اطبع هذه الصفحة


أيها الحاسد لإخوانه

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


كلمات صادقة، وأسئلة من القلب، أوجهها لكل قلبٍ مريض على إخوانه، وإلى كل عينٍ متسلّطة على ما عند الآخرين، وإلى كل نفس توّاقةٍ لم تذكر الله تعالى على ما أعجبها ولم تتبرك على مع ذلك الإعجاب.
هي رسالة إلى حاسد، أشقى روحه بجسده، وأمرض إخوانه بعينه، وأطاع قرين السوء؛ ليبث فتنه وشروره.

أيها الحاسد لإخوانه :

لقد أمر الله I نبيه محمداً ﷺ أن يستعيذ من شرِّك فقال: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " الفلق1-5 , فكيف بربك تهنى لك حياة، أو يطيب لك عيش، وقد أمر الله I رسوله ﷺ والأمر موصول إلى أمته بأن يستعيذوا من شرِّك وبلائك.

أيها الحاسد لإخوانه :

لقد أهلكت نفسك بالهموم وأفنيتها بالأحزان، وأنت ترى ما في يد غيرك، وتتطلع إلى ما عند إخوانك، فأصبحت تراوح بين الكمد والكيد، ونسيت أو تناسيت ما قاله ﷺ " والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه في غير طاعة الله فما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته " رواه الطبراني , فلماذا الرضى بالعيش في دائرة المعاناة، وفضل الله عظيم يتسع لجيمع خلقه I الجواد الكريم.

أيها الحاسد لإخوانه :

إنك بهذه الآفة القلبيّة الذميمة تعترض على قضاء الله، وتتسخط من قدره، وتكفر بنعمه التي أنعم بها عليك، ولسان حالك يقول: لماذا أعطى ربي فلاناً ولم يعطني؟ لماذا أغنى فلاناً وأفقرني؟ وغير تلك الأسئلة التي تظهر سخطك وجزعك من قضاء الله وقدره عليك، ونسيت قول الله تعالى: " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " الزخرف: 32 .

أيها الحاسد لإخوانه :

إنك بهذه الصفة القبيحة التي تحملها في قلبك، وتتجسد على جوارحك وتظهر في كلامك وتعبيرك لتضيف إليها صفاتٍ قبيحةً أخرى، لا تقلّ عن قبح الحسد ودناءته، ومن تلك الصفات القبيحة حب الأنا والانتصار للذات، وكراهية الآخرين، ومحاولة نصب شراك الأذى لهم، والانتقام منهم، إضافة إلى تتبّعك للعثرات، وتصيّدك للزلات، ونفخك في الهيئات، وتشهيرك لهذا وذاك، في المجامع والمجالس والمنتديات , والرسول ﷺ يقول: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً " رواه البخاري, وقال ﷺ محذراً ومتوعداً: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أبو داود وأحمد, فهل أدركت أيها الحاسد ما تتصف من أخلاق، وما تتميز به من صفات؟.

أيها الحاسد لإخوانه :

إنك بهذا الخلق الذميم كإبليس، الذي بدأ طريق عصيانه لربه بالحسد لأبينا آدم u. " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ " ص: 75-76 .

أيها الحاسد لإخوانه :

بالحسد تكون من الذين خسروا دنياهم وآخرتهم، كقابيل الذي حمله الحسد على قتل أخيه هابيل. " فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين " المائدة: 30 , وبالحسد أيضاً تكون ككفار قريش الذين امتلأت قلوبهم حسداً على دعوة النبي ﷺ، فاستكبروا عليه، وكفروا به، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين, " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ " الزخرف: 31, وتكون كيهود، الذين ذهب ما تحمله قلوبهم من الحسد إلى جحد نبوة الرسل – عليهم الصلاة والسلام- " وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ " البقرة: 109, فتأمل – أيها الحاسد - كيف جعلك الحسد كإبليس، وككفار قريش، وكيهود، أولئك فعلاً هم الذين خسروا الدنيا والآخرة.

أيها الحاسد لإخوانه :

إن الحسد سبب في مرض القلب، يجعله خالياً من الإيمان الحقيقي، فتسكنه كراهية لكل أحد، - نعم - الحسد يجعل صاحبه كارهاً لوالديه، ولزوجته، ولأبنائه، ولقرابته، ولجيرانه، ولأرحامه، ولأفراد مجتمعه بشكل عام, والرسول ﷺ يقول: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه " متفق عليه .

أيها الحاسد لإخوانه :

كيف تريد أن يكون لك رصيد من الحسنات عند ربك وأنت تحمل الحسد بين جنبيك؟.
كيف تسأل الله الرفعة في الدنيا والآخرة وأنت تتمنى زوال نعمه جل وعلا على إخوانك؟.
تأكد – أيها الحاسد - أنه لا حسنات مع الحسد، ولا رفعة في الدنيا والآخرة مع الحسد، فقد بيّن رسول الله ﷺ أن هذه الصفة هي الحالقة، حالقة الدين، لا حالقة الشعر. وقال ﷺ في هذا المعنى: " إيّاكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " رواه أبو داود, , فلماذا إذاً تعيش – أيها الحاسد- بصفة تفسد الدين وتأكل الحسنات، والعياذ بالله.

أيها الحاسد لإخوانه :

نقِّ قلبك من هذا الداء العضال، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وتمنّ لهم الخير لتعيش معهم تحت ظلاله وبين أروقته، واحذر أن تقحم نفسك في دوائر الضنك والكدر والتعب والهموم، واعلم أنه لا راحة لحسود، أو تظلمها بحسد أو ضغينة، أو كراهية، أو حقد، فقد قال أحدهم: - ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد- .
 

كتبه
حسين بن سعيد الحسنية
12/08/1437هـ
 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية