اطبع هذه الصفحة


هكذا فافعلوا

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة الشبابية، وكان الهم الأول لمختلف فئات الشعب المصري هو متابعة وقراءة ما يحدث، ومحاولة تجميع الخيوط لفهم مجريات الأمور. وكان من ضمن الصحف التي نتابعها، إحدى كبريات الصحف القومية، باعتبارها ذات مصداقية كبيرة – هكذا كان ظننا. ولكن مع الأسف، كانت هذه الصحيفة لا تنقل إلا أخبار النظام السابق، وكأنها مملوكة لهذا النظام وليست للشعب، وكأن الذي يدفع الضرائب التي يتم تمويلها بها النظام السابق وليس الشعب.
حينما وجدت الأمور على هذا السوء، قررت عدم شراء تلك الجريدة مرة أخرى، واتجهت إلى إحدى الصحف المستقلة بدلا منها. فمن المبادئ التي تعلمتها في مبادئ الاقتصاد، أن جهاز الثمن في النظام الرأسمالي يقوم بدور صندوق الانتخابات. فإذا كنت في عملية الانتخابات تلتجئ إلى صندوق الانتخابات لإنجاح المرشح الذي تريده، فأنت من خلال جهاز الثمن تلتجئ إلى السلعة التي تميل أكثر لها. ومن خلال جهاز الثمن هذا، فأنت تصوّت لصالح إحدى السلع، فتستمر هذه السلعة في السوق، وتحرم سلعة أخرى من صوتك، فإما أن تخرج من السوق، أو تعيد النظر في طريقة تقديمها للمستهلك مرة أخرى.
وينجح جهاز الثمن بهذه الطريقة في طرد السلع الرديئة من السوق. ولكن تقل فعالية هذا الجهاز في حالة وجود أساليب احتكارية في السوق تمنعه من أداء عمله بكفاءة. وعلى سبيل المثال، فهذه الصحف القومية تتمتع بميزة لا تتمتع بها الصحف المستقلة والحزبية، ألا وهي الحصيلة الضخمة من إيرادات الإعلانات التي تنفرد هذه الصحف بنشرها. وللأسف فإن معظم هذه الإعلانات تُنشر في الصحف القومية نكاية في الصحف المستقلة والحزبية لمواقف معينة تتبناها تلك الأخيرة ضد بعض من الأشخاص المحسوبة على النظام.
ومن ناحية أخرى، تتمتع الصحف القومية بميزة أخرى، وهي أن معظم الأجهزة الحكومية تقوم بشرائها لموظفيها دون الصحف المستقلة أو الحزبية، مما يوفر ميزة تنافسية أخرى بعيدا عن الموضوعية والأداء الجيد.
من هنا يمكننا فهم لماذا تظل أرقام مبيعات الصحف القومية مرتفعة، في ظل الأداء الضعيف والمستوى الرديء الذي تظهر به تلك الصحف، مقارنة بالصحف المستقلة والحزبية. ولكن يظل سلاح جهاز الثمن – صندوق الانتخابات - هو الوسيلة الفعالة في يد المستهلك العادي للتعبير عن رأيه في تلك الصحف. وإذا كان عدم شراء تلك الصحف، طالما لم تلتزم بالمنهجية والموضوعية في مخاطبة القارئ المصري، هو السلاح الوحيد المتبقي في يديه لإجبارها على تغيير سياساتها ومنهجها، فليكن هدفنا هو استخدام هذا السلاح في الفترة المقبلة حتى يتم التغيير المنشود. فهكذا فافعلوا.

mohd_youssef@aucegypt.edu
18 من ربيع الأول عام 1432 من الهجرة ( الموافق 21 من فبراير عام 2011 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية