اطبع هذه الصفحة


التنبيه على الخطأ في قول الأئمة : وليكن الصبيان في آخر الصفوف

محمد حسن يوسف

 
كثر في الوقت الراهن قول أئمة المساجد عند الشروع في الصلاة: وليكن الصبيان في آخر الصفوف، معتقدين أن في هذا اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وهذا الذي يأمرون الناس به هو الأمر المخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . وفيما يلي توضيح الأمر:
قال الشيخ سيد سابق في كتاب فقه السنة، باب صلاة الجماعة، عند بيان موقف الإمام والمأموم ( الجزء الأول، ص: 181 ): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان. رواه أحمد وأبو داود.
وعلق الشيخ العلامة الألباني على ذلك في كتاب تمام المنة في التعليق على فقه السنة، ( ص: 284 ) بالقول: " قوله: (3) موقف الصبيان والنساء من الرجال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان. رواه أحمد وأبو داود. قلت ( أي: الألباني ): وإسنادهما ضعيف، فيه شهر، وهو ضعيف كما سبق غير مرة. وأما جعل الصبيان وراءهم فلم أجد فيه سوى هذا الحديث، ولا تقوم به حجة، فلا أرى بأسا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متسع، وصلاة اليتيم مع أنس وراءه صلى الله عليه وسلم حجة في ذلك ". أ. هـ.
وتابع الشيخ محمود المصري في كتاب إرشاد السالكين إلى أخطاء المصلين ( ص: 149 ) هذه النقطة، فقال: وحديث اليتيم المشار إليه: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكل منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى ركعتين ثم انصرف] متفق عليه [. فلو أن للصبيان صفوفا منفردة مثل النساء، لصف أنس، ثم اليتيم، ثم العجوز، ولكن أنس واليتيم صفا في صف واحد دون تفريق أو تمييز.
وبسط الشيخ محمد بن صالح العثيمين المسألة في كتابه الشرح الممتع على زاد المستقنع، ( الجزء الرابع، ص: 389 – 393 )، فقال: قوله: ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء، " يليه " ضمير المفعول به يعود على الإمام. " الرجال " هم البالغون، لأن وصف الرجل إنما يكون للبالغ، فإذا أرادوا أن يصفوا تقدم الرجال البالغون ثم الصبيان ثم النساء في الخلف. والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ليلني منكم أولو الأحلام والنهى] صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها [. وهذا أمر، وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن المعنى يقتضي أن يتقدم الرجال، لأن الرجال أضبط فيما لو حصل للإمام سهو أو خطأ في آية، أو احتاج إلى أن يستخلف إذا طرأ عليه عذر وخرج من الصلاة، ثم بعد ذلك الصبيان، لأن الصبيان ذكور، وقد فضل الله الذكور على الإناث فهم أقدم من النساء، ثم بعد ذلك النساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير صفوف النساء آخرها ] مصنف عبد الرزاق [ . وهذا يدل على أنه ينبغي تأخر النساء عن الرجال ... وهذا الترتيب الذي ذكرناه، واستدللنا عليه بالأثر والنظر ما لم يمنع مانع، فإذا منع منه مانع بحيث لو جمع الصبيان بعضهم إلى بعض لحصل بذلك لعب وتشويش، فحينئذ لا نجمع الصبيان بعضهم إلى بعض، وذلك لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكانها، وهذه قاعدة فقهية ... فهنا نقول لا شك أن مكان الصبيان خلف الرجال أولى، لكن إذا كان يحصل به تشويش وإفساد للصلاة على البالغين وعليهم أنفسهم فإن مراعاة ذلك أولى من مراعاة فضل المكان.
إذاً كيف نعمل؟ الجواب: نعمل كما قال بعض العلماء: بأن نجعل بين كل صبيين بالغا من الرجال، فيصف رجل بالغ يليه صبي، ثم رجل ثم صبي، ثم رجل ثم صبي، لأن ذلك أضبط وأبعد عن التشويش، وهذا وإن كان يستلزم أن يتأخر بعض الرجال إلى الصف الثاني أو الثالث حسب كثرة الصبيان، فإنه يحصل به فائدة، وهي الخشوع في الصلاة وعدم التشويش. وهذا الذي ذكرنا في تقديم الرجال ثم الصبيان ثم النساء إنما هو في ابتداء الأمر، أما إذا سبق المفضول إلى المكان الفاضل بأن جاء الصبي مبكرا وتقدم وصار في الصف الأول، فإن القول الراجح الذي اختاره بعض أهل العلم، ومنهم جد شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مجد الدين عبد السلام فإنه لا يقام المفضول من مكانه، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به] سنن أبو داود، كتاب الإمارة، باب في إقطاع الأرضين [. وهذا العموم يشمل كل شئ اجتمع استحقاق الناس فيه، فإن من سبق إليه يكون أحق به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه] صحيح البخاري، كتاب الاستئذان، وصحيح مسلم، كتاب السلام [، لأن هذا عدوان عليه.
فإن قال قائل من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به عام وقوله: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى خاص، والقاعدة أنه إذا اجتمع خاص وعام فإن الخاص يخصص العام؟ فالجواب عنه: أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لِيُقِم منكم أولو الأحلام والنهى من كانوا دونهم، وإنما قال: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى وهذا حث لهؤلاء الكبار على أن يتقدموا ليلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وجه الحديث، ولأن فيه مفسدة تنفير هؤلاء الصبيان بالنسبة للمسجد، لاسيما إذا كانوا مراهقين، أي إذا كان للواحد منهم ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة، ثم نقيمه من مكانه، وكذلك من مفاسده أن هذا الصبي إذا أخرجه شخص بعينه فإنه لا يزال يذكره بسوء، وكلما تذكره بسوء حقد عليه، لأن الصغير عادة لا ينسى ما فعل به. أ. هـ.
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية