اطبع هذه الصفحة


هدف قومي ... يا ولاد الحلال!!

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي

 
المشكلة التي تواجه مجتمعاتنا العربية بصفة عامة، ومجتمعنا المصري خصوصا الآن، هي عدم وجود هدف قومي يجمع أفراد المجتمع ككل في بوتقة واحدة، بحيث يعرف كل فرد ما هي واجباته التي يسعى إليها والحدود التي يقف عندها، وبحيث تُعلى فيه قيمة الوطن والمواطنة، وتعود فيه أهداف تقدم الوطن لكي تحتل القيم العليا للجميع من القمة إلى القاع.
المشكلة التي تواجه مجتمعاتنا الآن، وهي مشكلة في غاية الخطورة، هي تسيد قيم الأنانية والنزعة الفردية على قيم الإيثار والنزعة الجماعية. نريد أن نعود مرة أخرى إلى العمل من خلال المنظومة الجماعية التي تستجمع جميع أفراد المجتمع ككل. فنحن الآن إذا حدث وتم تكليف مجموعة معينة على سبيل المثال لإنجاز عمل محدد، أيا كانت طبيعته، فإن قيم الحسد والغيرة هي التي ستسود، ويطمع كل فرد من أفراد المجموعة في نسب قيمة الإنجاز إلى نفسه! وهذا مما يهدم العمل الجماعي ويصيبه في مقتل.

إذا ما حاولنا معرفة الأسباب الكامنة في غياب البعد الجماعي الآن، لابد لنا في البحث عن الفرق بين النمو والتنمية، وتحليل الخطاب الرسمي الذي ساد خلال الفترة منذ منتصف السبعينات وحتى الآن:
- فالتنمية الاقتصادية economic development هي عملية نمو في الدخل الإجمالي للدولة ومتوسط دخل الفرد، يصاحبها تغييرات أساسية في هيكل البنيان الاقتصادي السائد. ويصاحب تلك العملية الاقتصادية، بل ويلازمها، إصلاحات هامة سياسيا واجتماعيا. والهدف الأساسي من التنمية الاقتصادية هو زيادة مستوى معيشة أفراد الشعب، ومن ثم مستوى رفاهيتهم. أي أن عملية التنمية الاقتصادية هي عملية مجتمعية شاملة تتضمن عدة محاور، اقتصادية وسياسية وثقافية ... الخ، بحيث تنتهي – إذا حدثت أساسا – بتطور في جميع مجالات الحياة ككل.
- أما النمو الاقتصادي economic growth، فهو عملية مطردة تهدف لزيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، ومن ثم زيادة الدخل القومي. وبذلك فهو لا يشمل إلا زيادة ما لدى المجتمع من أصول اقتصادية وتعظيم ثروته!
فإذا علمنا أن الهدف الذي كانت تعلن عنه الحكومات المتعاقبة منذ منتصف السبعينات وحتى الآن هو العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وعدم وجود أي ذكر للتنمية المجتمعية الشاملة، عرفنا السبب وراء سيادة النزعة الفردية على القومية. فالجميع مشغول بزيادة دخله، لأن الهدف الجماعي للدولة ككل هو زيادة ثروتها أيضا!!

إذا سألنا أنفسنا: ما هو الهدف الذي يشغل الجميع الآن؟ نجد أن الأهداف القومية قد تلاشت، مع سعي كل فرد لتحقيق أهداف فردية تائهة وغير واضحة.
وإذا كان غياب الهدف على المستوى الفردي، يعني أن الفرد سوف يعيش أسيرا لأهداف الأفراد الآخرين، فإن هذا الوضع يصدق تماما في حالة الأمم أيضا!! فالأمة التي لا تحدد هدفا لشعبها يسعى إلى تحقيقه ويعمل على إعلائه، فإنها سوف تعيش أيضا سيرة لأهداف الأمم الأخرى، بحيث تعمل على تحقيق هذه الأهداف لها!! وهذا هو أخطر ما في الأمر.
نريد الآن أن يكون لأمتنا الهدف القومي الذي ينتظم شبابها، ويخاطب وعيهم وضمائرهم، ويستلهم ماضيهم، ويستفز حماستهم وقدراتهم ... الهدف القومي الذي يجمع أبناء الشعب على قيمة عليا واحدة يعمل ليل نهار على تحقيقها والوصول إليها ... الهدف القومي الذي يتم فيه تعظيم دور التعليم والتدريب كهدف أسمى يسعى جميع أفراد المجتمع للوصول إليه وزيادته ... الهدف القومي الذي يكون الجميع فيه سواء أمام القانون بلا تمييز، ويتم من خلاله محاسبة الفاسدين على مرأى من الجميع وعدم التستر عليهم ... الهدف القومي الذي تختفي فيه الوساطة، وتلعب فيه القدوة دورا كبيرا لحفز الناس على العمل وبذل الجهد ... وفي هذه الحالة فقط نشعر أننا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح!!

mohd_youssef@aucegypt.edu
18 من ربيع الآخر عام 1430 من الهجرة ( الموافق 14 من ابريل عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية