اطبع هذه الصفحة


إعانة طلبة العلم ضرورة

محمد حسن يوسف

 
تمر الدعوة الإسلامية الآن بمنعطف خطير. فالدعاة – الذين هم قوام الدعوة وعمادها – يعانون من مشاكل كثيرة لا حصر لها. فإذا أردنا للدعوة الإسلامية أن تنتشر وأن تسود، فيجب علينا جميعا التكاتف من أجل حل مشاكل الدعوة، ومن ثم الدعاة، حتى نفرّغهم لدعوتهم، وحتى نجني منهم ثمرة عملهم.
والمعوقات التي تواجه الأئمة والدعاة في المساجد كثيرة ومتعددة. وعلى سبيل المثال، فإن المسئولين لا يساعدون أئمة المساجد على تحفيظ القرآن الكريم، بتوفير المناخ والظروف الملائمة لإتمام ذلك. ومفتش الأوقاف إذا جاء فجأة يعتبر ذلك مخالفة كبيرة يتم على أثرها الخصم من راتب إمام المسجد.
        كما أن من أهم ما يعوق الإمام في المسجد هو فرض وزارة الأوقاف على الأئمة عدم التحدث في موضوعات معينة، فكل شيء يتعلق بالولايات المتحدة على سبيل المثال فهو ممنوع منعا باتا من ترديده على منابر المساجد، وإلا اُعتبر ذلك مخالفة كبيرة.
        كذلك فإن من أهم العقبات التي تقف في وجه الدعاة والأئمة في المساجد هي المكتبات، حيث إنه من المفروض أن يكون لكل إمام مكتبة تحوي كل أمهات الكتب، حتى يستطيع الإلمام بشتى العلوم. لأن بسطاء الناس ينظرون إلى إمام المسجد على أنه قدوة ومثل لهم، يقتدون به في حياتهم. ولكن إذا حدث العكس، وصار إمام المسجد فارغ العقل، فإنه بالتالي سيسقط في نظر هؤلاء القوم الذين يتخذونه نبراسا يسيرون وراءه في كل أفعاله.
        وعلى صعيد آخر، نجد أن كل إمام تملص من مهنته، حيث لم تعد هذه المهنة تكفي حاجيات الإمام، ودخلها لا يكفي أسرته. ولكن إذا نظرنا إلى القيادات في الدولة، لوجدنا أن كل إنسان منهم تفرغ لمهنته، حتى أنه يحصل على ما يكفيه ويكفي عائلته. فالإمام يعاني ماديا، حتى أن أعضاء مجلس الشعب طالبوا من قبل بزيادة رواتب الأئمة، حتى لا يتجه هؤلاء الأئمة إلى العمل في جهة أخرى غير الدعوة الإسلامية. حيث إن هناك الكثير من الأئمة يعملون في مهن كثيرة غير الإمامة والخطابة، فنجد مثلا من يعمل قمّاشا أو تاجر غلال أو مبلطا أو نقاشا أو سباكا، وغيرها كثير من هذه المهن اليدوية. وإذا طالب الإمام بحقه فإنهم يقولون له: أنتم خُلقتم من أجل الدين لا الدنيا!! فطالما أن الإمام لا يكفي نفسه دنيويا، فكيف يبلغ دعوته؟
        فكيف نطلب من الأئمة والدعاة التصدي للأفكار الضالة وهم يتضورون جوعا؟ كيف نريد منهم أن يكونوا قناة شرعية لتعليم الناس أمور دينهم، وهم ما زالوا بحاجة إلى القراءة والبحث والتعلم؟ كيف نطالبهم بمواجهة التطرف في حين أن همومهم متعددة؟
ويتصل بهذا الموضوع ما استقر في أذهاننا من أننا نهب إلى الله ما لسنا بحاجة إليه وما لا ينفعنا!! فإذا أصيب أحد أولادنا بالعجز كالعمى أو الشلل أو الصمم، فإننا نهبه لله، ليكون داعية. أما الصحيح من أولادنا فهو الذي نسعى عليه لكي يصبح طبيبا أو مهندسا أو أية مهنة أخرى مرموقة!! قال تعالى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ ﴾ ] النحل: 62 [.
إننا نضن على الدعوة بأموالنا وفلذات أكبادنا!! وما لم يتغير هذا الواقع، فلن يتغير وضعنا بين المجتمعات الأخرى. انظر كيف تدنت مجاميع المقبولين الجدد بكليات الدعوة والشريعة وغيرها من كليات العلوم الدينية، في مقابل ارتفاع مجاميع المقبولين الجدد بالكليات التي أطلقوا عليها اسم كليات " القمة "!! ألم يكن من الأولى أن تكون كليات العلوم الشرعية هي كليات القمة في مجمعاتنا؟!!
لابد من إيجاد من يُعلّم الناس. وهذا الذي سيُعلّم، هو طالب علم. إذن علينا بكفالة من يطلب العلم. اضغط نفقاتك الخاصة، حتى لو وصل الأمر إلى ضغط مصروفات طعامك وملبسك لكي تنفق على طالب للعلم. ثم نشترط على طلبة العلم: نحن نتكفل بكم وأنتم تتفرغون للدعوة. وممكن أن تصل كفالة طلبة العلم إلى الإنفاق عليهم برواتب شهرية، وتحمل مصروفات تزويجهم ونفقات سفرهم للعلم. هذه نفقة جارية يعود نفعها عليك إن شاء الله في حياتك وبعد مماتك.
قال تعالى مخاطبا جماعة المسلمين: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ ] سبأ: 39 [. هذا سبيل من لم يسلك طريق العلم، أي عليه بالإنفاق على طلبة العلم وعلى الدعاة إلى الله وكفالتهم، ويأخذ بذلك الأجر والثواب العظيم من الله.
أما سبيل طلبة العلم، فعليهم القيام بأمر الدين، فهم حرسته وسدنته. ولا نريد من الطلبة أن يلعبوا أو أن يهدروا وقتهم. عليهم أن يتيقنوا أنه منوط بهم رفعة شأن أمتهم. زيد بن ثابت تعلم لغة يهود لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى على القرآن من تحريفهم له، فتعلمه في خمسة عشر يوما. الآن من يريد تعلم اللغات الأجنبية يستغرق فيها أكثر من عامين وثلاثة!!
أقول للداعية: بقدر شوقك وتحرقك ونهمك لطلب العلم يفتح الله لك مغاليق الفهوم. فابذل الجهد وتعلم من السابقين واقرأ سيرهم وراجع دأبهم على طلب العلم. خذ الأمر بجد واجتهد، واعلم أن على عاتقك أمر عظيم.
لابد أن يتضافر وجود المال مع من يريد العلم. واعلم أن سبيل العلم شأنه عظيم، ويتساوى مع توافر المال، بل ومن الممكن أن يزيد عليه. عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلّمها.[1]
وهذا هو الحق إن شاء الله. الإنفاق على طلبة العلم هو الحق. ربما يكون إنفاقك على طالب العلم أفضل من إنفاقك على ولدك. واعلم أن كل فرد يهتدي على يديه ستكون أنت قسيمه في الأجر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى، كان من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.[2]
 

22 من شعبان عام 1426 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 26 من سبتمبر عام 2005 ).

-------------------------------------
[1]  صحيح. أخرجه البخاري: (73)، و(1409)، و(7141)، و(7316)، ومسلم (816)، وابن ماجه: (4208).
[2]  صحيح. أخرجه مسلم: (2674)، والترمذي: (2674)، وأبو داود: (4609).
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية