هذا توضيحٌ وبيانٌ لما كان عليه الأخ علي حسن الحلبي في مسائل الإيمان وما طرأ
عليه بعد ذلك من موافقةٍ للحق ، أكتبه لمن ينكر أنه قد خالف منهج أهل السنة
والجماعة في مسائل الإيمان ويخطئ العلماء أعضاء اللجنة الدائمة وغيرهم وطلبة
العلم الذين ذكروا ذلك ، وأيضاً لمن ينكر أنه وبعد ما صدر من فتاوى وطبع من كتب
ما زال على ما كان عليه ، ولمن يزعم أنه الآن يوافق المنهج القويم صراحة دون
أدنى شائبة .
والهدف من هذا التوضيح تقريب وجهات النظر والوصول بالسفينة السلفية إلى برِّ
الأمان قبل أن تغرق ، ووضع النقاط على الحروف لأنني رأيت كثيراً ممن يكتب في
الساحات وغيرها يهرف بما لا يعرف ولا يميز في دقائق الأمور .. إنما هي عصبية
وحمية جاهلية ، وأحياناً جهل مطبق أو مُركَّب ، نسأل الله السلامة .
و لْيُعلم أنه ليس بيني وبين الأخ علي الحلبي خصومة شخصية وإنما أنا أحب له وما
فيه من خيرٍ وموافقةٍ للسنة ، وأكره له وما فيه من مخالفةٍ لها ، ولربما لو قرأ
هو هذه الكلمات بإنصاف لوجدني قد أنصفته ، والذي حدا بي لأن أخُصُّه بالذكر دون
غيره كثرةُ كتاباته وأشرطته والمقتدين به وخصومه .
هذا وقد اعتمدت في هذا التوضيح على ما صدر من الأخ علي الحلبي نفسه خلال
السنوات السبع الماضية ( 1414 – 1421هـ ) وما صدر في تلك الفترة من كتبٍ وفتاوى
أثَّرت تأثيرياً إيجابياً بالغاً في منهج الأخ يراه ويقرأه كل منصف .
والفرق بين ما كان يعتقده وما يعتقده
الآن كالفرق بين هاتين العبارتين :
الأولى :
(( لا يكفر المسلم إلا إذا كذّب النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وأخبر ،
سواء أكان التكذيب جحوداً كجحود إبليس وفرعون ، أم تكذيباً بمعنى التكذيب )) [
إحكام التقرير لأحكام التكفير ، ص13 ، ط1414هـ ]
والثانية :
(( كما أَنَّ الإيمانَ : قَوْلٌ ، وَعَمَلٌ ، وَاعْتِقَادٌ ، فمثله ضدُّه -
وَهُوَ الكُفْرُ- : قَوْلٌ ، وَعَمَلٌ ، وَاعْتِقَادٌ )) [التعريف والتنبئة
(ص67) ط1421هـ ]
لكن كيف وصل أخونا علي الحلبي إلى هذه العقيدة السلفية وهل هي كافية لإزالة
تهمة الإرجاء عنه ؟ هذا ما سأبينه إن شاء الله في هذه الورقات ، وذلك بسردٍ
تاريخيٍّ لما نُشر وطبع خلال هذه الفترة وما صدر منه بالذات ، سائلاً المولى
التوفيق والسداد والإنصاف.
كتبه : العبدالكريم
أولاً : في عام (1414هـ)
صدر كتاب "إحكام التقرير لأحكام التكفير" للأخ مراد شكري , وهذا الكتاب قرأه
وراجعه وقام على طبعه الأخ علي الحلبي ، ومن المعلوم بداهة أنَّ من يقرأ الكتاب
ويراجعه ويعتني بطبعه ويعلم أنَّ هذا سيُكتب على طرته أن يكون موافقاً له في
أصله والنتائج التي توصل إليها مؤلفه, ولا يتحمل بالضرورة كل خطأ في الكتاب ،
لذا فنحن وإن كنا لا نحمِّل الأخ علي كل خطأ فيه إلا أننا لا نستطيع أن نبرِّئه
مما فيه من أخطاء تقدح فيما أُلِّف من أجله كتعريف الإيمان والكفر وهل العمل من
الإيمان أم من كماله ؟ وعليه فما كان من هذا القبيل يتحمله الأخ ،
وإليك أمثلة من ذلك :
(1)
[ص13] حصره الكفر في التكذيب بقوله : (( لا يكفر المسلم إلا إذا كذّب النبي صلى
الله عليه وسلم فيما جاء به وأخبر ، سواء أكان التكذيب جحوداً كجحود إبليس
وفرعون ، أم تكذيباً بمعنى التكذيب )) .
(2)
[ص15] كرر ذلك بقوله : (( فلا يكفر المسلم إلا إذا كذب النبي صلى الله عليه
وسلم فيما جاء به ، سواء أكان ذلك التكذيب بمعنى التكذيب أم جحوداً كجحود فرعون
وإبليس )) .
(3)
[ص28] قوله : (( وبهذا التقرير لا يمكن أن يكون عَمَل ٌمن الأعمال كفراً ناقلاً
من الملة إلا إذا تضمن ضرورة وقطعاً التكذيب ، وذلك مثل سب الله أو سب رسوله
صلى الله عليه وسلم أو السجود لصنم أو إلقاء المصحف في القذر )) ولاحظ أنَّ هذه
الأمثلة هي التي يدندن حولها الأخ علي إلى الآن فكن منها على بال .
(4)
[ص30] يكرر ذلك قائلاً : (( والمقصود أنَّ السجود للصنم أو سب الله أو شتم
الرسول يتضمن التكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة لزاماً )) .
(5)
[ص62] جَعْله العمل من كمال الإيمان بقوله : (( السلف عدُّوا العمل شرطاً في
الكمال ، فإذا انتفى العمل انتفى كمال الإيمان ولم ينتفِ الإيمان كله
......فظهر وتبين أنَّ عدَّ السلف العمل من الإيمان إنما يتعلق بكماله وليس
بالإيمان نفسه )) .
ثانياً : وفي عام (1415هـ )
ظهرت رسالة جيدة لأبي عبدالرحمن السبيعي بعنوان "براءة أهل السنة من اشتراط
التكذيب للخروج من الملة وبيان أنَّ هذا قول المرجئة والجهمية" يغلب على ظني
أنَّ الأخ علي الحلبي اطلع عليها واستفاد منها ، وللأخ السبيعي فضل السبق في
توضيح هذه المسألة ، وحسب علمي هو أول من لَفَتَ الإنتباه إلى كتاب "إحكام
التقرير" فجزاه الله خيراً .
ثالثاً : وفي شهر ربيع الأول من عام
(1417هـ) ظهر للأخ علي الحلبي كتاب
بعنوان "التحذير من فتنة التكفير" ( الطبعة الأولى ) والذي يقرأ هذا الكتاب
يلمس أنَّ صاحبه استفاد من نقد كتاب "إحكام التقرير لأحكام التكفير"
إلا أنه لا تزال هناك ملاحظات يهمنا الآن منها
ما يلي :
(1)
[ص6] نقل تقسيم الكفر إلى نوعين : كفر عمل وكفر جحود وهذا لا يدل صراحة على
أنَّ الكفر يكون بالعمل كما يكون بالاعتقاد ، بل قد يكون هذا عنده تقسيم للكفر
إلى عملي غير مخرج من الملة واعتقادي مخرج من الملة ، وحديثنا عن المخرج من
الملة والذي قد يكون قولاً أو عملاً .
(2)
[ص7] نقل تعريف ابن حزم للكفر - من كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" (1/49) وقد
عزاه خطأً للمحلى - وحَصَرَه على الجحود وبتر بقية كلامه والذي فيه أنَّ الكفر
يكون بالقول والعمل أيضاً ، وإليك كلام ابن حزم وما بين المعكوفتين محذوف من
كتاب "التحذير" قال ابن حزم : (( الكفر صفة من جحد شيئاً مما افترض الله تعالى
الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه . [بقلبه دون لسانه ، أو
بلسانه دون قلبه ، أو بهما معاً أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرجٌ له بذلك عن
اسم الإيمان] )) . وسيأتي كيف نقله كاملاً بعد ذلك ، جزاه الله خيراً .
(3)
[ص11] نقل كلاماً للشيخ عبدالرحمن السعدي من كتابه "الإرشاد إلى معرفة الأحكام"
مبتوراً وما بين المعكوفتين محذوفٌ من كتاب "التحذير" : (( [المرتد هو الذي كفر
بعد إسلامه بقولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ أو شكٍّ ، و]حد الكفر الجامع لجميع أجناسه
وأنواعه وأفراده هو جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه )) .
(4)
[ص11 هامش1] قال : (( إنَّ من ثبت له حكم الإسلام بالإيمان الجازم ، إنما يخرج
عنه بالجحود له ، أو التكذيب به ، أما إذا كان شاكاً ، أو معانداً ، أو معرضاً
، أو منافقاً : فإنه - أصلاً - ليس بمؤمن ))
وهذا الكلام باطل من وجهين :
الأول :
حصره الكفر بالجحود والتكذيب كما في كتاب
"إحكام التقرير" .
والثاني :
جعله أنواع الكفر الأخرى تنفي وجود الإيمان أصلاً , أي ليست من أنواع الردة
وكأن الشك أو العناد أو غيرهما لا تطرأ بعد الإيمان إنما الذي يطرأ الجحود
والتكذيب فقط فرجعنا لمسألة حصر الكفر فيهما . فتنبه!
(5)
[ص21] قال : (( فالأمر كله – في دائرة الكفر – مبنيٌ على نقض الإيمان وعدم
الاعتقاد )) وهذا غير صحيح ، والصواب أن يقول : ...مبنيٌ على نقض الإيمان :
بعدم الاعتقاد أو بالقول أو بالفعل .
(6)
استدل في أكثر من موضع - انظر على سبيل المثال : ص 7 و 15- بقول بعض العلماء من
جحد فقد كفر أو قولهم إنَّ الجحود كفرٌ ، بتعريف الكفر بالجحود وهذا لا يخفى
بطلانه ففرق بين قولنا إن الجحود كفر وبين تعريف الكفر بالجحود .
رابعاً : وفي شهر ذي القعدة من العام
نفسه (1417هـ) أي بعد ثمانية أشهر
تقريباً صدر له كتاب "صيحة نذير بخطر التكفير" وهو كما وصفه مؤلفه لحقٌ بكتاب
"التحذير من فتنة التكفير" والجديد فيه
مما يعنينا الآن ما يلي :
(1)
اطلع على الكتاب كما ذكر هو [ص6] كلٌ من : الألباني ، محمد شقرة ، محمد رأفت ،
ربيع المدخلي، محمد بازمول ، مشهور حسن ، سليم الهلالي ،مراد شكري .
(2)
[ص7] قال : (( ليس عندي – هنا- من جديد أضيفه – أو قديم أحذفه – من مقدمتي على
كتاب " التحذير من فتنة التكفير" أو تعليقات عليه وإنما قد يكون وقع فيه عبارة
- أو عبارات – كلمة – أو كلمات – شطح قلمي فيها ، ونبا عن إبانة قصدي بها ؛
ففهم عنها غير ما أريد منها فأصلح ذلك ))
(3)
[ص39] قال : (( قاعدة ما يكفر به المسلم عند أهل السنة مبنية على العلم
والمعرفة – قاعدة وأصلاً – ثم يتفرع عنها ، إمَّا : أولاً : الاعتقاد ؛ جحوداً
وتكذيباً . أو ثانياً : الاستحلال ؛ تحريماً للحلال ، وتحليلاً للحرام )) .
وهذا أيضاً كما لا يخفى فيه حصرُ الكفر في الجحود والتكذيب والاستحلال . ولا
يشفع له هنا ذكر أنواع الكفر لأنه يعد هذا من أنواع الكفر الأصلي ونحن كلامنا
هنا عن الكفر الطارئ أي الردة فلا داعي لأن أكرر هذا فليكن معلوماً لديك .
(4)
[ص49] نقل كلاماً للشيخ ابن سعدي كاملاً وهذا حسنٌ منه وهو قوله : (( والمرتد
هو من خرج عن دين الإسلام إلى الكفر بفعلٍ أو قولٍ أو اعتقادٍ أو شكٍّ . وقد
ذكر العلماء رحمهم الله تفاصيل ما يخرج به العبد من الإسلام ، وترجع كلها إلى
جحد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو جحد بعضه )) . وهذا ما نكرره
دائماً ونريد من إخواننا طلبة العلم أن يعوه وهو التفريق بين حصر الكفر في
الجحود وبين قولنا الكفر يكون بالقول والعمل ومرده إلى الجحود ، فالأول جعل
مناط التكفير الجحود والثاني جعل مناطه القول أو العمل وأرجعه للجحود أو
الاعتقاد ، ولا يسع الآن بسط ذلك .
(5)
[ص64 هامش] قوله : (( من الأعمال والأقوال ما هو كفرٌ أكبر وهي – كقاعدة - : ما
يكون منه أو يقصد به الانتقاص والاستخفاف )) , ثم نسب هذا لشيخ الإسلام ،
ومفهوم هذا الكلام أنَّ الأقوال والأعمال لا تكون كفراً أكبر إلا إذا قُصد بها
الانتقاص والاستخفاف فعاد الأمر إذاً إلى الاعتقاد وقارن هذا الكلام بكلام مراد
شكري السابق يتضح لك وجه الشبه . وهذا ما يفسر إصراره على التمثيل عند الحديث
عن الأعمال والأقوال المكفرة بسب الله ورسوله والسجود لصنم وإلقاء المصحف في
القاذورات , ولا تجده مطلقاً يمثل بأنواع أخرى من الكفر والشرك كالذبح لغير
الله والنذر لغيره ونحو ذلك .
(6)
[ ص70] أعاد ذكر قاعدته في التكفير فقال : (( قاعدة التكفير الجحود ، أو ما
ينبثق منه ويـبنـى عليه ، كالاستحلال الذي هو تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما
حرم الله عن عقيدة )) وهذا باطل كما لا يخفى . فقاعدة التكفير هي :كل قولٍ أو
عملٍ أو اعتقادٍ صرح الشارع أنه كفر .
خامساً : وفي عام (1418هـ)
أعاد طبع كتاب "التحذير" وعدَّل فيه بعض التعديلات .. قال في مقدمته : (( ولقد
تلقى أهل العلم وطلاب العلم كتابي هذا – بحمد الله – بقبول حسن ، ونصفةٍ راشدةٍ
، سوى حروف منه – وكلمات - ، زلَّ فيها القلم ، أو كبا فيها الذهن ... كحال
البشر ، وأعمال البشر ؛ فأصلحتها وصححتها .. أما قاعدة الكتاب ، وأسُّ فكرته :
فهي – بتوفيق الله سبحانه- راسخة راسية ثابتة )) ورغم أنه جزاه الله خيراً قد
اعترف أنَّ قلمه زلَّ وذهنه كبا وقد عدَّل ما عدَّل من أخطاء في الطبعة الأولى
، إلا أنه ما زالت هناك ملاحظات على
الطبعة الثانية ، يهمنا منها الآن مايلي :
(1)
[ص6] الملاحظة نفسها التي في الطبعة الأولى .
(2)
[ص7] استدرك ونقل كلام ابن حزم السابق كاملاً . وهذا من التعديل الذي يُشكر
عليه .
(3)
[ص7] نقل كلاماً لابن حزم مؤيداً له، خالف فيه ابن حزم أهل السنة والجماعة في
حكم تارك أعمال الجوارح وهو قوله : (( ومن ضيَّع الأعمال كلها فهو مؤمنٌ عاصٍ ،
ناقص الإيمان ، لا يكفر )) .
(4)
[ص11] لم يغير شيئاً عن الطبعة الأولى وبقي كلام السعدي مبتوراً .
(5)
[ص11 هامش1] لم يغير شيئاً وبقيت الملاحظة
السابقة كما هي .
(6)
[ص22] لم يغير شيئاً عن الطبعة الأولى وهو فيها (ص21) .
سادساً : ثم في أوائل عام (1419هـ)
صدر كتاب "حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل الإيمان "
للدكتور محمد أبو رحيم ، وأُعيد طبعه بعد ثمانية أشهر من العام نفسه . وفيه ذكر
المؤلف ما خالف فيه الحلبي أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان .
سابعاً : وفي العام نفسه (1419هـ)
ظهرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برقم (20212)
وتاريخ 7/2/1419هـ ، تحذر من كتاب "إحكام التقرير لأحكام التكفير" والذي راجعه
الأخ علي ، ومما جاء في الفتوى : (( وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه
بعد الاطلاع على الكتاب المذكور ، وجد أنه متضمن لما ذكر من تقرير مذهب المرجئة
ونشره : من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب وإظهار هذا المذهب الرديء باسم
السنة )) .
ثامناً : وبعد ثلاثة أشهر
من صدور هذه الفتوى صدر للأخ علي تراجعٌ نشرته مجلة الفرقان في العدد (101)
بتاريخ (جمادى الأولى 1419هـ) ، جاء فيه :
(1)
قوله : (( الكتاب إنما يعبر عن وجهة رأي مؤلفه – يعني مراد شكري – فيما بحثه
وظهر له ))
(2)
قوله : (( وإني بحمد الله وتوفيقه بريء من ذلك كله ، قله وجله ، موافق ما عليه
علماء الإسلام، والأئمة الأعلام ، وما أكون قد أخطأت فيه أو التبس علي من أمره
شيء في هذا الباب وغيره فإني راجع عنه ، آيب إلى الصواب من غير مكابرة ولا
ارتياب ))
وهذا حسنٌ منه جزاه الله خيراً ، لكن كنا نتمنى أن يكون صريحاً في تراجعه عن
خطأه فقوله : ( موافق ما عليه علماء الإسلام ) لا يعني أنه يقول أنه كان
مخالفاً للمذهب الحق ثم هو الآن موافق لما ذكرته اللجنة لأنه بالإمكان أن يقول
إن ما أنا عليه يقول به عددٌ من علماء الإسلام وربما سمَّى لك ابن تيمية وابن
القيم وغيرهما، كما أنَّ قوله ( وما أكون قد أخطأت فيه ) كأنه يشكك - بقوله
(قد)- أنه أخطأ وبالتالي يشكك في تـخطئة اللجنة له .
تاسعاً : ثم بعد أسابيع قليلة
وفي العدد (104) من المجلة نفسها نشر تعقيباً على ما نشر في العدد السابق
بعنوان "إيضاح وتوضيح" ، والجديد فيه قوله : (( الكفر الأصلي راجعة معظم أصوله
إلى كفر النفاق وكفر الإعراض وكفر الشك وكفر الاستكبار ، وأما الكفر الطارئ وهو
كفر الردة فإن معظم أصوله راجعة إلى الجحود والتكذيب والاستحلال ، وهذا لا ينفي
أن تكون هناك حالات يكفر بها المسلم نتيجة شك أو استكبار أو شئ نحو ذلك يطرأ
عليه )) .
عاشراً : وفي شهر رمضان من العام نفسه
(1419هـ) صدر كتيِّبٌ قيَّمٌ للشيخ بكر
أبو زيد بعنوان "درء الفتنة عن أهل السنة" قرَّر فيه معتقدَ أهلِ السنة
والجماعة في مسألة الكفر والإيمان وقد أفاد منه أخونا الأخ علي الحلبي فيما بعد
.
حادي عشر : وفي أواخر عام (1419هـ)
صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية فتوى تحذِّر من كتاب
الأخ أحمد الزهراني "ضبط الضوابط" والذي صدر في أول العام نفسه جاء فيها : ((
..فَوَجَدَتْه كتاباً يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم ، لأنه لا يعتبر الأعمال
الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان ، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من
أنَّ الإيمان قَوْلٌ باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص
بالمعصية )) أ.هـ
علماً أنَّ الأخ أحمد الزهراني عرَّف الإيمان بما عرفته اللجنة لكنه لا يرى ترك
أعمال الجوارح بالكلية مخرجاً من الملة ، وهذا ما وقع فيه بعض إخواننا السلفيين
ومنهم الأخ علي الحلبي ورفاقه في الأردن كما سيأتي نقلاً عن مجلة الأصالة ،
وأبو الحسن المصري نزيل مأرب باليمن وغيرهم .
ثاني عشر : وفي منتصف عام (1420هـ)
ظهر كتاب "التوسط والاقتصاد في أنَّ الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد"
لمؤلفه علوي السقاف ، وقد جمع فيه المؤلف أقوالَ عددٍ كبيرٍ من العلماء مبرهناً
أنَّ الكفر يكون بالقول والعمل كما يكون بالاعتقاد ، مشيراً إلى أن هناك من
المعاصرين من يشترط الاعتقاد في الكفر فنقل القضية من حصرهم الكفر في التكذيب
والجحود إلى اشتراطهم الاعتقاد ، ولا شك أن هذا الكتاب كان له أثر بالغ في
إخواننا هؤلاء خاصة أن الشيخ عبدالعزيز ابن باز – رحمه الله – قد قرظه وأثنى
عليه ، ويتضح هذا الأثر بنقل الأخ علي الحلبي منه في آخر كتبه كما سيأتي .
ثالث عشر : وفي شهر شوال من العام نفسه
(1420هـ) ظهرت فتوى من اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برقم (21154) بشأن كتاب الأخ خالد العنبري
"الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير" والذي امتدحه الأخ علي كثيراً وذلك في
كتابيه "التحذير" (ص25) و"صيحة نذير" (ص52) قائلاً عنه : (( كتاب ماتع – وقال
في الهامش – وهو كتاب حافل مفيد ، ولقد نقلت منه – مصرحاً باسمه – في "التحذير
" )).
ومما جاء في الفتوى : (( وبعد دراسة الكتاب اتضح أنه يحتوي على إخلال بالأمانة
العلمية فيما نقله عن علماء أهل السنة والجماعة وتحريف للأدلة عن دلالتها التي
تقتضيها اللغة العربية ومقاصد الشريعة )) .
رابع عشر : ثم وفي بداية هذا العام (
1421هـ ) ظهرت مجلة الأصالة في عدديها
(25 ، 26 ) وهو عدد خاص بموضوع الإرجاء والإيمان والكفر أسموه "تنوير الأرجاء
بتحقيق مسائل : الإيمان والكفر والإرجاء" وأصله ردٌ على الأستاذ محمد شقرة ,
وقد تناول فيه الأخ علي مع رفاقه مسائل كثيرة وبعضها مفيد ، يهمنا هنا منها
مسألة ترك عمل الجوارح بالكلية وهل هي شرط كمال أم صحة في الإيمان .
والذي يـبدو هنا أن كُتَّاب الأصالة وافقوا
الأخ الزهراني في هذه المسألة في موضعين :
الأول :
[ص 75] وذلك عندما نقلوا كلام الأستاذ محمد شقرة قوله : (( الإذعان الحق مزيج
منهما – يعني البدني والقلبي – معاً )) ثم استنكروه قائلين : (( نقول : نعم ،
ولكن البحث في أمر أهم وأخطر ، وهو : هل انتفاء الإذعان البدني – على وجوبه
ولزومه وركنيته وأهميته – سبيل ينتفي به الإذعان القلبي – ضرورة – كلياً ؟! ))
وليُعلم أن الإذعان البدني هو ما يطلق عليه بعض العلماء : الظاهر، والإذعان
القلبي هو ما يطلقون عليه : الباطن ، أو بعبارة أخرى ، الإذعان البدني : أعمال
الجوارح ، و الإذعان القلبي : أعمال وأقوال القلب ، فكأن الأخ علي الحلبي هنا
يستنكر أن يكون انتفاء الظاهر يلزم منه انتفاء الباطن أو أن انتفاء عمل الجوارح
يلزم منه انتفاء عمل القلب .
الثاني :
[ص104] و ذلك عند مناقشته وإنكاره على الأخ علي بن أحمد آل سوف الذي جمع أقوال
ابن تيمية في هذه المسألة في رسالة لطيفة سماها : "التبيان لعلاقة العمل بمسمى
الإيمان" فقد قال الحلبي عن هذا الكتاب : (( كتاب واهن القول ، ضعيف المأخذ ،
واهي الفكرة ، بعيد عن الصواب )) .
أما مسألة هل أعمال الجوارح شرط كمال أم
صحة في الإيمان أم هي من أركانه ؟ فأقول تحريراً لهذه المسألة :
(1)
مما يؤسف له أنني وعند مطالعاتي لكثيرٍ ممن كَتَب أو تكلم في هذا الموضوع سواء
كان تأليفاً أو من خلال شبكة الإنترنت أو عبر أشرطة مسجلة كنت ألحظ أن كلا
الطرفين المتنازعين في هذه المسألة لم يفهم الآخر أو لا يريد أن يفهمه ، خاصة
من يحملون شيئاً من الإرجاء ، فتجد بعضاً من أصحاب الطرف الأول يحمِّل الطرف
الثاني كلاماً لم يقله ويزعم أنه بقوله أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان
بمثابة من أخرج الأعمال من الإيمان بالكلية أو بمثابة من يقول ترك جميع أعمال
الجوارح ينقص من كمال الإيمان , مع أن هذا ليس لازماً حتى نستفصل منه لعله يعني
ترك بعض أعمال الجوارح وربما يعني آحاد أعمال الجوارح وإن كنا نقول أن هذا
الإطلاق خطأ . أما أصحاب الطرف الثاني فتجد بعضهم يجهد في تقويل أصحاب الطرف
الأول مقولة الخوارج والمعتزلة في أن ترك بعض أعمال الجوارح مخرج من الملة ،
ويقولون هكذا نفهم معنى قولكم أعمال الجوارح شرط صحة في الإيمان أو ركن فيه لأن
الشرط أو الركن إذا فُقِد فُقِد الأصل مع أن أؤلئك يصيحون بأعلى صوتهم نحن نعني
ترك جميع أعمال الجوارح وقد يسميه البعض ترك جنس العمل لكن دون جدوى . نعوذ
بالله من الهوى !! وللأسف حتى من كنَّا نظن فيه خيراً وعقلاً _ أعني أبا الحسن
المصري المأربي – وقع في ذلك .
(2)
رأيت من يستشهد بقول الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – لما قيل له : (( فهم
البعض من كلامك أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين ولم يعمل فإنه ناقص الإيمان ، هل
هذا الفهم صحيح ؟
فقال : نعم . فمن وحَّد اللهَ وأخلصَ له العبادةَ ، وصدَّقَ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، لكنه ما أدى الزكاة ، أو ما صام رمضان ، أو ما حج مع الاستطاعة
يكون عاصياً أتى كبيرة عظيمة ، ويتوعد بالنارِ ، لكن لا يكفرُ على الصحيحِ ،
أما من ترك الصلاة عمداً فإنه يكفرُ على الصحيحِ )) .
أنه يرى ترك جميع أعمال الجوارح ليس كفراً ، وهذا فيه ما فيه من المغالطة ،
وذلك أن الشيخ مثَّل ببعض أعمال الجوارح كالصيام والزكاة فهو إذاً يعني آحاد
العمل .
(3)
الحق في هذه المسألة الذي من خالفه فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة : أن ترك
جميع أعمال الجوارح دليل على انعدام أعمال القلوب وأنه كفر مخرج من الملة سواء
تصورنا وقوعه أم لم نتصور والظاهر دليل على الباطن . وليس الآن مقام تفصيل .
أما ترك بعض أعمال الجوارح – عدا الصلاة ففيها خلاف معروف بين أهل السنة –
فتركها ليس كفراً أكبر.
خامس عشر : وبعد ذلك بشهرين تقريباً
صدرت فتوى أخرى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برقم
21435 وتاريخ 8/4/1421هـ بشأن كتاب الأخ عدنان عبدالقادر "حقيقة الإيمان بين
غلو الخوارج وتفريط المرجئة" والذي نصر فيه ما ذهب إليه الأخ أحمد الزهراني
وكذا الأخ علي الحلبي ورفاقه في مجلة الأصالة من أن ترك جميع أعمال الجوارح ليس
كفراً مخرجاً من الملة ، وجاء في الفتوى : (( فأفتت اللجنة بعد الدراسة أن هذا
الكتاب ينصر مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان وحقيقته وأنه
عندهم شرط كمال )) .
سادس عشر : وفي اليوم نفسه
صدرت من اللجنة فتوى عامة عن الإرجاء برقم 21436
أكدت فيها مسألتين :
(1)
أن القول بأن الأعمال شرط كمال في الإيمان من
مقالة المرجئة .
(2)
و أن حصر الكفر بكفر التكذيب والاستحلال القلبي من مقالة المرجئة أيضاً .
ولا شك أن هذه الفتاوى والكتب والردود التي حصلت كان لها أثرٌ بالغٌ في تصحيح
العقيدة في مسائل الإيمان عند كثيرين ولله الحمد .
سابع عشر : ثم صدر من الأخ علي الحلبي
تعقيب على هذه الفتوى وعلى بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية عن التكفير ،
سماه "كلمة سواء في نصرة بيان هيئة كبار العلماء وفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء
في نقض التكفير وذم الإرجاء" وفيه كلام
جيد عن مسألتنا هذه تدل على أنه جزاه الله خيراً استفاد مما سبق نشره وطبعه ،
ومن ذلك :
(1)
[ص6] نقل كلام الشيخ بكر أبو زيد من كتابه الماتع "درء الفتنة" مستشهداً به :
(( ...الإيمان قَوْلٌ باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة
وينقص بالمعصية ، ولا يزول بها ، فجمعوا بين نصوص الوعد والوعيد ونزلوها
منـزلتها ، وأن الكفر يكون بالاعتقاد وبالقول ، وبالفعل ، وبالشك ، وبالترك ،
وليس محصوراً بالتكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة ، ولا يلزم من زوال بعض
الإيمان زوال كله كما تقوله الخوارج )) , إلا أنه غفر الله له حشَّى ذلك بنقلٍ
للبيهقي من كتابه "الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" قسَّم فيه الكفر إلى ثلاثة
أقسام : قسم يكفر بتركه وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده والاقرار بما اعتقده ، وقسم
يفسق بتركه ، وقسم يكون بتركه مخطئاً للأفضل ، ولا أدري ما وجه ذكر ذلك ها هنا
وهل هو تعقيب على كلام الشيخ بكر السابق ؟ وهذه طريقة أتمنى من الأخ علي أن
يقلع عنها وهو كثيراً ما يقوم بها ، ينقل كلاماً جيداً لعالمٍ من العلماء ثم
يضربه بكلامٍ مخالف له أو يُشتبه في ذلك لعالمٍ آخر ، ويترك القاريء محتاراً لا
يستطيع أن يصوِّبَه أو يخطِّئه ، لأنه لا يدري هل هو موافق للأول أم للثاني ؟
وإن أحسن الظن به - كما يجب - قال لعله
لا يعرف أنَّ الكلامين متناقضان .
(2)
[ص24] عقَّب على كلام اللجنة الدائمة عن المرجئة : (( ... ولزم على ذلك الضلال
لوازم باطلة منها حصر الكفر بكفر التكذيب والاستحلال القلبي )) بقوله - جزاه
الله خيراً - : وهذا حصر باطل .
(3)
هناك عبارات كررها تدعو للريـبة والحيرة في أمره ولا أدري ما قصده منها ككلام
شيخ الإسلام : (( أصل الإيمان في القلب....، لكن ما في القلب هو الأصل لما في
الجوارح )) , وكلامه أيضاً : (( فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد : فهو
كافر )) انظر على سبيل المثال : [ص28 ، 30] .
ولا يعفيه أنه من كلام شيخ الإسلام لأن نقل سطر من صفحة أو صفحات لا يفيد
المعنى ، وكلام العالم يجمع مع بعضه البعض حتى يستقيم ، كما أن شيخ الإسلام غير
متهم بشبهة الإرجاء بخلاف غيره من المعاصرين.
ثامن عشر : وفي الشهر نفسه من هذا العام
(1421هـ) صدر له ردٌ على الأخ إحسان
العتيبي بعنوان "هذا هو الجواب الصواب أيها الأخ إحسان"
أهم ما فيه فيما يعنينا الآن ما يلي :
(1)
قوله : (( ونعتقد -أيضاً- أَنَّ الإيمان قَوْلٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ
بالأركان ، وَوَقْرٌ بِالجَنَان ونضلل مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الإِيمَانَ هُوَ
تَصْدِيقُ القَلْبِ ، أَوْ تصديقه والنطق بِاللِّسَانِ - فَقَطْ - وَضِدُّهُ
مِثلهُ : فَالكُفْرُ -أَيْضاً- يَكُونُ بِالقَوْلِ ، وَالعَمَلِ ،
والاعْتِقَادِ )) وهذا حق جزاه الله خيراً .
(2)
قوله : (( ونعتقد أَنَّ مِنَ الكُفْرِ العَمَلِيِّ -وَالقَوْلِيِّ- مَا هُوَ
مُخْرِجٌ مِنَ المِلَّةِ بِذَاتِهِ وَلاَ يُشترطُ فِيهِ استحلالٌ قَلْبِيٌّ -
وَهُوَ مَا كَانَ مُضَادًّا لِلإِيمَانِ - كَمَا فَصَّلَهُ الإِمَامُ ابْنُ
القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ - فِي كِتَابِ الصّلاَةِ ؛ كَمِثْلِ سَبِّ اللهِ ،
أَوْ رَسُولِهِ ، أَوِ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ ... ، وَمَا أَشَبَهَهَا ))
وهذا الكلام رغم أنه فيما يـبدو للوهلة
الأولى صحيح ، إلا أنَّ عليه ملاحظات :
الأولى :
إن كان يعني بالكُفْرِ العَمَلِيِّ وَالقَوْلِيِّ، المعاصي والذنوب التي دون
الكفر وهو ما يقابل الكفر الاعتقادي ، فليس منها ما هو مخرجٌ من الملة - إلا
بالاستحلال - بل هذا منهج الخوارج والأخ بريء منه ، وإن كان يعني بالكُفْرِ
العَمَلِيِّ وَالقَوْلِيِّ الأعمال والأقوال التي أطلق عليها الشارع أنها كفر ،
فنعم منها ما هو مخرج من الملة ومنها ما هو كفر دون كفر ، لكن الأصل أن ما أطلق
عليه الشارع أنه كفر فهو الكفر الأكبر إلا بقرينة تصرفه عن الأصل .
الثانية :
عبارة (( وهو ما كان مضاداً للإيمان )) قد يُفهم منها أن من الكفر الأكبر ما
ليس مضاداً للإيمان ، أو أن الكفر لا يكون مضاداً للإيمان إلا إذا كان مضاداً
للاعتقاد .
الثالثة :
لاحظ الأمثلة التي يمثل بها الأخ وقد سبق
التنبيه على ذلك .
تاسع عشر : وفي أواخر جمادى الأولى من
هذا العام (1421هـ) صدرت له مع عددٍ من
طلاب العلم بالأردن ( العوايشة ، الهلالي ، آل نصر ، مشهور ) رسالة بعنوان
"مجمل مسائل الإيمان العلمية في أصول العقيدة السلفية" وهو مجمل سلفي جيد يتضح
من قراءته استفادتهم مما سبق نشره وطبعه ،
وأهم ما فيه مما يعنينا الآن مما يدل على
اقترابه من منهج أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان ما يلي :
(1)
[ص6 فقرة 7] قوله : (( مِنَ الكُفْرِ العَمَلِيِّ -وَالقَوْلِيِّ- مَا هُوَ
مُخْرِجٌ مِنَ المِلَّةِ بِذَاتِهِ ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِحْلاَلٌ
قَلْبِيٌّ ؛ وَهُوَ مَا كَانَ مضاداً لِلإِيمَانِ من كل وجه - مِثْلِ : سَبِّ
اللهِ - تعالى – وشَتْمِ الرسول صلى الله عليه وسلم ،و السُّجُودِ لِلصَّنَمِ
...وإلقاء المصحف في القاذورات ، وَمَا في معناها )) لاحظ الأمثلة ، وانظر
التعليق السابق .
(2)
[ص6 فقرة 8] قوله : (( ونقول – كما يقول أهل السنة – إن العمل الكفري كفرٌ
يُكفِّر صاحبه ؛ لكونه يدل على كفر الباطن ، ولا نقول – كما يقول أهل البدع - :
العمل الكفري ليس كفراً ! لكنه دليل على الكفر !! والفرق دقيق )) وهذا كلام جيد
وجديد أُستفيد - فيما يبدو - من كتاب "التوسط والاقتصاد" (ص21) .
عشرون : وفي غرة جمادى الآخرة من هذا
العام (1421هـ) صدرت له رسالة موجهة
للشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بعنوان "البينة" يرد فيها على طعونات الدكتور محمد
أبو رحيم عليه وفيها كثير مما في مجلة الأصالة العددين 25 و 26 .
واحدٌ وعشرون : وفي منتصف جمادى الآخرة
من هذا العام (1421هـ) صدرت فتوى من
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برقم 21517 وتاريخ
14/6/1421هـ تُحذر من كتابَيِّ "التحذير" و "صيحة نذير" لجامعهما علي بن حسن
الحلبي وأنهما يدعوان إلى مذهب الإرجاء من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان ،
وأنهما بُنيا على مذهب المرجئة البدعي الذين يحصرون الكفر بكفر الجحود والتكذيب
والاستحلال .
وهذه الفتوى صدرت بشأن كتابين صدرا عام 1417هـ ولم تنظر في التغييرات التي طرأت
على مؤلفهما خلال الأربع سنوات الماضية ، لذلك فما فيها بشأن الكتابين صحيح وقد
سبق بيانه ، أما عن مؤلفهما فالحق يقال أن ما صدر منه في الآونة الأخيرة يدل
على خيرٍ إن شاء الله ، وليته كان أكثر وضوحاً وتصريحاً .
اثنان وعشرون : ثم ظهر كتاب
"التعريف والتنبئة بتأصيلات الشيخ ناصر الدين الألباني في مسائل الإيمان والرد
على المرجئة" طُبع في دبي طبعة خيرية ، وكان قد سبق أن أشار إليه في رسالة
"البينة" التي وجهها إلى مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل
الشيخ لكنه لم يصدر إلا بعد ذلك . وهو من أقرب كتبه لمنهج أهل السنة والجماعة
في مسائل الإيمان ، وإليك مقتطفات من
الكتاب :
(1)
[ص31-35] تحت عنوان "التَّلاَزُمُ بَيْنَ أَعْمَالِ القُلُوبِ وَأعْمَالِ
الجَوَارِحِ وَالعَلاَقَةُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ" نقل نقولات لشيخ
الإسلام ابن تيمية تدل على أن من ترك جميع أعمال الجوارح لم يـبق معه شيء من
الإيمان وهو ما يُسمى بترك جنس العمل ، وهذه النقولات هي التي كان قد استنكرها
في مجلة الأصالة على الأخ علي آل سوف ، إلا أنه هنا في هذا الكتاب لم يعلق
عليها تعليقاً شافياً يؤيد فيه بوضوح كلام شيخ الإسلام بل كانت تعليقاته عامة
من مثل قوله : (( وَهذَا أَصْلٌ مُهِمٌّ -غايةً- ؛ مَنْ فَهِمَهُ واستوعبَ
حَقِيقَتَهُ : حُلَّتْ لَهُ إِشْكَالِيَّةُ هذِهِ المَسْأَلَةِ –بدءاً
وَانتِهَاءً- )) بعد أن نقل قول ابن تيمية : (( أَعْمَالُ القُلُوبِ هِيَ
الأَصْلُ ، وَإِيْمَانُ القَلْبِ هُوَ الأَصْلُ )) وقوله : (( إِذَا كَانَ
العَبْدُ يَفْعَلُ بَعْضَ المَأْمُورَاتِ وَيَتْرُكُ بَعْضَهَا : كَانَ مَعَهُ
مِنَ الإِيْمَانِ بِحَسْبِ مَا فَعَلَهُ ، وَالإِيْمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ))
.
(2)
[ص43] نقل من كتاب "التوسط والاقتصاد" قول
مؤلفه : ((وَالَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّ
مَوَانِعَ التَّكْفِيرِ أَرْبَعَةٌ : ( الجَهْلُ ، وَالخَطأُ ، وَالتَّأْوِيلُ
-أَوِ الشُّبْهَةُ-، وَالإِكْرَاهُ ) ، فَمَنْ وَقَعَ فِي كُفْرٍ عَمَلاً -
أَوْ قَوْلاً- ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ ، وَبُيِّنَ لَهُ أَنَّ هذَا
كُفْرٌ يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ ، فَأَصَرَّ عَلَى فِعْلِهِ -طَائِعاً غَيْرَ
مُكْرَهٍ ، مُتَعَمِّداً غَيْرَ مُخْطِئٍ وَلاَ مُتَأَوِّلٍ- ؛ فَإِنَّهُ
يَكْفُرُ- وَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ لِذلِكَ الشَّهْوَةَ ، أَوْ أَيَّ غَرَضٍ
دُنْيَوِيٍّ ؛ وَهذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الحَقِّ- ظَاهِرِينَ إِلَى قِيَامِ
السَّاعَةِ -إِنَّ شَاءَ اللهُ- )) وهذه هي المرة الأولى – حسب علمي – التي
يُصرح فيها الأخ علي بأن الشهوة والأغراض الدنيوية لا تُعد مانعاً من موانع
التكفير – وأيضاً ليس له تصريح أنها من موانع التكفير ، لكن اشتراط الاعتقاد
يدل على ذلك - ؛ لكن مما يريـبنـي في
هذا أمران :
الأول :
أنه أورده تحت عنوان "سَبُّ اللهِ أَوْ رَسُولِهِ -وَنَحْوُهُ- كُفْرٌ أَكْبَرُ
وَأَثَرُ ذلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ" فهل يعني قصره على هذا النوع من الكفر ، فلا
يدخل في ذلك بقية أنواع الكفر كالذبح والنذر لغير الله مثلاً ؟
الثاني :
أنه نقل هذا الكلام ولم يعقب عليه فهل يعنيه
حقيقة ؟
فإن كان يعني أن كل كفرٍ أكبر من الأقوال والأعمال يخرج صاحبه من الملة - بعد
إقامة الحجة عليه وانتفاء الموانع - ولو كان الداعي لذلك الشهوة ، وليس حصراً
في سبِّ الله ورسوله أو السجود لصنم أو الاستهزاء بآيات الله أو رميها في
القاذورات بل يدخل في ذلك الذبح والنذر لغير الله وصرف أي عبادة لغير الله
والتلفظ بألفاظ الكفر ونحو ذلك ، فإن كان يعني هذا فقد وافق أهل السنة والجماعة
في ذلك ولو صرَّح به فليس لأحدٍ أن يتهمه بالإرجاء – على الأقل في هذه المسألة–
إلا جاهل أو ظالم .
(3)
[ص61] قال : (( مَا يَرِدُ فِي كَلاَمِ شَيْخِنَا -رَحِمَهُ اللهُ- مِنِ
اشْتِرَاطِ الاسْتِحْلاَلِ لِلتَّكْفِيرِ!! فَحَمَلَهُ (البَعْضُ) عَلَى
أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الاسْتِحْلاَلَ -كَذلِكَ- لِتَكْفِيرِ مَنْ يَسُبُّ اللهَ
-سُبْحَانَهُ- ، أَوْ رَسُولَهُ ، أَوْ يُلْقِي المُصْحَفَ فِي القَاذُورَاتِ ،
أَوْ يَسْجُدُ لِلصَّنَمِ .. أَوْ غَيْرَ هذَا مِنْ أَنْوَاعِ الكُفْرِ
(العَمَلِيِّ المُضَادِّ لِلإِيْمَانِ) -كَمَا قَالَهُ الإِمَامُ ابْنُ
القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- ، أَوِ (المُتَضَمِّنِ تَرْكَ الإِيْمَانِ) -كَمَا
قَالَهُ شَيْخُهُ الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ
اللهُ- .
وَذَاكَ الحَمْلُ بَاطِلٌ ، فَالاشْتِرِاطُ لِلاسْتِحْلاَل خَارِجٌ عَنْ هذَا
النَّوْعِ مِنَ (الكُفْرِ العَمَلِيِّ المُضَادِّ لِلإِيْمَانِ) ؛ حَيْثُ هذَا
كُفْرٌ أَكْبَرُ فِي نَفْسِهِ . لَكِنَّ تَنْزِيلَهُ عَلَى فَاعِلِهِ
يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ شُرُوطٍ وَانْتِفَاءَ مَوَانِعَ -كَمَا تَقَدَّمَ
وَسَيَأْتِي- ))
و لي على هذا الكلام ملاحظات :
الأولى :
كلامه يُشعر أن الشيخ الألباني – رحمه الله – كان يشترط الاستحلال في التكفير
لكن بعض الناس ظلم الشيخ وحمله على اشتراط الاستحلال في تكفير الساب و و و وكأن
الحلبي يُقرهم في أن الشيخ يشترط الاستحلال فيما عدا هذا النوع ، وهذا مما كنت
لا أحب له أن يذكره .
الثانية :
ما كنت أخشاه سابقاً بات حقيقة الآن ، فهو لا يفتأ يردد أن الكفر الذي لا يشترط
فيه الاستحلال هو مثل سب الله ورسوله و و و ، أما الآن فهو يؤكد ذلك بقوله : ((
فَالاشْتِرِاطُ لِلاسْتِحْلاَل خَارِجٌ عَنْ هذَا النَّوْعِ مِنَ (الكُفْرِ
العَمَلِيِّ المُضَادِّ لِلإِيْمَانِ) ؛ حَيْثُ هذَا كُفْرٌ أَكْبَرُ فِي
نَفْسِهِ )) وأنت عندما تناقش أحدهم لماذا تُعد هذا كفر أكبر قال لك لأنه يضاد
الإيمان من كل وجه وهو إما سخرية أو استهزاء أو انتقاص لله أو كتبه أو رسله
وكلها مردها إلى القلب فعاد الأمر إلى الاعتقاد ، والله المستعان .
(4)
[ص62] ذكر أن الشيخ ناصر الألباني – رحمه الله – كان يشترط القصد للتكفير وأن
بعض الناس حمله على قصد الكفر لا قصد الفعل ثم قال - وليته ما قال- : ((
وللأمانة العِلْمِيَّةِ -إِنْصَافاً- أَقُولُ : وَرَدَ فِي شَيءٍ مِنْ كَلاَمِ
شَيْخِنَا -أحياناً- عِبَارَةُ (قَصْدِ الكُفْرِ) ؛ لِكِن مُرَادَهُ فِيهَا
-لُزُوماً- (قَصْدُ الفِعْل المُؤَدِّي حُكْمُهُ إِلَى الكُفْرِ) ، لاَ (قَصْدُ
الكُفْرِ) !! -ذَاتِهِ- )) فالشيخ رحمه الله يشترط قصد الكفر والتلميذ يقول
مراده لزوماً قصد الفعل ، فسبحان الله !
(5)
[ص67] قوله : (( كَمَا أَنَّ الإِيمَانَ : قَوْلٌ ، وَعَمَلٌ ، وَاعْتِقَادٌ ،
فَمِثْلُهُ ضِدُّهُ -وُهَوَ الكُفْرُ-:قَوْلٌ ، وَعَمَلٌ ، وَاعْتِقَادٌ ))
وهذا كلام جيدٌ وحقٌ.
(6)
[ص69] نقل عن اللجنة الدائمة للإفتاء قولها : (( لَيْسَ كُلُّ كُفْرٍ
َعَمَلِيٍّ لاَ يُخْرِجُ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ ؛ (وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى
الاسْتِهَانَةِ بِالدِّينِ وَالاسْتِهْتَارِ بِهِ ؛ كَوْضْعِ المُصْحَفِ تَحْتَ
القَدَمِ ، وَسَبّ رَسُولٍ مِنَ رُسُلِ اللهِ مَعَ العِلْمِ بِرِسَالَتِهِ ،
وَنِسْبَةِ الوَلَدِ إِلَى اللهِ ، وَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللهِ ، وَذَبْحِ
قُرْبَانٍ لِغَيْرِ اللهِ) )) ثم قال : (( مَا بَيْنَ القَوْسَيْنِ (مَحْذُوفٌ)
مِنْ نَقْلِ الأَخِ عَلَوِي السَّقَاف -سَدَّدَهُ اللهُ- فِي رِسَالَتِهِ «
التَّوَسُّطُ وَالاقْتِصَاد فِي أَنَّ الكُفْرَ يَكُونُ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ
وَالاعْتِقَاد » (ص 12) ! وَهُوَ كَلاَمٌ مُهِمٌّ – غايةً- )) أ.هـ
وهذا الكلام المهم – غايةً - قد نقله السَّقَّاف بتمامه (ص134) لكن هل يقول به
الأخ علي الحلبي لأنني ما رأيته ولا مرة واحدة يمثل للكفر الأكبر بالذبح لغير
الله كما فعلت اللجنة ؟
(7)
[ص79] ذكر – جزاه الله خيراً - كلاماً سلفياً جيداً أصله في كتاب "التوسط
والاقتصاد" - وقد تـقدم نحوه- قال فيه : (( وَالخُلاَصَةُ : أَنَّ الفَرْقَ
بَيْنَ مَنْ يَقُولُ : (هذَا العَمَلُ -أَوْ القَوْلُ- كُفْرٌ ؛ لِكَذَا ...)
[وَهُوَ حَقٌّ]، وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ : (هذَا لَيْسَ كُفْراً ؛ لَكِنَّهُ
دَلِيلٌ -أَوْ عَلاَمَةٌ- عَلَى الكُفْرِ) [وَهُوَ بَاطِلٌ] : كَالفَرْقِ
بَيْنَ النَّارِ وَالمَاء ، وَالأَرْضِ وَالسَّمَاء ، وَالحَجَرِ وَالهَوَاء ))
ثلاث وعشرون : ثم وبعد شهر واحد أي في
رجب من العام نفسه (1421هـ) صدرت أوراق
له بعنوان : "الأجوبة المتلائمة على فتوى اللجنة الدائمة" تعقيباً على الفتوى
التي صدرت من اللجنة بشأن كتابيه "التحذير" و "صيحة نذير"
وقد تطرق في هذه الأوراق عن مسائل عدة يعنينا
منها هنا ما يلي:
(1)
[ص6] تكلم عن الأعمال هل هي شرط صحة أم كمال في الإيمان ؟ خالف فيها المرجئة
القائلين بأن الأعمال شرط كمال فيه وليست منه فمن صدَّق بقلبه ونطق بلسانه فهو
مؤمن كامل الإيمان ، لكن لم يصرح بموافقة أهل السنة والجماعة في أنَّ جنس أعمال
الجوارح شرط صحة فيه ، والذي يظهر لي أنَّ هذه المسألة لم تـحرر عنده بعد ، وقد
سبق بيانها هنا.
(2)
أكَّد في مواطن عدَّة من الأوراق أنَّ الإيمان قَوْلٌ وعَمَلٌ واعتقادٌ وكذا
الكفر قَوْلٌ وعَمَلٌ واعتقاد ، وهذا ما لم يكن يقول به قبل سنوات فالحمد لله
على توفيقه.
(3)
بقية الأوراق كانت في مناقشة اللجنة في قضايا عدة لسنا في صددها الآن منها
مسألة الحكم بغير ما أنزل الله.
الخلاصة
وبعد هذا العرض المجمل يتبين لكلِّ منصفٍ ما يلي :
1- أنَّ الأخ علي الحلبي أيَّد قبل سنوات كتاباً مبنياً على قول مرجئة الجهمية
في حصر الكفر في التكذيب . ( بلغني أنَّ مؤلِّفه الأخ مراد شكري قد تراجع
فالحمد لله على توفيقه ) .
2- أنَّ له كتباً بناها على قول المرجئة في اشتراط الاستحلال القلبي والاعتقاد
في التكفير .
3- أنَّ له كلمات في أنَّ ترك جميع أعمال الجوارح ليس كفراً مخرجاً من الملة .
4- أنَّه أُلفت خلال السنوات السبع الماضية كتبٌ ورسائلٌ وصدرت فتاوى كان لها
أثرٌ كبيرٌ في تصحيح كثيرٍ من المفاهيم والأخطاء العقدية في مسائل الإيمان .
5- أن كلام الأخ علي الحلبي الأخير يختلف عن كلامه السابق ، وهو الآن أقرب إلى
منهج السلف من ذي قبل .
6- أن من ينكر موافقته للمرجئة وتراجعه عن بعض ذلك فقد أخطأ .
7- أن الحق في مسائل الإيمان قد اتضح وبان بعد صدور تلكم الكتب والفتاوى، ولا
يخالفه إلا مكابرٌ معاند .
وأخيراً هذه أربع نصائح أسأل الله أن ينفعني بها أولاً :
(1) أنصح الأخ علي بأن يعلنها مدوِّيةً صريحة في أنَّ الكفر الأكبر يكون بالقول
والعمل كما يكون بالاعتقاد دون شرط الاستحلال ولا حصره بأمثلة معينة كالسب
والشتم لله أو رسوله أو السجود لصنم ونحوه , بل يدخل في ذلك كل كفر أكبر من صرف
العبادة لغير الله كمثل الذبح والنذر لغير الله ، أو التلفظ بألفاظ الكفر ونحو
ذلك ، وأن مناط التكفير هو القول أو العمل أو الاعتقاد ولو كان الدافع لذلك
شهوة من شهوات الدنيا ، ولا يمنع الحكم على المعين بالكفر إلا : الإكراه والجهل
والشبهة والخطأ ، وأن ترك جميع أعمال الجوارح كفرٌ مخرجٌ من الملة وأنه دليل
على زوال أعمال القلب حيث الظاهر دليلٌ على الباطن إن زاد زاد ، وإن نقص نقص ،
وإن عُدِم عُدِم . وهذا كفيلٌ إن شاء الله لو صدر منه أن يصلح كثيراً مما حصل
من تصدُّعٍ في الصف السلفي.
(2) كما أنصحه أن يكُفَّ عن عباد الله – تـجريحاً واتهاماً – ولإنْ كان يظنُّ
أنَّ اللجنةَ قد ظلمته واتهمته فلينظر كم من داعيةٍ سلفيٍ اتهمه وظلمه : فهذا
حركي وهذا حزبي وذاك ثوري والآخر حذف كذا عمداً والثاني بَتَرَ كذا قصداً وآخر
يَضَعُ أمام كلامِه علامات تعجُّب !!!!!- تعْجَب أحياناً من كثرتها- ، إلى آخر
قائمة الاتهام والتجريح ، واللهُ يحب العدل و الإنصاف .
(3) كما أنصح محبيه ألاَّ يتعصبوا إلا للحق وأن يدقِّقوا في هذا الكلام ويقرأوه
أكثر من مرة ويعرضوه على من شاؤوا من العلماء قبل أن يتعجلوا ويرُدُّوا عليه ،
فالأمر دينٌ وعقيدةٌ ، وكفانا ردودا ومهاترات وإضاعة للأوقات ، فإما التكلُّم
بعلم أو السكوت بحلم .
(4) كما أنصح مخالفيه – وكلَّ مسلمٍ- أن يكونوا منصفين يقولوا للمخطئ أخطأتَ
وللمصيب أصبتَ وألاَّ يحمِّلوا كلام أحدٍ ما لا يحتمل ، وأن يَحْمِلوه - إن كان
له أكثر من وجه - على أحسنها .
أسأل الله العلي القدير أن يرحم هذه الأمة من البدع والافتراق وأن يجمع شمل
شبابها على السنة ويجعلهم رحماء بينهم أشدَّاء على أعدائهم .
اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ
بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ
فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ .
واَللَّهُ أَعْلَم ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى
آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
|