اطبع هذه الصفحة


مسائل في الدعاء القرآني (16)
التسبيح القرآني

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


التسبيح هو التنزيه؛ وقد جاء في حديث حذيفة: إذا مر بآية تنزيه سبح، وورد تفسيره بالتنزيه في حديث متصل ضعيف عند الحاكم وغيره، وحديث آخر مرسل، وجاء عن ابن عباس وغيره من السلف أنه التنزيه. والمفسرون كذلك ذكروا أن التسبيح هو التنزيه، [ينظر: تفسير الطبري: 1/474، وتفسير ابن عطية: 3/472، وزاد المسير: 1/53، وتفسير القرطبي: 1/276، وتفسير السعدي: 48، والتحرير والتنوير: 1/405].
ولكنه ليس مجرد تنزيه أو نفي محض بل فيه إثبات الكمال، فهو تنزيه يتضمن التعظيم، ودليل تضمنه التعظيم قول النبي عليه الصلاة والسلام «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ» [رواه مسلم:1/348] والوارد في الركوع تسبيح.
قال السمعاني رحمه الله تعالى: سبحان: تنزيه الله من كل سوء، وحقيقته تعظيم الله بوصف المبالغة، ووصفه بالبراءة من كل نقص. [تفسير السمعاني: 3/212]. وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء، وإثبات صفات الكمال له؛ فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده. [الفتاوى: 16/125]. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه. [المنار المنيف: 36].
وقد جاء التسبيح في القرآن بمختلف تصاريفه وصيغه في سبعة وثمانين موضعا، وافتتحت به سبع سور سميت (المسبحات) وهي: الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى، وختمت به سور الحجر والطور والواقعة والحاقة.
والفعل «سبح» قد يتعدى بنفسه بدون اللام كقوله تعالى: [وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الأحزاب:42}، وقد يتعدى باللام كقوله [سَبَّحَ للهِ] {الحشر:1}، وعلى هذا فسبحه وسبح له لغتان كنصحه ونصح له، وشكره وشكر له. [أضواء البيان: 7/540].
ومن تصاريف التسبيح فعل الماضي (سبح) وفعل المضارع (يسبح) قال بعض أهل العلم: إنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع أخرى ليبين أن ذلك التسبيح لله هو شأن أهل السماوات وأهل الأرض، ودأبهم في الماضي والمستقبل. [أضواء البيان: 7/541].
ومن حكمة إرسال الرسول أن نسبح الله تعالى [إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الفتح:8-9}. وقد أمر به في الشدائد [فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ] {ق:39} وآيات أخرى غيرها.
فأمره له بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به. [أضواء البيان: 7/432].

التسبيح اعتقاد وقول وعمل:

ودليل ذلك أن الصلاة تسمى تسبيحا، وهي تشمل اعتقاد القلب وعمله، وقول اللسان، وعمل الجوارح، قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:«مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى»، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا. [رواه البخاري: 1177] وقالت أم هانئ رضي الله عنها: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى» [رواه مسلم: 336].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب -بالعقيدة- وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً بقلبه لافظاً بلسانه. [تفسير جزء عم:158].
وقال ابن عاشور رحمه الله تعالى: والتسبيح قول أو مجموع قول مع عمل يدل على تعظيم الله تعالى وتنزيهه؛ ولذلك سمي ذكر الله تسبيحا، والصلاة سبحة ويطلق التسبيح على قول سبحان الله؛ لأن ذلك القول من التنزيه. [1/405].

إطلاق التسبيح في القرآن:

يطلق التسبيح في القرآن الكريم ويراد به ستة أشياء:

الأول: يطلق على التنزيه مع التعظيم، وهو أكثر ما ورد في القرآن، وهو المراد عند الإطلاق، ومنه قول الله تعالى [سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الصَّفات:159}.
الثاني: يطلق على الصلاة، قال الله تعالى [فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى] {طه:130}.
يفسرها قول النبي عليه الصلاة والسلام «...إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» [رواه البخاري: 573، ومسلم: 633] وفي رواية مسلم أن قارئها راوي الحديث جرير بن عبد الله الصحابي رضي الله عنه.
الثالث: يطلق على الدعاء، ومنه قول الله تعالى [دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ] {يونس:10} ومنه أيضا قوله تعالى [وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ] {الأنبياء:87}.
يفسره قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ".[رواه الترمذي: 3505].
الرابع: يطلق على عموم الذكر، ومنه قول الملائكة عليهم السلام [وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ] {البقرة:30} قال الطبري رحمه الله تعالى: يعني: إنا نعظمك بالحمد لك والشكر...وكل ذكر لله عند العرب فتسبيح وصلاة. يقول الرجل منهم: قضيت سبحتي من الذكر والصلاة. وقد قيل: إن التسبيح صلاة الملائكة. [1/472]
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ويراد بالتسبيح جنس ذكر الله تعالى، يقال: فلان يُسبِّح، إذا كان يذكر الله. ويدخل في ذلك التهليل والتحميد، ومنه سُمِّيت "السبَّاحة" للإصبع التي يشير بها، وإن كان يشير بها في التوحيد. [جامع المسائل، ت: عزير شمس: 3/292].
الخامس: يطلق على عموم العبادة، ومنه قول الله تعالى [فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] {الصَّفات:143-144} عن وهب بن منبه: قال: من العابدين. [تفسير عبد الرزاق: 2/103]
السادس: يطلق على الاستثناء، ومنه قول الله تعالى [إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ] {القلم:17-18} والمراد به قول: إن شاء الله، لكن دلت الآيات على أنهم كانوا يسبحون مكانها [قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ] {القلم:28} قال السدي: كان استثناؤهم في ذلك الزمان التسبيح [تفسير ابن أبي حاتم: 10/2366]. فيقولون: سبحان الله، بدل: إن شاء الله، فقوله لولا تسبحون، أي: تستثنون.
وفي الاستثناء ذكر الله تعالى وتعظيمه، وأن إرادة البشر تحت مشيئته سبحانه، وقد سمي الاستثناء في القرآن ذكرا في قول الله تعالى [وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ] {الكهف:23-24}.

اقتران التسبيح بغيره:

جاء التسبيح مفردا في القرآن في ستة وثلاثين موضعا، منها: بصيغة الاسم الظاهر (سبحان الله أو سبحان الذي أو سبحان ربك ونحو ذلك) في خمسة عشر موضعا. وبضمير الغيبة (سبحانه) في ثلاثة عشر موضعا، وبضمير الخطاب (سبحانك) في ثمانية مواضع.
وأما اقتران التسبيح بغيره من الذكر فعلى النحو الآتي:

الأول: اقترانه بالحمد، وجاء في خمسة عشر موضعا، منها: [وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ] {البقرة:30}، [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ] {الحجر:98} [وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ] {الفرقان:58} فالتسبيح يتضمن نفي النقائص والعيوب، والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال التي يُحمَد عليها. [جامع المسائل لابن تيمية: 3 / 278].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن [7/46].
الثاني: اقترانه بالتهليل، وجاء في موضعين [لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ] {التوبة:31} [لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ] {الأنبياء:87}.
الثالث: اقترانه بالاستغفار، وجاء في أربعة مواضع [يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا] {غافر:7} [وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ] {غافر:55} [وَالمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ] {الشُّورى:5} [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ] {النَّصر:3}.

المسبحون في القرآن:

1- تسبيح الله تعالى نفسه، وهو كثير في القرآن قارب ثلاثين موضعا، ومنه قول الله تعالى [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الصَّفات:180}.
2- تسبيح الملائكة عليهم السلام، وجاء في نحو عشر آيات، منها قول الله تعالى [يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ] {الأنبياء:20} [فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ] {فصِّلت:38} وقد ذُكر بأن تسبيحهم كالنَفَس لنا لا يشغلهم عن مهماتهم كما لا يشغلنا التنفس عنها. [تفسير الطبري: 18/423].
3- تسبيح الرسل عليهم السلام، قال يونس [لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ] {الأنبياء:87} وقال موسى [سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ] {الأعراف:143} وعن داود [إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ] {ص:18} وقال عيسى [سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ] {المائدة:116} وأمر سبحانه زكريا بالتسبيح [وَسَبِّحْ بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ] {آل عمران:41} فأمر زكريا قومه بالتسبيح [فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا] {مريم:11} وأمر سبحانه به نبينا محمدا في آيات كثيرة [فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الواقعة:74} وقال محمد عليه الصلاة والسلام [وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] {يوسف:108} وكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم، تأولا للقرآن في قوله تعالى [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا] {النَّصر:3}.
4- تسبيح المؤمنين، وقد جاء في آيات عدة، منها [وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا] {الإسراء:108}.
5- تسبيح الجبال والطير [وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ] {الأنبياء:79} [وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ] {النور:41}.
6- تسبيح الرعد [وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ] {الرعد:13}.
7- تسبيح كل الموجودات [سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ] {الحشر:1} [تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا] {الإسراء:44} وهذه الآية تدل على أنه تسبيح حقيقي على كيفية لا يعرفها البشر فلا يفقهون تسبيح هذه المخلوقات، وقد أخطأ من تأول تسبيحها لمعنى غير التسبيح المعهود في اللغة.
8- تسبيح أهل الجنة، فقد أخبر الله تعالى عنهم بقوله [دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ] {يونس:10} فهنيئا لمن أكثر من التسبيح في الدنيا ووجد لذة فيه، وفرحا به، فإنه حري أن يتلذذ بالتسبيح في الجنة كما تلذذ به في الدنيا. وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن أهل الجنة يلهمون التسبيح، وأنهم يسبحون الله تعالى بكرة وعشيا.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: أهل الجنة يتنعمون بالنظر إلى الله ويتنعمون بذكره وتسبيحه ويتنعمون بقراءة القرآن...ويتنعمون بمخاطبتهم لربهم ومناجاته، وإن كانت هذه الأمور في الدنيا أعمالا يترتب عليها الثواب؛ فهي في الآخرة أعمال يتنعم بها صاحبها أعظم من أكله وشربه ونكاحه. [الفتاوى: 4/330].
فما هم فيه من النعيم هو غايات الراغبين بحيث إن أرادوا أن ينعموا بمقام دعاء ربهم الذي هو مقام القرب لم يجدوا أنفسهم مشتاقين لشيء يسألونه، فاعتاضوا عن السؤال بالثناء على ربهم، فألهموا إلى التزام التسبيح؛ لأنه أدل لفظ على التمجيد والتنزيه، فهو جامع للعبارة عن الكمالات. [التحرير والتنوير: 11/103].

حكم التسبيح:

جاء الأمر بالتسبيح في عدد من آيات القرآن نحو قول الله تعالى [وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ] {الفرقان:58} وقوله تعالى [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ] {الحجر:98} وقوله تعالى [فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الواقعة:74} وقوله تعالى [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى] {الأعلى:1}.
والأمر بالتسبيح إما أن يحمل على الوجوب أو الندب، وقد دلت السنة النبوية على كلا الأمرين:

1- فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في الصلاة أمر وجوب على الصحيح، وذلك في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قَالَ:«اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» [رواه أبو داود: 869، وصححه ابن حبان: 1898].
2- وندب عليه الصلاة والسلام إلى التسبيح المطلق، والتسبيح المقيد بأدبار الصلوات، أو بالصباح والمساء، وبين ما فيه من الثواب، ويأتي عرض ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
هذا في تسبيح الله تعالى، وأما تسبيح غيره سبحانه فالظاهر عدم جوازه:
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وأصناف العبادات: الصلاة بأجزائها مجتمعة وكذلك أجزاؤها التي هي عبادة بنفسها من السجود والركوع والتسبيح والدعاء والقراءة والقيام لا يصلح إلا لله وحده. [الفتاوى: 1/74].
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: التسبيح: التنزيه من السوء على وجه التعظيم، فلا يُسبَّح غير الله تعالى؛ لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه. [تفسيره: 1/115].
وقال الماوردي رحمه الله تعالى: ولا يجوز أن يسبَّحَ غير الله وإن كان منزهاً؛ لأنه صار علَماً في الدين على أعلى مراتب التعظيم الَّتي لا يستحقها إلا اللهُ تعالى.[تفسيره: 1/97].
وقال السمعاني رحمه الله تعالى: وكلمة سبحان؛ كلمة ممتنعة لا يحوز أن يوصف بها غير الله؛ لأن المبالغة في التعظيم لا تليق لغير الله. [تفسيره: 3/212].
وقال ابن عاشور رحمه الله تعالى: والتسبيح: التنزيه عن النقائص، وهو من الأسماء التي لا تضاف لغير اسم الله تعالى، وكذلك الأفعال المشتقة منه لا ترفع ولا تنصب على المفعولية إلا ما هو اسم الله، وكذلك أسماء المصدر منه نحو: سبحان الله. [30/273].
وقد جاء عن علي وابن عباس رضي الله عنهم أن (سبحان الله) كلمة رضيها الله تعالى لنفسه. [ينظر: الدر المنثور: 1/269] وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: سبحان الله اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه. [رواه ابن حاتم: 1/81].

صيغ التسبيح القرآني:

1- [سُبْحَانَ رَبِّي] [الإسراء: 93] [سُبْحَانَ رَبِّنَا] [الإسراء: 108].
2- [سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ] [الطور: 43].
3- [سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] [القصص: 68].
4- [سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ] [المؤمنون: 91].
5- [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ] [الصافات: 180].
6- [فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الأنبياء:22}
7- [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ] {الإسراء:1}
8- [فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {يس:83}
9- [سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا] {يس:36}
10- [سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ] {الزُّخرف:13} وهو سنة في الركوب.
11- [سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الزُّخرف:82}

ويسن لمن مر بهذه الصيغ في التسبيح أو أي آية فيها تسبيح خارج الصلاة أو في صلاة النافلة أن يسبح الله تعالى.

والملاحظ أن صيغ التسبيح القرآني حسب سياقاتها تنتظم في أمور، استخرجت منها بالاستقراء ما يلي:

الأول: إثبات وحدانية الله تعالى، وتنزيهه عن افتراءات المشركين من زعم الصاحبة والولد والشريك له سبحانه، وهو أكثر ما جاء التسبيح فيه، ومنه قول الله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] وذلك أنه سبحانه وتعالى مستغن عن خلقه، فهو ذو العزة [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الصَّفات:180}.
الثاني: إثبات خلقه سبحانه، وأنه لا خالق غيره، وهذا يستوجب تسبيحه شكرا له على نعمه التي أنعم بها على عباده، ومنه قول الله تعالى [سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ] {يس:36} وقوله تعالى [وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ] {الزُّخرف:12-13}.
الثالث: إثبات حكمة الله تعالى في أفعاله، وتنزيه سبحانه عن العبث، ومن ذلك قول الله تعالى [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ] {آل عمران:191} وأن أفعاله لا تكون على أمزجة خلقه كما دل عليه الأمر بالتسبيح في قوله تعالى [وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا] {الإسراء:93}.
الرابع: إثبات عدله عز وجل، وتنزيهه عن الظلم، ومنه قول يونس عليه السلام [لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ] {الأنبياء:87} قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: هذا اللفظ يتضمن تعظيم الرب وتنزيهه والمقام يقتضي تنزيهه عن الظلم والعقوبة بغير ذنب يقول: أنت مقدس ومنزه عن ظلمي وعقوبتي بغير ذنب؛ بل أنا الظالم الذي ظلمت نفسي. [الفتاوى:10/248].
الخامس: إثبات قدرة الله تعالى ونفي العجز عنه سبحانه ومنه قول الله تعالى [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} وقوله تعالى [فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {يس:83} وقوله تعالى [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا] {الإسراء:1}.
قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: الافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام متضمن ما يجب تنزيه الله عنه يؤذن بأن خبرا عجيبا يستقبله السامعون دالا على عظيم القدرة من المتكلم ورفيع منزلة المتحدث عنه. [15/9].
وقال السعدي رحمه الله تعالى: ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها؛ لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أن {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [تفسير السعدي: 453].
السادس: إثبات صدق الله تعالى في قوله ووعده، وتنزيهه عن الكذب والإخلاف، ومنه قول الله تعالى [وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا] {الإسراء:108} وقوله تعالى [أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {النحل:1}.
السابع: تنزيه الله تعالى عن نسبة الشر إليه سبحانه وتعالى، ومنه قول الله تعالى [وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ] {النور:16} أي: تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة. [تفسير السعدي: 563].
الثامن:
دوام تنزيهه سبحانه عن كل نقص أو شريك في كل حال وأوان، ومنه قول الله تعالى [فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ] {الرُّوم:17}.

صيغ التسبيح في السنة النبوية:

وضعت هذا العنوان وإن كان على غير شرط المقال؛ لأن البحث في الدعاء القرآني والتسبيح القرآني، ولكن صيغ الدعاء والتسبيح هي لبُّ هذه المقالات، حتى يتأتى لقارئها الامتثال والتطبيق العملي، ومما وقفت عليه في السنة من صيغ التسبيح:

1- سبحان الله وبحمده، وهي صيغة مأمور بها في القرآن في عدد من الآيات [وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ] {الفرقان:58} وهو تسبيح الملائكة [وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ] {البقرة:30} وأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يختم حياته بالإكثار منها، فيا لها من صيغة [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا] {النَّصر:3}. وقال النبي عليه الصلاة والسلام "إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ" [رواه مسلم: 2731].
وهذه الصيغة مؤقتة في اليوم والليلة بعدد رتب عليه أجر، جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " [رواه البخاري: 6405، ومسلم: 2691] وجاء في حديث آخر عنه عليه الصلاة والسلام قال:"مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ " [رواه مسلم: 2692].
2- سبحان وبحمده سبحان الله العظيم، وفي فضل هذه الصيغة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ" [رواه البخاري: 6406، ومسلم: 2694].
3- سبحان الله العظيم وبحمده، وفي فضل هذه الصيغة حديث جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ" [رواه الترمذي، وقال حسن صحيح غريب: 3464، وصححه الحاكم والألباني].
4- سبحان الله، أو سبحان ربي، وهي من الصيغ التي جاءت في القرآن، وفي فضلها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» [رواه مسلم: 2698]. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... » [رواه مسلم: 223]
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» [رواه مسلم: 2695] وهذه الصيغة (سبحان الله) مع التكبير والتحميد من الأذكار البعدية للصلاة المفروضة، تقال ثلاثا وثلاثين مرة.
5- سبحان ربي العظيم في الركوع، وعند قراءة قول الله تعالى [فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الواقعة:74}. وسبحان ربي الأعلى في السجود، وعند قراءة قول الله تعالى [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى] {الأعلى:1}. ومن الصيغ التي جاءت في الركوع والسجود ما جاء في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:"كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"[رواه البخاري: 794، ومسلم: 484].
وصيغة أخرى جاءت في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ«سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» [رواه مسلم: 487]. ومعناه: مسبح مقدس رب الملائكة والروح.
وفي حديث لها آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال في ركوعه أو سجوده «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» [رواه مسلم: 485]. وورد في الركوع أيضا حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل قال في ركوعه:«سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» [رواه أبو داود: 873].
6- سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وفي فضلها حديث جُوَيْرِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ "[رواه مسلم: 2726].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا يسمى الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد فلهذا كان أفضل منه، وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه؛ فإن قول المسبح: سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له.[المنار المنيف: 35].
7- ما جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مِنَ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟» قَالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:«عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ:«فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ» [رواه مسلم: 601].
8- سبحان الملك القدوس، وفيها حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ فِي الْوِتْرِ، قَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» [رواه أبو داود: 1430] وفي حديث عبد الرحمن بن أبزى يقولها ثلاثا [رواه أحمد: 15354]. وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام يقولها عشرا قبل شروعه في صلاة الليل. [رواه أبو داود: 5085].
9- ما جاء في حديث أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" أَفَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ، وَالنَّهَارَ مَعَ اللَّيْلِ؟ أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَقُولُ الْحَمْدُ مِثْلَ ذَلِكَ "[رواه أحمد: 22144، وصححه ابن خزيمة: 754، وابن حبان: 830]. فحري بالمؤمن أن يحفظ هذه الصيغ، وأن يكثر مما أطلق منها، ويأتي بالمقيد منها في موضعه بالعدد الوارد في النص.

الأحد 22/12/1434

 

إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية