اطبع هذه الصفحة


كيف نربي أولادنا ؟!!

محمد حسن يوسف

 
أخذت أتفكر في الطريقة التي نتعامل بها مع أطفالنا. فرغم كل التقدم الذي شهده عصرنا، ورغم كل وسائل الرفاهية التي لم تكن متاحة من قبل لآبائنا، ما زلنا نتعامل مع أطفالنا بنفس الأسلوب الذي كان آبائنا يعاملوننا به! فنحن نريد من الطفل أن يفعل ما نريده منه!! ونكون في غاية الضيق إذا صدرت له الأوامر ولم يطبق ما نمليه عليه!! فإذا تمادى في عدم سماع الكلام، يكون عقابه الضرب المبرح!!!

اعتقد أن الأسلوب الذي نتبعه في تربية أولادنا لا يتناسب مع سمات العصر الذي نحيا فيه الآن، تماما مثلما أنا على يقين من أن معظم ما نعاني منه من مشكلات الآن – من ارتفاع مطلق في عدد حالات الطلاق، وارتفاع معدلات الجرائم، وعدم احترام القوانين المطبقة ومحاولة الالتفاف عليها، ... الخ - هي نتيجة ما أفرزته الأساليب المختلفة للتربية التي اُتبعت لتربية الأجيال الحالية!!

إن أفضل ما يمكن أن يطلق على الأسلوب الذي نتبعه في تربية النشء هو أسلوب " تكميم الأفواه ". فالطفل " المتمرد " على قرارات الآباء في المنزل يكون مصيره الضرب والنبذ! فإذا ما ذهب الطفل إلى الكُتّاب أو المدرسة، فإن عدم التزامه بالمطلوب منه يكون عقابه هو الضرب والإهانة والتجريس بين الأقران! فإذا خرج إلى الحياة، وحاول الإدلاء برأيه في قضية ما، يكون مصيره هو الضرب والسحل والسجن من قبل جهاز الشرطة!!

أي أن الطريقة التي نتربى بها في مجتمعاتنا قائمة على وجوب تنفيذ الأوامر ممن هم أكبر سنا وأعلى شأنا، وإلا فإن المصير الذي ينتظرنا هو العقاب الأليم سواء كان ذلك ماديا أم معنويا. ولعل هذا يفسر لنا لماذا لا تتحرك الجماهير المطحونة رغم كثرة الضربات التي تتلقاها يوميا من التضييق عليها في لقمة عيشها. فبالرغم من كل هذه الضغوط، نجد الجميع راضيا ولا يحرك ساكنا، وذلك لأن " ثقافتنا " هي عدم التمرد، وإلا فالعقاب معروف ... !!

إننا حين نضرب الصغار، مهما كان الدافع على ذلك، فإننا نرسخ في نفسه تقبل الإهانة! فإذا ما ترسخت هذه القيمة في نفسه منذ نعومة أظفاره، فإنه يحاول التأقلم معها. فإذا ما كبر بعد ذلك، نجد أنه قد تعود على تلقي الإهانات المختلفة ممن حوله، دون أن يحرك ساكنا أو أدنى انفعال. بل على العكس، يأخذ في التماس المبررات التي تدفعه للتأقلم معها والعيش في ظلها!! وهكذا تنشأ أجيال من غير المبالين بما حولهم!!

إن التربية القسرية والتعليم القسري، المبنيين على الخوف وعلى المناهج الفوقية، لا ينتج عنها تنمية بالمرة. فإذا كان الإنسان هو محور التنمية وهدفها الأول، حيث لا تتم أية تنمية إلا بجهود الإنسان. فإذا ما تحققت هذه التنمية، فإنها تهدف لرفع مستوى معيشة الإنسان. إذا كان الأمر كذلك، فإننا نجد أن الأداة التي تستخدم للارتقاء بجهود التنمية في المجتمع، وهي التعليم القسري، تؤدي لضياع الإنسان نفسه، الذي هو محور تلك التنمية وهدفها!! وهكذا لا تتحقق التنمية المنشودة، بل تأتي أجيال ضائعة تائهة لا يُنتظر منها تحقيق أدنى رقي أو تقدم!!

ولعل من الخطورة بمكان التعامل مع الأطفال الصغار بمثل هذه الطريقة عند تحفيظهم القرآن!! ذلك أن معظم محفظي القرآن – جريا على عادة أسلافهم في الكتاتيب التي انتهى عهدها – يستخدمون وسائل غير تربوية، بل غير آدمية، عندما يريدون من هؤلاء الأطفال حفظ القرآن. وأبعاد المأساة في ذلك الأمر أننا نرسخ في " لا شعور " الأطفال أن القرآن – الذي يجب أن يكون مصدر عزة هذه الأمة وانطلاقتها – هو سبب قهرهم وذلهم!!

ويتفق علماء التربية مع هذه الآراء، حيث يرون أن: " آثار التسلط التربوي بالغة الخطورة في التربية، فالإكراه والتسلط في العمل التربوي يؤديان إلى توليد مشاعر البغض والضغينة، والجمود والكراهية والتصلب، والخجل والقلق والخوف والإثم، ومشاعر الدونية والنقص، وفقدان الثقة بالنفس، وعقدة الإحساس بالذنب والإهمال ... ".[1]

وليس من شك في أن العقاب البدني يتولد عنه ذل وخنوع في نفس من وقع عليهم هذا العقاب. بل " لقد أجمع المربون والمصلحون على إبطال العقاب البدني، والتحقير والإنذار والتوبيخ، وقد أثبت المراقبون لحوادث الطفل، أن مثل هذه الأمور توقف انحراف الطفل لوقت قصير ... هذا وإن العقاب يخلق جيلا خنوعا ذليلا، لا يستطيع الوقوف أمام الأحداث والصعاب والواقع ".[2]

إننا إذا أردنا لمجتمعاتنا أن تتحرر من ربقة الأغلال التي تكبلها، وننطلق نحو تحقيق التنمية المنشودة التي طالما حلمنا بها، فلابد من تغيير منظومة التربية التي نتبعها مع الأطفال الصغار حتى يشبوا في جو نقي يتنسمون فيه عبير الثقة بالنفس وحرية الرأي. ذلك أن التربية القائمة على " العلاقات التسلطية، تؤدي إلى منظومة من النتائج السلبية وهدم الشخصية، ... والأطفال – وحتى الراشدين – يصابون بالعطالة الفكرية، وعدم القدرة على التفكير أمام مدرسيهم أو آبائهم، الذين عرفوا بتسلطهم وقسوتهم ".[3]

" إن الطاعة الآلية، المستجيبة بالرهبة والخوف، والتسلط والقهر، هي صدى إرادة، وسراب طاعة، ظاهرها السلامة، وباطنها الخراب. فإذا غاب الآمر وغفل الرقيب، فلا طاعة ولا أمانة، ولا إنجاز ولا إبداع، وإنما " التخلف " الذي يكافئ التسلط، والتسلط يكافئ الجمود والعطالة "[4]

إن التربية القائمة على تدريب الأعضاء الظاهرة، هي تربية قِرديَّة، لأن: " التنشئة تنتمي إلى الإنسان، أما الترويض فإنه مصمم من أجل الحيوانات ". ولذا كانت التربية الحقيقية، تربية للإرادة، لأنها مصدر حركة السلوك، والقوة الضابطة له. فإذا كان يرادفها الحرية والاقتناع، أبدعت وأنجزت وسلمت، من كل علل النفاق والرياء والغش والأمانة. [5]

أرجو من الجميع أن يعيد النظر في منظومة التربية التي يتبعها مع أطفاله، وأن يبدأ المربين والمعلمين والمدرسين في سياسة جديدة تجاه الصغار، فمن هنا نبدأ التغيير الحقيقي لمجتمعاتنا على طريق التقدم والنمو.
 

24 من صفر عام 1429 من الهجرة ( الموافق 2 من مارس عام 2008 )
 
 
---------------------------------------------
[1]  كيف نؤدب أبناءنا بغير ضرب، محمد نبيل كاظم، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2006. ص: 77. نقلا عن: بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، د. علي أسعد وطفة، ص: 91.
[2]  المرجع السابق، ص: 109. نقلا عن: آباء وأبناء، كامل البنقسلي وخالد قوطرش، ص: 51.
[3]  المرجع السابق،  ص: 111. نقلا عن: علم الاجتماع التربوي، د. علي أسعد وطفة، ص: 191.
[4]  المرجع السابق، ص: 144. نقلا عن: علم الاجتماع التربوي، ص: 192.
[5]  المرجع السابق، ص: 144. نقلا عن: الإسلام بين الشرق والغرب، الرئيس علي عزت بيجوفيتش، ص: 184.

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية