اطبع هذه الصفحة


يا لها من موعظةٍ لو وافقت من القلوب حياة !

جهاد حِلِّسْ
‏@jhelles

 
تكلم الحسن –رحمه الله- يوما كلاما ، فقال :


قد مات الأمم قبلكم وأنتم آخر الأمم ؛ فماذا تنتظرون ؛ فقد أسرع بخياركم ، فماذا تنتظرون ؛ آلمعاينة ؟(1) فكأن قد .

هيهات ! هيهات ! ذهبت الدنيا وبقيت الأعمال أطواقا في أعناق بني آدم ؛ فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة !

إنه والله لا أمة بعد أمتكم ، ولا نبي بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ولا كتاب بعد كتابكم ، إنكم تسوقون الناس والساعة تسوقكم ، وإنما ينتظر أولكم أن يلحق بآخركم ، من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ فقد رآه غاديا رائحا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، رُفع له علم فشمر إليه .

عباد الله ! فالوحاء الوحاء ، النجاء النجاء ، علام تعرجون ؛ أليس قد أشرع بخياركم وأنتم كل يوم ترذلون ؟ !

لقد صحبت أقواما كانت صحبتهم قرة العين وجلاء الصدور ، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق من سيئاتكم أن تعذبوا عليها ، وكانوا فيما أحل الله عز وجل لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم ،

إني أسمع حسيسا ولا أرى أنيسا ، ذهب الناس وبقي النسناس ، لو تكاشفتم لما تدافنتم ، تهاديتم الأطباق ولم تهادوا النصائح .(2)

--------------------
(1) المعاينة :من رؤيا العين وهي النظر والمواجهة
(2) «حلية الأولياء» (2/143) ، «المجالسة وجواهر العلم» (3/21)، «تهذيب الكمال» (6/116) ، نقلاً عن كتابي «شكوى أئمة السلف من حال أهل زمانهم»


قال إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-:

" ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك ، ذم مولانا الدنيا فمدحناها وأبغضها فأحببناها وزهدنا فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها وعدكم خراب الدنيا فحصنتموها ونهيتم عن طلبها فطلبتموها وأنذرتم الكنوز فكنزتموها

دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها فأجبتم مسرعين مناديها , خدعتكم بغرورها ومنتكم فأنفدتم خاضعين لأمنيتها , تتمرغون في زهواتها وتتمتعون في لذاتها وتتقلبون في شهواتها , وتتلوثون بتبعاتها تنبشون بمخالب الحرص عن خزائنها، وتحفرون بمعاول الطمع في معادنها , وتبنون بالغفلة في أماكنها وتحصنون بالجهل في مساكنها

تريدون أن تجاوروا الله في داره , وتحطوا رحالكم بقربه بين أوليائه وأصفيائه وأهل ولايته وأنتم غرقى في بحار الدنيا حيارى ترتعون في زهواتها , وتتمتعون في لذاتها , وتتنافسون في غمراتها فمن جمعها ما تشبعون ومن التنافس فيها ما تملون ,

كذبتم والله أنفسكم وغرتكم , ومنتكم الأماني , وعظتكم بالتواني حتى لا تعطوا اليقين من قلوبكم والصدق من نياتكم وتتنصلون إليه من مساوئ ذنوبكم وتعصوه في بقية أعماركم أما سمعتم الله، تعالى يقول في محكم كتابه {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}

لا تنال جنته إلا بطاعته ولا تنال ولايته إلا بمحبته , ولا تنال مرضاته إلا بترك معصيته فإن الله تعالى قد أعد المغفرة للأوابين , وأعد الرحمة للتوابين , وأعد الجنة للخائفين , وأعد الحور للمطيعين , وأعد رؤيته للمشتاقين , قال الله تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: 82] من طريق العمى إلى طريق الهدى "

حلية الأولياء (8/24) ، تاريخ دمشق (6/ 339) ، الزهد الكبير للبيهقي (ص: 138)

قال الربيع بن برة –رحمه الله-:

ابن آدم إنما أنت جيفة منتنة طيب نسيمك ما ركب فيك من روح الحياة، فلو قد نزع منك روحك ألقيت جثة ملقاة وجيفة منتنة وجسدا خاويا قد جيف بعد طيب ريحه واستوحش منه بعد الأنس بقربه

فأي الخليقة ابن آدم منك أجهل وأي الخليقة منك أعجب إذا كنت تعلم أن هذا مصيرك وأن التراب مقيلك، ثم أنت بعد هذا لطول جهلك تقر بالدنيا عينا أما سمعته يقول: {فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [سبأ: 19]

أما والله ما حداك على الصبر والشكر إلا لعظيم ثوابهما عنده لأوليائه، أما سمعته يقول جل ثناؤه: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] أو ما سمعته يقول عز شأنه: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] فها هما منزلتان عظيمتا الثواب عند الله قد بذلهما لك يا ابن آدم

فمن أعظم في الدنيا منك غفلة أو من أطول في القيامة حسرة؟ إن كنت ترغب عما رغب لك فيه مولاك، وأنك تقرأ في الليل والنهار في الصباح والمساء: {نعم المولى ونعم النصير} [الأنفال: 40]

الزهد الكبير للبيهقي (ص: 202) ، حلية الأولياء (6/296)

قال الربيع بن برة –رحمه الله-:


قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال، فنحن في الدنيا حيارى لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة،

فيا إخوتاه نشدتكم بالله هل تعلمون مؤمنا بالله أغر ولنقمه أقل حذرا من قوم هجمت بهم الغير على مصارع النادمين فطاشت عقولهم وضلت حلومهم عندما رأوا من العبر والأمثال ثم رجعوا من ذلك إلى غير عقله ولا نقله،

فبالله يا إخوتاه هل رأيتم عاقلا رضي من حاله لنفسه بمثل هذه حالا والله عباد الله لتبلغن من طاعة الله تعالى رضاه أو لتنكرن ما تعرفون من حسن بلائه وتواتر نعمائه، إن تحسن أيها المرء يحسن إليك وإن تسئ فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر وأنذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل: {وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 158]
]
حلية الأولياء (6/298)

 

جهاد حِلِّسْ
  • فوائد من كتاب
  • درر وفوائد
  • الصفحة الرئيسية