اطبع هذه الصفحة


حتمية المصالحة الوطنية

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


الوضع في مصر الآن أشبه برجلين كانا يقفان بجانب بعضهما على أحد الأرصفة، انتظارا لأحد التاكسيات، وكانا يريدان الوصول إلى وجهتيهما بسرعة شديدة. فمر بهما أحد التاكسيات، فأشارا إليه معا. فتوقف سائق التاكسي لكي يستفسر منهما عن طريق كل منهما، ولكنهما لم يعطياه أية فرصة، بل قفزا بسرعة إلى داخل التاكسي. قال له الرجل الأول عن الوجهة التي يريد الوصول إليها، ولكن ما أن سمع الرجل الثاني بهذه الوجهة، حتى استشاط غضبا، وقال للسائق، لا تلتفت إليه، بل امضِ إلى وجهتي أنا، التي كانت في طريق مضاد لطريق الرجل الأول. فطلب السائق منهما إما أن يتفقا أو أن يغادرا التاكسي. ولكنه فوجئ بكل واحد منهما يخرج له مسدسا ويقول له: لابد أن تسمع كلامي أنا. فما أن يسير السائق عدة أمتار في اتجاه أحدهما، حتى يلوح له الآخر بالمسدس أن عود أدراجك لتبدأ الطريق الخاص بي أنا. وهكذا مضى الوقت بهما، وهما لا يغادران نقطة الانطلاق التي ركبا التاكسي منهما. فلا هما اتفقا معا على شيء، ولا هما وصلا إلى وجهتيهما، بل وجهة أي منهما.

ما الذي يقود إليه الوضع الحالي في مصر؟ هل هناك أمل في الوصول لنقطة ضوء في نهاية النفق؟ أم ستظل مصر داخل التيه لا تستطيع الخروج منه؟!!


واقع الأمر أن الوضع أصبح في غاية الخطورة ... فالجميع في مصر الآن يخوض مباراة صفرية سوف تكون نتيجتها الدمار والفناء لجميع الأطراف ... ما لم يتمسك الجميع بأهمية الحوار لتجنيب البلاد والعباد شر ما نحن مقدمون عليه ... وقبل فوات الأوان.
لقد انقسمت مصر إلى فريقين يتمنى كل منهما دمار الآخر لكي يخلو له الجو ويلعب المباراة منفردا ... وفي الواقع، فهذه النتيجة لن تتحقق لأي منهما ... فالأفكار لا تموت بالحديد والنار ... وإنما لابد من دحض الفكرة بالفكرة ... فإما أن تدحض إحداهما الأخرى ... وإما أن تتلاقحا لكي تنتجا فكرة أخرى جديدة ... أما محاربة الأفكار بالسلاح ... فهذا ما لم يكن مجديا على مر التاريخ ...

الأمر الآن في غاية الصعوبة ... فالشباب، الذي يشكل عماد الكتلة البشرية وصلبها في مصر، لا يرى إلا التصادم مع القوى الحاكمة كحل للخروج من الأزمة الراهنة. كما أن جماعة الإخوان، ومن ورائها قوى التحالف الوطني لدعم الشرعية، لا ترى، هي الأخرى، أي جدوى من الحوار مع القوى الحاكمة كحل نحو الخروج من الأزمة. كما أن القوى الحاكمة ومن يؤيدونها يرون ضرورة الاعتماد على الحل الأمني، وتجاهل أي حلول سياسية، كأفضل علاج للوضع الذي نعيشه الآن! وهذا ما يعني استمرار الوضع الراهن، بكل ما يعنيه ذلك من استنزاف للقوى البشرية والجهود والطاقات والموارد، لمدة لا يعلم مداها إلا الله.

لذلك لابد من تحكيم العقل حتى ننجو جميعا من مصير مظلم يحدق بنا جميعا ... لابد من مبادرات حقيقية تعبر عن رؤى واقعية، كما أنه لابد من تقديم تنازلات فعلية من جميع الأطراف حتى نخرج من هذا المأزق ... على الجميع أن يدرك خطورة استمرار هذا الوضع الراهن، وأننا أصبحنا لا نملك ترف تضييع مزيد من الوقت، وعلى الجميع أن يتيقن من استحالة تحقق النتيجة الصفرية على أرض الواقع ... فالمباراة لن تسفر عن فائز واحد يسعد بانتصاراته بأي حال من الأحوال ... بل ستسفر عن مجموعة من المنهزمين، وستظل البلد هي الوحيدة التي ستتحمل أعباء وجراح كل هذا الدمار!!!

10 من جمادى الأولى عام 1435 من الهجرة ( الموافق 11 من مارس عام 2014 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية