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن ). ومعنى فيَريه: أي يفسد جوفه!!
وكذا يتضح الاشكال، وأن الشعر ليس بمذموم مطلقا، ولا يروى مطلقا، بل يعتدل فيه، وتلتمس منه المعاني الحسان، والمقاصد المتان،،،!
ولو كتب الشعراء المطاوعة غزلا عفيفا معتدلا، غير معين، لا حرج فيه كما قال عروة بن أذينة، شيخ الامام مالك رحمهم الله:
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها// خُلقت هواكَ كما خلقتَ هوى ً لها !!
وحينما تطالع السيرة النبوية تلقاها سحاء بالقصائد الحماسية، والقِطع التعبوية، والوصايا النافعة، فيبين لك بجلاء أي نوعي الشعر المذموم ،،،؟!
وأن الاسلام لا يقف ضد الإبداع المنضبط، ويفتح للشاعر مساحات من التعبير الثقافي، والمصاولات الشعرية، ولكن في حدود الضوابط عقلا وشرعا ،،،!
والزاعمون أن لا قيود على الإبداع، سوغوا قصدا او جهلا نقد الأديان وأبيات الضلالة، وأشعار الفحش والهجاء،،،!
وهو ما لايقبلوه على أنفسهم، فكيف يستجيزونه،،،؟!
وصفوة القول: أن لا تثريب على مطوع شاعر، وضع الشعر في مظانه، وارتقى به في عليائه، وتعب لحفظه وفهمه والتعليق عليه، ما دام أنه لم يطغَ عليه، ولم يُضِع به ما وجب وافترض،،!!
والله الموفق.....

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية