اطبع هذه الصفحة


أسباب قلق السعودية من ارتفاع أسعار البترول

محمد حسن يوسف

 
تستعد الدول البترولية لتحقيق ثروات طائلة من جراء الارتفاع المتواصل في أسعار البترول الذي يشهده العالم حاليا، والذي يقترب الآن من وصوله إلى 140 دولار للبرميل. وعلى سبيل المثال، تتهيأ المملكة العربية السعودية لتحقيق ثروة كبيرة هذا العام، يتوقع لها أن تصل إلى 400 مليار دولار، وهو ضعف الرقم الذي جنته من بيع البترول في العام السابق.

وتتباين مواقف الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول ( الأوبك ) حيال الأزمة الراهنة، فتتخذ إيران مثلا موقفا متشددا بعدم فعل أي شيء يكون من شأنه تخفيض الأسعار، على العكس من المملكة السعودية التي تحاول تخفيف آثار تلك الأزمة، ومحاولة وضع الحلول المناسبة لها. فما الذي يجعل المملكة السعودية تقوم بتلك المحاولات المستميتة لإيجاد الحلول التي من شأنها تخفيف آثار الارتفاعات المتتالية في أسعار النفط على الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة ناتجها من البترول والدعوة لعقد الاجتماع الذي تم في جدة خلال الفترة 22 – 23 يونيو الجاري؟ وذلك إذا علمنا أن ارتفاع أسعار البترول من شأنه أن يعود بالنفع على الاقتصاد السعودي؟!!

إن الإجابة على هذا التساؤل تستدعي التاريخ والاقتصاد والجغرافيا – على النحو الذي ذهبت إليه مجلة الإيكونوميست في تحليلها عن هذا الموضوع في العدد الصادر في 21/6/2008. ووفقا للإيكونوميست، فلا يوجد أي فرد في وزارة البترول السعودية ينسى ما حدث في أعقاب الصدمات البترولية التي حدثت في السبعينات من القرن الماضي. فقد أدت المقاطعة التي دعا إليها العرب خلال حرب أكتوبر 1973 احتجاجا على الدعم الغربي لإسرائيل – أدت إلى زيادة أسعار البترول إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل. ولكن هذه المقاطعة أدت كذلك إلى قيام الغرب بالتنقيب عن البترول في مناطق صعبة مثل بحر الشمال، بالإضافة إلى إتباع إجراءات تقشفية كان من شأنها تقليل الطلب على البترول. وكانت النتيجة النهائية هي حدوث اتجاه هبوطي في أسعار البترول الخام استمر لفترة طويلة مع انخفاض نصيب المملكة في السوق العالمي للبترول.

وعلى ذلك، يخشى السعوديون من أن يؤدي قيام الغرب بالبحث المكثف عن مصادر بديلة للطاقة إلى تكرار نفس الشيء مرة أخرى! على أن أكبر هذه المخاوف تتمثل في القلق من أن تؤدي أسعار البترول المرتفعة إلى حدوث تباطؤ لن يصيب الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل سيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل. وإذا ما حدث ذلك، فإنه سيؤدي لحدوث انخفاض هائل في الطلب على البترول السعودي. ومن الآثار السيئة أيضا، أن حدوث تباطؤ عالمي حاد قد يكون من شأنه تخفيض قيمة مدخرات المملكة التي تحتفظ بها في الخارج، والتي تقدر بمئات المليارات. ومن هنا فليس من عجب أن نسمع وزير النفط السعودي يكرر بعض العبارات، مثل: " رضاء المستهلك "، و " استقرار السوق ".

كما يحمل السعوديون ذكرى سيئة أخرى من تجربة السبعينات من القرن الماضي. فقد قامت وسائل الإعلام الغربية بوضعهم في صورة حيوانات شرهة للمال، كما أنهم ظلوا مادة خصبة للسخرية في الكرتون الغربي لفترة طويلة. ويأمل السعوديون ألا يؤخذ عنهم انطباع أنهم أعداء للعالم، وكان ذلك هو السبب الرئيسي وراء تبرعهم السخي خلال الشهر الماضي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي بلغ 500 مليون دولار.

ومن الناحية السياسية، تحمل الأسعار البالغة الارتفاع للبترول عدة مخاطر أيضا! فهي تمثل تقوية لنفوذ إيران، وهي الدولة التي تعدها المملكة السعودية المنافس الرئيسي لها في النفوذ الإقليمي. وبالرغم من العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب لمعاقبة إيران على برنامجها النووي، إلا أن ارتفاعات أسعار البترول تعد بمثابة مكافأة هبطت من السماء للنظام الإيراني. كما تعتبر الضغوط التي يشهدها سوق البترول، من الناحية الواقعية، بمثابة خط دفاع لإيران، التي أعلنت أن أي عمل عدائي من شأنه إعاقة تدفق البترول الإيراني سوف يؤدي للمخاطرة بدخول الاقتصاد العالمي في حالة كساد طويلة، وهي محقة في ذلك!!

من هنا تتضح بجلاء الدوافع وراء رغبة المملكة السعودية في بقاء أسعار البترول منخفضة. والمشكلة هي أنها لن تستطيع معالجة الأسواق كما كانت تفعل من قبل. فالمملكة تحتفظ بنحو خمس الاحتياطيات المعروفة. كما أنها تزود السوق العالمي بنحو ثُمن احتياجاته من البترول، وتظل بالرغم من ذلك المنتج الوحيد الذي لديه بعض الطاقة الإضافية. وهناك خطة استثمارية ضخمة تقوم بتنفيذها من شأنها زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يوميا في العام القادم. ومن المعلوم أن المملكة السعودية قد قامت بزيادة إنتاجها الفعلي مرتين خلال الشهر الماضي، وكان مقدار هذه الزيادة نحو 500 ألف برميل يوميا، لتصل إلى مستواها الحالي من الإنتاج البالغ 9.5 مليون برميل.

إلا أن كثيرا من هذا الناتج الجديد، ومعظم المخزون من الاحتياطي، يأتي في صورة خامات ثقيلة، بحيث تصبح أكثر كلفة في التنقية. وليس من المتوقع أن تضخ المملكة السعودية خامات جديدة خفيفة أو تستطيع زيادة طاقتها لتنقية الخامات الثقيلة قبل حلول العام القادم. وحتى ذلك الوقت، فليس من المتوقع أن تقوم الزيادة المتوقعة بمعادلة الطلب المتزايد. ولذا فيظل المجال مفتوحا أمام جميع الاحتمالات!!

19 من جمادى الآخرة عام 1429 من الهجرة ( الموافق 23 من يونيو عام 2008 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية