اطبع هذه الصفحة


(8) أشياء كافية شافية لعلاج فقد المحبوب . !

جهاد حِلِّسْ
‏@jhelles

 
بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن الجوزي -رحمه الله- في كتابه - الثبات عند الممات ص (29) -
:

وَعِلاجُ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ يَكُونُ بِثَمَانِيَةِ أَشْيَاءٍ :

أَحَدِهَا : /
أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقَدَرَ قَدْ سَبَقَ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا أَصَابَ مِنْ مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ {لكَي لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَصَائِبَ مُقَدَّرَةٌ لَا أَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الاتِّفَاقِ كَمَا يَقُول الطباعيون وَلا أَنَّهَا عَبَثٌ بَلْ هِيَ صَادِرَةٌ عَمَّنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مُحْكَمَاتُ الأُمُورِ وَمُتْقَنَاتُ الأَعْمَالِ وَإِذَا كَانَتْ صَادِرَةٌ عَنْ تَدْبِيرِ حَكِيمٍ لَا يَعْبَثُ إِمَّا لِزَجْرٍ عَنْ فَسَادٍ أَوْ لِتَحْصِيلِ أَجْرٍ أَوْ لِعُقُوبَةٍ عَلَى ذَنْبٍ وَقَعَ التَّسَلِّي بِذَلِكَ

الثَّانِي : /
الْعِلْمُ بِأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ الابْتِلاءِ وَالْكَرْبِ لَا يُرْجَى مِنْهَا رَاحَةٌ.
وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ ... وَلا أَعْلَمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهُ


وَالثَّالِثِ : /
الْعِلْمُ بِأَنَّ الْجَزَعَ مُصِيبَةٌ ثَانِيَةٌ

وَالَّرابِعِ : /
أَنْ يُقَدِّرَ وُجُودَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ كَمَنْ لَهُ وَلَدَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا.

وَالْخَامِسِ : /
النَّظَرُ فِي حَالِ مَنِ ابْتُلِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْبَلاءِ فَإِنَّ التَّأَسِّيَ رَاحَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ :
وَلَوْلا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلُ أَخِي وَلَكِنْ ... أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ...
وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ حَرَمَهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ النَّارِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا مَحْبُوسٌ وَحْدَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ سِوَاهُ


وَالسَّادِسِ : /
النَّظَرُ فِي حَالِ مَنِ ابْتُلِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْبَلاءِ فَيَهُونَ هَذَا

وَالسَّابِعِ : /
رَجَاءُ الْخَلَفِ إِنْ كَانَ مِنْ مَعْنًى يَصْلُحُ عَنْهُ الْخَلَفُ كَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ
قِيلَ لِلُقْمَانَ مَاتَتْ زَوْجَتُكَ فَقَالَ تَجَدَّدَ فِرَاشِي وَأَنْشَدُوا ... هَلْ وَصْلُ غرَّة إِلا وَصْلُ غَانِيَةٍ ... فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِهَا خُلْفُ ...


وَالثَّامِنِ : /
طَلَبُ الأَجْرِ بِحِمْلِ أَعْبَاءِ الصَّبْرِ فَلْيَنْظُرْ فِي فَضَائِلِ الصَّبْرِ وَثَوَابِ الصَّابِرِينَ وَسِيرَتِهِمْ فِي صَبْرِهِمْ وَإِنْ تَرَقَّى إِلَى مَقَامِ الرِّضَى فَهُوَ الْغَايَةُ

وما يلحق بعلاج هذه السبعة أشياء وأمور أخر أوردها المنبجي في كتابه - تسلية أهل المصائب ص (22) -:
الثامن ـ أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له.
التاسع ـ أن تعلم أن تشديد البلاء يخص الأخيار.
العاشر ـ أن يعلم أنه مملوك وليس للمملوك في نفسه شيء.
الحادي عشر ـ أن هذا الواقع وقع برضى المالك، فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد.
الثاني عشر ـ معاتبة النفس عند الجزع مما لابد منه، فما وجه الجزع مما لابد منه؟ !
الثالث عشر ـ إنما هي ساعة فكأن لم تكن.

 



قال ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ -رحمه الله-:

كان صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ , يَأْكُلُ يَوْمًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ وَهُوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ إِنَّ أَخَاكَ مَاتَ فَقَالَ: «هَيْهَاتَ , نُعِيَ إِلَيَّ اجْلِسْ فَكُلْ » فَقَالَ: وَاللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ فَمَنْ نَعَاهُ؟ قَالَ: " يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] "
حلية الأولياء (2/238) ، شعب الإيمان (12/437)

قال عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ -رحمه الله-:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ , عُزِّيَ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: " إِنَّ الْمَوْتَ مَرْقَدٌ كُنَّا وَطَنَّا أَنْفُسَنَا عَلَيْهِ , فَلَمَّا وَقَعَ لَمْ نَسْتَكْرِهْ "
شعب الإيمان (12/436)

قال ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ -رحمه الله-:
كَانَ (عَبْدُ اللهِ) بْنُ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بَلَغَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى اسْتُعْمِلَ فَمَاتَ , فَخَرَجَ أبوه مُطَرِّفٌ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنْ صَالِحِ مَا كَانَ يَلْبَسُ , فَقَالُوا لَهُ: يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَتَلْبَسُ مِثْلَ هَذِهِ الثِّيَابِ؟ قَالَ مُطَرِّفٌ: " أَفَأَسْتَكِينُ لَهَا , وَقَدْ وَعَدَنِي اللهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا كُلَّهَا , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] إِلَى قَوْلِهِ: {هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] فَقَدِ اسْتَرْجَعْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَبِّي , وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " , قَالَ مُطَرِّفٌ: " وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُعْطَاهُ فِي الآخِرَةِ قَدْرَ كُوزِ مَاءٍ إِلا وَدِدْتُ أَنَّهُ أُخِذَ مِنِّي فِي الدنيا.
تاريخ دمشق (58/319) ، صفة الصفوة (3/224)

قَالَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ -رحمهُ الله-:
نُعِيَ لِعَبْدِ اللهِ أَخُوهُ عُتْبَةَ فَقَالَ: " كَانَ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ " قَالَ: وَأُرَاهُ اسْتَرْجَعَ , وَقَالَ: " مَا يَسُرُّنِي أَنَّهُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ حَيًّا " , قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَهُوَ أَعَزُّ النَّاسِ عَلَيْكَ؟ قَالَ: " أَنْ أُؤْجَرَ فِيهِ , أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُؤْجَرَ فِيَّ "
شعب الإيمان (12/434)

قال قُمَامَةَ أَبُو زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ -رحمهُ اللهُ-:
نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ كَئِيبًا حَزِينًا فَقَالَ لَهُ: " مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا؟ " فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قُتِلَ أَبِي , وَفُقِئَتْ عَيْنِي؟ فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ , إِنَّهُ مِنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللهِ جَرَى عَلَيْهِ , وَكَانَ لَهُ أَجْرًا , وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللهِ جَرَى عَلَيْهِ , وَحَبِطَ عَمَلُهُ "
تاريخ دمشق (40/94) ، تهذيب الكمال (19/530)

قال الشاعر :
اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ ... وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
وَإِذَا ذَكَرَتَ مُصِيبَةً تَشْجُو بِهَا ... فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

 

جهاد حِلِّسْ
  • فوائد من كتاب
  • درر وفوائد
  • الصفحة الرئيسية