اطبع هذه الصفحة


الأزهر ... كيف كان وماذا أصبح؟!

محمد حسن يوسف

 
كان الأزهر بمثابة الجبل الراسخ الذي تتطلع جميع نفوس المسلمين في شتى بقاع الأرض لتسلق قممه، والتعلم فيه، والتحلق في حِلق العلم المقامة به. وكانت كلمة علماء الأزهر هي الميزان الذي يزن الناس به حياتهم. وكم انطلقت من ثورات بسبب فتوى لأحد علماء الأزهر. وكان أمل الآباء والأمهات أن يصبح أحد أبنائهم شيخا بالأزهر، له حلقة يتحلق حوله الناس فيها لينهلوا من علمه. وفي عصر لم يكن قد دخل الراديو أو التليفزيون فيه البيوت، كانت أحاديث الناس لا تخلو من الحكايات التي تعدد مناقب شيوخ الأزهر، وتشير إلى مكانتهم العلمية المرموقة، فتهفو النفوس جميعها لأن يكون النشء بهذه المكانة.
ومِن فَهْمْ الواقع على جليته أن نذكر أن أهل البلد قد حددوا وظيفة الأزهر ووظيفة علمائه تحديدا يعز أحيانا على الدستور المكتوب. فكان منهم من يتولى الصدارة في شئون السياسة ومخاطبة الحكام، لأنه أقدر على هذا العمل وأصلح. وكان منهم من يثق الناس في تقواه، ويطمئنون إلى نزاهته في أمور الدين والرياسة. وكان منهم من يفاوض الوالي التركي، وليس هو بأعظم علماء البلد. وكان منهم من يفاوض نابليون، وليس منهم بمكانة الرياسة العلمية. ولكنهم كانوا مرشحين لوظيفة السفارة بما لهم من خبرة في سياسة الناس وأساليب الإقناع وعلاج المشكلات.[1]
وفجأة ... تراجع دور الأزهر من حياتنا، حتى لقد أصبح يُنظر إليه نظرة رثاء. ويُنظر إلى علمائه وكأنهم أناس من كوكب آخر. ولم يعد للأزهر أي صدى في حياة الناس. وتحول الجميع عنه، وأشاحوا بوجوههم عن قبلته العلمية. فإذا ما ذكر طالب أنه أزهري، لم يحرك إلا مشاعر السخرية والرثاء في نفوس مستمعيه! ولم يعد أحد ينصح بالالتحاق للتعلم بالأزهر أو معاهده. بل حتى علماء الأزهر أنفسهم، من يذهب إليهم ليستفتيهم أين يُعلّم أبنائه، يقولون له " ابعد عن الأزهر!! ".

فما الذي حدث؟ وكيف تغيرت هذه الصورة إلى النقيض خلال ما يزيد عن المائة عام بيسير؟! نحاول فيما يلي استعراض أسباب هذا التوجه:
كان للأزهر مكانة في نفوس المصريين بخاصة والمسلمين بعامة، وكان يمثل لهم الملاذ الذي يلوذون به إذا وقع عليهم ظلم أو ضيم. وكان لعلمائه مكانة مرموقة في نفوسهم. وكان هؤلاء العلماء لا يخشون في الله لومة لائم. ففي عهد الاحتلال الفرنسي لمصر ( 1798 – 1801 ) لعب الأزهر هذا الدور، وكان بمثابة حائط الصد لدى الغزاة. كما شكل مركز التجمع لمقاومة المستعمرين. ولذلك كان رد فعل الفرنسيين عنيفا تجاهه. فعند اندلاع ثورة القاهرة الأولى، والتي بدأت في 21 أكتوبر 1798، كان الأزهر هو معقل الثورة ومحركها. ولذلك كان رد الفرنسيين لإخماد هذه الثورة على النحو التالي:
أنفذ رئيس أركان الحرب الفرنسي في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 21 أكتوبر 1798 لجنوده تعليمات القائد العام، وهي: " عليكم أن تهاجموا لفوركم معسكر الثائرين، وأن تضربوا الأزهر بالمدافع، ولتكن المدافع في أصلح موقع ليكون الضرب أشد أثرا. بلغوا الجنرال " دومارتان " أن يفعل ذلك، وأن يستولي على مدخل الأزهر والمنازل الموصلة إليه، وعليكم أن تقتحموه بجنودكم تحت حماية المدافع. والقائد العام يأمر أن تقتلوا كل من تلقونه في الشوارع المسلحة، وعليكم أن تعلنوا الأهالي بأن كل المنازل التي تُلقى منها الحجارة تُحرق حالا بالنار، ويُعفى عن المنازل الأخرى. وعليكم أن تقتلوا كل من في المسجد، وأن تضعوا فيه حرسا قويا من الجنود "[2].
فلما تحقق لهم استسلام الثائرين تحت وطأة هذا الضرب الشديد، دخلوا المسجد الأزهر فعاثوا فيه فسادا لإذلال المصريين وإسقاط رمز عزهم من أعينهم. ولنترك رواية الجبرتي لتدلك على ما فعلوه في الأزهر:
" ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته. وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهّارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع، والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف على الأرض وطرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا، وشربوا الشراب، وكسروا أوانيه والقوها بصحنه ونواحيه. وكل ما صادفوه به عرّوه، ومن ثيابه أخرجوه "[3].
كان رد الفعل العنيف للثورة الفرنسية تجاه الأزهر سببا في نفور المسلمين منها والسخط عليها. ولم يكن وقتها للإسلام دويلات تحده، بل كان المسلمون يبرزون انتمائهم للإسلام على انتماءاتهم القطرية. لدرجة أن من قتل كليبر، وهو سليمان الحلبي، لم يكن مصرياً، بل كان سورياً يدرس بالأزهر، وأقدم على فعلته تلك لشعوره بالهوان مما يفعله الفرنسيون بالأزهر، فقرر قتله انتقاما منه.
ولما رأى الإنجليز هذه المكانة المتميزة للأزهر في نفوس المسلمين، والمصريين على وجه الخصوص، قرروا هدم الأزهر، ولكن معنويا. بمعنى أن يظل الأزهر بمبانيه ومآذنه محل احترام وتبجيل وتوقير من جانبهم، يحضروا احتفالاته ويكرّموا علمائه، ولكن تُدبر الخطط بليلٍ للنيل منه بما يؤدي لتشويه صورته والحط من مكانته.
ولقد بدأت تلك المخططات منذ زمن بعيد، لدى دخول الإنجليز لمصر. فقد قال اللورد كرومر، المندوب السامي على مصر في بداية احتلال بريطانيا لمصر، في كتابه المسمى ( الكتاب الأسود ): " إننا لا نستطيع أن نمتلك الشرق إلا إذا محونا القرآن من قلوب المسلمين ... وسلّمنا المسجد الأقصى لليهود ... وأبدنا الأزهر من مصر " !!![4]. أي أنهم يريدون نسف القرآن والأقصى والأزهر!!! وهذا القول يفصح عن مدى المكانة التي كان يحتلها الأزهر في نفوس المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وتوالت المخططات ... فنجد المنصرون – الذين كانوا يعملون بمساعدة الاحتلال - يعقدون مؤتمرات عامة تجتمع فيها إرساليات التبشير للتفكير في نشر الإنجيل بين المسلمين. ولقد كان الأزهر من قديم موضع اهتمام ودراسة المنصرين الذين يعنون بكيفية هدم المجتمع المسلم من جذوره.
وفي مؤتمرهم الذي عقدوه في القاهرة عام 1906، فقد أفاض أحد أعضاء المؤتمر في وصف ما للجامع الأزهر القديم من النفوذ، وإقبال الألوف عليه من الشباب المسلمين من كل أقطار العالم. وتساءل عن سر نفوذ هذا الجامع منذ ألف سنة إلى الآن. ثم قال: إن السُنيين من المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم العربية في الجامع الأزهر متقن ومتين أكثر منه في غيره، والمتخرجون في الأزهر معروفون بسعة الإطلاع على علوم الدين، وباب التعليم مفتوح في الأزهر لكل مشايخ الدنيا، خصوصا وأن أوقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجانا، لأن في استطاعته أن ينفق على 250 أستاذا. ثم تساءل عما إذا كان الأزهر يتهدد كنيسة المسيح بالخطر. وعرض اقتراحا يريد به إنشاء مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها، وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية ... وختم كلامه قائلا: ربما كانت العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذه المعهد المسيحي لتنصير الممالك الإسلامية. [5]
هكذا كانت الدقة في توصيف المشكلة التي يواجهونها، والتي يعملون على إيجاد الحلول لها. وهكذا كانت الدقة في دراسة دور الأزهر وموارده. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. بل تعداه إلى وضع الطرق الكفيلة بالقضاء على هذا النفوذ الذي يقض مضاجعهم ويقوض من أحلامهم. فبالرغم من أن الأزهر لم يكن كائنا حيا صالحا لتعليم الإسلام في أواخر العهد التركي إلا أنه يمثل في نظر المسلمين على الأقل معقل العقيدة الإسلامية، والمتّجه الذي تتجه إليه أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهو – من ثم – مصدر من مصادر " الوحدة " الإسلامية، الفكرية والروحية والواقعية، التي ينبغي أن يزول.
وكانت البداية الاستعانة بقسيس اسكتلندي متعصب درس في كلية اللاهوت ليتقلد منصب وزير المعارف – أي التعليم - في مصر تحت ظل الاحتلال البريطاني. قسيس بريطاني يضع سياسة التعليم لبلد إسلامي!!! ومن أسف أن تظل معظم سياساته وأفكاره قائمة حتى الآن!!! وقام دنلوب بفتح مدارس " حكومية " ابتدائية تُدّرس العلوم " المدنية " وتعلم اللغة الإنجليزية – لغة الاستعمار – وتخرج موظفين كتبة في الدواوين التي يحتلها ويديرها الإنجليز ... ويقبضون رواتب تعد بالجنيهات لا بالقروش!
ولم يكن الأمر في حاجة إلى مزيد من الإغراء. فمن ذا الذي يبعث بابنه بعد اليوم إلى الأزهر – إلا الفقراء العاجزون عن دفع المصروفات – وهو يرى له المستقبل المضمون في وظيفة الحكومة، حيث " يرطن " بلغة السادة المستعمرين؟
وانصرف الناس - القادرون – من ذوات أنفسهم عن الأزهر، واتجهوا إلى مدارس الحكومة بعد ثورة في بادئ الأمر ثارها الحس الباطني المسلم على هذه المدارس " الكافرة " التي لا تعلم القرآن ولا تعلم الدين ... وأصبح هؤلاء المتعلمون " طبقة " جديدة، تستمد طبقيتها من أنها من أبناء الأسر أولا، ومن مركزها الاجتماعي في وظيفة الحكومة ثانيا ... ومن التشجيع الظاهر والخفي الذي تلقاه من سلطات الاستعمار بعد هذا وذاك.
وما كان الإنجليز في ذلك الحين يجهلون أصول " التربية " الصحيحة ولا وسائل التعليم الحقة. ولا كانت مدارسهم في انجلترا تدار بأساليب العبودية التي كانوا يديرون بها مدارس الحكومة في مصر. ولكن السياسة التي رسمها دنلوب لم تكن تهدف إلى تخريج متعلمين، وإنما تهدف إلى تخريج عدد من العبيد يؤمرون فيطيعون، ويشار إليهم فينفذون ... بجانب الهدف الآخر الخفي الذي يتحقق في ذات الوقت، في بطء أكيد العاقبة، وهو تحويل الناس عن الأزهر ليذوى ويتضاءل، ويموت في نهاية المطاف.
وفي تلك المدارس لم يكن يُدرّس القرآن ولا الدين ... إلا نتفا متناثرة تضر أكثر مما تنفع ... فبينما كانت المدارس التبشيرية التي يحميها الاستعمار ويمكّن لها في الأرض، تبدأ نشاطها اليومي بالصلاة في كنيسة المدرسة، والتوجه إلى الله بالدعاء المسيحي – بما في ذلك التلاميذ المسلمون قسرا عنهم – فيرتبط الدين في وجدان التلاميذ بالنشاط والتطلع، والحياة الباكرة القوية المستشرفة، كانت حصص القرآن والدين في مدارس الحكومة توضع في نهاية اليوم الدراسي، وقد كلّ التلاميذ وملوا، وحنوا إلى الانفلات من سجن المدرسة البغيض إلى فسحة الشارع أو رحب البيت. وكانت هذه الحصص توكل إلى أسن مدرس في المدرسة، يسعل ويتفل، ويمثل أمام التلاميذ ضعف الحياة الفانية المنهارة ... فيرتبط الدين في وجدانهم بالعجز والفناء والشيخوخة، كما يرتبط بالملل والضجر والنفور. [6]
وبالإضافة إلى ذلك، عمد دنلوب إلى التحقير والزراية باللغة العربية – التي كانت وما تزال مرتبطة بالإسلام في نفوس كافة المسلمين - وبذلك تنتقل هذه الزراية والتحقير إلى ما يرتبط بها من معاني الدين. وحيث كانت مكانة اللغة العربية قوية للغاية في النفوس، فليكن شخص معلم اللغة العربية هو موضع الزراية والتحقير. فبينما يقبض مدرس اللغة الإنجليزية أو الجغرافيا و التاريخ أو الرياضة اثني عشر جنيها كاملة في الشهر، تساوي في ذلك الزمان الحياة الرغيدة والوفر الذي تتكون منه ثروات وأراضٍ وبيوت ... يقبض زميله مدرس اللغة العربية الذي يقوم بالعمل معه في نفس المدرسة ويأخذ جدولا مماثلا من الحصص أو أكثر ... أربعة جنيهات!
وفي الحال تتميز الطبقتان تميزا شنيعا لا يقف عند حد. فهذا موضع الاحترام في المدرسة والمجتمع، ينال مكانته الاجتماعية والاقتصادية ... ويتزوج من " البيوتات " ويربي أبناءه في جو من الاستعلاء والترفع ... وذلك يتأخر ويتواضع وينطوي على نفسه، وتنزل مكانته الاجتماعية والاقتصادية ... ولا يتسنى له أن يتزوج من أسرة كريمة ... ويربي أبناءه في جو من الفقر والمذلة والهوان ... ويلقاه الناس في كل مكان بالازدراء والنفور ... أف! هذا مدرس لغة عربية! ولا تصيبه الضربة وحده في واقع الأمر ... وإنما تصيب معه اللغة العربية والدين![7] ومن خلفهما الأزهر وما يمثله من رمز لهما!!
وهكذا آل الحال إلى ما أصبحنا عليه الآن ... من ازدراء باللغة العربية وأهلها، والدين وشيوخه، ومن يمثلهما ( أي الأزهر وشيوخه ). وتم تشجيع اللغة العامية على حساب اللغة العربية، وأصبح ما يعرفه العامة عن الدين مجرد قشور لا تُنجي صاحبها من النار ولا تأخذ بيديه لتدخله الجنة!!! وليت الأمر وقف عند هذا الحد! ولكن لم تتوقف المؤامرات، بل مازالت تُحاك خفية تريد النيل من الأزهر بهدف تقليص دور جامعة الأزهر المتقلص للغاية!! وبهدف وقف بناء المعاهد الأزهرية!! ويقولون في تبرير ذلك إن مصر من الدول القلائل التي يوجد بها ازدواجية في نظام التعليم، فهم يعملون على توحيده! يقصدون بذلك وجود تعليم أزهري ديني وتعليم مدني عادي ( بل علماني ).
إن الأزهر بمؤسساته ومعاهده في شكلها الراهن يعاني من العديد من السلبيات التي لا يستطيع أحد الجدال في دحضها. ولكن سبيل علاج هذه المثالب ليس هو هدم الأزهر وتقويض بنيانه، بل يتطلب الأمر تضافر جميع الجهود المخلصة وعلى كافة المستويات للنهوض به واستعادته لدوره ورسالته التي كان لها أكبر الأثر في حياة الشعب المصري والأمة الإسلامية بأسرها.

وأصبح الجميع مطالبون بالتدخل وبسرعة قبل فوات الأوان لتدارك الأمر. ونحاول أن نطرح فيما يلي بعض سبل العلاج التي يمكن أن تسهم في تحقيق ذلك الأمر:
 عدم تدخل أهل السياسة والحكم في شئون العلم والعلماء. ذلك أنه بالنظر إلى تاريخنا، نجد أن عصور الازدهار العلمية هي تلك التي حافظ فيها العلماء على استقلالية مؤسساتهم العلمية، وعلى ابتعادها عن أهواء السياسة وتقلباتها، ووقفوا في وجه السياسة إذا ما حاولت التدخل. أما حين تتسلط السياسة على العلم، فإنه يضعف ويفسد حاله، لأن العلماء حينئذ يفقدون حرية الحركة واستقلالية العلم. هذه الاستقلالية للعلم والعلماء ضرورة ملحة، ليس للمؤسسة العلمية في الإسلام فحسب، بل للأمة كلها. فإن من عوامل الانهيار والدمار للأمة أن يصبح العلم أسيرا لشهوات السياسة. فإذا لم يصدع العَالِم بكلمة الحق عند السلطان الجائر، فمن يصدع بها إذن؟! [8]
 كان نظام الأوقاف التي يتبرع المحسنون بها من أكبر العوامل المساعدة على استقلالية الأزهر. أما الآن، فيمكن تبني المتعلمين بالأزهر، وخاصة أن معظمهم من المعدمين. كما يمكن تحويل نظام الوقف إلى تبرعات عينية تُوجه للنهوض بمشروعات معينة في الأزهر، مثل إثراء مكتبة الأزهر ومكتبات كلياته بالكتب والدوريات العلمية الجديدة والمتخصصة، وتطوير بعض الكليات أو إنشاء مبانٍ جديدة بالكليات القائمة.
 المطالبة بزيادة الاعتمادات المالية المخصصة للأزهر، وأن تكون معاملته في ذلك على قدم المساواة مثل بقية الجامعات الأخرى. ذلك أن الزائر لبعض الكليات في الجامعات المختلفة يشعر وكأنه يتجول في أفخم الفنادق ذات النجوم الخمسة. أما الزائر لبعض الكليات الأزهرية فيصاب بالحسرة والإحباط من جراء الإهمال الذي طال مبانيها ومن الرائحة الكريهة التي تزكم أنفه من جراء الرائحة المتصاعدة من دورات المياه بها، والتي تنتشر في أنحاء المبنى بحيث يصيبك عطنها لدى دخولك من باب الكلية.
 تمسك الآباء بتعليم أبنائهم بالأزهر، والتحمل في سبيل ذلك لكل المضايقات والإحباطات التي تصاحب هذا القرار. فعلى سبيل المثال، يصف الدكتور أحمد هيكل – وزير الثقافة المصري الأسبق – في كتابه " سنوات وذكريات " أحد أسباب ضيقه بالدراسة بمعهد الزقازيق الديني الذي التحق به في عام 1935، ويصف سخرية الناس من " زيه " الأزهري في أثناء ذهابه ورواحه طوال سنوات الدراسة. ويحكي أحد تلك المشاهد قائلا: " وقد وصلت المضايقات في الطريق إلى حد أن أحد المتعطلين المتسكعين اعترض طريقي وأنا عائد من المعهد ذات يوم، وتأبط ذراعي وهو سكران، وأخذ يهذي ويصيح ويثير ضحك المارة. كل هذا وأنا أحاول أن أتخلص منه برفق حتى لا يشتبك معي فيؤذيني ويلوث زييّ. وبعد جهد وتلطف كلفاني كثيرا، استطعت أن أتخلص منه بين ضحكات العامة الذين آثروا " الفرجة "، ولم يكلف واحد منهم نفسه التدخل لفض الاشتباك غير المتكافئ بين رجل مشاكس معربد رقيع وصبي مسالم متوقر وديع ". [9] وبالطبع لن تتغير هذه الصورة إلا بالإصرار على التعليم الأزهري، وتحمل مشاق ذلك، وابتغاء الأجر والثواب من الله في سبيل هذا الأمر. فذلك هو الذي يؤدي لتغيير تلك النظرة التي أخذت تستقر في نفوس الناس تجاه الأزهر وطلابه.
 رجوع علماء الأزهر إلى السمت الإسلامي الذي يميزهم عن غيرهم، وعدم الانجراف مع التيار وتقليد العامة. وضرورة قيامهم بالصدع بكلمة الحق مهما كلفهم هذا الأمر من مشاق، فهم علماء الأمة الذين يقع على عاتقهم مسئولية حفظ الدين.
 قصر منح شهادات الدراسات العليا التي يقوم بها طلبة الأزهر على جامعته فقط، وعدم إرسال أبناء الأزهر لتلقي العلوم الشرعية على أيدي المستشرقين من الدول الغربية والذين يكيدون للإسلام وأهله، ويتمثل جل هدفهم في القضاء على الإسلام وتقويض أركانه وتشويش صورته وبث الأراجيف بين أبنائه.
تدريس العلوم الدينية وفقا لمنهج السلف وعلى طريقة أهل السنة والجماعة. وعلى سبيل المثال، فإن الدارس لمادة العقيدة الإسلامية يُتوقع أن تكون ثمرة دراسته لهذه المادة هي زيادة إيمانه. أما تدريس العقيدة بالأساليب الفلسفية فهو أمر لا يؤدي لفهم العقيدة، بل لتحويلها إلى طلاسم ينفر منها الطالب ويمجها.
إننا نريد من الأزهر أن يعود لريادته، وللعب الدور المنوط به في تشكيل وصياغة العقل المسلم، وتحريكه وتوجيهه وفقا لمصالحه. لا نريد الطبيب الذي يتكاسل عن علاج مرضاه ويهمل عند علاجهم، أو المهندس الذي يغش في أساسات المباني التي يشرف على بنائها، أو المحاسب المرتشي، أو ... الخ. بل نريد صاحب المهنة المسلم الذي يقف على حدود دينه ويتقيد بشريعته، وبالإضافة إلى ذلك يكون حاذقا في أداء عمله، بما يؤدي لنمو أمته وازدهارها ليتبوأ العالم الإسلامي مكانة الريادة التي فقدها والتي يحق له تبوأها بين الأمم.
 

1 من رجب عام 1425 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 17 من أغسطس عام 2004 ).


-----------------------------
[1]  د/ عبد الودود شلبي، الأزهر إلى أين؟!، دار الاعتصام، 1998. ص ص: 19-20.
[2]  عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم، مكتبة الأسرة، 1998. ص: 286.
[3]  عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، مكتبة الأسرة، 2003. ج: 5، ص: 44.
[4]  مجلة التوحيد، العدد السادس، جمادى الآخرة 1425 هـ، ص: 5.
[5]  أ. ل. شاتليه، الغارة على العالم الإسلامي، تعريب: محب الدين الخطيب ومساعد اليافي، المطبعة السلفية ومطبعتها، الطبعة الرابعة، 1398 هـ. ص: 22.
[6]  محمد قطب، هل نحن مسلمون؟، دار الشروق، 1421. ص ص: 133-138.
[7]  المرجع السابق، ص ص: 141-142.
[8]  مقابلة مع الشيخ الدكتور/ عبد العزيز القارئ، مجلة البيان، العدد 23، ربيع الأول 1410 هـ.
[9]  جريدة الأهرام، 20/7/2004.
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية