اطبع هذه الصفحة


أزمة الخليج الرابعة . . . العالم ونوايا إيران النووية

د.عبدالعزيز بن مصطفى كامل

 
لن نبتعد كثيراً عن الأحداث الراهنة في لبنان، ونحن نستأنف الحديث عن أزمة الخليج الرابعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن ملفها النووي؛ حيث إن هـذه الحـرب، لا يمكن فصلها عن الأزمة المزمنة بين الأمريكيين والإيرانيين؛ فالحرب في لبنان، هي مظهر من تداعيات تلك الأزمة، وإن جاءت مبكرة، على غير المتوقع في التداعيات التي تأتي عادة متأخرة بعد الأزمات. الحرب التي نشبت بين دولة اليهود، و (دويلة) «حزب الله» هي نموذج بارز لحروب الوكالة التي ستتعدد على أرضنا بين الغرب وإيران، وهي تعيد الأذهان إلى ما كان من صراع قديم بين الفرس والروم على أراضينا، تديره أطراف تابعة لهذه الجهة أو تلك. نحن أمام مشروعين للهيمنة: أحدهما: عُرفت معالمه وظهرت تحالفاته وتبيَّن الكثير من تفصيلاته، وهو مشروع «الإمبراطورية الأمريكية» المعروف أيضاً بمشروع (القرن الأمريكي الجديد) الذي يخطط الأمريكيون لأن يكون منطلقه هو الشرق الأوسط الكبير أو العالم الإسلامي. أما المشروع الثاني: فهو مشروع الأطماع الفارسية المنافس له، والذي يطمح إلى استكمال مخطط (إيران الكبرى) التي يسيطر فيها الفرس الصفويون على الأرض الممتدة من البحرين إلى لبنان، مروراً بكل دول الخليج والعراق وسورية.

وتعليقاً على أحداث الحرب التي جرت على أرض لبنان دون مقدمات أو إرهاصات؛ فإني لا أرى في تلك الأحداث، إلا جزءاً من التنافس القائم والقادم بين الفرس والروم المعاصرين على بقاع عديدة من أراضينا، كانت لبنان المحطة الثانية فيها بعد العراق. المشروع الإيراني الفارسي للهيمنة، بدأ منذ أيام شاه إيران السابق، ولكنه تطور بعد مجيء الخميني، ليتطلع الثوار الإيرانـيون إلـى التـمـدد فـي الخـارج عـن طــريـق ما يسمـى بـ (تصدير الثورة)، وكانت الأعين على بلدين أساسيين، هما العراق ولبنان، إضافة إلى بلدان أخرى، ولهذا زرعت إيران فروعاً لـ (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) بعد تأسيسه عام 1981 في طهران، كان منها: (حزب الدعوة العراقي) و (حركة العمل الإسلامي في العراق) وما يسمى بـ (الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين) و (منظمة الثورة الإسلامية في شبة الجزيرة العربية) و (حركة أمل الإسلامية) التي انشقت عن حركة أمل الشيعية ثم تحولت بعد ذلـك إلـى مـا يسـمى اليـوم بـ (حزب الله). ولأن التركيز كان على كل من العراق ولبنان، فقد تكثفت جهود الإيرانيين على تقوية فرعَيِ الثورة الإيرانية في كل من العراق ولبنان، إلى درجة تحويلها إلى ميليشيات مسلحة جاهزة للاستعمال عندما تسنح الفرصة. وقد سنحت الفرصة في العراق، وكلنا يعلم كيف كان دور شيعة العراق في محاولة استغلال غزو الأمريكيين لأرض الرافدين لمصلحة إيران ومصلحة شيعة العراق فحسب. أما في لبنان فقد تحول حزب الله فيها إلى دولة داخل الدولة، وحاول ملء الفراغ القاتل الذي فرضته الأنظمة العربية المجاورة لدولة اليهود، حتى برز كمقاوم وحيد لليهود من خارج فلسطين. إيران دخلت في الشهور الأخيرة فصولاً خطيرة لمخطَّطَيْن رهيبين: أحدهما: مخطط ابتلاع العراق وفرض الذلة الدائمة على أهل السنة فيه، إذا حدث أي تقسيم على الأرض. والثاني: السعي لامتلاك السلاح النووي الذي يمكِّن إيران من أن تملك السلاح النووي لتصبح قوة متنفذة في المنطقة، ولتبقى الدول العربية وحدها مكشوفة بين شرين نوويين: أحدهما يهودي، والآخر رافضي. وقد كان تحريك أزمة مفاجئة ومفتعلة في لبنان، جزءاً من التغطية وشراءً للوقت للمضي قدماً في هذين المشروعين، إضافة إلى اختطاف البطولة الحقة لأهل السنة على أرض الرافدين وفلسطين وأفغانستان والشيشان، ولصنع نموذج «بطولي» آخر، يستفيد منه الشيعة في مشروع المد الرافضي الذي انكشف عواره في أحداث العراق.

< ونعود إلى الملف النووي الإيراني:
أحفاد الروم اليوم من الأمريكيين والأوروبيين؛ يأتون على رأس الأمم المتحدة علينا والمتداعية ضدنا بأطماعها الاقتصادية، ومشاريعها السياسية وخططها العسكرية، وطروحاتها الثقافية الحضارية؛ ليندرج كل ذلك تحت مشروع هيمنة جديدة تسوق إليها أطماع إمبراطورية أمريكية مدعومة بتحالف غربي أوروبي، يريد أن يتقاسم مع الأمريكيين مقدرات الشرق الإسلامي في حملات صليبية جديدة؛ لذلك كان من أهم أسس هذا المشروع، أن يركز الغرب لحين من الدهر، على تحطيم كل عوامل الممانعة في أمتنا: سياسياً واقتصادياً وحضارياً، ليكون على رأس أجندة (تحطيم الممانعة) كسر إرادة المقاومة الحقيقية الصادقة في جبهات النزال عسكرياً، وتوهين الصمود على الهوية حضارياً. ولأمريكا على وجه الخصوص أجندة متشددة ومتجددة، تهدف إلى ضرب مشروع المقاومة الحضارية والجهادية في أمة الإسلام، لضمان السيطرة عليها لعقودَ قادمة، ولأجل هذا تحرص على الاحتفاظ بالتفوق الشامل على المستوى العالمي، وتحرص في الوقت نفسه على الاحتفاظ بالتفوق الشامل لدولة اليهود على المستوى الإقليمي، أو على مستوى (الشرق الأوسط الكبير) أو (الجديد) المزعوم، مع ضمان حرمان العرب والمسلمين من أي قدرات رادعة أو ممانعة، يمكن أن تصنع في يوم من الأيام أملاً في تحقيق توازن للقوى. وعندما تنحاز الولايات المتحدة لهذا الخيار العدائي السافر ضد أمتنا؛ فهي هنا في الحقيقة لا تفرق بين عرب وعجم، أو بين سنة وشيعة، أو حتى بين إسلاميين وعلمانيين ـ إذا كانوا صادقين في دعاواهم القومية أو الوطنية. وتأتي الحملة العالمية التي تقودها أمريكا ضد إيران في هذا السياق؛ ففي يقيني أنه بالرغم من تلاقي الكثير من المصالح المؤقتة بين طهران والأمريكان، إلا أنهم سيغدرون بالشيعة في النهاية، وسوف يستخدمونهم كعصي يضربون بها ما حولها، ثم يعودون عليها بالكسر والتحطيم؛ فالعداء بين أمريكا وحلفائها من الأوروبيين من جهة، وبين إيران من جهة ثانية، تمده أحقاد موصولة بين الأجداد والأحفاد من الفرس والروم، كما فصّلت في مقال سابق(1). لكن هل يدرك الإيرانيون وأشياعهم هذا؟ وهل يعملون لمواجهة ذلك على المستوى العاقل الرشيد؟! أشك في ذلك، بل أوقن أن الإيرانيين يسيرون في طريق استدراج ليس في صالحهم ولا في صالح أمة الإسلام حولهم؛ فالتعصب المذهبي، قد ورَّثهم نوعاً من العمى السياسي الذي قادهم إلى طريق منفرد وعر مظلم معزول عن بقية العالم الإسلامي الذي يتشدقون بالانتماء إليه والغيرة عليه. كنا سنفرح لو كانت قدرات الإيرانيين النووية دِرعاً لنا، وردعاً لأعدائنا، ولكن السياسات المعلنة، والمواقف المفضوحة ضد السواد الأعـظـم مـن الأمـة ـ وهـم أهـل السنة والجماعة ـ لا تبشر بخير، ولا تنم عن أن قوة إيران ستكون قوة للمسلمين، وتشهد على ذلك أحداث العراق وأفغانستان، حيث صرح نائب الرئيس الإيراني (إمام علي أبطحي) بأنه «لولا إيران، ما استطاعت أمريكا أن تغزو العراق ولا أفغانستان»!

< خوف إيران.... والخوف من إيران:
ربما يبدو الحرص الإيراني على حيازة السلاح النووي منطقياً، في ظل إصرار الولايات المتحدة على اعتبار إيران الضلع الثالث في محور الشر ـ كما أعلن بوش في مبدأ ولايته، وبما أن الولايات المتحدة قد كسرت الضلع الأول من هذا المحور، وهو عراق صدام، فلا يمكن ضمان سكوتها عن الضلع الثاني وهو إيران نجاد، المتعاونة مع الضلع الثالث، وهو كوريا الشمالية. أمريكا تجتهد ـ بقصد أو بدون قصد ـ في تأكيد مخاوف، فهي ـ وبرغم بعض التحالفات التكتيكية المؤقتة ـ لا تزال تكدس لإيران الذرائع، وتجدد التهديدات بتوجيه ضربات عسكرية لها إذا لم تتخل عن برنامجها النووي. والولايات المتحدة تترك لكل من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وروسيا جهود إقناع إيران لتتخلى عن برنامجها النووي دبلوماسياً، بينما تتفرغ هي للانهماك في التخطيط السياسي والعسكري لإجبار إيران على التخلي عن هذا البرنامج طوعاً أو كرها، وهي لا تكتفي بالخطط التي تسربها بين الحين والآخر لسيناريوهات الضربة التي ستوجه إلى نحو 400 موقع استراتيجي في إيران، بل تتحدث بعض الأنباء عن بدء تحرك أمريكي في جنوب إيران عن طريق عملاء استخبارات، يسعون لرسم تصورات ميدانية لتفاصيل الضربة العسكرية. ويزيد من مخاوف إيران، أن أمريكا ليست هي فقط التي تتوعدها وتهددها وتقدر على إيذائها، بل إن الإسرائيليين أيضاً يسابقون الأمريكيين في ذلك، وقد هددت الدولة العبرية أكثر من مرة، بأنها ستقدم على تحرك عسكري منفرد ضد البرنامج النووي الإيراني، إذا تلكأت أمريكا في ذلك. و (دولة العدو الصهيوني) لا يمكن أن تترك خطر حيازة إيران للأسلحة النووية للظروف أو المصادفات، ولن يقنعها الاكتفاء بالجهود الدبلوماسية أو الضغوط الاقتصادية؛ فقد سبق أن تخطت دولة اليهود كل الحواجز الجغرافية والسياسية والعرفية والقانونية، لتوجه ضربة إلى المفاعل النووي العراقي في أوائل الثمانينيات، وسبق أن هددت بضرب المفاعل النووي الباكستاني في منتصف الثمانينيات قبل أن تنجح باكستان في إنتاج القنبلة النووية في التسعينيات. إذاً لإيران ما يسوِّغ مخاوفها من تربص الصهاينة بها، ولو على المدى البعيد؛ فمنذ عام 1973م بدأت دولة اليهود في توسيع دائرة الأمن الإستراتيجي لها، لتتعدى دول الجوار، بل الدول العربية كلها لتشمل كل بلدان العالم الإسلامي التي لا تعترف بدولة اليهود. وفي هذا الإطار جاءت محاولات الدولة الصهيونية لضرب المفاعل النووي الباكستاني. ويأتي استهداف إيران ضمن هذه المنظومة؛ ففي عام 1997 أعلن في تل أبيب عن إبرام صفقة لشراء 35 طائرة من طراز (إف 16) الأمريكية بعيدة المدى، وهذا المدى البعيد ليس موجهاً مثلاً إلى دول الجوار أو الاتحاد الأوروبي أو حتى دول الاتحاد الروسي، ولكنه موجه إلى دول العالم الإسلامي (بعيدة المدى) عن الدولة العبرية وفي مقدمتها إيران. وبعد تلك الصفقة، عقدت دولة اليهود صفقة أخـرى لشـراء 102 طائرة (إف 16) معدلة وهي (إف 17) الأبعد مدى. وقد بدأت في تسلمها منذ عام 2004، وكل تلك الطائرات، لم تكن بعيدة عن هاجس الخطر الإيراني، حتى اشتهرت داخل الكيان الصهيوني بـ (طائرات إيران) وهي تسمية جرى تعديلها بعد ذلك لتسمى بـ (صفقة العاصفة). وطورت دولة (الصهاينة) أيضاً منظومتها الصاروخية الهجومية، لتصـل إلــى ألفـي كيلــو مـتراً، ودعـمــت أسطـولـها البـحري بـ 3 غواصات نووية ألمانية الصنع، أدخلت عليها تعديلات تمكنها من حمل وإطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية. وقد تسببت صيحات أحمدي نجاد عن محو (دولة العدو) من الخريطة، في حصول تلك الدولة على وعد ألماني بالحصول على 3 غواصات من الطراز نفسه. والاستعدادات الصهيونية التي تضاعِف المخاوف الإيرانية، ليست مؤجلة إلى المدى البعيد، لكنهم في عجلة من أمرهم على ما يبدو؛ لأن إيران ـ كما قال (مائير دوجان) رئيس الموساد الصهيوني؛ ستحصل على اليورانيوم المخصب خلال سنة أو سنتين على أقل تقدير، إذا لم يتم التخلص من برنامجها النووي، أما إذا استمرت على وتيرتها في النشاط؛ فإن حصولها على السلاح النووي، سيصبح مجرد مسألة فنية.

أما خوف الأطراف المعنية من النوايا النووية الإيرانية، فمبعثه عدة أمور، منها: ـ ما يقوله الأمريكيون من أن دعاوى الإيرانيين بشأن الأهداف السلمية لبرنامجهم لا تبدو منطقية؛ لأن المفاعلات النووية تكلف إيران مليارات الدولارات بالعملة الصعبة، رغم أنها غير ذات جدوى كبيرة من الناحية الاقتصادية، نظراً لغنى إيران بالنفط والغاز الطبيعي، وهو ما يغنيها عن الطاقة النووية. ـ ومنها: أن إيران بَنَتْ مفاعلاتها النووية في الجنوب، بينما توجد منشآتها الصناعية في الشمال، وهو ما يقلل إمكانية الاستفادة من المفاعلات في المجال السلمي. ـ ومنها: ـ كما يقول الأمريكيون ـ أن إيران بنت العديد من المنشآت السرية النووية، ولو كانت نواياها سلمية، لما حرصت على تلك السرية. ـ ومنها: أن إيران أقامت بالفعل منشآت خاصة بتخصيب اليورانيوم الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية، وتمكنت من تخصيبه، كما أعلن ذلك أحمدي نجاد مؤخراً. ـ ومنها: أن إيران لم تتعاون التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة، كما صرح بذلك رئيس تلك الوكالة (محمد البرادعي) حيث قال: إنها تخفي معلومات خطيرة تتعلق بمفاعلاتها النووية. ـ ومنها أن الأقمار الصناعية ـ كما كشفت الأنباء ـ أظهرت مواقع لا يعرف عنها المفتشون الدوليون شيئاً، وقد بثت صور تلك المواقع على شاشات التلفزة العالمية. وإضافة إلى هذه المخاوف العسكرية من إيران، فهناك مخاوف اقتصادية؛ حيث يخشى الأمريكيون من توجه إيراني نحو تنفيذ خطة لتحويل عملة التبادل النفطي من الدولار الأمريكي إلى اليورو الأوروبي؛ فقد أعلنت إيران في شهر يونيو/ حزيران 2004، عن أنها تنوي إنشاء بورصة للنفط، تستخدم فيها اليورو، بدلاً من الدولار، وقد وجدت أنصاراً لفكرتها من بعض الدول المنتجة للنفط، وهو ما تعده أمريكا إعلاناً للحرب، يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي. لقد كان هذا التوجه الاقتصادي النفطي نحو أوروبا أحد أسباب إصرار أمريكا على الإسراع بإسقاط نظام صدام حسين، وكان احتلال العراق فرصة لتثبيت قيمة الدولار في الأسواق النفطية، وجاء هذا الاحتلال خطوة على طريق السيطرة على نفط العالم الإسلامي أو (الشرق الأوسط الكبير) في سياق مخططات (النفط مقابل الديمقراطية)، ويجيء التحرش الأمريكي بإيران خطوة أخرى في هذا المسار، حيث يمثل نفط إيران، رابع مستودع نفطي كبير في بلاد المسلمين، بعد بترول الخليج والعراق وبحر قزوين، ولهذا يتضاعف حماس أمريكا لنشر «ديمقراطيتها» في إيران، وفي بقية البلدان البترولية العربية كخطوة أساسية على «خريطة الطريق» (النفطقراطية)!. ويضاف إلى تلك المخاوف والأطماع، أن لأمريكا قائمة من الاتهامات ضد إيران؛ فهي تتهمها بأنها أصبحت (مستودع الإرهاب الدولي)، وأنها تحول بين العراق وبين إرساء «قيم الديمقراطية»، وأنها تقف وراء (تعنت) سورية، و (تشدد) حزب الله في لبنان و (تماسك) حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وتتسبب في عدم الاستقرار في منطقة الخليج، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد أعدت (لائحة الاتهام) بانتظار إجراء المحاكمة العلنية من خلال المنظمات الدولية التي تديرها بالوكالة عن العالم؛ حيث يتوقع أن تصدر الولايات المتحدة حكمها من خلال تلك المنظمات الدولية بأن إيران تستحق العقوبات الرادعة، ثم الضربات الموجعة.

< محور الشر... أم محور الشرق...؟
مخاوف الروم المعاصرين، من الفرس الناهضين, ليست مقتصرة على إيران الثورية بأحلامها الفارسية، بل إن الصراع الأزلي بين الشرق والغرب، يلقي بظلال أخرى على تلك المخاوف والهـواجـس؛ فعلاقات إيـران مـع غـرماء الغـرب التـاريخـيين، لا تطمئن الغربيين؛ فهناك ثلاث دول على وجه الخصوص في الشرق، يقترن اسمها في أدبيات الغرب المعاصرة بالشر، وهي: الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية؛ وهذه الثلاث هناك ما يشبه التحالف بينها وبين إيران. لولا روسيا مثلاً لما نشأت الأزمة الأخيرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، فروسيا هي المورِّد الرئيس للتقنية النووية لإيران، وهي التي زودتها بالمفاعلات النووية التي يجري بها تشغيل محطة بوشهر في الجنوب الغربي لإيران. وحرص روسيا على التعاون النووي مع إيران، ليس حباً فيها أو رغبة في الوقوف معها، ولكن طمعاً في المكاسب الاقتصادية الضخمة التي تحصل عليها من جراء ذلك التعاون المهم في حل الأزمات الاقتصادية للاتحاد الروسي. أما الصين، فيُهمُّها أيضاً أن تكون إيران حليفاً لها، ولو مؤقتاً في مواجهتها لنفوذ الغرب، ولهذا تمد إيران بالغاز الضروري في تخصيب اليورانيوم، ولكن الصينيين الجامعين بين الشرين (الوثنية والشيوعية) لا يُنتظر منهم أن يقوموا بدور أقل من دور الروس، في دفع إيران إلى الهاوية، بعد استعمالها كأداة وقتية للمشاكسة. ويجيء دور كوريا الشمالية (الضلع الثالث في محور الشر) لتكتمل معالم الصورة التي تريد أمريكا تسويقها للعالم، عن تحالف «الشر» الشرقي ضد العالم «الحر» الغربي. فقد زودت كوريا الشمالية إيران بصواريخ قادرة على حمل الأسلحة النووية، وساهمت بذلك في تهيئة المسرح الدولي لما يسميه الأمريكيون بـ (الهرمجدُّون النووي). < العرب في العراء: النظام العربي بوجه عام، والخليجي بوجه خاص، لا يخفي مخاوفه من برنامج إيران النووي؛ فإذا حصلت إيران على السلاح النووي، فسيبقى العرب منفردين، هم الكتلة السكانية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المجردة من السلاح النووي، وهنا قد يكون العرب قد وقعوا بالفعل بين فكي الكماشة النووية: الإيرانية، والإسرائيلية. ومثلما يتقاذف الغربيون والإيرانيون بالاتهامات والتسريبات، يتبادل العرب والإيرانيون المخاوف والشكوك. ولم تفلح سنوات أكثر من ربع قرن مضى على اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ـ أو بالأخرى بين العرب والإيرانيين ـ في تبديد شكوك الطرفين من اندلاع حرب رابعة في الخليج العربي، يكونان معاً وقوداً لها وساحة للهيبها. فدول الخليج تتخوف ـ وحُق لها التخوف ـ من أن يتحول برنامج إيران النووي (السلمي) إلى حرب عليها، تدمر ما لديها من ثروات ومقدرات، بدءاً من الماء والكهرباء، ومروراً بالغذاء والدواء، ووصولاً إلى صور من الاحتلال وفقدان للاستقلال مع فساد البيئة وتلوث الهواء. إن كل الدول المطلة على الخليج العربي تستخدم مياهه في الشرب والاستعمال الحياتي والزراعي بعد تحليتها، وأي تلويث لهذا الماء بتأثير الإشعاعات النووية، سيكون كارثة على تلك البلاد، كما أن محطات الطاقة الكهربائية التي تضيء مدن الخليج العامرة، تعمل بمياه الخليج، وتلك المياه هي المنفذ الوحيد لتلك الدول لإيصال ثرواتها القومية من البترول إلى أرجاء العالم، وهذا الخليج المغلق ـ إلا من منافذ ضيقة كمضيق هرمز ـ سيكون إغلاقه خنقاً للخليجيين على البر، وحبساً لكل ما هو داخل البحر، من سفن ومركبات تجارية وعسكرية. ومثلما لدول الخليج العربي وغيرها مخاوفها الجادة من البرنامج النووي الإيراني، فإن لإيران شكوكها أيضاً من قيام دول الخليج بتقديم «تسهيلات» لأمريكا لكي تجهز عليها، كما حدث مع العراق. وفي محاولة لتبديد تلك الشكوك والمخاوف ذهب (هاشمي رافسنجاني) رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران إلى الكويت، ليردد بعدها أنه حصل على «ضمانات بعدم التسهيلات» في عملية ذبح إيران التي تخطط لها أمريكا. لكن المخاوف الإيرانية لا تأتي من الكويت وحدها، فقد أوردت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 18 مايو 2006، رواية صحفية تقول إن (أحمدي نجاد) وجه لأمير قطر أثناء زيارته الأخيرة لطهران سؤالاً فيه حدة وجفاء وعدم دبلوماسية قائلاً: «ما هي وظيفة القواعد الأمريكية الموجودة في قطر، وما هو دورها إذا وقع صدام بين أمريكا وإيران»؟ فبيَّن الأمير أنها مجرد مراكز تموين وتخزين وإسعافات طبية، لن تستعمل كتسهيلات ضد أحد من دول الجوار، فرد عليه (أحمدي نجاد) بأسلوب حاد: «اسمع يا شيخ حمد! عليك أن تعرف أن أول صاروخ ستطلقه إيران في حال تعرضها لهجوم أمريكي، سيكون من نصيب قطر؛ لأنها أصبحت قاعدة أمريكية في الخاصرة الإيرانية!». فهل تسفر حرب لبنان عن معطيات جديدة، يمكن أن توجه مسار الصراع الدائر بين الغرب وإيران على أرض العرب؟! وهل يمكن أن تكون سبباً في تعجيل أو تغيير سيناريوهات المواجهة؟! أرجو أن يكون لنا لقاء آخر حول هذا الموضوع.
 

عبدالعزيز كامل
  • كتب ورسائل
  • الصفحة الرئيسية