اطبع هذه الصفحة


مهارات في التعامل مع المراهقين

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


إنّ ما يقلق الآباء والمربين في كل زمن وحين هو كيف يربوا أبنائهم التربية الإسلامية الصحيحة ؟ وما هو المسار الأمثل المؤدي لتلك التربية , خاصة وأنّهم يستشعرون ثقل الأمانة وعظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم لقاء تربيتهم لأبنائهم وبناتهم .
ولا شك أنّ الأب الغيور والمربّي الغيور أيضاً على أبناءهم وبناتهم يجعلهم يتخذون كافة السبل المشروعة والطرائق الممكنة لكي يكونوا أكفاء في تحمل هذه الأمانة والمسؤولية , فتجدهم لا يهدأ لهم بال , ولا تستقر لهم روح في حال سيرهم على طريق التربية الصحيحة الراشدة ومضيّهم نحو نجاح العملية التربوية الهادفة .
والعملية التربوية والعلاقة مع الأبناء تمر بمراحل عدّة كل مرحلة لها أساليبها وممارساتها والتي تضمن نجاح المسيرة التربوية وتبني علاقات متجدّدة ووطيدة بين المربّي وأبناءه , لذا فإنّ على المربّي أن يطّلع على هذه الأساليب والممارسات , وأن يكون له الرصيد المعرفي في الجانب التربوي بكافة مراحله المختلفة .
وهنا سأكتب عن مرحلة مهمّة من مراحل العمر والتي يمر بها أبناءنا وبناتنا وتكمن أهمّيتها في كونها مرحلة حسّاسة للغاية وتعتبر مفترق طرق بين طريق البر وطريق العقوق , وتكمن أهميّتها أيضاً في قلة المخزون المعرفي والمعلوماتي لدى كثير من الآباء والمربين عن هذه المرحلة وعن كيفية التعامل معها , وإضافةّ إلى ما تقدم فإن نظرة كثير من الآباء والمربين لهذه المرحلة النظرة السلبية جعلها نذير شؤم وعقبة كئود وواقع مر عند كثير منهم يصعب التكيّف فيه والعيش معه , هذه المرحلة هي ما تسمى ب (المراهقة) .
ومرحلة المراهقة مرحلة يقرب فيها الابن أو البنت من مرحلة النضج ومن ثم إلى الرشد , وهي الطريق بين اللامسؤولية والمسؤولية الكاملة , وتقع في الغالب بين عمري الرابعة عشر والحادية والعشرين , ويتركز النمو في هذه المرحلة عبر أربع اتجاهات النمو الجسمي والاجتماعي والانفعالي والعقلي , ويظهر في هذه المرحلة من الممارسات ما لم يكن معروفاً من قبل ومنها الحديث بلغة الأنا , وحب الظهور , وخوض التجارب , وحب الاستقلال والعزلة , وكسر القيود , والحماس الغير منضبط أحياناً , ولكي أكون منصفاً فإن هناك ممارسات إيجابية في هذه المرحلة – أي مرحلة المراهقة – يجب أن لا نغفلها بل علينا أن نركّز عليها ونعززها نحو نجاحنا التربوي ومنها حب القيادة , والرغبة في تحمّل المسؤولية , والقدرة على حل المشاكل واتخاذ القرارات وغيرها .
إن مسؤولية الآباء والمربين تجاه هذه المرحلة مسؤولية عظيمة وعليهم أن يبادروا في تغيير مواقفهم وتعاملاتهم مع أبناءهم وبناتهم المراهقين والمراهقات متى ما شعروا أن معاملتهم لهم في هذه المرحلة تشكّل خطراً على حياتهم ومستقبلهم .

وأعرض هنا عشر خطوات لكل أب ومربّي يستطيعان من خلالها أن يتعاملا مع المراهق تعاملاً إيجابياً , ويساهما إلى حد كبير في تفعيل التواصل الحسن معه , والسعي نحو تغييره إلى الأفضل , وتقليل المخاطر المتوقع حصولها في هذه المرحلة وهي كما يلي : -


أولاً / أشعره بأهميته :
فإن الابن المراهق إذا أشعرته بأهميته سواءً بالكلمة أو الفعل فإنه يتفاعل معك بشكل كبير وينجح في كثير من المهام التي يكلف بها إذا وجد تحفيزا ًوتشجيعاً من قبلك , أشعره أيضاً بأنه أصبح رجلاً يُعتمد عليه , ويُعوّل عليه في مسؤوليات البيت وحاجات الأهل والمهام الأخرى , وأنه أصبح كفءً لتحمل هموم الحياة وقادراً على مصارعة ظروفها وأحوالها المتقلبة , وهنا يجد المراهق لنفسه مكان يتجول فيه بكل أريحية وسهولة .

ثانياً / ساعده على تحقيق أهدافه :

فالابن المراهق له أهداف يسعى إلى تحقيقها وأيّاً كانت تلك الأهداف فإن على الأب والمربّي أن يساعداه في تحقيقها من خلال تدريبه على التخطيط وبناء روح العزيمة فيه ودفعه نحو الإصرار على المواصلة إلى آخر الطريق , ومشاركته أيضاً في التنفيذ الإجرائي , ومكافأته حين يحقق شيئاً من تلك الأهداف .

ثالثاً / كن واضحاً معه :
فلا تُخفي عليه شيئاً بحجة أنه لازال صغيراً أو لا يفقه شيء , اكشف له الملفات المغلقة التي هو بحاجة إلى أن يقرأ أوراقها وهي تهمّه في المقام الأول , وضّح له المبهمات من الأمور في حياته , أجب على أسئلته بكل صراحة وصدق , صدقك معه في ما تقدم يجعله يستغني عن الآخرين الذين قد يتعاملون لهدف ما أو مصلحة دنيوية رخيصة .

رابعاً / لا تؤذه إيذاءً لفظياً أو جسدياً :

خاصة أمام إخوته وأقرانه , ولا تصفه بسوء , ولا تعيّره أو تهمّشه بأسلوب أو بآخر , وإذا ضربته فلا تضربه ضرباً مبرحاً وليكن الضرب من أجل التأديب فقط , وتجنب ضربه على وجهه أو مقاتل جسده , واحذر من الصراخ في وجهه , ولا تهدده بأمر يزعجه , وابتعد عن مقارنته بالآخرين لأن ذلك يفقده ثقته في نفسه ويجعله يحمل قلباً حاقداً كارهاً لك وللآخرين .

خامساً / احترم خصوصياته :

ففي مرحلة المراهقة تصبح للمراهق خصوصيات يكره أن يطّلع عليها الآخرون , فعليك أن تحترم ذلك الشعور , مع عدم إغفالك دور المراقبة الغير مباشرة والبعيدة أيضاً عن التجسّس أو تصيّد الأخطاء .

سادساً / أعط فرصة يعبّر فيها عن رأيه :

المراهق يريد أن يثبت نفسه للآخرين ويسمعهم صوته ويريهم مكانه لذا فمنحه الفرصة أمر مهم جداً ويساعده ذلك على تكوين شخصيته وإثبات ذاته وصناعة قراراته , فاسمع منه إلى الأخير , وشجعه على الحوار الهادف , ودرّبه على مهارات التفاوض والإقناع , واحترم خيالاته وآماله وطموحاته حينما يتحدث عنها .

سابعاً / لا تجعله يملّ من توجيهاتك :

فالمراهق ملول وهو يكره في الغالب التوجيه والنصح بحجة أنه أكبر من أن يوجّه أو يُنصح , فاختصر توجيهاتك , واجعلها محددة وواضحة ومباشرة , وامنحه الحلول بقدر استطاعتك قبل أن يقع في المخالفات أو الأخطاء .

ثامناُ / اكتشف إيجابياته الصغيرة :

فكثير من الآباء والمربين يركزون على الإيجابيات الواضحة والظاهرة وهذا جيّد لكن يجب أن لا يغفلوا عن الإيجابيات الصغيرة والتي تحتاج منا نحن الآباء والمربين إلى أن نكتشفها في أبناءنا ومن ثم نثني عليهم من خلالها ونجعلهم يركزون في تطويرها وتعزيزها وهذا يساعدنا في أن ندربهم على اكتشاف ذواتهم أكثر والغوص في أعماقها واستخراج تلك الكنوز التي كانت خافية عليهم يوماً ما .

تاسعاً / شاركه في مشاعره :

وامنحه مزيداً من الثقة والحب والعاطفة التي ينتظرها منك , وشاركه في أحزانه وأفراحه , وقف معه في عثراته ومواطن فشله , وكافأه نظير نجاحاته وإنجازاته , ففي مشاركتك له في مشاعره وقايةُ له من الهموم والغموم والأمراض النفسية والانطواء والعزلة المذمومة والتي تحصل غالباً في المراهق .

عاشراً / ادع لابنك :

وكن ملحّاً في الدعاء بأن يجعله باراً مباركاً صالحاً مصلحاً , وأن يكون عامل بناء لمجتمعه وأمته , وسداً منيعاً ضد كل شر وفتنة , وأن يكون صاحب دعوة سامية بالحق , ورسول سلام للبشرية .

ختاماً ..

من الظلم أن ننسب الشر والتهور والضياع للمراهق في كل زمان ومكان , أو نتعامل معه وكأنه لنا عدو يجب محاربته والترصّد له .
من الظلم أن نُحِدّ نحن الآباء والمربين للمراهق أنظارنا , أو نرفع عليه أصواتنا , أو نحيد عنه بأجسادنا مع أنه محتاج لنا ويريد أن يسمع منا .
فأبناءنا فيهم الخير الكثير , وعندهم من القدرة على التعامل مع من حولهم الشيء المثير , وهم يمتلكون من الموهبة والإبداع والعلم الغزير , ومن يتأمل في تعامل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام مع شباب الصحابة رضي الله عنهم يدرك رحمة المربي وحسن تعامله وعفويته مع أبناءه وإخوانه الصغار الأمر الذي أنتج للأمة من تلك التربية النبوية الراشدة قادةً عظام وعلماء كرام .
والله أعلم , وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 

كتبها / حسين بن سعيد الحسنية
02/08/1438هـ

 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية