اطبع هذه الصفحة


تخفيض سعر الفائدة يدفع الاقتصاد المصري لعبور الأزمة

محمد حسن يوسف
بنك الاستثمار القومي

 
من المعلوم أن مصر كانت تتبع سياسة نقدية تقييدية restrictive monetary policy للحفاظ على معدل منخفض للتضخم، في فترة كان الرواج فيها كبيرا يدعمه طلب داخلي قوي لأول مرة منذ فترة كبيرة، كان الاقتصاد المصري يعاني فيها من الركود. ولكن خلال الأسبوع الثاني من فبراير الماضي قام البنك المركزي المصري بتخفيض سعر الفائدة لأول مرة منذ ابريل 2006، لينخفض بذلك سعر الفائدة على الودائع بمقدار نقطة مئوية كاملة لتصل إلى 10.5%، مع تخفيض سعر فائدة الإقراض كذلك بنفس النسبة لتصل إلى 12.5%. ولكن قوبل هذا الإجراء بردود فعل متباينة ما بين مؤيد ومعارض. وأحاول فيما يلي بحث الأسباب وراء تغيير الفلسفة التي كانت تتبعها السلطات النقدية فيما مضى، مع توضيح الايجابيات الكثيرة التي تعود على الاقتصاد المصري من جراء ذلك التخفيض:
أولا: تنحصر أهم حجج المعارضين في أن هذا الإجراء سوف يؤدي لمزيد من تدهور معدل الفائدة الحقيقي أو الفعلي. فإذا كان معدل التضخم السائد في مصر قد شهد انخفاضا ملحوظا، إلا أنه ما زال مرتفعا. ذلك أن التقدير أنه يدور حول 18.4% في ديسمبر 2008 أو 14.3% في يناير 2009، وعلى ذلك فإن هذا الفرق بين معدل الفائدة الاسمي الذي أعلن عنه البنك المركزي وبين معدل التضخم السائد يكون سالبا، بما يعني الإضرار بالمدخرين في مصر!! وهو ما يوحي بأن قرار تخفيض سعر الفائدة كان بالاتجاه الخاطئ!! ولكن واقع الأمر أن معدل التضخم المتوقع خلال الفترة القادمة سيشهد مزيدا من الانخفاض، حيث تواصل الحكومة محاولاتها للوصول به إلى 6–8% خلال الفترة حتى شهر يونيه 2009.

ثانيا: من المعلوم أن العالم قد دخل الآن نفقا طويلا من الركود الاقتصادي، وأن هذا الركود العالمي سوف يلقي بآثاره على قطاعات معينة في الاقتصاد المصري، وأهمها القطاعات المرتبطة بالتصدير. فإذا كان المنتجون المحليون قد أُغلقت أمامهم الأبواب في الخارج، فقد كان على الحكومة بحث السبل التي تعادل هذا الاتجاه، فجاء قرار تخفيض سعر الفائدة لتشجيع المستثمرين على الإقبال على الاستثمار في الداخل أولا، ثم للحفاظ على حالة الرواج التي سادت السوق المصري مؤخرا ثانيا، من خلال تشجيع الإنفاق الاستهلاكي.

ثالثا: إذا كانت أسعار الفائدة في الدول الصناعية الكبرى وغيرها قد شهدت انخفاضات كبيرة، وصلت في بعض الأحيان إلى الصفر ... فقد كان مطلوبا من الحكومة المصرية مسايرة هذا الاتجاه للحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها التي تبحث عن أقل معدل من الأعباء في الدول التي تستثمر فيها.

رابعا: أثار تخفيض سعر الفائدة على الودائع المصرية الخوف من الاتجاه نحو الدولرة، بما يعني الضغط على قيمة الجنيه المصري وتخفيضه مقابل العملات الأجنبية. وهذا الاتجاه اعتقد أنه بعيدا تماما عن الحدوث في الوقت الراهن. ذلك أنه إذا كان سعر الفائدة على الودائع المصرية قد انخفض، فإن ذلك لن يعطي الفرصة لتحويل الودائع إلى عملات أخرى، لنفس السبب الوارد في البند الثالث أعلاه، حيث إن الفائدة على العملات الأجنبية قد انخفضت هي الأخرى. أما إذا كان يُخشى من هذا الإجراء أن يؤدي إلى الاستثمار في الخارج أو البورصات العالمية، فإن هذا السبب أيضا بعيد الاحتمال، لما تشهده الأسواق العالمية والبوصات من كساد كبير وخسائر ضخمة بما يعني عدم المغامرة وراء أرباح غير متوقعة على الإطلاق. ولذلك فإنه من المتوقع ألا يمتد تأثير تخفيض سعر الفائدة لكي يؤثر سلبيا بأي حال من الأحوال على قيمة الجنيه المصري.

خامسا:
إن انخفاض سعر الفائدة له آثار ايجابية على إنعاش سوق الأوراق المالية، لكي تتعافى بعد سلسلة الخسائر المتتالية التي مُنيت بها منذ شهر أكتوبر الماضي. ذلك أن تخفيض سعر الفائدة سوف يؤدي بالمدخرين للبحث عن فرص أخرى أكثر ربحية لاستثمار أموالهم، وسوف تكون البورصة في هذه الحالة ملاذا جاذبا أمامهم لتحقيق ذلك.

سادسا: كذلك فإن تخفيض سعر الفائدة له أثر ايجابي على تخفيض عبء مديونية الحكومة للجهاز المصرفي، كما يوفر للحكومة فرصة كبيرة إذا أرادت الاقتراض من الجهاز المصرفي لتكملة تدبير مبلغ خطة الإنعاش المقترحة والمقدر أن يبلغ 15 مليار جنيه يتم إنفاقها على مشروعات البنية الأساسية.
وهكذا فإن قرار البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة هو قرار حكيم قد جاء في وقته، ومن المتوقع أن يؤدي لإنعاش السوق في الفترة القادمة، وأن يساعد مصر على عبور الأزمة المالية الخانقة التي ضربت الاقتصاد العالمي، والتي من المتوقع أن يصيب بعضا من شظاياها الاقتصاد المصري.

mohd_youssef@aucegypt.edu
7 من ربيع الأول عام 1430 من الهجرة ( الموافق 4 من مارس عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية