اطبع هذه الصفحة


الطبقة الوسطى بين التخفي والانعزال

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي
ماجستير الإدارة والسياسات العامة


في مقال الدكتور / سامر سليمان عن الضرائب وخرافة نهاية الطبقة الوسطى، المنشور في جريدة الشروق الجديد يوم 10/2/2010، خلص الكاتب إلى أن القول بنهاية الطبقة الوسطى في مصر ما هو إلا خرافة ساذجة تخفي في طياتها هروب شرائح تلك الطبقة من معترك الحياة السياسية والاقتصادية وتبنيها لمفهوم دولة الحد الأدنى التي لا تتدخل إلا في أضيق الحدود.

على أنني لا أميل إلى هذا التحليل، أو أرى أسبابا أخرى لانكفاء الطبقة الوسطى على نفسها: فمن المعلوم أن الطبقة المتوسطة في مصر هي التي كانت يناط بها حركة التغيير الاجتماعي والسياسي، فعلى أكتاف هذه الطبقة قامت الثورات التي كانت تنادي بتحرير مصر من الاعتداءات الأجنبية عليها. على أن تعرض هذه الطبقة للضرب الشديد منذ أيام سخرة محمد علي وحتى إحكام قبضة الدولة الجهنمية في عهد عبد الناصر وإلى الآن أدى إلى انكفاء هذه الطبقة على نفسها.

كذلك فإن التغير المتواصل الذي أصاب تركيبة الطبقة الوسطى خلال العقود الأخيرة ساهم بشكل كبير في حدوث تلك النتيجة. فبعد أن كان قوام الطبقة المتوسطة هو المتعلمون والمثقفون من حاملي الشهادات الجامعية، حيث كان ذلك هو الباب الوحيد لترقي الإنسان من طبقة لأخرى، نجد أنه بدءا من سبعينات القرن الماضي أصبح الصعود الاجتماعي يحدث بلا أدنى مجهود: تحقق ذلك مع أثرياء الدولة الريعية في الخليج وأثرياء الانفتاح الاقتصادي في مصر. وأدى ذلك في المقام الأخير إلى انعزال الطبقة المتوسطة عن مجتمعها، وظهور التنازع بين أهدافها الخاصة والأهداف القومية التي يريد المجتمع تحقيقها.

ثم بدأ منذ نهاية الثمانينات تفشي الاستغلال السيء للنفوذ السياسي والواسطة لكي يلعبا دورا كبيرا في الثراء المجتمعي. وظهر بعد ذلك انقسام غريب في قوام الطبقة الوسطى، فأصبحت وكأنها عدة طبقات وليست طبقة واحدة متجانسة!!
يضاف إلى ذلك أيضا نظرة غالبية أفراد الطبقة الوسطى إلى التعليم. فقد ذكرنا في مقالات سابقة أن الطبقة الوسطى هي التي يرجى منها أحداث الحراك الاجتماعي بفعل الطموح الذي لديها لتغيير وضعها. وقد كان ذلك يتم فيما مضى من خلال التعليم الذي تحرص عليه الطبقة الوسطى ليكون جواز مرورها إلى الترقي إلى وظائف أعلى تدر عليها دخولا أكثر تساهم في ترقيتها إلى الطبقة الأعلى. على أنه بمرور الوقت تلاشى مفهوم الطبقة الوسطى التي تعتمد على نفسها وتبني ذاتها من خلال التعليم لتتبوأ أعلى درجات الصعود الاجتماعي، بل وأصبحت النظرة إلى التعليم نظرة ازدراء وعدم اكتراث، وهذه هي الطامة الكبرى التي ترتبت على ذلك.

إذن ساهمت كل هذه العوامل مجتمعة في تغير فكر الطبقة الوسطى وقوامها، ومن ثم نظرتها للمجتمع ومساهماتها في حل مشكلاته، وذلك بصورة جذرية عما كان عليه الوضع سابقا، وهو ما نتمنى أن يتغير سريعا لكي تعود الطبقة الوسطى إلى دورها في الحراك الاجتماعي المنشود لرقي مجتمعنا!!

mohd_youssef@aucegypt.edu
29 من صفر عام 1431 من الهجرة ( الموافق 13 من فبراير عام 2010 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية