اطبع هذه الصفحة


أيًّها المُناضل خضر عدنان : كل حروف الهجاء تتحدث عنك!

خبَّاب بن مروان الحمد


وانتصر البطل المُجاهد : خضر عدنان على اليهودي السجَّان الجبان، وسجَّل البطل ابن عدنان هدف الفوز المدوي في معركة عض الأيادي، وكان هو الفائز بكل جدارة، بشهادة العدو الصهيوني كذلك!

لقد اختار خضر عدنان هذه المعركة حينما طفَّ الكيل وفاض الصاع وجاوز السيل الزُبى، بمقاومة يسميها الأسرى (معركة الأمعاء الخاوية) تلك المهمَّة الصعبة التي لا يقدر عليها كل مجاهد فضلاً أن يطيقها ويستطيعها كل أسير، فإنِّه ليس لنا إلاَّ أن نقف مع هذا البطل وقفة تردُّ إليه اعتباره لإسلاميته و إنسانيته، فحقٌّه في الوجود بعد أن خلقه الله لا يختلف فيه اثنان ولا يتناطحُ فيه عنزان!

إنَّ هول الحدث يستدعي منَّا أن تكون لنا وقفة تجاه ما يحدث مع هذا الأسير في سجون بني صهيون، وتجاه جميع الأسرى الذين يريدون خوض معركة الإضراب مع السجَّان الصهيوني، حيث لحظنا تجاهلاً دولياً واضحاً لقضيَّة الأسرى بل تتجافى منه جنوب الحقوقيين الدوليين عن القيام بواجبهم تجاههم؛ والقضيَّة واضحة المعالم وذلك لأنَّ الأسير : مسلم ثمَّ عربي ثمَّ فلسطيني، وهنا تكون الكارثة!

ولم نرَ عالمنا الدولي  بأنظمته السياسيَّة إلاَّ ساكتاً ساكناً سادراً في غفلته عن قضيَّة هذا الأسير ظلماً وعدواناً، ونستذكر حينئذٍ حينما ضجَّ العالم بأسره عربه وعجمه لمَّا اعتقل المجاهدون جلعاد شاليت من أرض المعركة، وكم نالت شخصيَّته من صخب وضجيج لتخليص حياته من الأسر، فلك الله يا خضر عدنان!

هذا الرجل خضر عدنان بات عند الناس عنواناً لهذه المرحلة الزمنيَّة والحقبة التاريخية العصيبة، ومثلاً ومثالاً صارخاً ضدَّ همجيَّة الاعتقال الإداري الذي ينال من حقوقه وكرامته ومن خلفه ثلاثمائة معتقل إداري دون حكم بالإفراج عنهم!

إنَّ خضر عدنان بعد أن عجز اليهودي عن كسر إرادته لكي يثنيه عن إضرابه السلمي الذي يقاوم به آلة البطِش الصهيونيَّة يقول : إنَّني مظلوم ولقد سجنت مراراً وتكراراً عندكم في سجون ظالمة باعتقال لا...بل باختطاف همجي بربري يسمونه زوراً وبهتاناً بالاعتقال الإداري، ومعناه عندهم أن يبقى الأسير المُجاهد قيد السجن ورهن المحبس، ويتجدد الاعتقال بعضه تلو بعض، حتَّى يتلطَّف اليهودي بإطلاق سراحه بعد أن يبلغ من الوقت عتياً، فما كان من الأسير الشيخ خضر عدنان إلاَّ أن يخبر اليهودي بطريقته الخاصَّة قائلاً: إمّا أن تطلقوا سراحي، وإمَّا أن أبقى مضرباً عن الطعام، وتحقِّقوا للأسرى بغيتهم بإطلاق سراحهم، وقد انتصر أخيراً!

ورأيت ورأينا بعض السجناء بالفعل قد قاموا من خلفه بتأييد فعلته، والسير خلف سعيه لنيل كرامته، وبدأت صيحات الحقوقيين تتحدث عمَّا يفعله خضر عدنان بنفسه؛ لكي يسترد قوَّته وكرامته ولو خرج ضعيفاً هزيلاً مريضاً فلا عليه أن يخرج كذلك إن كان قد حقَّق شيئاً لأسرانا فتذكرت قول أحدهم:

كـلّ القبائل تابعوك على الَّذي * تـدعـو  إليه وأيدوك وسارُوا

إنَّ الشيخ خضر عدنان – رزقه الله رضا الرحمن – لم يشأ الدخول في ذلك الإضراب من باب اليأس والقنوط بل من باب التعبَّد والقنوت، والفرق بين القنوت والقنوط كالفرق بين السماء والأرض.

إذا لم يكن إلا الأسنةُ مركباً * فما حيلةُ المضَّطر إلا ركوبُها

لقد اجتهدت أن تكون لي بصمة في الدفاع باحترام عن هذا البطل، ولن يعلو ما أقوم به إلاَّ مُجرد كلام وكتابة، هي أقل بكثير – بل لا مقارنة - عمَّا يقوم به ذلك البطل عدنان، ولئن أكتب شيئاً أنافح به عنه وأدافع به عن كرامته، خير لي من أن أبقى أتابع أخباره وأتلقف أنباءه وأتلقَّط آثاره من شاشة التلفاز أو جهاز الحاسوب، سواء حينما كان مُضرباً أو حينما انتصر على اليهودي الجبان على مبدأ أن أكتب دفاعاً عنه خير من أن أبقى أتميَّز من الغيظ على يهود، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

حين قيل لبعض بني أميَّة : أين كنت يوم أن قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه؟
قال: شغلني الغضب له عن الحزن عليه!
فالحزن وحده لا يكفي، فأحببت أن أصيغ ببناني، وأرسم بريشة قلمي على قرطاسي، سابكاً بعض عباراتي مع عَبَراتِي، مِمَّا أجده في نفسي تجاه هذا البطل المغوار والأسد الهصور: عدنان!
قيل لبعض العرب: من هو الرجل البطل فقال: الرجل معرفة وموقف!
وهكذا هو خضر عدنان فطالما تحدثوا عن صبر نيلسون مانديلا، وعن مقاومة غاندي للمحتل البريطاني بتلك المقاومة السلمية بمقاطعة بضائعهم، لكنَّ من بين المسلمين من يسطِّر طريقة خاصَّة للمقاومة ليموت واقفاً أو جائعاً خير من أن يحيا لغير الله راكعاً أو يحيا ليأكل فحسب، ولقد جاء في المثل العربي أنَّ  " ثمن الكرامة والحرية فادحٌ ..ولكن ثمن السكوت عن الذل والاستعباد أفدحُ ".

قد جعلت هذه الأكتوبة بطريقة مُختلفة عن طرائق الكتابة، فحاولت أن أحشد حروف الهجاء كاملة لكي تكتب عنه وعن صموده الذي يُثير الدهشة والاستغراب خصوصاً حينما نعلم أنَّه متزوج ولديه أولاد أطفال صغار ينتظرونه ووالدٌ يعلو مُحيَّاه الصلاح يخطب في الحشود ويتكلَّم بألم عن ابنه، وأمٌّ مُقعدة كبيرة السنِّ، مِمَّا يُعطينا دلالة حقيقيَّة على قدر المعاناة التي تعاني منها أسرة خضر عدنان فضلاً عن معاناته هو في نفسه!

* حروف الهجاء تتحدث عنك بطريقتها العفويَّة:

(أ)

أنت الرمز ! فلقد قالوا إنَّ الأسير مسلوب الإرادة، ولا إرادة له إلاَّ بالانصياع لأوامر السجَّان، لكنَّك عكست قانون السجون فصرت أنت من يُصدر الأوامر على الآخرين معاكساً لما يريده السجَّان، وانتصرت أخيراً يا ابن عدنان على اليهودي الجبان.

إن يظلموك فـلا تعبأ بفعلهم ** هم الغـثاء وأنـت السـيد الـبطل

إنَّ من أروع ما قمت به في سجنك إغاظة عدوك، فالله تعالى يقول ( ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفَّار ولا ينالون من عدو نيلاً إلاَّ كُتِبَ لهم به عمل صالح).

فلله دَرُّك يا ابن عدنان وعليه أجرك، إذ كُنت تستشعر معنى الإغاظة لعدوك، حينما زارك أهلك وصرت تُردِّدُ على مسمع يهود قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أوْليَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ)، حتَّى أنَّ زوجك المصون حدَّثت أنَّك كلَّما كرَّرت الآية يزداد غيظُ رجالَ أمن العدو اليهودي المنتشرين داخل الغرفة وخارجها؛ حتى أن أحد الضباط كان يدعوك للصمت كلَّما ردَّدتها!

 (ب)

كنت قد بنيت لنفسك لحداً، وللأسرى مجداً، لكنَّ ربَّ العزَّة نصرك على عدوك، بعد أن بيَّنت لليهود درساً أنَّ الحياة دون حريَّة لا طعم لها فقعدت على قلوبهم يا ابن عدنان حتَّى تنال حقك كإنسان لكي لا تُهان، وقلت في آخر تسجيل لك: الإضراب مفتوح حتَّى الحريَّة والعزَّة والكرامة! وكأنَّك قد استروح لهذا الموقف الشجاع البطولي الذي قمت به نيابة عن نفسك وعن إخوانك من الأسرى والمعتقلين فما أحببت أن تحيد عنه ولا تميد.

 (ت)

تعاليت عن شهواتك فظنُّوك خصماً لذاتك وما أنت إلاَّ مُعارك!

كذا المعالي إذا ما رمت تدركها * فاعبر إليها على جسرٍ من التعب

(ث)

ثارت الشعوب في الربيع العربي على الظلم والجبروت، وثرت أنت ثورة خاصَّة بك على الصهيوني الطاغوت، لكنَّها ثورة الجائع ضدَّ ثعالب اليهود التي تبتغي منك الخنوع والصمود، ولن يكون!

بعض المواقف يا رجال حرائرٌ * والبعض يا بن الأكرمين إماءُ

(ج)

 جاورت اليهودي السجَّان فوجدته نذلاً جباناً، فزدت كرهاً له، وزادك عناء وشقاء، فليس إلاَّ براء من اليهودي وعداء لذلك السجَّان الصهيوني الظالم، ولن تطلب منه حبَّة ماء، فهو إن كان يكرهك لأنَّك مسلم مُقاوم فأنت قطعاً تكرهه لأنَّه عدو محتل ظالم غاشم! لسانك:

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم * وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبكمُ * ولا نلومكمُ ألا تحبونا
كلٌ له نية في بغض صاحبه * بالله نبغضكم دوماً وتقلونا

(ح)

حلفت - قسماً بِربك - أنَّه لا هوان: فإمَّا نصر على السجان وإلاَّ تُساق على الأكفان!

فإمَّا إلى النصر فوق الأنام * وإمَّا إلى الله في الخالدين

من كلمات  الأسير خضر عدنان : " لا نعشق الموت، ولكننا ندفع الموت عن أرضنا، أقول لشعبي لست هاويا للجوع، ولا ذاهبا للتهلكة، ولكن الأمر قد أصبح لا يطاق، وتجاوز كل المحرمات في العالم، فإن كتب الله لي الشهادة فإنني أكون قد سرت على طريق الإيمان والحق ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كتب لي الله الحرية فهذا انتصار لشعبي وأمتي ولكل الأحرار ومناصري العدالة على هذه الأرض".

(خ)

خاب وخسر ووقع في الخيانة والخور كلَُ من لم يقف معك في معركتك الوحيدة مع ساجنك، فليست كل القضيَّة فقهاً في حكم ما تقوم به على خلاف شرعي نحترمه بين أهل العلم الربانيين لا المنافقين!

لكنَّ من يعرف جوهر القضيَّة يُدرك أنَّ الأمر أعظم من كونها مسألة فقهيَّة فحسب، إنَّها قضيَّة أمَّة... إنَّهم أسرى يريد اليهودي أن يجعلهم يحيون ولكن بالذل والخنوع والركوع، لكنَّك أعلمتهم درساً أنَّنا نركع لكن لله وليس لمن حارب الله وآذاه، وفرق بين من استشعر معنى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وبين من قال: (يد الله مغلولة غلت أيديهم) وتبقى عزيزاً لنحيا كراماً يا ابن عدنان فأنت أنت المعتز بالرب الرحمن قائلاً:

أنا بالله عزيز لا بعزى أو مناة
معي القرآن أتلوه فيحيي لي مواتي
استبانت غايتي من آية في الذارياتِ

(د)

دنت لله بالنضال، فدانت لك الأمَّة بأسرها بالاحترام والإجلال، فما تقوم به سيكون دَيناً في رقبة أمَّة الإسلام في فلسطين وفي كل مكان؛ لعلَّها تستشعر أنَّك فدائي الأسرى، ومقاوم الأسلاك الشائكة بالأمعاء الخاوية، فالمجد لك في حياتك وبعد مماتك كتب الله لك الأجر والعافية والحمد لله على نصره لك!

عَلَوتَ مكانةً وعَظُمتَ مجدا * ونلت لدى الورى عِزا وسعدا
تُقدرك البلادُ وأنت فردٌ  * يفيض لك الفـؤاد هــوى وودا
بذكرك تلهج الدنيا وراحتْ *  تشيدُ بـمجدك الأيــامُ حـمـدا
فما لي لا أصوغ لك ثناءً * تموتُ به العدا كـمدا وحِقـدا
سعيتَ إلى العلا والمجد حتى * بلغتَ من العلا والمـجدِ قصدا


 (ذ)

 ذببت عن الأسرى في بلاد الإسراء لتزف إلى الناس الذكرى بأنَّ: كرامتي أغلى من الطعام.

ليسوا بأسرى الأرغفة
ليسوا بأسرى الأرصدة
ليسوا بأسرى الأشربة
.. الأطعمة
.. الألبسة
قوم إذا جدَّ الوغى     كانوا ليوث الملحمة
ملأٌ لقد ملأ الإله صدورهم      نوراً فكانت بالضياء مزخرفة


(ر)

ربَّما أنَّ كثيراً من الناس لا يعرفون أنَّ أطول إضراب عن الطعام؛ في واقعنا الفلسطيني هو ما قمت به أيها البطل، مناكفاً عدوك، وهو الإضراب الثاني عالمياً بعد ذلك الإضراب الذي قام  به أحد سجناء الرأي في أيرلندا لمدَّة 71 يوماً، فقلله درك وعلى الله أجرك.

خلق الله للخُطوب رجالاً * ورجالاً لقصعة وثر يد!

 (ز)

زهدت في الطعام والشراب، وأنفت نفسك الفلسطينيَّة أن تأكل الأكل المُحبَّب إليها من الزيت والزعتر والزيتون، وفيما أنت مُضرب عن الطعام ونحن نلاحق أخبارك يوماً بعد يوم، تُحدَّثنا الأخبار أنَّ متطوعين وزَّعوا في مدينة نابلس 250 كيلو من الخبز من مخبزك! وكأني بك تقول: أجوع أيها الشعب لتبقى أنت، وأموت لتحيا فلسطين، وقد أحبَّتك فلسطين!

فقد تنطق الأشياء وهي صوامتٌ * وما كل نطق المخبرين كلامُ

(س)

سيد القوم خادمهم، وأفضل خدمة تُقدَّم للأسرى أن تُحيي قضيَّتهم لدى الأمَّة بأسرها، فكنت حقاً سيدهم وسائدهم، ولا غرو في ذلك فمن رأى طلعتك ومُحيَّاك علِمَ أنَّ في قسمات هذا الوجه سيماء العزَّة والكبرياء التي هِمَّتها نحو السماء وفرق بين من همّته في السماء ومن همَّته في السماوة وشتَّان ... شتَّان!

وعلى مقادير الرجال فعالهم * قطع المهند تابعٌ لحديدهِ

(ش)

شموس محبيك تشرق عليك في كل يوم من عرَّابة إلى غزَّة، ومن شعفاط إلى شعث وشرفات!

فلقد شمَّرت أيها المُناضل عن ساعد الجدِّ، فكنت مُشعل الإضراب ومِشعل الصمود، وجعلت قلوب العباد تصبو إليك، وتحنُّ للقياك من كل صقع بعيد ومصر مديد، لأنَّك أحييت قضيَّة الأسرى من جديد، وأعدت إليهم صوتهم المفقود وشُعلتهم المُتوهِّجة التي حاول العدو المتغطرس أن يطمسها، فوثبت وثبة الأسد الهصور قائماً من عرينه زائراً أمام الملأ: أن تذكروا أنَّ هنالك قوماً في الحبس يتأوَّهون عطشاً للحريَّة وجوعاً لملاقاة الأحبَّة، ففكَّرت بطريقة صموديَّة؛ لكي يعود لهم صوتهم وقد كان بفضل الله المنَّان بفعل عبده خضر عدنان وانتصرت على الصهيوني الجبان!

طريق الحق محفوف بشوك * ومحتاج إلى طول المراس

(ص)

صمدت وللصمود رجال، فلقد صرت صلب المراس، صعب الانفكاك، فكساك ربك صيتاً، وكم امتلأت قلوب مُحبيك حباً لك وتحناناً لذكرك عندما رأوك الرمز الذي اخترق فعل المُستحيل، فأنصت الكون لخبرك، وانصبت القلوب لذكرك عند ربك بأن يحفظك ويُحقق بُغيتك، ولعلَّ لسان حالك يقول:

من رام نيل العز فليصطبر على* لقاء المنايا واقتحام المضايقِ
فإن تكن الأيام رنقن مشربي* وثلمن حدي بالخطوب الطوارقِ
فما غيرتني محنةٌ عن خليقتي * ولا حولتني خدعةٌ عن طرائقي
لكنني باقٍ على ما يسرني* ويغضب أعدائي ويرضي أصادقي


(ض)

ضربت للناس مثلاً أنَّه يمكن أن تكون أمَّة ولو كنت وحدك ! فضيّع الله من ضيَّع قضيَّتك، فلقد جدت بنفسك، حينما رأيت كثيراً من حقوق الأسرى قد ضاعت، فأردت إعادتها جذعاً وضمنت للأمَّة بأسرها أنَّك مُستعد لتحمُّل المشاق وضريبة الجوع حتَّى يتحقق ما تريد:

يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

(ط)

طال إضرابك فكثر أحبابك وخسر أعداؤك، وطمع بالحديث عنك الصغير والكبير والمغمور والمشهور، فلقد صرت رمزاً تعطي للناس معنى الحياة وأنَّه لا حياة حقيقيَّة إلاَّ بطعم الحريَّة وإلاَّ فالردى!

موت النفوس حياتها * من شاء أن يحيا يموتْ

(ظ)

ظمئت وزهدت في ماء الحياة لأنَّك رأيته مُعكِّراً، وأنت شخص صافٍ فشربك للماء الملوَّث سيقضي عليك، فأضربت عن شربه، وحزنت إذ وجدت الكثيرين من الناس تكرع وتعب من مياه الجبن فأيقظتهم من سباتهم العميق، أن استيقظوا من غفلتكم، فما كل طعام كذلك بل إنّ بعضه طُعم وهوان لكم ومُساومة لمبادئكم، فيكون ذلك وسيلة لاصطيادكم حتَّى تبقون في حظيرة السجن وهو الذل بعينه، لهذا فإنَّني ماض حتَّى لو لم يكن معي أحد في هذه المعركة، وكأني به يهتف ويُردِدُ مع سليم زنجير قائلاً:  

ماضٍ ، وأعرف ما دربي وما هدفي *والموت يرقص لي في كل منعطف
وما أبالي به حتى أحاذره * فخشية الموت عندي أبرد الطرف
ماضٍ ، فلو كنتُ وحدي والدنا صرختْ بي  * قِفْ ، لسرتُ فلم أبطئ ولم أقِفِ
أنا الحسام ، بريق الشمس في طرفٍ * مني وشفرة سيف الهند في طرف
فلا أبالي بأشواكٍ ولا محنٍ * على طريقي وبي عزمي ، ولي شغفي


(ع)

عمَّدت نفسك بنفسك لتكون شيخ الأسرى، وعنوان المرحلة، وعرين الأسود الهواصر، فأنت لم ترض الذل ولا الظلم ولا الضيم حين رأيتهم بأم عينك قد عذبوك فقيدوك، فلجأت لطريقة تكسر بها جبروتهم وتحطم بها كبرياءهم فامتنعت عن الطعام، لكنَّهم حاولوا أن يُحطِّموا نفسيتك وما دروا أنها نفس ربانية تحمل إرادة فولاذية وأنَّك بِصَمتِكَ وجوعك تهجوهم وتشعرهم أنَّهم وإن اجتمعوا عليك فإنَّهم ضعفاء حقراء، فكان إضرابك عبارة عن بصمتك في هذه الحياة، وما كل أحد له بصمة، ولربما كان له أثر لكنَّه أثر الهر الهارب وفرق بينه وبين أثر الأسد الثابت الذي ضرب بجذوره في الأرض فما هان ولا لانوما استكان!

(غ)

 غنائم جودك على الأسرى ستظهر فيستحيل أنَّ يخبو أثرها ويصغر، لأنَّك تؤمن بأنَّ الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولقد سجَّل التأريخ قولك: إضرابي ليس لقضيتي وحدي وإنما دفاعا عن قضية شعبي والأسرى الإداريين، وكفى بها من كلمة لكل ذي عينين وسمع وأذنين لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!

(ف)

 (فقاتل في سبيل الله لا تُكلَّف إلاَّ نفسك وحرِّضِ المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) [النساء:84] فلا والله ما في العيش طعم، إن كان المرء يعيش فيها دون استشعار لفوقيَّة المسلم على المحتل اليهودي الكافر، فلا يفل الحديد إلاَّ الحديد، والفار من مبدأه كالفأر الهارب من مخبئه ستهيم به الدواهي!

صبراً على خوض المكاره أنفسٌ * لا تستكين وأعظم لا تضطرب

(ق)

قالوا عنك: أسطورة وقد ظلموك! بل أنت أعجوبة، فالأسطورة مجموعة أكاذيب وإنما أنت أعجوبة في الصبر والتضحية والتفاني، فقسمات وجهك تظهر للمتأمل فيها معنى التحدي والصمود، ومن لم يُعانِ لم يدرك المعاني، فلقد ارتقيت مرتقى صعباً كنت أهلاً له أيُّها الشيخ خضر!

إن كان عندك يا زمان بقيَّة * مِمَّا يُضام بها الكرام فهاتها

وفرق كبير بين مسلم يُطالب بحق وبين سجَّان ظالم يضايقه بباطله، ومن لم يعانِ لم يدرك المعاني، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، فالهج قائلاً: (ربَّنا أفرغ علينا صبراً وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)

إذا لم يكن عون من الله للفتى * فأول ما يجني عليه اجتهاده

(ك)

كابدت الجوع لتري السجَّان اليهودي أنَّك أقوى من سجنهم وقيدهم و(مقاشهم!)، وأنَّ الطعام إمَّا أن يُؤكل بعزَّة وإلاَّ فـ:

لا تسقني ماء الحياة بذلة * بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

(ل)

لَكم سجنت بظلم، وكم تحدثت عن وضعك بألم، لعلَّك تنال بغيتك ومرادك فلم تجد هنالك من سبيل إلاَّ بأن تخنق سجَّانك بأمعاء بطنك الخاوية، والتي لطالما تقرقر في أذنك وأنت قائل لها: أيتها الأمعاء الخاوية قرقري أو لا تقرقري! والله لا تشبعي حتَّى ينال السجناء حقوقهم ولو بعد حين!

يا قوم كفوا عن الشكوى لذي صمم * لا يُسمع الصم إلا الصارم الذكرُ

يا ابن عدنان: ما إخال عمرو بن الإطنابة لو سمع بخبرك إلاَّ قائلاً فيك أبياتاً قالها في نفسه:

أبتْ لي همتي وأبى بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الرَّبيحِ
وإقحامي على المكروهِ نفسي * وضربي هامة البطلِِ المشيحِ
وقولي كلما جشأت وجاشت: * مكانَك! تُحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثرَ صالحاتٍ * وأحمي بَعْدُ عن عرضٍ صحيحِ


(م)

من ذا الذي يقدر أن يرفع الإضراب عنك إن كنت أنت قد اخترته! لكي تهجو به اللئام من ساسة العرب والغرب، الذين لا همَّ لهم إلاَّ ببقاء عروشهم وكروشهم وقروشهم وقشورهم ووحوشهم الضاريَّة - جنودهم – التي هيَّئوها لكي تضرب بيد من حديد كل من يريد القيام بثقب في حكمهم - قبَّحهم الله وطوَّحهم -، وهم مُعرِضُونَ عن هموم الأسرى الذين يئنُّون من وطأة السجان الغاشم، ويجأرون إلى الله من كيد المتغطرس اليهودي الآثم، فقام خضر بذلك الإضراب المفتوح لعلَّه يستردَّ إليهم الروح وهو غاضب مُزمجر قائلاً:

أجِّجوها حمما * وابعثوها هِمَماً
قرِّبوا مني القنا * قد كسرت القلما

لقد استذكرت كلمة قالها الإمام ابن العربي رحمه الله من زمن بعيد: (فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حلّ بالخلق في ترك إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الأموال!! ) فماذا نقول في زمننا ؟!

(ن)

 نُبئنا أنَّ جسمك يضعف، وأنَّ جسدك مسجَّى على سرير المرض فوجهك شاحب، وفؤادك ملتهب، محدثا المجنون اليهودي : ويل لك! أما في قلبك رحمة! لكنَّك تستعيد عقيدتك التي تؤمن بها مُستذكراً قول الله تعالى (لتجدنَّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود)

إنَّ اليهود هم اليهود * فلا صقور ولا حمائم!

وهل يُعقل أن نجد في قلوبهم الرحمة؟!

هل لمستم طيبة من حيَّة * أو لقيتم رقَّة من عقرب

(هـ)

هُبل هُبل قومُ يهود الذين يريدون أن ينالوا من كرامتك، بل يُجبروك على تناول الأملاح والسَّكريات بالإكراه، فماذا يريدون منك – قبَّحهم الله – هل يريدون لك الحياة؟ فإن كانوا كذلك فليطلقوا سراحك، فأي كرامة لشخص يتجرَّع الماء والغذاء وهو لا يريد ولا يستسيغه؟!

يكفيك فخراً أنَّك كسرت جدار الصمت، وحققت الفوز التاريخي من فرد على كل جنود اليهود قائلاً ل: هيهات هيهات أن أحقق لكم مطالبكم!
وإني موقن أنَّهم وإن كان فيهم عناد وكبر، إلا أنَّهم في أنفسهم يتمنون أن تفك إضرابك؛ لكنَّك أخذت على عاتقك إشعال حرب مواجهة بين جسدك النحيل، وبين آلة البطش الجبَّارة وسنرى أنَّه لن ينهزم حينها إلاَّ هم!
ولعلَّك ستُذكِّرهم وإن كانوا يعرفون ذلك بما قاله أحد بني جلدتهم - هنري كيسينجر -: لم أجد في حياتي أعند من رجال فلسطين !

(و)

ويمضي النهار والليل، هواجس نفسك تقول : يكفي، وإرادتك الصلبة تقول: بل لا يكفي! لأنَّ يهود تحتاج لمن يؤدبها بطريقته الخاصَّة، وكلُّ من خاض معها حرباً كانت مواجهة مكافحة سيكون مآلها في النهاية هزيمتهم وباعترافهم أنفسهم! وما أنت يا خضر عدنان إلاَّ شخص مثقف ولطالما قرأت في سجنك عن يهود، فأردت أن تعلمهم درساً لا ينسونه: المنيَّة ولا الدنيَّة!

(ي)

يا رب يا ماجد يا واهب الأماجد: كن لعبدك عدنان، وامكر له ولا تمكر عليه، وارزقه الجنان، واهده ويسَّر الهدى له، وارزقه ما يتمنَّاه بفك أسره، وكسر قيده، وإطلاق سراحه.
يا جبَّار الجبابرة اقسم جبروت يهود وانتقم منهم.
يا رحمن يا رحيم الطف بعبدك عدنان فلقد مسَّه من الجوع والهم والضعف ما لا يشكوه إلاَّ إليك لا إلى غيرك، فاللهم اجبر كسره، وصبَّ عليه من شآبيب برِّك، ولطائف رحمتك...
اللهم مدَّ في عمره على طاعتك، واجعل ما أصابه كفَّارة لذنوبه، ورفعة لدرجاته..
اللهم أعطه من خير الدنيا وخير الآخرة..
اللهم كن لوالديه وزوجه وأولاده، يا رب يا كريم يا جواد يا حنَّان يا منَّان :
هوِّن عليهم مُصابهم، واجبر كسر قلوبهم، وخفِّف عنهم ما يجدونه من بلاء ولأواء وضرِّاء...
اللهم أبدل حزنهم أنساً بك، وحبورهم سروراً، وترحهم فرحاً بخروج ابنهم، وقد تحقَّقت مطالبه، وانكسر أنف سجَّانه.
اللهم هذا منك ولك، بك أعتصم، وإليك ألتجئ، هذه عدتي في نصرة إخوتي، فاكتبها عندك في عليين، واحفظني بحفظك آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


* باحث وداعية فلسطيني، رئيس تحرير المركز العربي للدراسات والأبحاث.


 

خباب الحمد