تأييد وتعقيب على فتوى بازمول في الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم


فضيلة الشيخ الدكتور محمد بازمول السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
فضيلة الشيخ لا يخفاك ما هو حاصل في الساحة من مسائل الإيمان حتى جعلت المسلم يحتار فالكل عندنا من العلماء والكل يستدل بكلام ابن تيمية احترنا ماذا نعتقد ولذ فإني أثق فيكم إن شاء الله فإني أرجو أجابتي على سؤالي
ما حكم تارك جنس العمل هل هو كافر؟
فإن لم يكن كافراً فهل المخالف في ذلك جاء بعقيدة جديدة وإن كان كافراً فهل المخالف في ذلك ليس من أهل السنة و ما اقول الصحيح لابن تيمية في هذا الموضوع؟

افتونا جزاكم الله خيرا لأننا الآن أصبحنا أما خوارج أو مرجئة مع دعائي لكم بالمغفرة والتوفيق

الجواب :
الشيخ محمد بن عمر بازمول 21-3-2001 14:56 1.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يصلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وسلم)!

أما بعد :
فالجواب على سؤالك يا أخي بارك فيك هو التالي:

أولاً : أوصي إخواننا ممن يتكلم في هذه المسألة أن يحرص على ألفاظ السلف الصالح وعباراتهم، وخاصة في مسائل العقيدة ومباحثها، فهم أعلم وأتقى؛ وعليه فلا أرى في بحث مسائل الإيمان على الخصوص استعمال الألفاظ الحادثة مثل (جنس العمل) أو (شرط الكمال) أو (شرط الصحة) ونحوها من الألفاظ، بل أوصي بلزوم ألفاظ وعبارات السلف في هذا الباب، وهذه نصيحة في جميع أبواب العلم وفي العقيدة على الخصوص!
ثانيا : إذا تقرر ما سبق فإن الكلام في مسألة الإيمان هو كلام السلف فيها، كما يلي:
ـ الإيمان قول وعمل واعتقاد.
ـ ولا إيمان بدون عمل.
ـ والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ـ يزيد الإيمان حتى يكون أمثال الجبال وينقص حتى لا يكون في القلب إلا مثقال ذرة، وقد يعدم فيكون كالهباء، ليس وراءه شيء.
ـ ومن نقص إيمانه فهو من أصحاب المعاصي وأصحاب المعاصي في مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم، ثم مآلهم إلى الجنة!
ثالثاً : من زعم حصول الإيمان بدون عمل فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة! ووافق المرجئة والجهمية والكرامية على تفاصيل تراها في كتب العقيدة!
ومن زعم بطلان الإيمان بالمعاصي فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة! ووافق الخوارج والمعتزلة على تفاصيل عندهم في ذلك!
ومن زعم حصول إيمان في القلب بدون أن يظهر أثره وموجبه على الظاهر فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"، فالظاهر والباطن متلازمان.
والعمل هو فعل الطاعات ليس هو مجرد ترك المكفرات فإن هذه عبارة لم تأت في كلام السلف، وليست مرادهم من العمل الذي هو جزء الإيمان!
ومن أتى بالشهادتين حكمنا بإسلامه في الظاهر، وينظر هل يأتي بالأعمال الصالحة أو لا، فإن لم يأت بشيء من الأعمال الصالحة أي ترك العمل بالكلية مع القدرة وعدم المانع، حكم بكذبه وعدم صدقه فيما زعمه من إسلام!
ومن ثبت إيمانه ثم ترك شيئاً من الطاعات ينقص إيمانه، مالم يأت بمكفر، أو كان العمل الذي يتركه يقتضي الكفر، ويزول ويعدم إيمانه إذا ترك الطاعات بالكلية مع القدرة وعدم المانع، ولكن لا يحكم على المعين بالكفر إلا بعد ثبوته عليه بقيام الحجة وانتفاء المانع وثبوت الشروط.
وكلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله على هذا، ولكنه أحياناً يذكر ما في القلب ويسكت عن عمل الجوارح على أساس ما قرره من أن ما في القلب لابد أن يظهر أثره وموجبه على الظاهر، فهو من باب ذكر الملزوم والسكوت عن اللازم، لا من باب أن الإيمان يثبت بدون عمل. وقد قرر هذا في مواضع من كتبه، فلينتبه إلى هذا!
رابعاً : أوصي إخواني سلمهم الله بلزوم ما قرره أهل العلم في المسألة من سلفنا الصالح، ومن تبعهم بإحسان ومن هذا ماقرره علماؤنا في اللجنة الدائمة في الافتاء بالمملكة العربية السعودية، فقد نصحوا وصدقوا وبينوا ولا أزكي على الله أحداً، كما أوصي إخواننا الشباب بالتناصح فيما بينهم، وبحسن النية في بعضهم بعضا، وبالرفق فيما بينهم؛ فإن الرفق ماكان في شيء إلا زانه و ما نزع من شيء إلا شانه، ومن صفات أهل النار أنهم كل عتل جواظ متكبر!
خامساً : من الأمور المخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم، مما وقع فيه بعض إخواننا في كلامهم في هذه المسألة ما يلي :
التنابز بالألقاب.
وتصنيف الناس دون حجة أو برهان .
والتعيير بحجة النصيحة والتحذير من أقوال أهل الأهواء، وفرق بين النصيحة والتعيير.
والمسائل إذا صار الخلاف فيها يؤدي إلى تفريق المسلمين وتدابرهم فالبحث فيها على هذه الطريقة ليس من العلم في شيء!
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم!
كتبه : محمد بازمول .
 

تأييد وتعقيب على فتوى بازمول في الإيمان
قال العبد الكريم

أخي الكريم
جزاك الله خيرا على نقلك كلام الشيخ ، وأسأل الله عز وجل أن يجعلكما ممن يذبون عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وما قاله أخونا الشيخ محمد بازمول هو عين الحق والصواب الذي ينبغي أن يرجع إليه إخواننا الذين خالفوا أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان، ويكفُّوا عن تردادهم مقولة بعض السلف: (من قال الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، فقد برئ من الإرجاء كله، أوله وآخره، جله وقله) لأنا نقول من قال: الإيمانُ قول وعمل وتركُ العمل بالكلية ليس كفراً ، فما فقه ما قال.
لكني أريد أن أقف وقفات يسيرات مع نصيحة الشيخ بازمول الأولى القيمة وهي قوله : (أوصي إخواننا ممن يتكلم في هذه المسألة أن يحرص على ألفاظ السلف الصالح وعباراتهم، وخاصة في مسائل العقيدة ومباحثها، فهم أعلم وأتقى؛ وعليه فلا أرى في بحث مسائل الإيمان على الخصوص استعمال الألفاظ الحادثة مثل (جنس العمل) أو (شرط الكمال) أو (شرط الصحة) ونحوها من الألفاظ، بل أوصي بلزوم ألفاظ وعبارات السلف في هذا الباب، وهذه نصيحة في جميع أبواب العلم وفي العقيدة على الخصوص!)
فأقول :
الوقفة الأولى :
استخدام الألفاظ الحادثة على قسمين:

1- ألفاظ موهمة كلفظة الجهة مثلاً فهذه قبل الحكم على قائلها ينبغي أن يُستفصل منه ماذا تعني بالجهة فإن قال: أعني العلو قلنا له كلامك صحيح وإن قال غير ذلك رددنا عليه اللفظ.
2- ألفاظ صريحة واضحة المعنى استخدمها العلماء وهذه تنقسم إلى قسمين أيضاً:
أ- قسم لم يحصل فيه نزاع ودرجوا عليه كقولهم الصفات الذاتية والصفات الفعلية ، ومطلق الإيمان والإيمان المطلق، وغيرها كثير جداً في مسائل العقيدة وفي غيرها أكثر كمصطلحات علوم الحديث وأصول الفقه، وهذا النوع لا حرج من استخدامه مطلقاً ولو كان حادثاً.
ب- قسم حصل فيه نزاع وهذا ينقسم أيضاً إلى قسمين:
ب1- قسم النزاع فيه بين أهل السنة أنفسهم. وهذا يقال فيه لا مشاحة في الاصطلاح مادام أن مقصودهم واحد.
ب2- وقسم بين أهل السنة ومخالفيهم من المرجئة والخوارج والرافضة وغيرهم ، وهذا الأخير لا ينبغي أن نترك ما عليه أهل السنة لشبهات أوردها أهل البدع والضلال يشغبون بها علينا، وقد استخدمها علماء السلف المتقدمين أو المتأخرين وأكثر من استخدمها ابن تيمية وتلامذته إلى يومنا هذا، ومن ذلك : الإيمان الواجب ، الإيمان المستحب ، الإيمان المطلق، جنس العمل أو جنس الأعمال، الترك الكلي ، تحقق الشروط ، انتفاء الموانع ، شرط كمال، شرط صحة، ركن في الإيمان وغير ذلك.
وعليه أقول إن ترك جنس الشيء معروفٌ معناه أي: تركه بالكلية، ولا يخالف في ذلك إلا جاهل أو معاند ، والعبارة استخدمها شيخ الإسلام ابن تيمية واستخدمها العلماء من بعده إلى يومنا هذا ، لكن نبتت نابتة تأثرت بالمرجئة وأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان وصعب عليها أن تصرح بذلك لما تعلم من عاقبة هذا الأمر أو اختلط عليها الأمر لو أردنا أن نحسن الظن بها –وهذا هو الواجب- فسمت من قال: ترك جنس العمل كفرٌ مخرجٌ من الملة، خوارجَ معاصرين وبعضهم أطلق عليهم "فرقة جنس العمل" وقالوا العمل شرط كمال لا شرط صحة ولا ركن، فأقول ما ينبغي ونحن أمام هذا التيار أن نأتي ونهون من المسألة ونقول : اتركوا الألفاظ الحادثة كلفظة جنس العمل وكأن الخلاف معهم لفظي ، والأولى أن يقال : مراد القائلين بأن ترك جنس العمل كفر، هو ترك العمل بالكلية، وهذا موافق لما عليه أهل السنة والجماعة . خاصة أننا في زمن قصرت فيه الأفهام وفسدت النيات، فسيأتي من يقول أرأيتم هذا الشيخ فلان يحذر من استخدام لفظة جنس العمل ويرد على فرقة جنس العمل بل سيأتي من يقول الشيخ فلان لا يكفر تارك جنس العمل ويعد هذا من الألفاظ المحدثة ، وقد حدث هذا مع ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه اللفظة ومن طالع كتاب "القواعد المثلى" للشيخ يجد فيه عشرات الألفاظ المحدثة كالصفات السلبية والذاتية والفعلية وغيرها كثير ، خلاصة الوقفة الأولى أنه كان الأولى أن يقال : ترك جنس العمل أي تركه بالكلية كفر مخرج من الملة.
لكن يبدو أن حرص الشيخ جزاه الله خيراً على جمع الكلمة ونبذ الفرقة والخلاف، دفعه على ذلك وهو مأجور إن شاء الله. والدليل على ذلك:

الوقفة الثانية:
أن الشيخ نفسه استخدم في هذه الكلمة الضافية ألفاظاً حادثة ومن ذلك : تلازم الظاهر والباطن، ترك العمل بالكلية، انتفاء المانع، ثبوت الشروط، الملزوم واللازم. فأين في كلام السلف الصالح هذه الألفاظ؟

الوقفة الثالثة:
قد يقول البعض إن الشيخ يعني استخدام الألفاظ التي استخدمها السلف أصحاب القرون المفضلة ، فأذكر هؤلاء بنصيحة الشيخ الرابعة وهي قوله : ( أوصي إخواني سلمهم الله بلزوم ما قرره أهل العلم في المسألة من سلفنا الصالح، ومن تبعهم بإحسان ومن هذا ماقرره علماؤنا في اللجنة الدائمة في الافتاء بالمملكة العربية السعودية، فقد نصحوا وصدقوا وبينوا ولا أزكي على الله أحداً،) ومما قرره من تبع سلفنا الصالح بإحسان من أهل العلم ومنهم أعضاء من اللجنة الدائمة أن ترك جنس الأعمال كفرٌ. كما أن الألفاظ التي أوردتها في الوقفة الثانية لم تكن دارجة عند السلف في القرون المفضلة.

الوقفة الرابعة:
سؤال السائل كان كالتالي: (( ما حكم تارك جنس العمل هل هو كافر؟ فإن لم يكن كافراً فهل المخالف في ذلك جاء بعقيدة جديدة وإن كان كافراً فهل المخالف في ذلك ليس من أهل السنة ؟ ))
وقد كنت أتمنى لو كان جواب الشيخ أكثر وضوحاً -على وضوحه- كأن يقول بعد تفصيله الرائع: نعم تارك جنس العمل، أو تارك العمل بالكلية –كما يحب الشيخ- كافر ؟ ومن قال غير ذلك فليس من أهل السنة في مسائل الإيمان .
ثم يفصل في تكفير المعين على ما ذكر ، حتى لا يأتي من يقول: السائل سأل هل يكفر أم لا؟ والشيخ أجابه بأن إيمانه يزول ويعني بذلك الإيمان الكامل أو التام أو الواجب وهكذا يخوض الشباب في معارك بسبب عدم صراحة الجواب ، وقد حصل كل هذا، والله المستعان.

هذا ما عندي من وقفات وهي ليست استدراكات ولا انتقادات بل إني اتفق مع ما ذهب إليه الشيخ ، وأدعو له بالتوفيق والسداد ، وإنما هو قطع الطريق على من يريد أن يحوِّر كلام الشيخ ويزعم أنه في صفه، ويقول بما يقول.
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
 

وكتبه العبد الكريم .