اطبع هذه الصفحة


ثلاث كلمات ,, للجادين فقط

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


كلمات صادقات نيِّرات، ووقفات عاطرات مهمّات " للجادين فقط "، الذين عزموا على الانتقال في حياتهم إلى ما هو أفضل وأجلُّ وأسمى، وعقدوا بهممهم العالية أن يربوا بأنفسهم عن كل هوان، أو تأخر، أو قعود في هذه الدنيا، وقرروا أن يكون لهم في هذه الدنيا مشاريع وأهداف، تكون شاهدةً لهم بالخير في الدنيا, ومما يبقى لهم بعد رحيلهم منها.
كلمات للقلب النابض بحياة هذا الدين، للعين المتأملة في ملكوت السموات والأرض، للعقل الذي يحمل من الأفكار أنصعها، ومن الخيال أصدقه، ومن الفكر أوسعه وأشمله.
كلمات تحيي في كل صدر عزيمة، وتبعث في كل نفس تجدد، وتبث في كل فؤاد نجوى.
كلمات ثلاث ... يسيرٌ حملها عند من باع دنياه لأجل دينه؛ لأنها فقط لأصحاب الهمم السامية، والمراقي العالية، والحضور المشرّف.
فأرعني سمعك، وأقبل إلَيّ بكل جوارحك، وتأملها بصدق لا انهزام فيه، وجدية لا فتور يخالطها، " فما ارتفع صوت الحادي يوماً ما لرفقة أولي صمم، ولا ارتفع الفلك الأعلى لغير أهل الشموخ " (صلاح الأمة للعفاني ص44).

الكلمة الأولى:

كن مع الله في خلواتك وجلواتك، وفي حِلِّك وترحالك، وفي أقوالك وأفعالك، فهي المعيّة الشريفة، والعلاقة الوثيقة، والصلة التي لا تجاريها صلة.
إذا استعنت فاستعن بالله، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعذت فاستعذ بالله، وإذا توكلت فتوكل على الله، وإذا ناجيت فناج الله.
لا تعمل إلا لله، ولا تتعلم إلا لله، ولا تدع إلا إلى الله، ولا تصبر إلا من أجل الله.
حياتك مع الله سرور، وطريقك إلى الله نور، وبعدك عنه فسوق وضلال وفجور.
إذا أوصدت أمامك الأبواب فباب الله مفتوح، وإذا ادلهمت عليك الخطوب فعون الله قريب، وإذا تركك الأحباب وهجرك الأصحاب فأي معين أفضل من معين العزيز الوهاب؟.
كن مع الله تنجح، واستعن به تفلح، وأخلص ذلك كله لله، لتنل على الهداية المبتغاة.
قال صاحب الظلال: "الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ويتصلوا به. الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا. الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس. الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب.. أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم. إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضيهم. وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم. وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم. وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء". (الظلال 5/2752).

الكلمة الثانية:

الدنيا طريق إلى الآخرة، ويعتري هذا الطريق من العقبات والمنغصات ما يعتريه، وبه من الأشواك والأقذار ما فيه، ولا تكاد ترى سالكاً له إلا وقد شكى منه، وعانى من ويلاته.
وهذه حكمة اقتضاها الرب جل وعلا ليبتلي بها عباده. قال " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " الملك: 1-2 , والسالك لهذا الطريق يحتاج إلى رفقة صالحة، وإلى عصابة طامحة، وإلى جماعة مشجعة؛ ليكونوا إخوة في الله، في هذه الدنيا، ويلحقهم فضل وخير هذه الأخوة ليكونوا أيضاً إخوةً في الآخرة بصلاحهم وتقواهم. " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " الزخرف: 67 , وإخوة الطريق إلى الله لمن لا يعرفهم، فهم في طريقهم " الله غايتهم، يتوجهون إليه بالغداة والعشي، لا يتحولون عنه، ولا يبغون إلا رضاه، وما يبتغونه أجلُّ وأعلى من كل ما يبتغيه طلاب الحياة, فاصبر نفسك مع هؤلاء، صاحبهم وجالسهم وعلمهم، ففيهم الخير، وعلى مثلهم تقام الدعوات " (صلاح الأمة للعفاني 68).
إخوة الطريق إلى الله، هم الصادقون في نصحهم، الباذلون في عطائهم، الصامدون عند حصول الكرب، الطامحون إلى أعلى الرتب.
فكلما أحسن المؤمن اختيار رفقاء دربه كان للنجاح أقرب، وللتميز أدنى، فالمرء على دين خليله، والصاحب ساحب، وقل لي من تصاحب أقل لك من أنت.
اقرأ دائماً صفحات الأخوة البيضاء، التي كان يكتب حروفها بمداد من ذهب، محمد ﷺ مع أصحابه .
فـ " أيها الفارس مهلاً ...
لا تغادر صهوة الحق ولا تلقي اللجام
واستمع ...
يا فارس الحق صدى صوت الكرام
هل تذكرت الألى
ساروا حفاة والألى راموا القيام
والألى من شرفة التاريخ
أعلوا هامة الصدق الهمام
والألى لم يعشقوا النوم
وما أغضوا لتسفيه اللئام موسى هجاد ( البيان ) العدد 105

الكلمة الثالثة :

كن صاحب همة لا ينطفئ نورها، ولا يغيب بدرها، وليس لها زمامٌ يُرخي عزمتها، أو لجام يسكت صهيلها.
في كل يوم تنقلك إلى مكان جديد، وتسافر بك إلى كل فريد؛ لكي تصلا ببعض إلى رضى العزيز الحميد.
كن صاحب همة عالية، ترقى بك إلى منازل السابقين الفائزين، فعلى قدر السباق هنا يكون قدر السباق هناك.
يقول أحدهم: "إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً، وأقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب".
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فمتى ما سمَيت بهمتك، وضحت خطواتك، وبانت بصمتك، وغادرت هذه الدنيا وقد بنيت لك في كل بلد قصراً، وفي كل صدر ذكراً، وعلى كل لسان دعاءً لك يترا.
"الهمة العالية درجة شخص إليها العبّاد والزهّاد والمجاهدون والعلماء والحكماء وإليها شمّر السابقون من الأنبياء وأصحابهم ومن سار على منهجهم، وفيها أنفق المنفقون ومن وافقهم، فهي قوت قلوب السالكين, وغذاء أرواح العارفين، وقرة عيون المؤمنين الموحدين.
الهمة العالية هي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات، والنور الساطع الذي يسترشد به الغرباء في بحار الظلمات، وهي الشفاء الذي من فقده فقد أصابته جميع الأسقام والأنات، وبها تكون اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام وحسرات" (محمد صفوت نور الدين، مقدمة كتاب علو الهمة لسيد عفاني ص1).
وسر في غمرات الليل مهتدياً
وعادِ كل أخ جبنٍ ومعجزةٍ
وخذ لنفسك نوراً تستضيء به
بنفحة الطيب لا بالعود والحطبِ
وحارب النفس لا تلقيك في الحربِ
يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتبِ

الفوائد لابن هيثم ( 101-102).
 

كتبه
حسين بن سعيد الحسنية
20/08/1437هـ
 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية