اطبع هذه الصفحة


ليلة النصف من شعبان : تقريرات حديثيّة وفقهيّة

 

خبَّاب بن مروان الحمد
@khabbabalhamad


بسم الله الرحمن الرحيم


من قام ليلة النصف من شعبان رجاء الآثار الواردة، وأكثر فيها الدعاء؛ وطلب من الله المغفرة؛ فيُرجى له الخير والأجر، وقد استحب ذلك جمهور الفقهاء.
وفعله عدد من سلف هذه الأمة، وجرى بين أهل العلم اختلاف في تصحيح بعض الأحاديث الواردة فيها؛ ومن ارتأى رأياً فلا يُحجّر على رأي من يُخالف...
هذه خُلاصة القول في هذه المسألة، والله أعلم...
.......
على أنّي لم أقف على حديث صحيح في ليلة النصف من شعبان.
وتحسين هذه الأحاديث بالشواهد والاعتبارات ليس سائغاً.
ولكن جرى عمل كثير من الفقهاء والصالحين من متقدمي هذه الأمّة وأسلافها على قيام هذه الليلة.
وحالة عدم صحّة الحديث فإنّه لا يعني بالضرورة إلغاء العمل بالعبادة؛ من أوجه أخرى؛ لأنّ عدم صحة إسناد الحديث لا يعني عدم صحّة الفعل؛ بل قد يصحّ الحديث ولا يُعمل به لاختلافه مع أحاديث أقوى، أو لتقييده بحديث آخر، أو كونه مرجوحاً بآية أخرى، أو لكونه منسوخاً..
هذا فضلاً عن أنّ جماعة من كبار المحدثين صحّحوا بعض أحاديثها ؛ وهم من أهل الاجتهاد، ولهم اعتبارهم ووزنهم العلمي الحديثي.
ومِمّا يحتجُّون به حديث : (يطلع الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل عبد الا لمشاحن أو مشرك) حتّى أنّ الإمام البزار - وهو من هو من كبار رجالات النقد الحديثي والعلّة الحديثية - قال: "وقد روى أهل العلم هذا الحديث ونقلوه واحتملوه ".
وهذا الحديث احتجّ به الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط في مقدمته ألا يحتج إلا بما يراه ثابتاً عنده.
واحتجّ به الإمام بن حبان وصحّحه.
وجعله البيهقي في مواطن عدّة من المراسيل الجياد التي ذكر بعض وساطاتها من رواة الحديث.
ومنه استنبط الفقهاء استحباب القيام بهذه الليلة؛ حيث يطّلع الله على خلقه؛ فيحب الصالحون أن يكونوا في عمل صالح باطّلاعه سبحانه عليهم؛ لينالوا مغفرته وعفوه بالدعاء وقيام الليل وقراءة القرآن.
ولا يُمكن أن يُقال أنّ هذه الجمهرة الضخمة من الفقهاء والمُحدّثين والعُبّاد والصالحين تعبدوا الله بالبدع؛ بل لا نظنُّ بهم إلاّ أنّهم تعبّدوا ربّهم بما شرع، إذ كانوا من أشدّ الناس تحذيراً من الوقوع في المحدثات والبدع.
لهذا نصّ على العمل به الإمام أحمد والإمام الشافعي حتى قال الشافعي في كتاب "الأم": "أنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي [منها ليلة النصف من شعبان]" وما حكاه هو القيام والدعاء والذكر.
وقد ذكر الإمام الفاكهي في أخبار مكة: (ذكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان، خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام).
وقد نقل الإمام ابن رجب في لطائف المعارف عن عدد من العلماء والفقهاء اعتبار فضلها كخالد بن معدان، ومكحول، وإسحاق بن راهويه، والأوزاعي ، ولقمان بن عامر، وعطاء بن يسار، وغيرهم؛ حتى أنّ الإمام ابن تيمية رحمه الله قال: "وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة".
صحيح أنّ بعض الفقهاء أنكروا الاجتهاد بالعبادة ليلة النصف من شعبان؛ مثل عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة، وقال أصحاب مالك:ذلك كله بدعة.
لكنّ هذا الرأي لا يحسم أصل النقاش لمخالفة آخرين وهم أكثر من هؤلاء عدداً؛ فضلاً عن احتجاجاتهم الحديثية.
إنّه لمن المعلوم - كما في كثير من المستحبات - وقوع بعض الناس في مُبالغات؛ لا تصح؛ مثل قول بعضهم أنّ أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر؛ بل عدّ بعضهم ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر..!!
لهذا لمّا قيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته"، وكان زياد قاصا".
هذا والله تعالى أعلم وأحكم.



 

خباب الحمد