اطبع هذه الصفحة


رمضان ومآسينا والدعاء

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


يدخل رمضان المبارك والأمة المسلمة تعيش مخاضا عسيرا جدا، قد ترتفع به إلى ذرى المجد والعزة، وقد تسفل به إلى القاع؛ لتعيد البناء والتسلق من جديد، ولا خوف على الإسلام ولو اندحر المسلمون في كل مكان..

لا خوف على الإسلام ولو كاد به الكائدون، ومكر به الماكرون، وتربص به الكفار والمنافقون؛ فإنه دين الله تعالى المحفوظ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

يدخل رمضان هذا العام وثقل العالم العربي مصر تعيش حالة اضطراب لا أحد يدري إلى أين ومتى تنتهي، بعد خيانة العلمانيين المصريين بالحبال الممدودة لهم من اليهود والنصارى والمنافقين، ومصادرة خيار الشعب، وهم الذين دعوا الناس للديمقراطية وصناديق الاقتراع؛ ليفضح الله تعالى الغرب والعرب؛ ولتكشف حقيقة الصنم الديمقراطي الذي طالما أنشد له العلمانيون والتنويريون، ودعوا الناس له؛ لتبقى حقيقة واحدة، مفادها: لا يجتمع حكم الله تعالى وحكم الشيطان في أرض واحدة، ولا يخرج خيار الشريعة وخيار القانون الوضعي من صندوق واحد ثم يأتلفان، ولا وفاء إلا في الإسلام وعند من يلتزمون به، ويا لله العظيم؛ كم في هذه التعرية للصنم الديمقراطي من نفع للمسلمين بتجريد التوحيد لله رب العالمين، وزيادة اليقين بدينه، وكشف الباطل وأهله.

ويدخل رمضان وبلاد الشام التي باركها الله تعالى بنص القرآن قد تآمر عليها العالم بأجمعه، ورماها عن قوس واحدة، فالدول العظمى ومنظماتها الدولية سمحت للباطنيين بدخول الشام من كل حدب وصب، من إيران والعراق ولبنان واليمن لذبح أهل السنة، وغلّت دول أهل السنة عن معونة حقيقية لإخوانهم، وخدرت المسلمين بوعود ومبادرات، تعد ولا تفي، وتكذب ولا تصدق. وغضت الطرف عن دعم هائل للباطنيين من روسيا الشيوعية الأرثوذكسية، والصين الكنفشيوسية الوثنية، وإيران الباطنية المجوسية، والمذابح على أشدها وقد اقتربت من ثلاث سنوات، عجل الله تعالى فرج أهل الشام، وكشف الغمة عن الأمة.

وفي بورما أذل البوذيون إخواننا المسلمين، وهجروهم من ديارهم، وفعلوا بهم ما يجل عن الوصف، ولكن الإعلام لا ينقل مأساتهم؛ لأنهم مجرد أرقام بشرية، لا تعني الدول العظمى الراعية للظلم والفساد والكفر في الأرض، نسأل الله تعالى أن ينجيهم من عدوهم، وأن يشغل البوذيين في أنفسهم عن المسلمين.

يدخل رمضان والتآمر الدولي العربي على الإسلام قد أسفر عن وجهه الكالح، والنفاق قد نجم وأظهر ما كان يبطن، فما عاد نفاقا مستترا.. والأيام حبلى بعظائم، والفتن تطل برؤوس كثيرة، والخوف في الأرض يزداد، وتزداد معه المجاعات والتشريد والآلام، والأمن يقل في الأرض، وكنا نقول من قبل: ما مرّ يوم في الأرض سلم فيه بشر من سفك دم حرام، واليوم نقول: ما مرت لحظة دون أن يقتل إنسان ظلما وعدوانا، في عصر سيادة صهاينة اليهود والنصارى، وعصر المنظمات الدولية، وعصر حقوق الإنسان!! فيا لها من حقوق!! ويا له من إنسان!!

وفي قلب كل مؤمن لوعة على إخوانه، ومن لا يغتم بما أصاب المسلمين فلا خير فيه، ومن لا يخاف على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأمنهم فلا يستحق أن يكون منهم، فضلا عن أن يتآمر عليهم، أو يفرح بما حل بهم، وكم من أناس ينغمسون في النفاق وهم لا يشعرون. وقلب المؤمن ينبض بحبه لإخوانه، ويأسى على مصابهم، ولو كان هو في عافية وأمن، فقلبه يعيش الخوف والرعب معهم.

هكذا يجب أن نعيش هذا الرمضان الذي نستقبله غدا أو بعد غد، وأعظم ما يقدمه المسلم لإخوانه المكروبين كثرة الدعاء لهم؛ فإن دعوة الصائم مرجوة الإجابة، وقد استفاد بعض المفسرين أن دعوة الصائم مجابة من تخلل أرجى آية في الدعاء آيات الصيام، وهي قول الله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، فقبلها ثلاث آيات في فرض الصيام، وجملة من أحكامه، وبعدها آية فيها الرخصة في ليل رمضان بإتيان المفطرات، وأحكام الاعتكاف.

وفي هذه الآية من الدلائل على إجابة دعاء الصائمين:

1- أنها تخللت آيات الصيام.
2- أن الرخصة والتيسير جاء عقبها (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) [البقرة: 187].
3- أن السؤال في القرآن كله فصل بينه وبين الإجابة بفعل القول نحو (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة:189]. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217] وآيات أخرى كثيرة، إلا في هذه الآية، فإن الله تعالى عقب على السؤال بجوابه سبحانه، فلم يجعل بينه وبين الداعين واسطة ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على عظم شأن الدعاء عند الله تعالى، ومكانة من يدعونه ويتضرعون إليه.
4- أنه سبحانه أخبرنا في الآية أنه قريب من الداعين، وأنه سبحانه يجيب دعواتهم (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، وأكد ذلك ب (إن) المؤكدة.
قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: وفي هذه الآية إيماء إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان.[التحرير والتنوير: 2/ 179].

ومن خذلان الله تعالى لخونة مصر أنهم ما قاموا بانقلابهم العسكري على الرئيس المنتخب إلا قبيل رمضان؛ حيث التراويح والقنوت والدعاء الذي سيزلزل مساجد مصر، ويحشد القلوب والجموع لنصرة الرئيس، وإعادة الحق إلى نصابه، وحيث الجموع التي تتدفق على المساجد لصلاة التراويح فتنطلق منها الحشود الضخمة التي لا يقدر الأمن ولا الجيش على ردها.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)

الاثنين 29/8/1434
 

إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية