اطبع هذه الصفحة


الطلاق .. وأسباب انتشاره

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده وبعد ,,
الخطبة الأولى :-
فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل : " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " , ومن تفكّر المؤمن في مشروع الزواج ما جعل الله فيه من المودة والرحمة وما يتبع ذلك من الاطمئنان الروحي والاستقرار النفسي والتناغم الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة وتربية النشء التربية الإسلامية الصحيحة , بل سمّاه الله تعالى في كتابه الكريم بالميثاق الغليظ لعظم شأنه وعلو منزلته في الإسلام قال تعالى : " وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا "
وتلكم نعم جليلة من مسدي النعم جل وعلا يجب على المؤمن أن يشكره عليها , وأن يسعى جاهداً على أن يقف موقفاً حازماً ضد كل من يعبث باستقرار أسرته أو يخطط لهدم بيته بأي وسيلة كانت , وهذا واجب شرعي أمر به الله جل وعز فقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ "
وإن من الأخطار التي تهدد الأسر المسلمة (الطلاق) فهو مشكلة أسرية عظيمة , بسببها تفرقت الأسر , وتهدّمت البيوت , وضاعت الذريّة , وقطعت الأرحام , وكثرت الآثام , وانعدمت الرحمة والشفقة عند كثير من الآباء والأمهات , وبدلاً من أن يكون الطلاق حلاً للمشكلات الكبيرة والتي استعصت على الأزواج والزوجات أن يجدوا لها حلاً إلا الطلاق أصبح هو الطريقة التي يستخدمها أصحاب الأيدي العابثة والأفكار المنحرفة والأساليب المتهورة , أولئك الذين لا يدركون القيم والمبادئ التي شرع من أجلها الزواج , ولا يضبطون تصرفاتهم ولا أخلاقهم عند حصول الاختلافات والإشكالات بينهم وبين زوجاتهم , فتراهم لا يحلفون إلا بالطلاق , ويهددون بالطلاق , حتى تفشّى هذا الخطر في مجتمعنا المسلم وانتشر (والله المستعان) , ففي إحصائية وزارة العدل لعام 1437هـ بلغ عدد صكوك الطلاق في السعودية أربعون ألفاً وثلاثمائة وأربعة وتسعون صكاً , وهي إحصائية كبيرة ولا شك في ذلك .
وإن من أسباب انتشار مشكلة الطلاق عدم استشعار بعض الأزواج أهمية هذا المشروع العظيم والميثاق الغليظ وهو الزواج , فهم يعتبرونه للوطء والجماع وتفريغ الشهوة وحسب , ولا يلتفتون أبداً لكونه موضعاً للرحمة والمودة , ومحلاً للاطمئنان والسكينة , ومحضناً للتربية وصناعة الأجيال .
ومن أسباب حصول الطلاق الخطأ الفادح في اختيار الزوج لزوجته واختيار الزوجة لزوجها , فالزوج قد يبحث عن الجمال أو المال أو الحسب والنسب ولا يأخذ في كامل اعتباراته صلاح المرأة وتقواها لربها واستقامتها على دينها , وقد حرّص الشارع الحكيم على حسن اختيار الزوج لزوجته لتدوم العشرة وتبقى المودة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " , وولي المرأة أو المرأة قد يبحثون عن الزوج الغني أو صاحب المنصب ويتغافلون عن دينه وأخلاقه التي تعينه على أن يكون زوجاً ناجحا في قيادته لأسرته وقوامته عليهم وهنا أيضاً وجه الشارع الحكيم بأن على ولي المرأة والمرأة أن يقبلوا بالزوج المتديّن صاحب الأخلاق الكريمة , عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ "
ومن أسباب حصول الطلاق – الغضب - وهو الشر المتكرر من كثير من الأزواج الذين لا يضبطون أعصابهم ولا يتحكمون في تصرفاتهم ولا يزنون كلماتهم , فتجد أحدهم من أدنى زلة أو أصغر خطأ من زوجته يرعد ويزبد ويجلجل ويولول ثم يدوّي أسماع أفراد أسرته بالطلاق , فإذا حُلّ من عِقَال الغضب وانفك من حالته تلك وعاد إلى عقله تألم وتحسّر وضاع وضاعت زوجته وذريته وبدأ يبحث عن حل للعودة أو فتوى للرجوع وقد لا ينفع الندم ولا يكون الرجوع , فاحذروا معاشر الأزواج من الغضب , وأكثروا من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم , وإذا كرهت أيها الزوج من زوجتك شيئاً فاعلم أن هناك فيها من الحسنات والإيجابيات الشيء الذي لا يخفى عليك لو أنك سعيت في اكتشافه والتركيز عليه , قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَفْرَكْ [أَيْ لاَ يُبْغِضْ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ "
ومن أسباب حصول الطلاق أيضاً تهاون الأزواج في مسألة الحقوق المتبادلة بينهم فالزوج مثلاً كثير الانشغال عن بيته , دائم البعد عن زوجته وذريته , متعجرف في تعامله معهم , متكبر عن تواصله معهم , فلا رحمة ولا ملاطفة ولا مداعبة ولا مساهمة , فيكسر قلب زوجته بقسوته وجموده , ويولد الكراهية في قلوب أبناءه بتعاليه وصدوده , كل ذلك لمّا ضيّع حقوقهم , وأهان وجودهم , وهمّش كياناتهم , والله تعالى يقول : " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " وخَيْرُ النَّاسِ خَيْرُهُمْ لأَهْلِهِ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" .
والزوجة أيضاً قد تضيّع حقوق زوجها عليها بتخَلِيها عن دورها الهام داخل البيت فلا رعاية للزوج ولا اهتمام بالبيت والأولاد , بل قد تتمرد بعصيانها لزوجها وخروجها عن طاعته , وقد تُخِل في ما حمّلها الله من أمانة ومسؤولية , قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا " .
ومن أسباب حصول الطلاق أيضاً دخول طرف ثالث بين الزوجين بهدف الإفساد بينهما , وهنا لابد على الزوجين أن لا يقيما أحداً لوجود مشكلة بينهما مهما كان قبل أن يعرفا مقصده أو يقيما ذو علم وخبرة وصلاح ليعالج ما أشكل بينهما .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب .

الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده وبعد ,,
أيها الزوج الذي يريد أن يطلق زوجته : كيف هي حياتك بعدها ؟ وكيف سيكون أبناءك وبناتك ؟ وإلى أي مآل ستتجه حياتك واهتماماتك ؟ فالله الله في الحكمة والصبر , والتدرج في معالجة الأمور قال تعالى : " وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا " واحذر من الغفلة والغضب التي توردك موارد الندم والحسرة .
أيتها الزوجة التي تريد الطلاق : استشعري ما هو حالك بعد أن تفقدي نعمة الزوج , سيئول للعنوسة والوحدة والانطواء فقد لا يقدر الله لك زواجا آخراً , واصبري على علّات زوجك واحتسبي الأجر على ذلك , وانظري إلى مواطن الإيجابية فيه , واحذري أن تطلبي منه الطلاق من غير سبب واضح فذلك ذنب عظيم وعقوبته عظيمة عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ "
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

حسين بن سعيد الحسنية
02/07/1438هـ

 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية