اطبع هذه الصفحة


مدير المركز الثقافي بهولندا في حوار ساخن:
أفضل خيارات مسلمي أوربا.. التوافق دون الذوبان!!

حوار: خالد عبداللطيف

 
* أوروبا وأمريكا الشمالية الآن بحاجة إلى إسلام قادر على التوافق مع المعطيات الغربية!
* بين الإفراط في التمسك بالموروث الشخصي، والتفريط في كل شيء.. يضيع كثيرون!
* مؤسسة الزواج في الجالية المسلمة في الغرب مهددة، ونسب الطلاق خطيرة!
* تجربة نظام المجتمعات المعزولة شديدة الخطورة وتحول دون الاندماج!


في حواره المهم مع موقع "آسية" ألقى الأستاذ "خميس قشة" - مدير المركز الثقافي والاجتماعي بهولندا - الضوء على كثير من القضايا المتعلقة بواقع العمل الإسلامي في هولندا وأوروبا، والآفاق التي يتطلع عليها القائمون بهذه المسؤولية الكبيرة في إرشاد الجالية المسلمة، من أجل المحافظة على هويتها من الذوبان في المجتمع الغربي..!

كما تطرق الحوار إلى واقع الأسر المسلمة في الغرب، والجهود المبذولة للحفاظ على هوية الأجيال الناشئة، والمساندة التي تحتاج إليها المراكز الإسلامية لتؤدي رسالتها وسط أحداث متصاعدة تستغل كثيرا ضد الإسلام والمسلمين.... وغيرها من المسائل الحيوية المهمة..

آسية:
كيف ترون واقع الجالية المسلمة في هولندا وأوروبا في المرحلة الراهنة من جهة التعايش والتوافق مع المجتمع الغربي، ومدى قابلية الغرب وتجاوبه بدوره مع ذلك؟!

أوروبا الآن وكذلك أمريكا الشمالية ما عادت تمتلك القدرة - حتى وإن أرادت - أن تجتث الإسلام، هم بحاجة إلى إسلام قادر للتواؤم مع المعطيات الغربية أو يتعايش معها على أقل تقدير، وتجربة نظام المجتمعات المعزولة هذه تمثل خطراً وتحول دون الاندماج. وأي جالية في أي مكان أمامها ثلاثة خيارات: الخيار الأول: نظام الانعزال، وقد جرب وفشل!

والخيار الثاني، وهو على النقيض: أن يصبحوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع لا تستطيع أن تميزهم عن بقية المجتمع، وهو الذوبان!

الخيار الثالث، وهو الأسلوب الأسلم: أن يبقوا ويحتفظوا ببعض خصائصهم، ويأخذها الغرب من زاوية إثراء الجانب الثقافي والتعددية الثقافية... إلى آخره، مع قابليتهم للتواؤم والتوافق مع هذا المجتمع الذي يعيشون فيه.

وهذا الوضع المثالي، لكن ليس كل الناس عنده استعداد له؛ فبعض الناس يفْرِط في التمسك بموروثه، وليس هو من دينه بالضرورة، أو أن يفرِّط في كل شيء، وبالتالي يتحول إلى إنسان ضائع.

نحن نهدف لإعطاء صورة صحيحة للإسلام والمسلمين، وألا نعيش على الهامش، ولا نريد مسلما يعيش هناك وهو يصطحب شعور أنه ليس في بلده حتى ولو أقام عشر سنين أو عشرين!

* هل تجاوز العمل الإسلامي في أوروبا نطاق التوعية وإلإرشاد وتقديم الخدمات للجالية المسلمة.. إلى المشاركة الحقيقية في المجتمع وتحقيق بعض صور التوافق الذي أشرتم إليه؟!

نحن الآن نتحدث عن واقع جديد في أوروبا، وفعلاً تجاوزنا هذه المراحل، ولم يعد شعار "توطين الإسلام في الغرب" مجرد شعار، بل أصبح واقعاً نعيشه، وإن كان مازال ليس بالصورة الأكمل التي نطمح إليها، والدليل على ذلك المشاركة السياسية في فرنسا وبريطانيا، يعني فعلاً خطابنا الآن يمضي بتسارع بنّاء وتأسيس ثانويات إسلامية تحت القانون الفرنسي مع أنها حرة؛ لكي نخرج من مسألة الحجاب.. تكون مدرسة حرة لك، مدرسة معتمدة قانونياً. هناك حقيقةً تطور مع الوقت، وهناك حلول تتأقلم مع الواقع، وكذلك تضمن المحافظة على الدين والمحافظة على الهوية.

* ماذا عن أوضاع الأسر المسلمة في المجتمعات الغربية؟ وما الجهود التي تبذل تجاه هذا الكيان المهم للمحافظة على الأجيال المسلمة الناشئة؟

نحن نجني ثمار الغربة! الآن مؤسسة الزواج في الجالية المسلمة في الغرب مهددة!

أولا: هناك أشياء تساند الأسرة في المجتمعات الأصلية، لكنها لا تتوافق مع المجتمعات الغربية؛ ولذلك نسب الطلاق في الجالية المسلمة - وهذه إحصائية موثقة - تكاد تكون ثلاثة أضعاف النسب التي نعرفها في مجتمعاتنا، أي بصورة أخرى تعادل نسب الطلاق في هذه المجتمعات!

بعبارة أخرى: نحن أهملنا الأسرة.. فقط ركّزنا على بناء مسجد.. يأتي الناس فيصلون وينطلقون! لكن لم نعط الأسرة الاهتمام الواجب. الإمام الذي يقود الناس للصلاة غير مؤهل، مع احترامي الشديد له، غير مؤهل على الأقل ليقدم نوعا من الإرشاد، من الدعم، من التوجيه، في حالة الخلافات الزوجية. وزيادة على هذا.. أسلوب تقديم الإسلام في الغرب؛ نريد أن نقدمه للشباب ولصغار السن بنفس الأسلوب الذي نقدمه في البلدان الأصلية، وهي صورة منفّرة؛ وبالتالي يهرب الأطفال إلى المخدرات، لا قدر الله.

ومن هنا نحتاج إلى من يرعى هذه الجوانب، ويقدم نوعاً من الرعاية. ومشكلتنا أننا لم نقم بمؤسسات مجتمعية كافية تستطيع أن تستوعب المتغيرات التي تعيشها الجالية المسلمة!

* يُفهم من كلامكم أن العمل الإسلامي في الغرب الآن - إلى جانب الجهود والأنشطة المبذولة - بحاجة إلى نَفَس طويل في الجهود التربوية على مستوى الدعاة ومستوى الأفراد، ما خلاصة التجربة الحية التي لديكم في هذا الخصوص؟

دعنا - مثلاً - نتكلم عن المرجعيات أو تعدد المذهبيات، تجد في الجالية تعدد المذهبية، وهذه حقيقة بعض المشكلات التي تواجهنا، لكن كما جاء عن الشافعي.. عندما انتقل من العراق إلى مصر، تغيرت الكثير من مسائله في الفقه.

فأنا أقول: نريد الداعية الذي يكون عالماً ومدركا للواقع؛ لأن المدرك يستطيع أن يقوم بالفتوى؛ لأن هناك فتاوى تتناسب مع واقع معين وظروف معينة. فنحن بحاجة لمن يستطيع أن ينزّل فتاوى لمعالجة هذه القضايا، وكذلك بحاجة إلى أن يكون هناك تناغم بين العلماء والقيادات العالية في التعامل مع هذه الخصوصيات.

* ما نظرتكم لمستقبل المراكز الإسلامية وما لديها من فعالية لإيجاد نوافذ مع السلطات الغربية؟ وكذلك ما دورها تجاه أحداث العنف المتصاعدة التي تُستغلّ في تشويه صورة الإسلام والمسلمين؟

الواقع الآن يريد منك شيئاً من الحكمة والمرونة، وهذا متمثل في الانفتاح مع المجتمع، والمجتمع الغربي فيه قوانين ومقومات، فينبغي أن يكون هذا العمل ضمن هذه القوانين، وهذه القوانين تسمح لك بالحفاظ على شخصيتك وعلى دينك. المطلوب منا نحن كمسلمين وكمراكز إسلامية أن نكون منفتحين، ويجب أن تظهر نشاطاتنا ومراكزنا، فما عندنا شيء يخترق القانون؛ لذا ينبغي أن يكون عملنا مستمرا وظاهرا. كما ينبغي حقيقة أن نكون واقعيين؛ فمن حق المجتمع الغربي أن ينتبه إلى بلده وحضارته ويحافظ عليها.

وأود أن أضيف هنا بعض الأمور المهمة:

أولا: قضية فقه الواقع، وأن المجتمعات الغربية كما تتفاوت.. هناك ممارسة الإسلام في باكستان تختلف عن ممارسة الإسلام في مصر، تختلف عن ممارسة الإسلام في السعودية، وفي إيران، ينبغي أن تقبل أن الإسلام في هولندا وفي بريطانيا وفي أمريكا لا يمكن أن يكون نفس الإسلام في مصر أو السعودية أو بنجلادش، هذه واحدة.

الأمر الآخر: أن من يعيشون هناك (في الغرب) عندهم إشكالات ليست موجودة عند غيرهم، يعني هو لا يستطيع أن يتمسك ببعض الأمور، ويحتاج إلى أن يجد له حلولا ليتعايش ويستطيع أن يؤمّن لأبنائه سقفاً يعيشون تحته بطريقة معينة.

والثالثة: قضية الشفافية والوضوح في التعامل مع الآخر، ثم أيضا أن لا نتورط بسهولة. وأنا سأستشهد بحادثة وقعت في هولندا، حادثة الوزيرة! هذه الحادثة ما كان ينبغي أن تحصل إطلاقاً، يعني هذه كانت تزور أحد المراكز الإسلامية، وكان على رأس مستقبليها الإمام وكان معه مجموعة، فكانت إشكالية عدم مصافحة المرأة، كان من الممكن أن تحل هذه القضية ويشرح للوزيرة أنه إذا قدمتِ لا يسلم وتنتهي المشكلة، لكنها فوجئت وهي تمد يدها لهؤلاء الناس ألا أحد منهم صافحها، فحدث إشكال معين، فكان لابد أن يكون عندنا الوعي بما نواجه به هذه الإشكاليات قبل حدوثها.

يجب أن نعمل من خلال مؤسسة عندها دستور.. إذا راح "خميس قشة" يحل أحد محله، يعني توجد وسائل، أما أن تكون المؤسسات الإسلامية مبنية على شخصية معينة فلا يصح ذلك.

القضية المهمة أيضاً: أن بعض الناس الذين عندهم قناعات قوية جداً أن الإسلام هو التصور الموجود في بلد معين، هؤلاء ينبغي في رأيي أن يبقوا في هذا البلد ولا يذهبوا إلى الغرب؛ لأنه أحياناً - ويؤسفني أن أقول هذا - إذا ذهب هؤلاء يخلقون إشكالات، وأستشهد بحادثة بعض الزملاء - وهم خيّرون وعلى مستوى من الورع والتقوى، ولا أشك في هذا - ذهبوا إلى إيطاليا ليلقوا محاضرات في دورة، ولمّا دخلوا القاعة وجدوا النساء في جانب والرجال في جانب.. قالوا: ما هذا؟! الحريم والرجال في مكان واحد؟! وأقول: أخي.. أنت جئت لتعين إخوانك، لا لتسبب إشكالات أخرى!

هذه القضايا حقيقة ترتبط بفقه الواقع. ومرة أخرى من المرات كنا مسافرين إلى أحد البلدان فقال أحد الإخوة: إلى أين تسافرون؟ وعلى أي خطوط؟ قلت: خطوط الإماراتية؟ قال: تقدم الخمور، والخطوط السعودية ما تقدم الخمور؟ قلت: لكن جدولنا إذا سافرنا على السعودية برنامجنا سيكون أربعة أيام، وإذا سافرنا على الإماراتية سبعة أيام، نستفيد من الوقت بشكل أكثر! يا أخي.. أنت ذاهب إلى بلد الخمور فيها تقدَّم والعري أمامك.. فاجلس وابق هنا إذا شئت!!

* في رأيكم.. كيف نتجاوز مجرد الانتقاد للواقع وتسليط الضوء على العقبات.. إلى طرح حلول عملية واضحة للتغلب على معوقات العمل الإسلامي في الغرب؟

بداية ينبغي أن يكون هذا العمل مستمراً بشكل صحيح وتعاون مشترك؛ لتوجيه رسالة حقيقية. ورغم العقبات والمعوقات - والحمد لله - فالعمل الإسلامي مستمر وبمراحل متصاعدة من العطاء.

ثم هذه الأصوات الطيبة التي نسمعها في السعودية وغيرها.. قبل عشر سنوات ما كنت أسمع هذه الأصوات في فهم الإسلام، نستطيع من هنا بزيارة الشيوخ وبرامج تلفزيونية موجهة ليست إلى السعودية فقط.. بل إلى المسلمين عموماً. بهذا العمل نستطيع أن نعطي صورة حقيقية من خلال عمل إعلامي منتظم مع جهات رسمية، نستطيع حقيقة بهذا الجهد الجماعي أن نزيل أخطاء هذه الصورة المشوشة على الإسلام.

وهناك أخطاء تحدث من بعض الأشخاص.. تأتي مجموعة ويتكلمون عن البدع وزيارة القبور، ونحن أصلا ما عندنا قبور هنا. فينبغي أن يكون الفهم والوعي بالواقع موجودا.

* ما هو دور نوافذ الإعلام الإسلامي الذي تأملون أن تؤازركم به لممارسة دعوتكم وأنشطتكم.. نريد رسالة منكم ليس لموقع آسية فقط.. بل لكل مواقع الإنترنت وسائر النوافذ الإعلامية المتنوعة؟


نحن نشكركم حقيقة على الدور الذي تقومون به، ونحن نلاحظ من موقع لآخر تطورا وتنوعا؛ فهذا حقيقة خير كبير؛ لنسمع أصوات إخواننا ودعاتنا وعلمائنا وغيرهم؛ لأننا حقيقة نريد منهم تأكيد هذه الأفكار التي أشرنا إليها، ودعوة مسلمي الغرب إلى أن يسعوا إلى التعايش دون الذوبان.

ونحن بدورنا نساهم في نقل هذه الأفكار إلى داخل المجتمع الغربي؛ فنجعل من "آسية" ومن العديد من المواقع الأخرى نقطة تواصل مثل ما أشرت.

 

خالد عبداللطيف
  • إصلاح البيوت
  • نصرة الرسول
  • زغل الإخاء
  • استشارات
  • أعمال أخرى
  • الصفحة الرئيسية