اطبع هذه الصفحة


حتى لا يجهدك البلاء

أبوأنس-حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih


بسم الله الرحمن الرحيم


حينما تتحدث عن المصائب والابتلاءات، وتسمع عنها أو تعايشها، يتبادر إلى ذهنك سؤال مهم وهو كيف المخرج من هذه المصائب والابتلاءات، وقد تجيب أنت أو تسمع من يقول مجموعة من الطرق، ومن أهمها الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر الصبر، واحتساب الأجر، والاكثار من قراءة القرآن الكريم، والدعاء، والذكر، والرقية، وكل ذلك رائع ومطلوب لا شك فيه.

إلا أنني هنا أضيف إلى ما تقدم أربعة أسباب، إذا فعلتها وقمت بها ارتفع عنك الجهد بإذن الله، وخففت عليك المصيبة، وارتحت كثيراً من معاناتك وألمك ومصابك،،

وهذه الأسباب هي ما يلي:


أولاً-
أعلم أن الابتلاءات تصقل صاحبها، وتحرك فيه العقل، والقلب، والجوارح، وتساعده على أن يفكر، ويحرر، ويناقش، ويقرر، وتسهم في زيادة وعيه وإدراكه، وكذلك في قراءته وتدريبه، وأيضاً في علاقاته وتعاملاته، فالمبتلى الذي يصنع من شرابه المُرَّ عسلاً مصفى، ويجعل من العقبات في الطريق درجات لسلّم الرقي والنجاح، ويصنع من ساحات ابتلاءاته ومصائبه ميادين للتنافس والتحدي.
لذا عليك أيها المبتلى أن تجعل من قصة معاناتك قصة للتحدي، ومن الحدث الصعب الذي تعيشه رواية يستفيد منها من قد يبتلى مما ابتليت به.
وأقرأ في سير كثير من العظماء، والقادة، والمؤثرين، تجد أن من أهم أسباب ما وصلوا إليه أن جعلوا من معاناتهم وآلامهم وابتلاءاتهم الحدث الهام، والمنعطف المهم في حياتهم الدنيوية.

ثانياً-
الابتلاءات تعكس لك صورة مهمة عن حياتك، وهي أنك واحد من هؤلاء الناس الذين عُذِّبوا في حياتهم، وآلمتهم أحداثها ومواقفها، وتجرعوا مذاق الأحزان والحسرات فيها، فلست أفضل منهم، ولا تزيد عليهم بشيء تستطيع من خلاله أن تكون على عافية دائماً، وهذا ضرب من المستحيل، بل إن الطبيعي أن تتعثر، وتفشل، وتتألم، وتحزن، وتخاف، وتبتلى، وتمرض، ومن ثم تموت، مثلك مثل أي حيّ خلقه الله وبعث فيه الروح، وحينما تصل إلى هذا الشعور أثناء معايشتك لبلائك ومصارعتك لمصيبتك، تستقر نفسك، وتطمئن، ويُزاح عنك كثير من الجهد الذي كان يخيّم عليك من جميع النواحي.
إن أخذ الأمور بعفوية وبشكل طبيعي، يجعلك أكثر تحكّماً في مشاعرك، ورؤية في قراراتك، وثباتاً في أزماتك، وكذلك تمنحك العفوية، وعدم المثالية، إلى النظر بعين المتأمل إلى أحوال المبتلَين من حولك، فتجد أن منهم من هو أعظم مصاباً منك، وأشد ألماً من ألمك، فينزاح أيضاً كثير من الجهد الذي تحمله.

ثالثاً-
ومن الأسباب التي تخفف جهد البلاء عليك، أن لا يكون هذا البلاء حاجزاً لك عن البذل، والعطاء، والسير نحو التفوق والنجاح، عليك وإن كنت مصاباً أو مبتلى بأي أمر من الأمور التي قدرها الله عليك أن تعيش حياتك وكأنك الصحيح المعافى، وأن تعتبر تلك الابتلاءات والمصائب التي تعرضت لها إنما هي عوارض اعترضتك في سعيك إلى الله، وسرعان ما تزول بإذن الله، ولا تظن حينما جاءت تلك العوارض أنك لا تستطيع أن تبذل، أو تعطي، أو تسعى إلى التميز والصدارة، بالعكس ستكون – إذا عرفت – أفضل وأروع مما لو لم تكن مبتلى أو مصاباً، بل إن الهمَّة العالية والسامية، هي التي تجعل من صاحبها صاحب الجسد المثقل بالجهد والمحاط بالبلايا والمصائب، كالطائر الحر الذي تخفق جناحيه في سماء الأفق، تغشاها النشوة والمتعة والسرور.

رابعاً-
ومن أسباب تخفيف جهد البلاء عليك إشغال وقتك بكل ما يرضي الله تعالى أولاً، ويساهم في تطوير قدراتك، وتعزيز مهاراتك، ومنحك مزيداً من التقدم في حياتك، سواء بالإكثار من العبادات القولية كقراءة القرآن الكريم والدعاء، والذكر، أو العملية كالصلاة، والصيام، والعمرة، والحج، أو بالتفاعل المستمر مع الآخرين كبر الوالدين، وصلة الارحام، والتواصل مع الجيران، والأصدقاء، وأفراد المجتمع بشكل عام، وكالاشتراك في المجموعات المُلِهمة والمحفّزة كنوادي القراءة، والرسم، والرياضة، والفرق التطوعية، أو المؤسسات المختلفة والمنتشرة في مجتمعك، أو تأسيس مشروع تجاري، أو مهني، أو الزيارات لأصحاب الأثر والتأثير في المجتمع، أو السفر إلى بلدان العالم وغير ذلك، كل تلك الأمور تساهم في أن تكون في شُغلٍ دائم، مما يجعلك تسير وفق جدول زمني ومكاني، مُقرِر الأمر الذي تسير فيه حياتك بشكل طبيعي، وأنت في قمة استمتاعك بما تنجزه وتحققه، والأهم من ذلك كله أن يتخفف بلاءك ويزول مصابك.


انتهى

 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية