اطبع هذه الصفحة


مقدمة في الأسلوب العلمي للنقاش

محمد حسن يوسف

 
تتعدد النقاشات بين بني البشر وتتنوع وتتشعب، ولكن يظل دائما أن الأصل في النقاش، حتى يكون هادفا وموضوعيا، وجوب استناده إلى الأسس العلمية.
وفي البداية أقوم بتعريف المنهج العلمي، فأقول: المنهج العلمي هو مجموعة القواعد العامة المصوغة من أجل:
- الوصول إلى الحقيقة في العلم، إذا كنا جاهلين بهذه الحقيقة.
- أو البرهنة عليها للغير، إذا كنا بها عارفين.
[ دراسة في مشكلة المنهج في علم الاقتصاد، د/ أحمد رشاد موسى، القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1993 ].
فحتى لا يضيع وقت القارئ فيما لا يفيد، يكون على الكاتب صاحب الفكرة التأكد من الفكرة التي يعرضها، واختبارها، وأن يتأكد من صحتها. كما يجب عليه إذا كانت هذه الفكرة ليست فكرته، أن يرصد المصادر التي استقى منها معلوماته، حتى لا تقع تبعية هذه المعلومات عليه.

وتقوم النظرية العامة في المنهج على عدة مناهج رئيسية، لعل من أهمها:

أولا: منهج الاستنباط أو الاستدلال:
ويسمى أيضا بالمنهج التجريدي. وطريقة هذا المنهج طرح بعض المقدمات أو المسلمات، ثم استخلاص النتائج التي تترتب بالضرورة على هذه المقدمات، وذلك بعد استخدام قواعد التفكير المنطقي، وبدون حاجة إلى التجربة. ولتوضيح هذا المنهج اطرح بعض الأمثلة للتوضيح:
مثال رقم (1):
المقدمات:
جميع الصينيين صفر الوجوه
يانج صيني
النتيجة:
يانج أصفر الوجه
ولكن لكي يكون هذا المنهج صحيحا في الاستدلال، فيجب أن يتوافر فيه ثلاثة شروط:
- سلامة مجرى التفكير المنطقي
- صحة المقدمات الأصلية
- إتباع الإنسان للمنطق العقلي أثناء تصرفه

فإذا فقد المنهج أحد هذه الشروط، أو كلها، توصل الإنسان إلى استدلال فاسد. ولتوضيح ذلك، نستعرض المثال التالي لبيان الاستدلال الفاسد أو الخاطئ:
مثال رقم (2):
المقدمات:
الحجاب يحجب التفكير
المسلمات ترتدي الحجاب
النتيجة:
حجاب المسلمات يؤدي لخنق أفكارهن!!
فحيث استند البحث إلى مقدمة خاطئة، وهي أن الحجاب يحجب التفكير، كان لابد أن تكون النتيجة التي يتوصل إليها فاسدة!!

ثانيا: منهج الاستقراء:
ويعرف أيضا بالمنهج التجريبي. ويتمثل في محاولة الوصول إلى أحكام كلية عن طريق تعميم الأحكام الخاصة بالجزئيات أو الحالات الفردية الخاصة. ويلاحظ هنا أن النتائج التي نحصل عليها من المقدمات التي يبدأ البحث منها تكون غير يقينية ومحلا للشك دائما، باستثناء علم الرياضيات، وذلك لعدم تمتع تلك المقدمات بنفس اليقين الذي تتمتع به المقدمات الرياضية. لذا فقد تؤدي التجارب الجديدة إلى إلغائها إذا تبين عدم صحتها. ولتوضيح الفكرة، نطرح المثال التالي:
مثال رقم (3):
المقدمات:
أثبتت الملاحظات أنه كلما زاد سعر السلعة، كلما قلت الكمية المطلوبة منها
النتيجة:
توجد علاقة عكسية بين سعر السلعة والكمية المطلوبة منها
لكن تظل هذه العلاقة صحيحة في حدود معينة، إذ أظهرت التجارب حدوث ارتفاع في الطلب على السلع بالرغم من زيادة أسعارها، ويكون ذلك في وقت الحروب مثلا، نظرا لإقبال الناس في هذه الأوقات على تكوين مخزون من السلع التي تكفيهم طوال فترة الحرب.
وغني عن القول أن المقدمات الخاطئة أيضا تؤدي إلى نتائج فاسدة. ويتضح ذلك من المثال التالي:
مثال رقم (4):
المقدمات:
بعض المحجبات سلوكهن خاطئ وسيئ
المسلمات يرتدين الحجاب
النتيجة:
سلوك المحجبات خاطئ وسيئ
والخطأ هنا أننا قمنا بتعميم ظاهرة جزئية، فأطلقناها على الكل، وهو خطأ علمي أيضا.

*****

مما سبق يتضح أن المنهج العلمي في الكتابة له قواعد وأصول، لابد لمن أراد الكتابة في موضوع معين أن يلتزم بها، وألا يترك لنفسه العنان في الكتابة ليشطح كيفما شاء، ويجري وراء استنتاجات ليس لها أسس يقوم عليها، بل تكون مجرد ادعاءات ليس لها أساس من الصحة، وذلك إذا أراد أن يحترم نفسه ويحترم جمهور من يقرأ له. كما يجب على الكاتب المحترف أن يعزو الكلام الذي يستقي منه معلوماته إلى المصدر الذي استقى منه هذه البيانات، وذلك حتى تنتقل تبعية هذه الكلمات إلى الكاتب الأصلي. أما إذا أراد الظهور بمظهر العالم الذي يريد نسبة النظريات والمقولات الكبيرة إلى نفسه، فعليه الدفاع عن الهجوم الذي سيقع عليه بسبب نسبة هذه الأفكار إليه، ولا يلومن حيئنذ إلا نفسه!!!

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية