اطبع هذه الصفحة


أحرار الثقافة..!

د.حمزة بن فايع الفتحي


فئام ترفض أن تُصاغ عقولها وفق منظومة فكرية محددة، لا تمكنها من الحوار والأخذ والرد،!! ولذا هو مصطلح يلد في المجتمعات العاتية، والمعلبة او المقولبة، وذات القناعات (المفروضة)، او التي يكاد فرضها او برمجتها وفق (نسق محدد)،،،،!
وأما المنفتحة فيعدونه شكلا من التطور الفكري والاجتماعي، إن لم يبالغوا بجعله (ترفيهيا)،،،! لأنها قد شبّت عن الطوق، وجازت الجسر، وبلغت عنان الحوار وجوهر المفاهمة،،،!
ولذلك هم مسار نخبوي يميل للتبسط والسعة والانطلاق، ويضيق بالقيد والحدود والسدود،،،! ويعتقد أن لا شجرة ثقافية نابتة، مع بيئة خشنة، وان لا بنية حضارية رائقة، في ظل قواعد فكرية مهترئة،،،!!
بخلاف من عداهم، فخط واحد، ولو تعرج، وخطى واحدة ولو تعثرت، وبيت واحد ولو ضاق بأهله،،!
ينتهي بهم المطاف الثقافي الى مستنقعات التزييف والاسترزاق والتغييب،،،!
وكأن الانسان او (عقله الذهبي)، آلة مستأجرة تُملأ كيفما يريد المقولب،،،،!
ومتى ما انتبه أدرك انه مضحوك عليه، وليس له علاقة بالثقافة، إلا الاجترار والاستنساخ، والترداد كالببغاء،،،..!
ولذلك أحرار الثقافة قد يقصون، ويودعون (مدينة الأغراب)، وهم داخل مجتمعهم العربي والإسلامي،،،!! فيحسون بالتهميش والغربة والإبعاد، لاستحالة تكيفهم مع ذلك الواقع التاريخي والثقافي بمنظورهم،،! لأنهم بإيجاز أحرار الرأي والفكر، وقادة التحرك والاختيار وفق نظامنا الإسلامي،،،!
وللايضاح ليس معنى الحرية هنا التحلل او الانحراف عن النهج، وبناء خطوط عاتية، تجدف بالأعاجيب والاغاليط، والخرابيط،،،!
وإنما المقصد حل قيود متكلفة، ونزع أغلال مرجفة، لا محل لها في الربيع الثقافي،،!
تخدم الأعادي ولا تخدم المثقفين الحقيقيين...!
وتكون لها انكسارات وتداعيات خطيرة ليس من أهونها (تعطيل العقل)، الذي كان سببا في انحراف المشركين وصيرورتهم الى جهنم ، حينما قدسوا ثقافة الآباء الباطلة ،،! (( وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب الجحيم )) سورة الملك.
وقد اعترف ساداتهم إبان صحوة العقول بصحة الدين الجديد، لكن سلموا عقولهم للسفهاء منهم، فاسترقوا استرقاقا جليا،،،!

بخلاف الأحرار الأسوياء ، ويمكن ضرب نماذج لهم كالتالي :

1/ متجاوز لحدود قطره، عابر بفكره لكل حسن ومفيد..!
2/ قرأ كتابا فعلّق وحشّى، ولاحظ بكل وعي ودقة،،،!
3/ نهِم الاطلاع، يقرأ في كل فن، ويقتني كل مفيد وممتع،،،!
4/ الاجتهادات عنده ليست قطعيات، لذا فهو يراجعها ويعلق عليها بلا خوف ولا توجس،،!
5/ محاور جيد، ومحب للحوار، ويفتح قنوات اتصال مع الجميع ،،،!
6/ يعبر عن رأيه السليم بكل شجاعة وتوثب، وينافح لأجل قضيته الثقافية،،،!
7/ منصف من عقله ونفسه وأيدلوجيته، بحيث لا يسمح بعقلية مصوغة على خلاف نهجه العلمي واطلاعه المستبحر،،!
8/ مستقل كثيرا عن ضغط مجتمعي، او تأشيرة إعلامية، او مصلحة حزبية،،،! يقول الحق ولو كان مرا،،،!
ومن الشجاعة ان تقول مرارةً// بانت بحق او صدى برهانِ!
9/ يوقد شمعة في ظلام دامس، ويفيض بسمة في خضم كآبة مستولية،،!
10/ شاق لأستار التحدي، ومزحزح لركام الجهالات والخرافات المتوارثة،،،! وليست بشئ،،،!!

وأتوقع أن مجتمعاً يكون بعض أفراده او (نخبته الثقافية)، بمثل ذلك النسق، كاف في بروزه (وإنبات الوعي) فيه، وبلوغه غايات نهضته وتطوره،،!
ملت الناس هذه الأيام من (الثقافة المقولبة)، والإعلام المصطنع، وحان الأوان للتجديد، وصناعة الصراحة والمصداقية، لأنه لايتنامى الفكر، وسط حصار مفروض، ولا يشع الإبداع مع التعليب الجاهز، والتغليف المعد، ولو أضحى (ملونا) ،،،!!
فهاهي القنوات في تنافس صخاب، والصحف تغلي مراجلها بحلاوة السبق الصحفي، والإثارة الخاطفة،،،!
فالمهم أنك تجعل لشخصيتك او مؤسستك رمزية توحي بالتحرر والاستقلال، قد وضعت الآصار، وخلعت الأغلال،،،!
ومن هنا يتوالد الأحرار، وينشأ أقوام همهم الاتساع العقلي، والبحث المعرفي،،،!
فالزمان بجل معطياته معهم، والأناسي غالبا ضدهم ، وهذه من طبائع الصراع الكوني، بين المتضادات والمتنازعين، أن لا تثبت عقيدة بلا مكدرات، او ينجح فكر بلا مشوشات، او تسود حضارة بلا خصوم،،،!
وقد يكون ذلك من عوامل التثبيت والاستقرار والدعم والانضاج،،،!
وكما قيل:

عداتي لهم فضلٌ علي ومنّة// فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها// وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا..!
والله الموفق،،، والسلام...

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية