اطبع هذه الصفحة


خصائص النظام التسلطي

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


عاشت مصر تحت وطأة الحكم التسلطي طوال ستة عقود متوالية تقريبا، منذ اندلاع ثورة يوليو 1952 وحتى تفجر ثورة يناير 2011. وبالرغم من الإدعاءات التي كان يطلقها النظام السياسي بممارسة الديمقراطية وترسيخها، إلا أنها كانت ديمقراطية شكلية غير راسخة، حيث كان نظام الحكم يتسم بالتسلطية، حتى وإن بدت في شكلها ديمقراطية زائفة. وحتى نعرف حقيقة نظام الحكم الذي كانت تقبع تحته مصر طوال تلك الفترة الماضية، فلابد لنا من معرفة ما هي خصائص النظام التسلطي، والتي إن وُجدت داخل نظام ما يمكن أن نطلق عليه أنه نظاما تسلطيا، وهل كانت متحققة في مصر أم لا؟!
أولى هذه السمات، هي محدودية المشاركة في صنع القرار. أي يكون صنع السياسة العامة (أيا ما كانت: خارجية أم اقتصادية أم تعليمية ... الخ) محتكرا من قبل فرد واحد أو أقلية (أوليجاركية). ويعني هذا غياب المشاركة الواسعة في صنع القرار وضعف دور المعارضة. ويترتب على ذلك غياب مشاركة الناخبين، وسيادة حالة من اللامبالاة السياسية بين المواطنين، وضعف المشاركة في الانتخابات العامة، وضعف دور الأحزاب السياسية.

السمة الثانية للنظام التسلطي، هي التعسف في الممارسات. فكرة التعسف تعني سوء استخدام السلطة، أو فكرة التشدد، أو فكرة استخدام القوة المفرطة، أو الاعتماد بشكل أكبر على أجهزة الشرطة والجيش. أي وجود الطابع التحكمي، بمعنى عدم الاحتكام لنفس المعيار أو نفس القانون في التعامل مع الناس. حينما لا يوجد معيار واحد للتعامل مع الناس (مثل إدخال عنصر الدين، أو العرق، أو الاستلطاف الشخصي)، فنكون بصدد عناصر تخل بمبدأ المساواة بين الناس. الطابع التحكمي يعني الغياب الكلي أو الجزئي لقواعد القانون، وهو ما يسمح بتطبيق القانون وقتما نشاء وتغييبه وقتما نريد، ويؤدي هذا للغموض في أدوار المؤسسات.

فكرة التعسف في الممارسات بصفة عامة تؤدي لنوع من الردع، وهو ما يؤدي إلى السمة الثالثة من سمات النظام التسلطي، وهي وجود حالة عامة من الخوف. فما دامت السلطة في يد شخص واحد في القمة، أو مجموعة من الاشخاص يمثلون النخبة، فالبقاء السياسي يرتبط بمدى رضاء قمة النخبة السياسية عن الشخص، أو العلاقات الطيبة معها، وليس له أدنى ارتباط بالجدارة. أي أن رضاء تلك المجموعة المحدودة عن الشخص تعني بقاءه في موقعه، حتى ولو ارتكب أفظع الموبقات. إذن عدم وجود قاعدة متبعة للوصول إلى السلطة تجعل جميع أفراد النخبة السياسية تعاني حالة من الترقب والقلق، وتؤدي لانتشار التملق والرياء بديلا عن إتباع الحق والانحياز للصالح العام. الحالة العامة من الخوف أيضا تشمل جميع المشتغلين بالعمل السياسي، ذلك أن النظام البوليسي القمعي يمكن أن يصل لأي شخص يخرج عن الدور المرسوم لما يجب أن تكون عليه المعارضة، وذلك لتجاوزه الخطوط الحمراء الموضوعة للمعارضة، وليكون عبرة لأي شخص آخر تسول له نفسه أن يتجاوز تلك الحدود.

آخر هذه السمات، هي أن النظام التسلطي يغلق القنوات السلمية لانتقال السلطة ويفرض القيود على المنافسة السياسية. بمعنى أنه لم يكن من المتصور أن حزب البعث في سوريا أو العراق أو الحزب الوطني الديمقراطي في مصر يخسر الانتخابات البرلمانية، وذلك بغض النظر عن النتيجة الطبيعية للتصويت. هذه الممارسة تغلق الباب أمام الطريق السلمي لتغيير السلطة. غلق قنوات التغيير السلمي للسلطة، يؤدي لإجبار الناس على التفكير في أساليب غير سلمية، أقلها شأنا هي المظاهرات السلمية والنزول إلى الشارع.

القاهرة في: 17 من يوليو 2012م (الموافق 27 من شعبان 1433هـ)

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية