اطبع هذه الصفحة


التحيز غير العلمي لدى الغرب

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي


في مطلع شهر أكتوبر الجاري، نشرت مجلة العلم Science، وهي مجلة أسبوعية تصدر عن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم American Associaction for the Advancement of Science، دراسة للبروفيسور سي أوين لوفجوي الأستاذ في جامعة كنت والمتخصص في أصل الإنسان، كان قد أجراها على الإنسان البدائي الذي يعرف باسم "Ardipithecus ramidus" أو اختصارا "Ardi" والذي عاش قبل 4.4 ملايين سنة.
وأوضح لوفوجوي في دراسته أن الناس " غالباً ما يظنون أن البشر تطوروا من القردة، لكن هذا ليس صحيحاً فالقردة هي التي تطورت منا ". وتابع بالقول: " شاعت فكرة أن البشر هم نسخة متطورة عن الشمبانزي "، لكن دراسة الإنسان البدائي " ساهمت في تأكدنا بأنه لا يمكن أن يتطور البشر من الشمبانزي أو الغوريلا ".
ومن الطبيعي أن نتائج هذه الدراسة قد راقت جموع المسلمين، الذين كانوا يعانون من فرض آراء تشارلز داروين عليهم، والتي كان قد نشرها منذ عام 1859 في كتابه " أصل الأنواع "، والذي بسط فيه نظريته عن " النشوء والارتقاء " التي تقول إن الإنسان قد تطور من سلالة القرود!! ومن المعلوم أن هذا الرأي يتصادم مع ما جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث إن عقيدة المسلمين هي أن آدم عليه السلام هو أبو البشر، وأن آدم قد خلقه الله من تراب ثم بث فيه الروح، ومن خلاله جاءت جموع البشر. وفضلا عن رفض العقيدة الإسلامية لهذه التخاريف التي ادعاها داروين، فإن نظريته قد سقطت أيضا من الناحية العلمية، حين فشل في إثبات " الحلقة المفقودة "، كما فشل كل من جاء بعده في إثباتها.
ولكن هذه الفرحة لم ترق لمراسل مجلة الايكونوميست في القاهرة، فكتب مقالا في عدد المجلة الأخير الصادر بتاريخ 17/10/2009، والذي ربط فيه بين فرحة المسلمين بهذه النظرية الجديدة التي تثبت فشل ادعاءات داروين وبين تخلف التعليم في العالم العربي. وهو الأمر الذي ليس له ما يبرره على الإطلاق!!
من المعلوم أن العالم العربي يعاني حالة من التخلف في جميع مستويات التعليم، على نحو ما بسطت مجلة الايكونوميست، وتتجلى صور هذا التخلف في عدم وجود جامعة عربية واحدة ضمن تصنيف أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، وهو التصنيف الذي تقوم به سنويا جامعة شنغهاي جياو تونج Shanghai Jiao Tong. ومن المحزن أن تصنيف هذا العام قد تضمن ثلاث جامعات من جنوب إفريقيا وست من إسرائيل!!
كما أن من المعلوم أن مستوى المقررات التي يدرسها الطلاب العرب لا تتواكب مع ما يدرسه الطلاب المناظرين في معظم دول العالم الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن المسح الذي يتم كل أربع سنوات عن التغيرات في المعايير الدولية لتدريس مادتي الرياضيات والعلوم، قد كشف في آخر تقرير له صدر في عام 2007 أنه من بين جميع الدول التي شملها المسح، والتي يبلغ عددها 48 دولة، وقعت الدول العربية المشاركة في هذا المسح، والبالغ عددها 12 دولة، وقعت جميعا في مستوى أقل من الرقم المتوسط. بل إن الأمر المثير للأسى، أن أقل من 1% من الطلاب الذين يتراوح سنهم بين 12-13 عاما في عشر دول عربية قد وصلوا للمعدل المعياري في مادة العلوم، مقارنة بنحو 23% في سنغافورة و10% في الولايات المتحدة.
كل هذه الحقائق صادمة، ولكنها معلومة للجميع. وللأسف فليس هناك من يحاول إيجاد الحلول للخروج من هذا الواقع المحبط. ولكن الربط بين هذه الحقائق وبين الفرحة بسقوط نظرية علمية خاطئة تتصادم مع صحيح الأديان هو أمر ليس له ما يبرره. وهو ما يكشف عن التحيز الشديد الموجود لدى الغرب. فكان يجب على الغرب الاعتراف بنتائج هذه النظرية، تأييدا للبحث العلمي المجرد ليس إلا، وألا يقيم الدنيا ولا يقعدها لمجرد أن النتائج تتوافق مع ما يؤمن به المسلمون ويعتقدون بصحته!!!

mohd_youssef@aucegypt.edu
30 من شوال عام 1430 من الهجرة ( الموافق 19 من أكتوبر عام 2009 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية