اطبع هذه الصفحة


خواطر وتأملات في إصلاح البيوت

خادم رائع.. لمدة ربع ساعة!!

خالد عبداللطيف

 
ربما يتنزه كثير من الأفاضل الأخيار عن المشاركة في شيء من أعمال المنزل..
أو الدخول إلى المطبخ لإعداد الشاي بدلا من الزوجة..
أو تنظيف الغرفة ولو بالمكنسة الكهربائية..!
يقول قائلهم: هل من الحكمة أن أضيع وقتي في سفاسف الأمور والأعمال، بدلا من صرفها في مطالعة نافعة أو عمل خيري أو دعوي..؟!
ويقول آخر: للنساء أعمالهن ولنا أعمالنا.. نقاسمهن أعباء الحياة بجهادنا خارج البيوت في أعمالنا وسعينا في أرزاقنا، وبالتوجيه والتربية للناشئة في البيت بقدر ما نستطيع، ولكلٍّ ما يناسبه...
إلى غيرها من الحيل النفسية الباهتة التي يحرم بها بعض "الأخيار" أنفسهم وبيوتهم من إحياء سنة نبوية كريمة، والتأسي بهدي محمدي ثابت في دواوين الحديث والسيرة..
روى البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يكون في مهنة أهله"..
وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: "ما كان إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه" ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها: "يخيط ثوبه ويخصف نعله".. إلى غيرها من الروايات.
وقد نُقل عن بعض المعاصرين من الدعاة العاملين - الذين لا يُتصور لديهم أدنى فسحة من الوقت لمثل هذه الأعمال - أنه يخصص من وقته ربع ساعة يوميا خادما لأهله في مطبخ بيته!
وهو ما أحسبه برهانا على صدق المحبة والاتباع لخير البشر؛ والحرص على الأخذ بنصيبٍ من كل هدي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم!
وهي - والله ـ بركة في البيوت، وعلامة جلية على التواضع وحسن الخلق، وتربية عملية للناشئة على البذل والعطاء، وهي - مع ذلك كله - تنمية لمشاعر المودة بين الزوجين.. قد يكون لها من الأثر ما لا تبلغه كثيرٌ من الأقوال والأفعال الأخرى!
المودة لا تُشترى..!!
لا يحتاج الزوجان إلى جهد كبير للإحساس بالرحمة والمودة فيما بينهما؛ فقد تكفَّل الحكيم الخبير بمنحهم هذه العطية الكريمة من غير عناء ومشقة، فجبل قلوبهم عليها.. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21)
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في معنى المودة والرحمة:
"وقيل: المودة والرحمة: عطف قلوبهم بعضهم على بعض. وقال السُدِّي: المودة المحبة، والرحمة الشفقة. وروي معناه عن ابن عباس قال: المودة: حب الرجل امرأته، والرحمة: رحمته إياها أن يصيبها بسوء..".
وقال الشيخ السعدي- رحمه الله -:
".. {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}: بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة، فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها؛ فلا تجد بين اثنين في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة.."!
فرصيد الفطرة وما جُبِلت عليه النفوس مكفول من رب العالمين، وليست المودة والرحمة - وسائر المشاعر الإنسانية - مما يُباع ويُشترى، لكن ما تفتقر إليه بعض البيوت بحق هو تنمية هذه النعمة والحفاظ عليها من تقلبات النفوس والأحوال..!
حاول جهدك أن تخلع همومك عند عتبة الباب، وادخل إلى بيتك وزوجك وصغارك باسماً هاشاً؛ وتذكَّر لهفتهم إلى لقائك، وترقبهم مجيئك..!
وأنتِ – أيتها الزوجة الربَّانية – كوني عوناً لزوجك على الشيطان؛ فإذا اعتراه ما يعتري الناس من الضيق والهم، التمسي له العذر وقابليه بالإشفاق عليه، وامسحي همه بكلمة حنون عند أول نظرة إلى وجهه..
ولكِ عليه بدوره إذا لقيك مهمومة عند ولوجه إلى البيت أن يلتمس العذر؛ مما يعلمه من مشكلات الصغار وأعباء المنزل، فيفاجئك بابتسامة ودعابة تملأ البيت سروراً وانشراحاً!
فقط.. بقليل من التماس العذر.. وإحسان الظن.. والعطف والشفقة؛ تصلح البيوت وتستقيم الحياة على منهاج الشرع الحكيم، وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ما أحوج مَنْ بداخل بيوتنا إلى كثير من أخلاقياتنا مع آخرين خارجها..!
 

خالد عبداللطيف
  • إصلاح البيوت
  • نصرة الرسول
  • زغل الإخاء
  • استشارات
  • أعمال أخرى
  • الصفحة الرئيسية