اطبع هذه الصفحة


قرأت لك

فن التعامل مع الناس

عرض وتحليل
محمد حسن يوسف

 
يعتبر ديل كارنيجي، المؤلف الأمريكي الشهير، من أوائل من كتبوا في موضوع تطوير الذات. ومن أشهر الكتب التي كتبها في هذا المجال، كتاب "دع القلق وابدأ الحياة"، وكتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس". ولكن – مع الأسف – يشاع أنه قد مات منتحرا. وإذا كان من المستقر في الأذهان أن العلم الذي لا يفيد صاحبه، فهو بالأولى لا يفيد الآخرين، فإن هذا المؤلف – في حالة ثبوت وفاته منتحرا بالفعل – يكون لم ينفعه علمه!! وعلى هذا فكتبه لم تنفعه!!

على أن أهمية كتابات كارنيجي تكمن في أنها قد فتحت الأبواب على مصاريعها - حين ترجمت إلى العربية – أمام علم تطوير الذات، فنشط الدعاة والكتّاب المسلمين لنقل مواد هذا الكتاب بعد تطويعها للمنهج الإسلامي، وما أوسع هذا الباب إذا ولجناه.

ومن هنا كانت فكرة كتاب "جدد حياتك" للإمام الجليل محمد الغزالي عليه رحمة الله، الذي قال في مقدمته: لقد قرأت كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" للعلامة ديل كارنيجي الذي عرّبه الأستاذ/ عبد المنعم الزيادي، فعزمت فور انتهائي منه أن أرد الكتاب إلى أصوله الإسلامية!! لا لأن الكاتب الذكي نقل شيئا عن ديننا، بل لأن الخلاصات التي أثبتها بعد استقراء جيد لأقوال الفلاسفة والمربين وأحوال الخاصة والعامة تتفق من وجوه لا حصر لها مع الآيات الثابتة في قرآننا والأحاديث المأثورة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.

إن المؤلف لا يعرف الإسلام، ولو عرفه لنقل منه دلائل تشهد للحقائق التي قررها أضعاف ما نقل من أي مصدر آخر. إن الفطرة السليمة سجلت وصاياها في هذا الكتاب بعد تجارب واختبارات، وما انتهت من تسجيله جاء صورة أخرى للحكم التي جرت على لسان النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام – منذ قرون.

وبذلك اتفق وحي التجربة ووحي السماء. وسيرى القارئ مدى الصحة أو الوهم في هذا القول الذي نقول.

وكذلك "استمتع بحياتك" للدكتور محمد العريفي، الذي استرشد فيه بما كتبه ديل كارنيجي في مؤلفه عن فنون التعامل مع الناس. ويقول الدكتور العريفي عن كتاب كارنيجي: كان كتابا رائعا قرأته عدة مرات ... كان كاتبه اقترح أن يعيد الشخص قراءته كل شهر ... ففعلت ذلك ... جعلت أطبق قواعده عند تعامل مع الناس، فرأيت لذلك نتائج عجيبة ... كان كارنيجي يسوق القاعدة، ويذكر تحتها أمثلة ووقائع لرجال من قومه: روزفلت ... لنكولن ... جوزف ... مايك ... فتأملت فوجدت أن الرجل يؤلف ويوجه لأجل سعادة الدنيا، فماذا لو عرف الإسلام وأخلاقه ... فحصّل سعادة الدارين!!! ماذا لو جعل مهارات الناس عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه؟!!!

ويأتي في السياق نفسه كتاب "لا تحزن" للداعية الكبير عائض القرني، والذي تجاوزت مبيعاته المليوني نسخة.

وهكذا أصبح لهذا العلم الوليد أعلام يؤصلون له ويحددون ملامحه، ومن أبرز هؤلاء الدعاة: الدكتور طارق السويدان من خلال كتبه وبرامجه على فضائية الرسالة، والدكتور علي الحمادي من خلال كتبه ودوراته التدريبية التي ينظمها في هذا المجال، والدكتور راغب السرجاني من خلال موقعه على الانترنت وبرامجه على الفضائيات الإسلامية، والدكتور عبد الكريم بكار من خلال كتبه ومقالاته المتنوعة.

وأخذ هؤلاء الدعاة على عاتقهم الاستمرار في هذا النوع من الكتابات بإبراز كيف يمكن للإنسان الارتقاء بذاته، وتحقيق النجاح في حياته، والوصول بشخصيته لكي تصبح شخصية قائدة وناجحة في التعامل مع الآخرين، وكل ذلك من منظور القواعد التي أرساها الإسلام، ودعا لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أننا في هذه الأيام في أمسّ الحاجة لمثل هذا العلم ولمثل هذه الكتب التي تبحث فيه، فلقد زادت الحاجة للتركيز على الارتقاء بطرق معاملاتنا مع الآخرين، كما نحتاج في نفس الوقت أيضا لجرعات إيمانية مكثفة، تعمل على تقوية روابط الإيمان في القلوب، حتى تظل عامرة بذكر الله، وتستطيع دحر وساوس الشيطان التي تبث روح اليأس والتشاؤم في النفوس وتدعو للقنوط من رحمة الله.

6 من صفر عام 1429 من الهجرة ( الموافق 13 من فبراير عام 2008 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية