اطبع هذه الصفحة


ملاحظات على قانون الخدمة المدنية الجديد:
الوكيل الدائم للوزارة

محمد حسن يوسف
باحث دكتوراه في الإدارة العامة


صدر في الثاني عشر من شهر مارس الجاري قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (18) لسنة 2015 الخاص بتنظيم الخدمة المدنية، والذي اعتبره الدكتور/ أشرف العربي وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، بأنه بمثابة ثورة تصحيح للجهاز الإداري في مصر. وبالفعل يمكن اعتبار هذا القانون بمثابة حلقة ضرورية من حلقات إصلاح منظومة العمل الإداري في الدولة لتحقيق هدف انطلاق الدولة لكي تصبح دولة عصرية.

ونستعرض فيما يلي أحد البنود الهامة التي نص عليها القانون الجديد، والتي تتمثل في تخصيص وظيفة وكيل دائم للوزارة. فتنص المادة العاشرة من هذا القانون على أن "تنشأ بكل وزارة وظيفة واحدة لوكيل دائم للوزارة بالمستوى الأول لمعاونة الوزير في مباشرة اختصاصاته".

وجاءت هذه المادة لكي تضمن استمرارية الوزارات أو الهيئات الحكومية في أدائها لمشروعاتها، بدون أن تتوقف هذه المشروعات بسبب ترك الوزراء أو رؤساء الجهات لمناصبهم فجأة، فتتعطل مسيرة العمل وتتوقف عجلة الإنتاج.

ولهذا فقد نصت هذه المادة أيضا على أنه استثناء من أحكام المادة (19) من هذا القانون، "يختار الوزير الوكيل الدائم لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة، يكلف خلالها بضمان الاستقرار التنظيمي والمؤسسي للوزارة والهيئات والأجهزة التابعة لها، ورفع مستوى تنفيذ سياساتها، واستمرارية البرامج والمشروعات والخطط، ومتابعتها تحت إشراف الوزير. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وضوابط اختيار وتقويم أداء الوكيل الدائم".

ووظيفة وكيل الوزارة الدائم هي وظيفة يتقلدها أكثر كوادر الوزارة خبرة واحترافا في مجال الخدمة المدنية، وتعتبر وزارات الحكومة البريطانية هي أول من أدخلت العمل به في الجهاز الإداري، وتختص مهمة عمله بتسيير الأعمال الروتينية للوزارة.

والوكيل الدائم للوزارة هو رئيس للخدمة المدنية غير سياسي، أو رئيس التنفيذيين في الوزارات الحكومية، ويشغل منصبه لعدد من السنوات، ومن هنا جاءت كلمة "دائم"، في الوزارة، تمييزا له عن عمل الوزراء السياسيين، والذين يقومون برفع التقارير إليهم وتقديم النصيحة والمشورة لهم. وقد أدخلت المملكة المتحدة العمل بهذا المفهوم لكي يبتعد عن عمل رؤساء الخدمة المدنية من السياسيين الذين يأتون للوزارة بسبب الفوز في الانتخابات التشريعية.

ففي بريطانيا أفرزت الخبرة الإدارية شيئا مهما تمثل في ضرورة حياد الجهاز الإداري تجاه الصراع الحزبي، أي وجوب أن يعمل الجهاز الإداري وفقا لقواعد القانون، ولكنه لا يفسد التنافس الحزبي.

فدائما ما يكون مطلوبا من الإدارة الحياد، خصوصا تجاه التنافس الحزبي. أي يجب أن تكون الإدارة محايدة: الحياد بمعنى تجاه الصراع السياسي. فليس من المقبول حرمان المواطن من الحصول على الخدمة العامة بسبب انتمائه الحزبي، كما أنه ليس من المقبول طرد موظف عام من وظيفته بسبب خسارة حزبه في الانتخابات.

ولذا كان من أهم المبادئ التي تحقق الاستقرار في الإدارة العامة هو مبدأ "حياديتها"، أي ليس لها علاقة بالصراع الحزبي الذي يحدث داخل البلد. فالمواطنون جميعهم سواء أمام الإدارة العامة، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. كما يجب على هؤلاء الأفراد ألا يؤثر انتمائهم الحزبي على أدائهم لوظيفتهم العامة أو تقديمهم للخدمات العامة.

ثم بدأت البلاد الأخرى في تطبيق العمل بهذا المبدأ، أي تخصيص منصب مستقل للوكيل الدائم للوزارة، لتحقيق مبدأ حيادية الإدارة العامة، أو لكي تضمن استمرار العمل بالمشروعات القائمة في حال ترك الوزراء لمناصبهم. وهكذا يشرف الوكيل الدائم للوزارة على قانونية واستمرارية القرارات الإدارية التي يتم عملها في الوزارة، ويكون مسئولا عن الصياغة النهائية للقرارات الحكومية التي يتم إصدارها من الوزارة.
 
18 مارس 2015 م (الموافق 27 جمادى الاولى 1436 هـ)
 
mohd_youssef@aucegypt.edu
 
 
-------------------------------------------------------
[1] باحث دكتوراه في الإدارة العامة بجامعة القاهرة، ومدير عام ببنك الاستثمار القومي.

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية