اطبع هذه الصفحة


((قولٌ على قول باطل:يزعم ترك مطالعة تراث عقيدة سلفنا الأوائل))

خبَّاب بن مروان الحمد
@khabbabalhamad


زعم بعضهم أنَّه لا فائدة من دراسة كتب العقيدة الطحاوية أو الواسطية أو السفَّارينية، أو كتاب الإبانة لابن بطَّة العكبري، أو شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة للإمام اللالكائي، أو الشريعة للآجرُّي ...؟!!
ثمَّ يقول:
إنَّ هذه الكتب لا تُعالج مُشكلات العصر!!
وإنَّ هذه الكتب كُتبت بلغة جافَّة..!!
وإنّ هذه الكتب تُثير الخلافيات!!
وإنَّ هنالك كتب مختصرة مُيسَّرة للدراسة أفضل منها!!


والجواب عن ذلك:
أنَّ من جهل شيئاً عاداه أو أنكره، وأغلب هؤلاء الذين يتحدَّثون بذلك -سامحهم الله - جهلة بهذه الكتب؛ ولا يعرفون قيمتها ولا أهميَّتها وضرورتها في زمننا، أكثر من الأزمان السابقة!!
أي والله لا أُبالغ إن قُلت ذلك...

* فأمّا أنها لا تعالج مشكلات العصر!

فهذا خبط من القول، فإنَّ هذه الكتب كلها قد عالجت الكثير من المشكلات العقائديَّة المُعاصرة في وقتنا.
فكل القضايا المتعلقة بمسائل الخالق والمخلوق، والرسل و الأنبياء، والقضاء والقدر، ومسائل الإيمان والتكفير، وقضايا الغيب ، ومسائل الأسماء والصفات، ومسائل الحاكمية، ومسائل الطاعة للحكّام أو الخروج عن طاعتهم ، ومسائل الولاء والبراء، والصحابة وآل البيت، ومسائل الوعيد والعيد، والجنَّة والنار، وأشراط الساعة، وقضايا الرد على الملحدين والجاحدين لربوبية رب العالمين، ومسائل الإلهيات وقضايا العبادة فإنَّك واجدها في هذه الكتب العملاقة العظيمة التي بيَّنت وأوضحت كل هذه القضايا..
فيا هذا إن أردت أن تعرف عقيدتك فمن أي الكتب تريد أن تعرفها؟!
إنَّ لكل أمَّة أياً كانت عقيدتهم لهم كتب أصول يكتبها علماؤهم ويدرسها طلبة المعرفة منهم؛ لكي يعرفوا جذور أصولهم..
أوليس أولى بذلك كتب معتقدنا الصحيح؟
أم أغراك فتنة بعض في فُتوَّة شبابهم بالولع بقراءة كتب الفكر الغربي والفلسفة وهو لا يعرف أن يشرح مثلاً مصطلحات متعلقَّة بالمنطق وعبارات الفلاسفة فلو قلت له اشرح : الكميَّة المتصلة أو الكمية المنفصلة، والهُيولى والجوهر والعرض، والمفهوم والماصدَّق، والمتصلة اللزومية والمتصلة الاتفاقية، وغيرها .... فلو سألتهم عنها لما عرفوا لمعانيها شرحاً وتفصيلاً ... فإن كنت مهتماً بالمهم فانصح هؤلاء ليتأصَّلوا عقائدياً ويعرفوا أصول دينهم، قبل القفز الوطواطي على كتب السقراطي والبُقراطي !!
وثمَّت فكرة أقولها وهي أنَّ هنالك فئة لا تعرف للقراءة سبيلاً لا في كتب المعتقد السليم ولا في كتب علم الفلسفة العقيم، ولربَّما لديهم قضية أو قضيَّتان يتعلَّقون فيهما ويرون غيرها لا يستحق الاهتمام أصلا؛ ولهذا تراهم يطالعون كتاباً في العقيدة ويحفظونه ثمَّ يُحقَّرون من جهود غيرهم في الدراسة المتعمِّقة في قضايا المعتقد، ولو أنَّهم التزموا عملهم واهتمامهم مع اعترفهم بجهلهم المطبق بما وراء ذلك وعرفوا للآخرين قدرهم؛ لهان الخطب، وكان الصفح، أمَّا أن يُقلِّلوا أو يُوبِّخوا من قراءة هذه الكتب بدعاوى مختلَّة؛ فإنّ هذا هو الجهل بعينه ...

* وأمَّا تُكَأةُ بعضهم على كتب المختصرات في العقيدة وأنها تكفي!!

فأقول إنَّ الكسل المعرفي والتبلُّد الذهني والضعف في المطالعة أخرج لنا أناساً أقبلوا على المختصرات والمُلخَّصات والكُرَّاسات العلمية التي هي على أهميتها لا تنبي طالب علم متمكن جاد جاهز لمناقشة الخصوم في مسائل الاعتقاد والفكر؛ لهذا تجد أصحاب المختصرات أو من كان قُصارى فهمهم لكتب العقيدة يضعفون عن مناقشة الخصوم بالحجج المعرفيَّة والطرق العلمية، ثمَّ يلجؤون لمن عرك هذه الكتب وجالد مُجلَّدتها وجدَّ بها حتَّى حصَّل فهماً دقيقاً وفقهاً عميقاً ....
والسؤال الذي يطرح نفسه؟!!
من أين استقى أولئك الذين لخَّصوا كتب العقيدة الأصليّة واختصروها ؟!
ومن أين أتوا بمادَّتها؟
وكيف فهموا آيات العقيدة وأحاديتها؟
أليس برجوعهم لشروحاتها من أقوال جميع الصحابة الكرام وآل البيت المرضين عليهم السلام وأقوال التابعين لهم بإحسان وفهم أهل العلم لكل هذا الكلام؟!

* وأما قولهم أنَّها كتبت بلغة جافَّة!!
فإني شهيد على أنّ هؤلاء ليس لديهم أدنى علم بطريقة كتابة العلماء؛ فليُزروا على أنفسهم عدم فهمهم لكلامهم؛ وذلك أنّ الكتب المذكورة وغيرها هي من أسهل كتب العقيدة وأسلسلها؛ لكن كثيراً ما يخلط الناس بين كتب العقيدة وبين كتب الردود على الفرق المنحرفة أو المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ومعتقد السلف الصالح؛ فمثلاً كتاب الرد على المنطقيين أو كتاب التدمرية - كلاهما لابن تيمية - فيه رد على أهل الفلسفة والمناطقة الفلاسفة ؛ وكتاب الصارم المنكي في الرد على السكبي،ونقض عثمان الدارمي لبشر المرِّيسي، فلا أحد يدعو لدراسة العقيدة بداية من هذه الكتب؛ بل ينصح بمنهجية بسطية متسلسلة تبدأ بالكتب المختصرة؛ ثمَّ يرتقي به الحال تدريجياً حتَّى ينال العلم بطريقته المتدرجة ليصل بمعارجه إلى دقائق المسائل وعلائقها.
ولهذا فمن كان كذلك فلا يُمكنه أن يقرأ في كتب الملل والنِّحل والفرق والمذاهب قبل ضبطه لأصول معتقد السلف المرتبط بمنهج أهل السنة والجماعة.

* وأمَّا قولتهم أن كتب العقيدة تثير الخلافات!
فإنَّ عصرنا الحالي ما رأيت عصراً ثارت في الخلافات ونجمت شرورها مثل هذا العصر؛ فعصور من قبلنا على الاختلاف الذي وقع بينهم إلاَّ أنَّه كان أقل من خلافات عصرنا في جميع مسائل الدين أصولها وفروعها..
وما رأيت عصراً يحتاج فيه الناس لعدد من المتخصصين في مسائل المعتقد وأصول الدين وقضايا التوحيد والإيمان كعصرنا الحالي؛ الذي كثر فيه الكفر والردَّة والنفاق والبدع والخرافات والخزعبلات والمُخدَّرات العقائديَّة والانحرافات الفكرية بشكل لا يتصوَّره أي عقل.
فالخلاف جارٍ موجود ؛ فلأن تُعرف بالدليل والبرهان والحجج أفضل من أن تكون قائمة على على جهل وتعصب واحتراب بين المسلمين، والكتب تلك : كتب أئمتنا وعلماء قبلتنا، وجهابذة ملَّتنا؛ وصمّام أمننا وإيماننا؛ فرجوعنا إليها ليس رجوعاً لخلافيات وإنَّما رجوع لأصليات، وأما الكتب التي حصلت فيها ردود ونقاشات فإني جازم أنّ أمَّتنا بحاجة لها؛ ومن كان ضعيف المُطالعة وليس لديه جَلَد على مطالعة تلك الكتب فليُخلّ بابة الطريق لأهله فإنَّهم أدرى به؛ وما كانت كتب العلماء تلك مثيرة للخلافات بين المسلمين أبداً فليس فيها تفرقة لقلوب عموم المنتسبين للعقيدة الإسلامية بعامة فهذا باطل.
فكل هذه الكتب تعرف للمسلمين حقَّهم ولو كان بينهم خلافات في مسائل في الاعتقاد فلهم من الولاء بقدر اتَّباعهم لأصول المعتقد السليم ويبقى الحب لهم في الله ما داموا على دين الله.

وتبقى دعوة أقولها :

هدى الله المسلمين لاتّباع غرز سلفهم الصالح، والسير على خطواتهم؛ فهم كما يقول الإمام الخطيب البغدادي : "بهم ذكرنا، وبشعاعِ ضيائهم تبصرنَا، وباقتفائنا واضحَ رسومِهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهَمَجِ تحيزنا، وما مثلُهم ومثلُنا إلا ما ذكر أبو عَمْرو بنُ العلاء فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال: أخبرنا أبو طاهر عبدالواحد بن عُمر بن محمد بن أبي هاشم قال: حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرّياشي عن الأصمعي قال: قالَ أبو عَمرو: مَا نَحْنُ فيمن مَضَى إلاّ كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طُوالٍ" عن كتابه موضح أوهام الجمع والتفريق (1 /12-13).
وسلام عليكم طبتم في ليلتكم....
 

خباب الحمد