اطبع هذه الصفحة


إلى المرابطين في الثغور الشامية

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


لأول مرة أتوقف مليا لا أدري كيف ابتدئ الكتابة؛ فالحدث السوري أعظم من أن يوصف بالمقالات أو بالكتب، والتضحيات التي قدمها إخواننا في سوريا ستبقى دَينا في رقاب أهل السنة في العالم كله؛ فالمشروع الصفوي الباطني كسر في سوريا الأبية وقد تمدد في كل القارات، وزرع خلاياه في كل البلدان.

لقد كسر السوريون رقبة الباطنية وفضحوا مشروعها، وأرجعوه للوراء كثيرا. وهذه ستكون مقدمة فتح بيت المقدس بإذن الله تعالى، والحال اليوم يشبه حال وضع العالم الإسلامي أيام الصليبيين، وصلاح الدين رحل من الشام إلى مصر جنديا في جيش نور الدين، فكسر العبيديين الخونة في مصر، وأعاد الحكم فيها للمسلمين، فتحرر بعدها بيت المقدس من الصليبيين، فهل تعود الكرة من جديد بكسر الشاميين للنصيريين وإنهاء دولتهم في سوريا.. أظن ذلك وأرجوه وأدعو الله تعالى به.

يا أيها المرابطون في بلاد الشام من أهلها ومن الأنصار القادمين إليها:
أبث إليكم رسالتي هذه وأنا من أغمار الناس، فلست عالما ولا سياسيا ولا ذا منصب ولا شأن ولكن شأنكم يؤرقني، وأريد بهذه السطور أن أزيح عن كاهلي واجبا أثقلني، وعيل به صبري.. خذوها كلمات ناصح مهموم، وزفرات من صدر مكروب على واقع أمته في هذه الأيام الحاسمة من تاريخ الشام، وتاريخ أمة الإسلام، وأرتب كلماتي في النقاط التالية:

أولا:
اعلموا يا جند الشام أن المؤامرة التي تحاك ضدكم ضخمة جدا، ولا سيما بعد اقتراب النصر، وأن استخبارات الدول تعيث في أرضكم، وتبني التحالفات، وتشتري الذمم من الآن لقطف ثمار النصر، وتوجيه بوصلة السياسة بما يحقق أهداف الدول اللاعبة في الساحة السورية، لا بما يقيم الشريعة الربانية أو يحقق مصلحة الشعب السوري. والسياسة لا دين لها ولا خلق، إن هي إلا المصلحة والارتزاق ولو على دماء الأبرياء، وجثث الشهداء. وربما تشهد الأيام القادمة انقساما في الولاءات، وتكتلا في التحالفات، وتصفية لرموز الثورة الممانعين، ومحاولة اغتيال القائد رياض الأسعد هي البداية فقط.

ثانيا:
ستواجهون أياما عصيبة تجعل الحليم حيران، وستكون مهمتكم أعظم وأشق من مقاومة النظام النصيري، فأنتم تقاتلونه وأنتم على بينة من أمركم، تتيقنون أنكم على حق في قتاله، وأنه على باطل، وكلمة أهل السنة من ورائكم مجتمعة على تأييدكم، ولم يشذ عن ذلك إلا شيوخ النظام النصيري الساقط، ونُزَّاع من غلاة أدعياء السلفية لا وزن لهم بين المسلمين.

وأما الآن فسوف تتحول البوصلة من كون أرضكم أرضا للجهاد والرباط إلى كونها أرضا للفتنة والإرهاب بقرار دولي وإقليمي، وسيوصم بالفتنة والإرهاب كل من لم يخضع للقوى الدولية والإقليمية اللاعبة في الأرض السورية، وسيطلب منكم مقاتلة الممانعين من إخوانكم وإلا توجه القتال إليكم، وستفرض عليكم حكومة علمانية لا تمثلكم، وما أصعب الاختيار في مثل هذه الأحوال، فو الله الذي لا يحلف بغيره: إن هذه هي الفتنة العظيمة التي ستجعل الحليم منكم حيران، والله تعالى أسأل أن يهديكم لحسن الاختيار، وأن يدلكم على الحق، ويثبتكم عليه، والهجوا لله تعالى في كل أوقاتكم داعين أن يوفقكم ويسددكم ويثبتكم، ويرد كيد أعدائكم.

ثالثا:
اعلموا أن تأخر القوى الدولية عن التدخل في سوريا -رجاء أن تخمد ثورتكم، ويُطفأ نار جهادكم- كان لصالحكم؛ فطول أمد المعركة، وشدة الابتلاءات، أرجعتكم إلى الله تعالى، وتخلي البشر عنكم علق قلوبكم به وحده لا شريك له، كما أن هذه الشدائد المتلاحقة أوجدت فيكم قوة الإرادة، وصلابة الموقف، والقدرة على التصرف، ومواجهة الأزمات، وخلقت فيكم تحدي المصاعب، وكثَّرت أتباعكم وأعوانكم، وفُضحت فيها القوى الدولية والمؤسسات الأممية، فلا يمكن لسوري أن يغتر بها فيظن أنها تساعد الشعب السوري وقد رآها عامين كاملين تمنح الفرصة تلو الفرصة للمجرم بشار وعصابته ليبيدوا الناس، ويهتكوا الأعراض، ويذبحوا الأطفال، ويدمروا البلاد، وهذا يُعقِّد مهمة المتآمرين عليكم، ويجعلها صعبة جدا، وودوا لو أنهم تدخلوا في بداية الأمر؛ لتسهل السيطرة على البلاد، وفرض حكومة عميلة لهم، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في ذلك.
واعلموا أيضا أن تحرك إخوانكم أهل السنة في العراق هو من صالحكم، وهو يضعف قدرة القوى الدولية والإقليمية المعادية لكم على احتوائكم، فالاستفادة من هذه العوامل، وتوظيفها توظيفا صحيحا سيكون من صالحكم.

رابعا:
المجتمع الدولي الظالم لكم، المتفرج على إبادتكم، كان له أمل في بداية الثورة أن يستبدل ببشار حاكما آخر من آل الأسد، ثم تنازل إلى أن يستبدل بآل الأسد حاكما نصيريا، ثم تنازل إلى أن يستبدل بالنصيرية علمانيين، وهو ما كان من إنشاء المجلس الوطني، ثم تنازل إلى أن يرضى بخليط يرأسه إسلامي كان خطيبا للجامع الأموي، وهو الائتلاف الوطني السوري، ورئيسه أحمد الخطيب.
ولن يتم دعم الائتلاف، ولا تسليمه السلطة بعد سقوط الحكم النصيري إلا بشروط تضعها الدول النافذة وأذنابها في المنطقة، سيكون على رأسها إبعاد حكم الشريعة عن دستور الدولة، والانتقال من حكم علماني إلى آخر، ومقاتلة من نصروكم ووقفوا معكم في محنتكم.

خامسا:
أنصح الطامحين منكم إلى المناصب، الطامعين في الأموال، بعد سقوط النظام النصيري أن يترووا قليلا، وينظروا إلى التجارب التي كانت قبلهم.
ففي أفغانستان أثناء العدوان الأمريكي كانت شنط الدولارات تُغدق على رؤساء العشائر والقبائل لشرائهم ضد طالبان، مع وعود بعهد زاهر لأفغانستان تتخلص فيه من إرهاب طالبان، ولكن بعد عقد وزيادة ذهبت الأموال، وبقي الدمار والخراب، ولم يستتب الأمر للصليبيين، وهم الآن يهربون من جحيم وضعوا أنفسهم فيه، حتى صرح مرة قائد حلف الناتو أن مهمتهم في أفغانستان هي أعسر مهمة قام بها الحلف منذ إنشائه.

والذين قبضوا الأموال، وباعوا الإيمان، وتحالفوا مع الكفار خذلوا شر خذلان، وأول من خذلهم من باعوا إيمانهم لهم، فلا بقي الدين، ولا حصلوا الدنيا.

وفي العراق اشُتريت الصحوات لتنقلب على المقاومين بوعود مجزية، ومقاعد في الحكومة، وبعد تنفيذ مهمتهم القذرة وغدرهم بإخوانهم المقاومين للاحتلال الصفوي الأمريكي غُدر بهم، فباعوا دينهم بسراب ولم يقبضوا شيئا.

وسيتكرر الوضع في سوريا، وشنط الأموال ستصل لمن يريد بيع دينه وذمته، والوعود الكاذبة بالنفوذ والمناصب ستُطرح على طاولة المتطلعين لها، ولكنهم لن يجنوا إلا حنظلا وألما وخزيا حين يُغدَر بهم كما غُدِر بخونة أفغانستان والعراق.

يجب على أهل السنة في سوريا -وهم الأكثرية- أن يدركوا حقيقة مهمة وهي أن القوى التي سلّمت الحكم للنصيريين قبل قرابة نصف قرن لن ترحب بحكم السنة لسوريا، وستفتعل الفتن والمشكلات للحيلولة دون ذلك، وسيكون معها على ذات الخط الصفويون، ولو بإقامة دولة صفوية نصيرية في اللاذقية تُبقي لإيران نفوذها في الشام على أمل أن تعود إليه مرة أخرى في حال إخراجها منه.

سادسا:
إن سوريا وقضيتها وإن كانت تشبه إلى حد كبير مشكلة البوسنة والهرسك، والغرب بعد الإبادات الجماعية للسوريين يريد أن يُدَوِّل قضيتهم ويسير بها نحو الحلول التي تحقق مصالحة وتكبت الإسلام، وتقصي شريعته، كما فعل في البوسنة حين ألجأ البوسنيين إلى اتفاق دايتون... إذا كان ذلك كذلك فمن المهم أن يعلم ذوو الرأي في الشام المباركة أن سوريا تختلف عن البوسنة من جهة أن البوسنة شعب مسلم محاط بدول وشعوب نصرانية حاقدة، فرضوخ علي عزت بيجوفتش رحمه الله تعالى لإملاءات الغرب كانت بسبب ذلك.

أما سوريا فشعب مسلم يحيط به المسلمون من كل جانب، وهذا يعطيه قوة على رفض الإملاءات، وقدرة على المناورات السياسية، ولا سيما أن الشعوب المسلمة بعد الإعلام المفتوح صارت أوعي بقضاياها، وأعرف بحيل أعدائها، وأجرأ في المطالبة بحقوقها، ومعونة إخوانها، وكثير من المبادرات لإغاثة السوريين ومعونتهم كانت رغما عن كثير من الحكومات التي لا تريد ذلك، وكل هذا في صالحكم.

أخيرا إخوتي أهل الشام المباركين:
كل هذه التحديات والعقبات التي تواجه السوريين يمكن وأدها باتحاد الكلمة، واجتماع الصف، ووأد الخلاف في مهده؛ فإن الأعداء من الكفار والمنافقين لن يقدروا عليكم إلا من داخلكم، ببث الفتنة والفرقة بينكم.
والاستفادة من التجارب السابقة سيجعل من يبيعون ولاءاتهم لإعدائهم يحسبون حسابا قبل الإقدام على ذلك، فمن المهم استحضار التجارب السابقة للغزاة، وإبرازها أمام الناس، وإقناع ضعاف الإيمان بها.

يا أهل الشام:
قد ذقتم طعم العزة بعد طول الذل، ونسيتم مع طعم العز كل آلامكم، وبذلتم دماءكم وأطفالكم وبيوتكم وضياعكم ثمنا لهذه العزة وما استكثرتم ذلك، بل لا زلتم تبذلون المزيد والمزيد.

عزة دفعتم ثمنها غاليا من دماء الشهداء، وأعراض الحرائر، وتعذيب الأطفال، فإياكم إياكم أن تكونوا أعزة في الشدائد، أذلة في الرخاء، إياكم أن تكونوا أعزة في الحرب، أذلة في السلم، بل كونوا أعزة في الحرب والشدة، وأعزة في السلم والرخاء.. كونوا كما وصف الله تعالى المؤمنين [فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة:54} وأنتم أولى أن تكونوا من هؤلاء القوم؛ لطول جهادكم، وشراسة أعدائكم، وعظيم تضحياتكم، وبركة أرضكم.

إن المهدي رضي الله عنه سيؤم الناس لمقاتلة الدجال وجنده على ثرى أرضكم، والمسيح بن مريم عليه السلام ينزل شرقي دمشق؛ ليقود جحفل الإيمان ضد الدجال، ومن يدري فقد تدركون ذلك، أو يدركه أبناؤكم أو أحفادكم، فكونوا جند الله تعالى من الآن، كونوا حواري المسيح عليه السلام من الآن، وقولوا كما قال الحواريون قبلكم [نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آَمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] {آل عمران:52} وقولوا كما قال أهل بدر "اذهب أنت وربك فقاتلا إننا معكما مقاتلون"..

أسأل الله عز وجل أن يديل لكم على أعدائكم، وأن يمكن لكم في دياركم، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يوحد صفوفكم، وأن يجمع على الهدى قلوبكم، وأن يفضح ويكبت كل من أراد الشر بكم، أو الارتزاق بقضيتكم، اللهم آمين آمين آمين، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه..

آخر ساعة من عصر الجمعة 17/5/1434


 

إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية