اطبع هذه الصفحة


عرض كتاب
1984 لجورج أورويل
بقلم: تقى محمد يوسف

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


"1984" هي رواية سياسية كتبت عام 1948 على يد الكاتب الإنجليزي جورج أورويل الذي يكره الشيوعية، وقد ظهر ذلك جليا في رواياته. دارت أحداث الرواية في مدينة لندن الواقعة في أوقيانيا، إحدى دول العالم الثلاث العظمى من عام 1984. جاءت الرواية لتغير طريقة تفكير البعض، وتوضح واقعا أليما، وتنقل حقيقة مرة. جاءت لتعرض ما كان يحصل وسيحصل في الدول الشيوعية، إلا أنها وبإتقان شديد استطاعت عرض ما يحصل الآن بالتحديد في معظم دول العالم. جاءت هذه الرواية لتتكهن دور الإعلام في السيطرة على العقول، وتسجل دور الطبقات الثلاث: العليا والوسطى والدنيا.

في الرواية تنقسم أوقيانيا إلى ثلاث طبقات –كما هو حال أي شعب وأية دولة- تتمثل في: الأخ الكبير وقادة الحزب (الطبقة العليا) الذين يملكون كل الصلاحيات، ويعيشون حياة رغيدة. وأعضاء الحزب (الطبقة الوسطى) وكانوا بطبيعة الحال يعيشون حياة أشبه بالجحيم حيث لم يتمتعوا بالكثير من الصلاحيات، وعاشوا حياة العبيد؛ لأنه لم يسمح لهم بالتفكير أو الحب أو اعتناق فكر معين، عاشوا حياة يملؤها الخوف والرعب من شرطة الفكر والجواسيس وشاشة الرصد. أما عامة الشعب (الطبقة الدنيا) فقد عاشوا حياة أسوأ أو أفضل من أعضاء الحزب. أسوأ من حيث الطعام والشراب والخدمات والحياة الاجتماعية بوجه عام، أما أفضل من حيث حريتهم في التعبير والتفكير والحب؛ لأن قادة الحزب لم يعيروهم أي اهتمام، وإن صح التعبير فإنهم كانوا يعاملونهم مثل الحيوانات.
وإذا أردنا تلخيص هذه الرواية، فإننا نستطيع ذكر أهم المبادئ التي قام عليها الحزب وقادته؛ لاستمرارهم في الحكم ألا وهي:

اولا:
"تغيير الماضي"، فكان يتم تصحيح كل طبعات الصحف والمجلات والكتب التي أصدرت في الماضي من أي شيء يتعارض مع الحاضر، ثم التخلص من كل الطبعات القديمة التي تحتوي على الخطأ، فلا يوجد غير الصحف والكتب التي تم تصحيحها، وبالتالي لا يستطيع أحد إثبات أي خطأ على قادة الحزب. وكان "ونستون سميث" –بطل الرواية- أحد المسئولين عن تصحيح هذه الأخطاء، وكان في نفس الوقت من الكارهين المعادين للحزب والأخ الكبير. يقول سميث "الماضي اُمحي من الوجود وما تم محوه بات طي النسيان فصارت الكذبة حقيقة".

ثانيا:
"الولاء هو عدم الوعي"، وكانت هذه من أهم المبادئ، فعضو الحزب يجب أن يكون ولاؤه التام للحزب، ومن أجل تنفيذ هذا الأمر يجب على العضو ألا يفكر أو يعمل عقله؛ لأنه يثق بالحزب وقراراته دون التفكير فيها. والطريف في الأمر أن الأطفال كانوا يدربون منذ صغرهم على إلغاء العقل والانصياع للأوامر والتجسس على أبائهم؛ لكشف أي شيء مريب يفعلونه، فالحزب أصبح الأب والأم، بل العائلة كلها. يقول سميث "الولاء يعني انعدام التفكير، بل انعدام الحاجة للتفكير. الولاء هو عدم الوعي".

ثالثا:
"شاشة الرصد"، وكان لها دور عظيم في إهمال العقل والولاء للحزب. وكانت عبارة عن شاشة موجودة في كل بيت من بيوت أعضاء الحزب وقادت، تمكن شرطة الفكر من مراقبتهم على مدى 24 ساعة في اليوم، وفي نفس الوقت تبث الأخبار والأغاني لهم، لذلك لم يكن مسموحا لأعضاء الحزب بإغلاقها أبدا. وفي بعض الأحيان كان قادة الحزب يبثون خبرا جيدا كالانتصار في حرب ما لتهيئة العقول لاستقبال خبر آخر حزين، فالمشاهد يفرح للخبر الأول، فلا يستطيع الخبر الثاني أن يعكر مزاجه –هذا إن أعاره اهتمام أصلا-.

رابعا:
"ازدواجية التفكير"، وهي عمل شيء وتصديق عكسه، فالمسئولين عن تصحيح أخطاء الماضي –مثلا- يعوون جيدا الأخطاء لكنهم مع ذلك يصدقون أن الحزب معصوم من الخطأ. فالتفكير الازدواجي هو الإيمان برأيين متناقضين تماما، وهو ما سهل لقادة الحزب السيطرة على عقول الأعضاء وإخضاعهم لأوامرهم. وهو ما كان يرفضه عقل سميث.

خامسا:
"القوة أساس الحكم"، كانت هي سياسة الأخ الكبير والحزب، فكانوا يظنون أنهم عندما يظلمون الناس ويضيعون عليهم حقوقهم ويعذبون أي عضو يفكر فقط في التمرد أو العصيان بكل الوسائل من ضرب وسحل وحرق وقتل، فإن الناس لن يستطيعوا للحظة أن يفكروا في الخروج عن طاعة الأخ الكبير؛ خوفا من التعذيب والقتل. ولأن سميث ارتكب جريمة الفكر، فإنه عُذب بكل الأشكال. يقول سميث "المرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة، وإنما يشعل الثورة ﻹقامة حكم استبدادي".

سادسا:
"إعادة التهيئة"، عندما يذهب المرء إلى وزارة الحب –ولم يكن اسما على مسمى حيث تجد هناك كل أنواع الكره والعذاب- عندما يقترف جريمة الفكر أو جريمة الوجه، فإنه لا يقتل على الفور كما هو مزعوم، فشرطة الفكر تعيد تهيئته حتى يصبح إنسانا آخر، يحب الأخ الكبير والحزب قبل أن يُقتل؛ لأنهم يظنون أنه إذا مات وهو يكره الحزب قفد انتصر هو؛ لأنه مات وهو متمسك بفكرة أو مبدأ، لكن ما يحاولون فعله هو وأد الفكرة قبل وأده، وتجريده من الفكرة التي مات من أجلها. كما حصل مع سميث، فهو لم يُعذب ليُعاقب من أجل ما فعل، ولكن ليُجبر على حب الأخ الكبير والحزب.

هذه الرواية تطرح رؤية جديدة تماما في عالم السياسة، كما أنها ستغير تفكيرك تماما، وتعرض عليك حقائق موجودة لم تستطع أنت الاعتراف بها. هذه الرواية ببساطة هي ثورة على الفكر. لقد فهم كاتبها أن السياسة ما هي إلا لعبة حقيرة تُلعب لترضي بعض الأطراف وتدوس على أطراف أخرى. ومن هذا المنظور قدم لنا هذه الرواية المليئة بالتشويق. هذه رواية يجب أن يقرأها الجميع دون استثناء. هذه رواية تُقرأ، ثم تقرأ، ثم تقرأ من جديد.

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية