اطبع هذه الصفحة


عشر من الفطرة

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأراضين فجوجاً وحمد، وأرسى الجبال من فوقها عمداً ووتد، نحمده على ما رزقنا من نعم كثيرة، وعلى ما وهبنا من هبات غزيرة , وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة نحيا من أجلها، ونموت من دونها، ونتمنى على الله أن نلقاه بها، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله ربه بالكتاب المبين، مبشرا ومنذراً جميع العالمين:
صلى عليك الله خير صلاة يا خير ماض في الأنام وآت
يا سيّد الثقلين يا من بشرت بك أمة الإنجيل والتوراة
لك في قلوب المؤمنين محبة ومكانة أوفت على الهامات

اللهم صلّ وسلم على الهادي الأمين، وعلى آله الطيبين، وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فاتّقوا الله عباد الله، وأخلصوا أعمالكم ونقّوا أنفسكم وبروا بمن له حق عليكم وكونوا دعاة إلى ربكم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) .

أيها الموحدون:
إنّ مما لا يخفى على عاقل أن المؤمن مأمور باليسر على منهج كتاب الله تعالى ومنهج سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومتى ما حاد أو انحرف عن هذين المنهجين لقي الشقاوة والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.
فإنّ الخير كل الخير في القرآن والسنة، وهما الطريقان الموصلان إلى الجنة، وهما – الفطرة – التي فطر الله الناس عليها، فجعلهم مفطورين على محبة الخير وإيثاره، وكراهية الشر ودفعه قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
وفطرة الله هي تحقيق الإيمان به وبرسله وكتبه وآياته وملائكته واليوم الآخر وما فيه من أحداث ومشاهد، وتحقيق الخوف منه ورجاءه ومحبته والإنابة إليه، وهذه الأمور سبب في تزكية النفوس من دخن النفاق والرياء، وغبش الشهوات والشبهات، وسبب أيضاً في طهارة القلوب من الحقد والحسد والضغينة والكراهية، وجعلها قلوبا لا تحمل إلا الجميل من الأخلاق والحسن من الصفات قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
وتزكية النفس وطهارة القلب إنما هي تزكية للمؤمن من داخله وطهارة لباطنه، وهي من أشدّ ما يحرص المؤمن عليه.
إلّا أنّ هناك طهارة أخرى وهي طهارة المؤمن لظاهرة واهتمامه بمظهره، وذلكم من الفطرة أيضا، جاء في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رشي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عشر من الفطرة، قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم – وهي مفاصل وعاطف اليدين -، وحلق العانة، وانتقاص الماء – يعني الاستجمار – قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) .
قال ابن الأثير: عشر من الفطرة أي من السنّة يعني من سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها.

ولنا مع هذا الحديث هذه الوقفات:ـ

أولاً: تأمّل في اهتمام الإسلام بمظهر المسلم تماماً كاهتمامه بجوهرة، وحرصه على أن يخرج للآخرين في أبهى صورة وأجمل منظر، ذلكم أن الإسلام دين الطهر والجمال والنظافة، ولا يقبل أن يكون المنتمي إليه حاملاً للروائح الكريهة أو متلبساً بالثياب المتسخة أو تاركاً لما يجلب ذلك من أوساخ وأقذار في جسده.

ثانياً: أنّ من وسائل التأثير في الآخرين أن تكون عندهم صورة ذهنية يذكرونك بها، فاحرص أن تكون تلك الصورة ملتحفة برداء الزينة وإزار الستر والحشمة، واحذر من أن تهمل في عنايتك بجسدك أو شعرك أو رائحتك أو ملابسك؛ لان ذلك يعطي صورة سيئة عند الآخرين، بل قد تكون سبباً في ازدراءهم لك وبعدهم عنك وإقصاءهم لشخصك وكلمتك، وللقدوات وأصحاب الكلمة في مجتمعاتعهم من باب أولى أن يكون هذا الكلام موجهاً لهم.

ثالثاً: من يتأمل في الحديث يدرك أن عناية المؤمن لجسده هي عناية تكامليّة لا تخص عضواً دون آخر فمن العناية بالشارب واللحية إلى الاهتمام بالسواك وتنظيف الفم والأسنان والأنف بالمضمضة والاستنشاق والمفاصل وتخليل معاطف البدن إلى نتف الإبط، وحلق العانة إلى الاستنجاء، وعلى المؤمن أن لا يهتم بعضو ويترك الآخر، كمن يهتم بأسنانه ونظافتها وهو يحلق لحيته، أو كمن يحلق عانته وهو لا يتنزّه من بوله، أو كمن يحرص على التطيّب ويغفل عن رائحة فمه وهكذا دواليك .

رابعاً: حينما نتحدث عن طهارة البدن وجمال الملبس فإنا ندعو إلى ذلك بأسلوب التوازن، فلا إفراط ولا تفريط ولا إسراف ولا تقتير، واحذر من طريق التكبّر الذي قد تسلكه وأنت لا تشعر، أو أن تلبس ثوب الشهرة أو تقلّد كافر في قصته أو لبسه أو مشيته: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) .

خامساً: أن على المؤمن وهو يهتم بمظهره أن يهتم أيضاً بكل بيئة ينتمي إليها وبكل مجتمع هو أحد أفراده ومنها على سبيل المثال اهتمامه بنظافة بيته وسيارته ومقر عمله أو مكان دراسته، وأن يعلم أن ذلك مؤشر على تعامله الحذق مع أدواته ومكان بيئته، وفي المقابل تجد من بيننا من لا يهتم في ذلك كله تلاحظ حينها العبثية المقيته والفوضوية المقلقة واللامبالاة في حياته كلها للأسف الشديد، كل ذلك لمّا لم يهتم بجمال بيئته ونظافتها، وبشكل عام فإن على المؤمن أيضاً أن يكون إيجابيا في التعامل في كل مكان يغشاه أو طريق يسير عليه أو ميدان يأنس فيه، فيبادر بالاهتمام به والعناية بمرافقه والسعي في تنظيفه وتجميله، بل عليه أن يدعو كل من حوله بان يساهموا في ذلك كل بحسبه وطاقته، ولنعلم جميعاً أن ذلك من حق إخواننا علينا، فمن شعب الإيمان أن يميط أحدانا الأذى عن الطريق، وقد شكر الله لشاب وغفر له حينما أزاح غصن شوك عن الطريق، ولقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام، بان نعطي الطريق حقه ونهينا عن قضاء الحاجة في الطرقات.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروا فيا فوز المستغفرين،،.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووعدنا بخير المنزل والمقام متى ما امتثلنا بأوامره واجتنبنا الآثام، وصلى الله وسلم على سيد الأنام محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأزكى سلام، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد أقام الإسلام تعظيم بيوت الله، وصيانة حرماتها، وإبقاء قدسيتها على ثلاثة أركان: ركن التقدير وركن التطهير وركن التعمير، ولقد دعا القرآن الكريم ودعت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على تعظيم المساجد وحذر من انتهاك حرمتها أو التعدي على إقامة ذكر الله فيها، ونشر نور الهداية من على منابرها قال تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
لذا فإن من تعظيم بيوت الله – ونحن نتحدث عن طهارة المكان وجمال البيئة – ولا شك أن المساجد هي أفضل الأماكن عند الله وأعظمها، أقول إنّ من تعظيمها تطهيرها وتنظيفها وعدم العبث بها أو بمحتوياتها أو بمرافقها المختلفة، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وأن تطهر وتطيب ، لذا فإنه ينبغي على من يرتاد المساجد أن يتهيأ لها ويتطيب ويتطهر ويتزين ويتجمل ويتخذ كل زينة ممتثلاً لأمر الله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) .
ومن تعظيم بيوت الله عدم إحداث فوضى داخلها كالأصوات العالية أو جلب الأطفال إليها وتركهم يعبثون ويلعبون فيها، أو عدم تصميت أجهزة الجوال وغيرها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لِيلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثاً، وإياكم وهيشات الأسواق ) .
ومن تعظيم بيوت الله الاحتراز عن كل ما يؤذي روّاد المساجد من الروائح الكريهة، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل من هذه البقلة الثوم، وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) ، فكيف بمن يدخن أو من يدخل المسجد بملابس العمل المهترئة البالية، والتي تنبعث منها الروائح الكريهة .

عباد الله:
عظّموا شعائر الله فإن ذلك دليل على تقوى تحملها قلوبكم وهدى يرتسم على وجوهكم، واحذروا أن تهينوا تلك الشعائر أو أن تهملوا قدرها ومكانتها فإن ذلك يدل على ضعف الإيمان وعدم الاهتمام بما عند الله من الأجر العظيم.
اللهم اجعلنا من عبادك المتطهرين الذي أعلنت محبتك لهم فقلت: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، واجعلنا ممن يأخذ زينته عند كل مسجد، وزيّنا بزينة الإيمان، وجمّلنا بجمال القرآن، وطهّرنا بسنّة النبيّ العدنان صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واّذل الشرك والمشركين، واحمي حوزة الدين، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم أصلح حال إخواننا أهل السنة والجماعة في كل مكان وحين.
اللهم أحفظ جنودنا على حدودنا وانصرهم على عدوك وعدوهم وعدونا، وأيدهم بتأييدك، وكن لهم معيناً وظهيراً يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين،،.

حسين بن سعيد الحسنية
h_alhasaneih@
08/02/1437هـ


 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية