اطبع هذه الصفحة


رفقاً بالشباب

جمع وإعداد
حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: " إن فتىً شاباً أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ، ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه ، وقالوا : مه مه ، فقال : أدنه ، فدنا منه قريبًا ، قال : فجلس ، قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا واللَّه ، جعلني اللَّه فداك ، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ ، قال : لا واللَّه ، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، قال: أفتحبه لأختك ؟ قال : لا واللَّه ، جعلني اللَّه فداك ، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، قال : أفتحبه لعمتك ؟ قال : لا واللَّه ، جعلني اللَّه فداك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا واللَّه جعلني اللَّه فداك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال : فوضع يده عليه وقال : اللَّهمّ اغفر ذنبه , وطهر قلبه ، وحَصِّنْ فرْجَه ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء " رواه أحمد , وفي رواية أخرى : وقال: " اللهم طهر قلبه ، واغفر ذنبه ، وحَصِّنْ فرْجَه ، فلم يكن شيء أبغض إليه منه – الزنا " .
قصة عظيمة , تستوقف كل من حمل هم التربية والعناية بشباب الأمة , وتكشف لنا تلك السبل والخطوات العملية في التعامل مع تلك الفئة المهمة من فئات المجتمع المسلم من قبل الآباء والمربين والمعلمين والدعاة .
شاب يأتي للمربي الأول والقدوة الصالحة محمد صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في فعل الخطيئة , فيقابل ذلك التصرف بموقفين في وقت واحد أما الأول فمن الجلوس الذين رأوا ذلك الشاب وسمعوا سؤاله القوي والخطير فنهروه وزجروه غضباً منهم , والموقف الثاني من الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قربه منه واحتواه وحاوره ودعا له .
هذه القصة فيها من الفوائد ما ترتقي بها النفوس , وتسمو بها العلاقات , وتتجلى من خلالها قيمة الأخلاق الكريمة التي ربى محمد عليه الصلاة والسلام أمته عليها .

ومن أهمها : -

1.
تأمل في مكانة محمد عليه الصلاة والسلام بين أبناء مجتمعه , فقد كان القائد والإمام والمربي والمصلح الاجتماعي لهم جميعا , قيأتيه الفقير ليجد عنده حاجته , ويأتيه الأب ليحل له قضيته الأسرية , وتأتيه المرأة العجوز فيقف معها ويحدثها وتحدثه , حتى الشاب صاحب العصية يأتي إليه ليسأله عن معصيته , فيجد كل أولئك على اختلاف أعمارهم وشؤونهم وأهدافهم ضالتهم عند النبي الأمين عليه الصلاة والسلام .
وهنا .. فإن من الواجب أن لا يكون القدوة الأولى في حياتنا إلا محمد عليه الصلاة والسلام , ومتى ما حدث حادث في حياة العبد فعليه أن يقيسه بموازين الكتاب والسنة , وأن نتأمل كثيراً في سيرة خير الخلق عليه الصلاة والسلام وكيف كان يتعامل مع ربه ومع نفسه ومع الآخرين , وكيف كسب بأخلاقه وتعاملاته قلوب الناس حتى أصبحوا يدافعون عنه ويضحون من أجل رسالته أشد ما يدافعون به عن أنفهم وأموالهم وأعراضهم .

2.
أقبل هذا الشاب إلى محمد عليه الصلاة والسلام وفي قلبه توجس معيّن من فعل المعصية , يريد أن يباشرها لكن شيئاً ما يرده عن ذلك , هل ذلكم الشيء هو الخوف من غضب الله ؟ هل هو الشعور الحقيقي من أن هذه المعصية قد تكون سببا في عدم توفيقه في الدنيا والآخرة ؟ هل تحركت الفطرة التي خلق الله الناس عليها في صدر ذلك الشاب ؟ أسئلة كثيرة مفادها في آخر المطاف أن ذلك الشاب يحمل خيرية في قلبه جعلته يحجم عن فعل المعصية قبل أن يذهب للمربي الأول والناصح الأمين محمد عليه الصلاة والسلام ويستأذن منه , وكذلك هو الشاب المسلم على وجه العموم فمهما فعل من المعاصي , أو بلغ حجم فسوقه وفجوره , أو توسعت دائرة تمرده وشروره , إلا أنه نشأ على الفطرة , وتربى على الخوف من الله تعالى , وهو على قدرة تامة بأن يميز بين الحق والباطل , وعنده الاستعداد لأن يتغير إلى الأفضل , ويملك من القدرات والإمكانات التي يستطيع من خلالها أن يكون صاحب تأثير إيجابي في مجتمعه .
لذا فإن علينا أن نحسن الظن في شبابنا , وأن نلتمس لهم الأعذار , وأن نربأ بهم عن مواطن الشك والريبة وسوء الظن , وأن نستشعر أن في بواطنهم الخير الكثير الذي يحتاج منا أن نحركه ومن ثم نستثمره الاستثمار الأمثل .

3.
ما قاله الشاب للرسول عليه الصلاة والسلام فيه جرأة وخروج عن المألوف , إذ كيف يستأذن هذا الشاب من نبي الأمة بأن يفعل الزنا ؟ بل كيف يجرؤ أن يتحدث بهذا الأمر في مجلس القوم وعلى مرأى ومسمع منهم جميعاً ؟ لذا زجره القوم وعابوا فعله واستهجنوه بقولهم " مه مه " , إلا أن ما فعلوه لا يعد جواباً لسؤال الشاب , ولا حلاً لمشكلته , ولا علاجاً لهمّه الذي يسكن قلبه , بل إن ردهم عليه بالزجر والتعنيف قد يكون سبباً لمباشرته المعصية واستمراره في باطله وخطيئته .
لذا فإن على الآباء والمربين والمعلمين والدعاة أن يبتعدوا عن إقصاء الشباب وتهميشهم , وعن زجرهم والتعنيف عليهم , أو عدم سماع آراءهم ووجهات نظرهم , فإن ذلك كله يعد سبباً في نفرة الشباب عن آباءهم ومربيهم وقدواتهم , ويضع الحواجز بينهم , ويتيح للشباب فرصة للعودة إلى المعاصي والتمرد والعقوق .

4.
الرسول عليه الصلاة والسلام له موقف آخر , ومنهج مختلف في التعامل مع هذا الشاب الذي يستأذنه في فعل كبيرة من كبائر الذنوب , فلم يتأثر عليه الصلاة والسلام من سؤال الشاب فقد تلقى السؤال بكل عفوية وحكمة , ولم يغضب من جرأته أو من مضمون سؤاله فقد تحكّم في أعصابه وجوارحه , ولم يتأثر عليه الصلاة والسلام ممن حوله الذين زجروا الشاب واستهجنوا فعله بل استشعر أنه القدوة لهم ولابد أن يكون له موقفاً يتعلم منه الجميع , ثم بدأ يعطي الأمة دروساً عظيمة من هذا الموقف العظيم ومنها : أنه أدنى الشاب منه فقضى على كل تلك المسافات الماديّة والمعنويّة بينه وبين ذلكم الشاب , وأجلس ذلك الشاب بجانبه ليصبح النظر بين الطرفين على مستوى واحد , وليحضر بذلك التواضع والاهتمام في الحديث , ثم بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل الشاب بلغة العقل والمروءة والأنفة فيقول : " أتحبه لأمك " " أفتحبه لبنتك " " أفتحبه لأختك " ... الخ تلك الأسئلة المهمة التي كان لها الأثر العجيب في قلب ذلك الشاب , والدليل أن جوابه على كل تلك الأسئلة كان مضمونه " لا واللَّه جعلني اللَّه فداك " بمعنى لا ولم ولن أرضى أن يُفعل بأمي أو بنتي أو أختي الزنا , يأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام الشاب إلى الغاية التي كان يجهلها والتي كان مضمونها " ولا الناس يحبونه لأمهاتهم " " ولا الناس يحبونه لبناتهم " " ولا الناس يحبونه لأخواتهم " ....الخ , ثم يضع عليه الصلاة والسلام يده الشريفة على صدر ذلك الشاب ليلملم تلك الروح المبعثرة , ويعالج ذلكم الصدر الموجوع , ويطمئن تلك النفس الخائفة , ثم يوجه الرسول عليه الصلاة والسلام ذلكم الشاب إلى ربه ويذكره بخالقه من خلال كلمات رائعة ودعوات صادقة " اللَّهمّ اغفر ذنبه , وطهر قلبه ، وحَصِّنْ فرْجَه " فكانت النتيجة أن أصبح فعل الزنا أقبح ما يراه ذلكم الفتى بل لم يعد يلتفت إليه نهائياً .
لقد ربّى النبي عليه الصلاة والسلام على أمته على مثل هذه الدروس , فهل نحن نتمثل بها نحن الآباء والدعاة والقدوات في تعاملنا مع الشباب أم لا ؟ , هل نحسن فن الإنصات والاستماع لهم ؟ هل نستطيع أن نشبع قلوبهم قيماً هادفة وهمماً سامية وعاطفة صدقة ؟ هل نتقن التعامل مع أنماطهم المختلفة ومزاجاتهم المتباينة ؟ هل سمعوا منا دعاء صادق لهم ؟ هل شعروا بأن يداً تمتد لهم لتمسح دموعهم أو تحس بوجعهم ؟ أسئلة كثيرة تعيد الأب والمربي والقدوة إلى المربع الأول وتجعله يتذكر مدى تلك القسوة والإقصاء والفوقيّة التي كان يتعامل بها مع أبناءه الشباب , وتجعله يقرر أيضاً أن صفحة جديدة لابد أن تفتح بينه وبين أبناءه الشباب .

أحبتي ..
لو سألنا أنفسنا .. لماذا أضحى كثير من شبابنا في مستنقعات الرذيلة وميادين الانحطاط وبيئات الفساد لكان من أهم الأسباب في ذلك هو عدم معرفة كثير من الآباء والمربين والمعلمين والدعاة والقدوات بالجانب المشرق في حياة الشباب , وعدم التركيز والعناية بمواطن الخير فيهم , والسعي المتواصل –للأسف الشديد- في إقصاءهم وتهميشهم وعدم السماع لهم , بل اتهامهم بالسفه والطيش , والترفع عن الجلوس معهم أو مشاركتهم في همومهم واهتماماتهم , فكانت النتيجة هو ما سمعتم ولله المشتكى .
رفقاً بالشباب .. فهل كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام إلّا شباب .

بقلم
حسين بن سعيد الحسنية
16/1/1436هـ


 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية