اطبع هذه الصفحة


لقاء صريح من الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق
الدكتور محمد بشار الفيضي
(القوات الأمريكية متورطة في عمليات تطهير طائفي)

حاوره في البحرين: خباب بن مروان الحمد


العراق... أو بلاد الرافدين... ذلك الجزء الثمين من بلادنا الإسلاميَّة، والذي اكتوى بنيران الاحتلال، وانصبَّت عليه قذائف الأهوال، وما يزال يعاني من قبح تلك الأفعال!

وزاد النار أواراً، والوضع سوءاً، ما تقترفه القوَّات الأمريكيَّة بالتعاون مع كثير من فئات الحاقدين، من تطهير طائفي واضح لأهل السنَّة والجماعة، وتقتيل علمائهم، وانتهاك أعراضهم، وتدمير مساجدهم، واتهامهم بأعمال هم منها براء، وكان آخرها، ما اتُّهم به أهل السنَّة من تفجير الضريحين الشيعيين في سامراء، بغية أن يشعلوا حرباً ضروساً من الرافضة ضدَّ أهل السنَّة والجماعة!

ويشاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تفضح مخطَّطات الروافض الإيرانيين، بتدخُّلهم الأثيم في بلاد الرافدين، وتورط الأصابع بَلْهَ الثقلَ الإيرانيَّ بأكمله، في عمليات تصفية عدوانيَّة واضحة لأهل السنَّة، ولا نقول لإخواننا من أهل السنة في العراق، إلاَّ كما قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

وفي هذا اللقاء اجتمعت بفضيلة الشيخ الدكتور محمد بشار الفيضي ـ حفظه الله ـ حين حضورنا مؤتمر البحرين لنصرة خير البرية، وتوجهت إليه ببعض الأسئلة التي تهمُّ كلَّ مسلم يريد معرفة الجديد والمفيد حول الشعب العراقي.

والدكتور محمد بشار الفيضي، هو المتحدث الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين، وأستاذ الحديث وعلومه في الجامعة الإسلامية ببغداد، من مواليد 1964م، من الموصل في شمال العراق.

البيان:
في مستهل هذا اللقاء نرحب بفضيلة الدكتور... ونسأله في البداية عن الأنباء التي تتوارد عن عزم الأمريكيين والبريطانيين الانسحاب من العراق، ومع أنَّ المراقبين يعدُّون ذلك ـ حال حدوثه ـ هزيمة مدوية للولايات المتحدة وحلفائها، إلاَّ أنَّ هذا الانسحاب ستعقبه تحديات كثيرة، ما أبرزها في رأيكم؟

* نحن نعتقد أنَّ الانسحاب أمـر لا مندوحة عنه، لأنَّا كعراقيين نعرف جيداً حجم المأزق الذي يعيشه الأمريكيون والبريطانيون؛ فضربات المقاومة تتوالى عليهم بشكل يومي ودقيق، حتى إنه ظهر تقرير من البنتاغون قبل شهرين أو أكثر، يقول: إنَّ مجموع العمليات التي تستهدف القوات الأمريكية في العراق بلغت 560 عملية في الأسبوع، وحينما تحسب هذا العدد الأسبوعي طوال السنة يتأكد لديك أنَّ حجم الخسائر التي يُمْنَى بها الأمريكيون كبير جداً، ولم تعد تحتملها هذه الإدارة، لذلك قلنا من قبل إنَّ عام 2006م سيشهد بداية الانسحاب الأمريكي.

ولكن، كيف سيكون هذا الانسحاب؟ هذا هو السؤال:

هل سيخرجون فجأة كما خرجوا من الصومال؟ أم سيخرجون دفعات؟

نحن سبق أن قلنا إنَّ الأمريكيين إذا أرادوا أن يقدِّموا شيئاً للعراقيين ـ وإن كان هذا خلاف سجيَّتهم ـ فعليهم أن يُجَدْوِلوا انسحابهم، حتى نتمكن خلال هذه الجدولة أن نستعيض عن قوَّاتهم بقوات دولية وبإشراف الأمم المتحدة، وبهذا تتم السيطرة على الوضع، ولكنهم حتى هذه اللحظة يأبون إعطاء رد إيجابي على مثل هذا الطلب.

وفي كل الأحوال حتى لو انسحبوا بشكل مفاجئ... فنحن لسنا قلقين، لأنَّا نعتقد أنَّهم وراء كل مشكلة؛ فإذا زال أصل المشكلة، فإنَّ ما سيلي ذلك من أزمات لن يكون عمره طويلاً، وسيستطيع العراقيون أن يتعاملوا معها ويعملوا على حلِّها بإذن الله.

البيان:
ولكن كأنَّ المتوجِّه الآن إعلامياً أنَّ انسحابهم قد يكون تدريجياً، وأنَّ من الصعب جداً أن ينسحبوا فجأة؛ فما رأيكم؟

* نعم! أنا حينما أقول إنَّهم ينسحبون فوراً لا يعني أنَّهم سينسحبون بين عشية وضحاها؛ فهذا لا يمكن؛ لأنَّ لديهم أعداداً كبيرة وآليات ضخمة، ولكن المقصود أنهم قد ينسحبون بشكل غير معلن، وفي فترة وجيزة بحيث لا يعطون فرصة لكي تخلفهم قوات دولية، وهذه واردة جداً، وقطعاً فإنَّ هذا خطأٌ كبير منهم.

البيان:
وبرأيك ما المطلوب حيال هذا الانسحاب عراقياً ـ عربياً ـ إسلامياً؟

* نحن طرحنا من زمن أن تأتي قوات دولية غير مشاركة في الاحتلال، ولا بأس أن تكون معها قوات عربية، وإسلامية من غير دول الجوار، للحساسيَّة لدى فئات عراقية من هذه الدول، لتأخذ مواقع هذه القوات المحتلة في عموم العراق، وكما ذكرت أن يكون ذلك بإشراف مباشر من الأمم المتحدة، ويفترض على الدول العربية والإسلامية إذا تناهى لها مثل هذا الخبر أن تعمل في هذا الاتجاه.

البيان:
ولكن إذا كان ذلك في ظل الأمم المتحدة ألا يكون ذلك في مصلحة الاحتلال؟!

* الوضع في العراق يختلف.

نعم! نحن نعلم أنَّ الأمم المتحدة خاضعة بشكل أو بآخر لنفوذ الدول العظمى، وفي كثير من القضايا فقدت مصداقيتها، ولكن بالنسبة للوضع العراقي فالأمر مختلف؛ فالأمم المتحدة لها حسنة في هذه الحرب أنها رفضت أن تعطي الأمريكيين الشرعية؛ ففي هذا المجال لدى الشعب العراقي شيء من الثقة فيها، وفي الشأن العراقي أيضاً القوى العظمى ترغب في إحداث التوازن؛ لأن العراق منطقة مهمة وحيوية، والكل يتطلع إليها، فإذا دخلت الأمم المتحدة فستعود حالة التوازن إلى الشأن العراقي، بحيث لا تهيمن جهة على أخرى، وهذا التوازن ينفعنا؛ لأنه سيتيح لنا الفرصة لكي نشاهد عملية سياسية يتوفر فيها الحد الأدنى من المعايير الدولية والشفافية، وكل ما نطمح إليه أن تجرى انتخابات بمستوى ما جرى في فلسطين. وفي فلسطين حتى هذه اللحظة مع أنَّ حماس غير مرغوب فيها أمريكياً وصهيونياً، لكن الأمريكيين والصهاينة لن يستطيعوا أن يطعنوا في آليتها؛ لأنها كانت على مستوى رفيع من الشفافية؛ فنحن نحتاج هذه التجربة أن تكرر في العراق.

وإذا كانت الانتخابات بهذه المستوى، فمن المؤكد أنَّها ستفرز شخصيات جيدة يثق فيها الشعب العراقي، وتكون هي البداية الصحيحة لمعالجة الأوضاع.

البيان:
إذا اكتفى الأمريكيون بالانسحاب خارج المدن فقط، فكيف سيكون التعامل مع الوضع الجديد؟

* إذا اكتفوا بذلك فمن المؤكد ـ والله أعلم ـ أنَّ صراعاً سينشب بين الميليشيات الموجودة حالياً وبين المقاومة العراقية، ونحن على ثقة أنَّ هذه الميليشيات لا تستطيع الصمود طويلاً أمام المقاومة لسبب بسيط ومهم، وهو أنَّ الميليشيات لا قضيَّة لها، وأنَّ المقاومة تنطلق من قضية، وكما يقولون: النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة.

ولهذا أعتقد أنَّ هذا الصراع لن يطول، وسيمكن إنقاذ العراق من هيمنة هذه الميليشيات، ما لم تتورط دولة مجاورة بإدخال قواتها، وخصوصاً أنَّنا نلاحظ أنَّ هناك نفوذاً إيرانياً كبيراً في العراق عبر تلك الميليشيات، وحتى عبر زج بعض العناصر المخابراتية في أرض البصرة والجنوب العراقي، كما يحدثنا بذلك أهل البصرة وغيرهم؛ فانسحاب القوات الأمريكية سيترك الجنوب مفتوحاً للتدخل المكشوف.

فهل ستقوم دولة كإيران ببسط نفوذها من خلال الزج بقوات عسكرية أو قوات ظاهرها مدني وهي في الحقيقة مثلاً منظمة عسكرياً؟ إنَّ هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلاَّ الله، ولكن إذا حدث فهو خطأ كبير من إيران، وسيكون ثمنه غالياً على جميع الأطراف؛ لأن الشعب العراقي لم يعد يتقبل نفسياً هذا النفوذ الإيراني الخطير.

البيان:
ما المشكلات الحقيقية التي تحول دون توحيد صفوف المجاهدين في العراق أو على الأقل، توحيد سياساتهم في خطوطها العريضة في مواجهة الاحتلال؟ وهل هناك جهود في هذا الصدد؟

* أنا لا أجد أن هناك خلافات جذرية بين قوى المقاومة والمجاهدين في العراق بشتى أطيافها، هناك خلافات ربما تكون ملحوظة في البرنامج السياسي بين المقاومة العراقية وبين المجاهدين العرب؛ فالمقاومة العراقية هدفها إخراج المحتل وتهيئة انتخابات عادلة، وأمَّا المجاهدون العرب فهدفهم أكبر وهو موضوع تأسيس دولة إسلامية، وأنا لا أعتقـد أنَّ مسلمـاً لا يفكر بذلك، ولكن برأينا فنحن نتفهم الواقع العالمي، فالواقع العالمي وخصوصاً في المنطقة العربية غير مهيأ لمثل هذه الفكرة، ونحن ـ العراقيين ـ نرى أن نبقي هذا الطموح ببالنا وأن نسعى إليه ببطء وبخطوات مدروسة، ولكن أن نأتي من الآن ونقفز إلى هذا الهدف العظيم؛ ففي ضوء ما نعرفه من أسباب ومسببات فإنَّ ذلك بعيد تحقيقه ـ والعلم عند الله ـ.

ولهذا يقتصر طموحنا في هذه المرحلة على إخراج المحتل وإعادة النظام ومكونات الدولة التي هدمها المحتل وإعادة بنائها من جديد، ويبقى ذلك طموحاً يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، ويحتاج إلى تثقيف الشعب حتى يتقبل الفكرة؛ لأننا لا نستطيع الآن أن نفرض هذه الفكرة إذا لم يكن لدى الشعب رغبة حتى يتعاون معنا في الوصول إليها، وهذا هو الفــرق الوحــيد. أما بقيــة الأجنــدات فلا أعتقد أن هناك فرقاً؛ فالكل يريد إخراج المحتل، والكل يريد أن يعود للعراق أمنه واستقراره.

البيان:
هل ظهرت معالم ولو رئيسة لمشروع سياسي لأهل السنة في العراق، وما أبرز معالم ذلك المشروع؟

* أنت تعلم أنَّ أهل السنة في العراق اليوم على كتلتين ـ إذا جاز التعبير ـ:

1 ـ كتلة تأبى المشاركة في العملية السياسية في ظل الاحتلال وهذه تمثلها هيئة علماء المسلمين، وقوى المقاومة العراقية.

2 ـ وهناك كتلة سنية أخرى رأت أنَّ الطريق الأفضل في حل الأزمة العراقية هو المشاركة في العملية السياسية وقد دخلت الانتخابات الأخيرة.

فمن هنا يكون البرنامج مختلفاً لدى هؤلاء عن هؤلاء، ونحن في هيئة علماء المسلمين برنامجنا واضح وقدمناه من خلال مبادرة أكثر من مرة، وقدمناه للأخضر الإبراهيمي، وقدمناه لجامعة الدول العربية، ويقضي بما ذكرته قبل قليل، بجدولة الانسحاب، وانتخاب حكومة مؤقتة مثقفة، ولا تنتمي لأي حزب سياسي وذات كفاءة، وتعمل هذه الحكومة على إدارة الشعب العراقي سنة أو ربما سنتين، وتهيئ الأمور لإعادة وضع الدستور؛ لأننا لا نعترف بهذا الدستور الحالي، وكذلك لإجراء انتخابات جديدة؛ لأن الانتخابات التي مضت ملؤها التزوير والظلم؛ فهي أيضاً بالنسبة لنا ظلم، ونحن لا نعترف بنتائجها، وهكذا نكون قد وضعنا أقدامنا في الاتجاه الصحيح.

أمَّا الآخرون في الحزب الإسلامي والحوار الوطني وبقية من انضم تحت جبهة التوافق؛ فهم دخلوا في العملية السياسية وأعلنوا رفضهم لنتائج الانتخابات، وقالوا نتعامل معها على أساس أنها واقع مفروض، وهم الآن يدخلون في مناقشات طويلة ومساومات لغرض تشكيل الحكومة.

البيان:
بصراحة ـ يا فضيلة الدكتور ـ هل ترى نجاح مشروع جمعية التوافق الوطني، ولماذا؟

* نحن لا نرى نجاح مشروعهم، ولو كنا نظن نجاح مشروعهم لدخلنا معهم، ونحن نعتقد أنَّهم أخطؤوا في اجتهادهم هذا، وأن المشروع الأمريكي تحقق شيء من خططه في مشاركة أهل السنة، وهو تثبيت للمحاصصة الطائفية والعرقية، وهذه المحاصصة كانت هدفاً استراتيجياً للقوات الأمريكية من بداية الاحتلال، وفرضته في مجلس الحكم ولكنها لم تنجح، وفرضته في الحكومة المؤقتة، وفرضته في الانتخابات الماضية، ولكنها أيضاً لم تنجح، ولم يشارك في ذلك كثير من أهل السنة في المرة الماضية، ولكن لما شاركوا في هذه المرة، فثبت هذا المشروع شئنا أم أبينا؛ فأنا لا أظن أن النجاح في طريقهم، بل أجدهم الآن في وضع محرج للغاية، لأسباب كثيرة عدا تثبيت المحاصصة الطائفية والعرقية، وهم ثبَّتوا أيضاً رقماً آخر فيه ظلم على أنَّ عدد أهل السنة 20%، وهذا ليس عدلاً؛ لأن السنة أكثر من ذلك، ولكن نحن نقول دائماً: هذه النسبة عدا عما فيها من تضليل وتزوير، فإن هناك أربعة ملايين صوت لم تشترك في الانتخابات استجابة لموقف هيئة علماء المسلمين، وعليه فإنَّه يبقى إحصاء أهل السنة لا يخضع لهذا الرقم الذي وضعه لهم الرئيس بوش قبل الدخول في العملية السياسية الأولى.

البيان:
ثمة كلام من بعضهم بالقول بأنَّ هناك فروقاً بين شيعة العراق العرب، وشيعة إيران! ما مدى صحَّة ذلك؟ وهل صحيح أنَّ التشدد الشيعي في العراق هو من صنع إيران؟

* من دون شك نحن أولاً نفرق بين أمرين: بين الأحزاب، وبين القاعدة الشعبية.

فالأحزاب السياسية الموجودة في العراق، من الخطأ أن نقيس حالة الشعب العراقي بها؛ فهذه الأحزاب لها أجندة خاصة، فلا يمكن أن نكتشف من خلالها حالة الشعب العراقي، وهذا أيضاً ينطبق على الشيعة؛ فمن الشيعة طبقة عامة بسيطة، وهناك أحزاب. فالأحزاب واضحة في برنامجها وفي ميلها لدولة أخرى فولاؤهــا لــيس للعــراق، ولكــن لا يمكن أن نقول إن الشيعة في العراق هم كلهم كــذلك جمــيعاً؛ فالشيعـــة فــي العراق ـ حسب معلوماتنا ـ بشكل عام ولاؤهم للبلد، وهم يبثُّوننا شكواهم من التدخل الإيراني، ومن ظلم هذه الأحزاب لهم، وليس من الحكمة أن نخسرهم؛ فهم جزء من النسيج الاجتماعي، وهم مهمَّشون، مثلما نحن مهمشون، بل يصيبهم الأذى أيضاً، لذلك نحن نقول دائماً: لا بد أن نفرِّق بين الشيعة الذين ولاؤهم للعراق وبين الشيعة الذين ولاؤهم لغير العراق.

البيان:
وعلى هذا: هل التشدد الشيعي في العراق هو من صنع إيران؟

* موضوع التدخل الإيراني بالنسبة لنا أمر بيِّن وبدهي؛ فنحن إذا نظرنا لتصريحات الإيرانيين أنفسهم، فإنَّهم يعترفون بهذا؛ فالأبطحي ـ المسؤول الإيراني ـ قال مرَّة: إنَّه لولا إيران لما كان للأمريكيين وجود في العراق وفي أفغانستان، ومرة صرَّح أحد مسؤوليهم أن فيلق بدر ما يزال يستلم مرتَّباته من إيران.

وفيلق بدر ـ كما تعلمون ـ نشأ بعد بداية الحرب العراقية الإيرانية واحتضنته إيران وموَّلته وهو طفلها المدلل، وكان النظام العراقي لا يسمح للعلماء بتوضيح أي حديث في هذا الاتجاه؛ فلم يكن يحب ترويج شيء من ذلك، ولكننا نحن كنا في النطاق الداخلي نسمع بذلك، وإن كان ذلك الوجود لم يكن بهذا الحجم، ولكن بعد الاحتلال الوضع مختلف؛ لأن فيلق بـــدر دخــل بمجموعاته كلها المقــدَّرين بـ 17 ألف رجل، وهم عراقيون وإن كان ولاؤهم المطلق لإيران؛ فهي الدولة التي غذَّتهم ومنحتهم الإيواء وزوَّدتهم بكل متطلبات الحياة، والمشكلة الآن أنَّ من هذا الفيلـق ـ حسب ما لدينا من معلومات ـ أكثر من عشرة آلاف دخلوا في وزارة الداخلية وفي أجندتها، وهذا في الحقيقة مشكلة، فقد صرَّح (جون باتشي) وهو مسؤول برنامج يوناني لحقوق الإنسان في العراق، صرَّح لصحيفة الغارديان البريطانية قبل شهر، والإعلام تكتَّم على هذا الخبر، لأنَّه بصراحة مفاجأة وفجيعة في الوقت نفسه، وقال إنَّ ما يُسمى فرق الموت تابعة لوزارة الداخلية، وأن أهل السنة يُعَذَّبون على يديها حتى الموت، وهي مسؤولة عن تعذيب سبعة آلاف سني خلال الأشهر التسعة الماضية، وقال إن القوات الأمريكية على علم بها، ولم يبرئ وزير الداخلية (بيان جبر صولاغ) أيضاً، بل قال إنه مسؤول عنها؛ فرجل مثل (جون باتشي) مطلع على المــلف العــراقي وحينما يتكــلم فإنه لا يتكلم من فراغ، لكن الإعلام تكتَّم على الموضوع وكأن شيئاً لم يكن.

والأمريكيون يعلمون أن الإيرانيين يتدخلون حتى العظم، ولكنهم لم يكونوا يصرحون بهذا من قبل، ونحن نعزو ذلك لاتفاقات بينهما وتواطؤ، ولكن الآن بعد سخونة الملف النووي، بدؤوا يكشفون هذه الأوراق، فـ (رامسفيلد) قال قبل فترة: إن إيران تتدخل في العراق وأنها تستعمل أسلحتها، و (كوندليزا رايس) أيضأً قالت قبل شهرين أمام الكونغرس في جلسة الاجتماع: إن النفوذ الإيراني في العراق أكثر تعقيداً من النفوذ السوري، وهكذا بدأت تنكشف الأوراق، وأخيراً ردد الرئيس بوش الكلام نفسه، وكلما زاد الضغط في موضوع الملف النووي سترى أن الأمريكيين سيكشفون المزيد من الأوراق، التي تؤكد أن الإيرانيين متورطون في الملف العراقي، كما يقول المثل: من الباب حتى المحراب.

البيان:
ولكن ألا يرى فضيلتكم أنَّ هذا ديدن القوم وتوجههم حيال أهل السنَّة؛ فهل كنَّا نتوقع من إيران عدا ذلك؟

* صحيح. ولكن هم يجب أن يعلموا أنَّهم دولة جارة، وأن يفهموا أنه ليس من مصلحتهم استغلال ظروف العراق والطعن من الخلف؛ فقد يحققون مكاسب آنية، ولكن على المدى البعيد فهم الخاسرون؛ لأن الشعب العراقي الآن عند مجرد ذكره لإيران يثور غضباً.

البيان:
ما وسائل أهل السنة وخططهم في الحد من الدور الإيراني في العراق على المستوى القريب والبعيد؟

* لا أعتقد أن لدى أهل السنة الآن أي خطط محدَّدة؛ بسبب أنه لا حول لهم ولا قوة حينما يكون هناك تعاون عالي المستوى بين القوات المحتلة وبين إيران في دولة مثل العراق، وبالذات فيما يخص أهل السنة.

وبما أنَّك سألتني عنهم فلا أعتقد أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً في هذا المجال، والسنَّة الآن يُذبَحون ويتم اغتيال ضباطهم على أيدي هذه الميليشيات وبخاصة الطيارين، وهذا يؤكد أن مَنْ وراء ذلك مدعوم من دولة إيران؛ فمن الصعب القول إن بإمكان أهل السنة أن يفعلوا شيئاً ـ إلاَّ أن يشاء الله ـ.

ولهذا نحن في هيئة علماء المسلمين، أصدرنا قبل فترة بياناً قلنا فيه إن القوات الأمريكية متورطة في عمليات تطهير طائفي، وهذه فضيحة تزيد على فضيحة أبو غريب، وأنَّ هناك مسؤولين من حقهم أن يقفوا مع (سلوبيدان ميلوسيفيتش) الذي قضى نحبه، فيقفوا في محاكمات دولية؛ لأنهم فعلوا الفعل نفسه، وأعطيك مثلاً بسيطاً:

لدينا وثائق تثبت أن هناك معتقلات يعذَّب فيها أهل السنة على أيدي هذه الميليشيات يتولى حراستها الأمريكيون، والأمريكيون راضون بهذا ومبتهجون؛ لأن هناك من يقوم بالنيابة عنهم بتصفية رموز أهل السنة، ولا أنسى ما سأحدِّثك عنه الآن؛ لأنه يكشف عن بشاعة هذا الرضى: حدثني أحد رموز جبهة التوافق العراقي قائلاً: لقد سلمت للسفير الأمريكي (زلماي خليل زاد) قائمة بثلاثة عشر موقعاً لسجون سرية يعذَّب فيها أهل السنة تابعة لوزارة الداخلية، وحدَّد فيها المباني التي تحتوي على هذه المعتقلات، قال: فكان جوابه لي بعد أيام: يا دكتور! نحن نريد أن تدلونا على الأبواب والمنافذ التي ندخل منها إلى هذه المعتقلات!

هكذا بكل استخفاف... أقول له: في هذا المبنى يوجد معتقل، فيقول لي: دلَّني على الباب أنا لا أعلم!

وستكشف الأيام عما يندى له جبين الإنسانية؛ فالأمريكيون ليسوا بأقل من الصربيين في عمليات التطهير الطائفي التي تنال أهل السنة في العراق.

البيان:
طالبت إيران مؤخراً الولايات المتحدة بأن تتفاوض معها بشأن العراق؛ فهل يعد هذا اعترافاً مشتركاً بأنها تملك الكثير من مفاتيح الوضع العراقي، وماذا تتوقعون من انعكاسات المجابهة الأمريكية الإيرانية على الوضع في العراق؟

* الإيرانيون يملكون قدراً كبيراً من الذكاء بالمناورات السياسية، ولكنهم بهذه التصريحات أعتقد أنهم وقعوا في الفــخ ـ ربما المنتظر ـ لأنهم أدانوا أنفسهم بأنفسهم، وحينما يوافق الأمريكيون الإيرانيين على مفاوضات بشأن العراق، فهم يقولون للعالم كله: نحن متدخلون في الشأن العراقي، ونحن نملك مفاتيح اللعبة في العراق، ولهذا فإنَّ هذه الممارسات استفزت العراقيين جميعاً بكل أحزابهم السياسية، والجميع قالوا: بأي حق يتم تجاهل العراق وكأنه جزء متنازع عليه بين أمريكا وإيران؟ فهذه بين قوسين: (غلطة الشاطر) وهي إدانة صريحة لهذه الدولة أنها تتدخل بشكل كبير في العراق.

البيان:
ما فرص تثبيت الحكومة العراقية القادمة، وما تقييمكم لنصيب ودور أهل السنَّة فيها؟

* أنا أظن أن الحكومة العراقية ستتشكل على أساس حكومة يكون للسنة فيها حجم لا يتجاوز 20% وهذه رغبة الأمريكيين والبريطانيين، لأنَّ هناك هدفاً استراتيجياً لتهميش أهل السنة، وربما يعطون إحدى الوزارتين: الداخلية أو الدفاع، لكنَّهم على العموم لن يخرجوا عن هذه النسبة. إلاَّ أنَّ تقييمنا في كل الأحوال أنَّ الحكومة القادمة ستبقى ضعيفة وربما تبقى حبيسة المنطقة الخضراء؛ لأنها هذه المرة ستكون متعددة الأقطاب؛ وهذا سيجعلها أكثر ضعــفاً، فلا أظن أن بإمكانها أن تحل المشكلة العراقية، وربما تشهد الأيام القادمة انحداراً أكثر في الملفات الأمنية والاقتصادية، وأنا أعتقد أن المقاومة العراقية ستبقى هي المالكة للأرض، وما لم يؤمن الأمريكيون والقوى السياسية بالحكومة بالواقع ويتم محاورة المقاومة فلن يهدأ العراق ـ والله أعلم ـ.

البيان:
يتردد أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى نبذ ورقة الشيعة المتدينين لتعيد اللعب بورقة الشيعة العلمانيين، فهل يمكن أن تدخل أمريكا بعض المحسوبين على السنة من العلمانيين في هذه اللعبة، وما موقفكم عندها؟

* كل شيء ممكن؛ فالأمريكيون من دون شك يفضلون التوجه العلماني، وهم في هذه المعركة استطاعوا حرق الأوراق الدينية للشيعة، فحرقوا مراجعهم ورموزهم من خلال توريطهم في تأييد الاحتلال بشكل أو بآخر، ويتمنى الأمريكيون لو أنهم يحرقون رموز السنة أيضاً على الطريقة نفسها، فحاولوا توريط هيئة علماء المسلمين بالاتجاه نفسه، ولكنهم لم ينجحوا بفضل الله، ولن ينجحوا وهـذا ما نأمله من الله عز وجل. فالعلمانيون عند الأمريكيين هم المفضلون، ولكن المشكلة عند الأمريكيــين أن العــلمانيين لا يتمتعون برصيد كبير في الشارع العراقي، وهذا ما سيجعل الوضع بالنسبة للأمريكان أكثر تعقيداً؛ فهي مضطرة أن تعوِّل على الأحزاب الدينية لحين يكون لمشروعها قرار في البلد، وبعد هذا من الممكن أن تغير من الوجوه من تشاء أو تأتي من الوجوه بمن تشاء إن استطاعت أن تنجح.

البيان:
يخيم شبح الحرب الأهلية على ربوع العراق؛ فعلى من تقع المسؤولية الكبرى في ذلك، وهل هناك إمكانية لتفادي هذا الخطر؟

* الحرب الأهلية هدف لقوات الاحتلال منذ مجيئها في 2003م، ولاحظنا ولأكثر من مرة أنها حاولت إثارة الحرب الأهلية، وأنا دائماً أذكِّر بحالة أسجلها للتاريخ أن القوات الأمريكية حينما دخلت بغداد ودخلت مدناً أخرى فتحت مخازن السلاح للناس بنفسها، فكان الناس يأخذون من هذه المخازن السلاح الثقيل والخفيف، والجنود الأمريكيون ينظرون للناس من غير مبالاة وكأن الأمر لا يعنيهم، ومن دون شك أن الأمريكيين ليسوا جهلاء بخطورة أن يؤول السلاح لأيدي الأهالي؛ لأنهم غزوا قبل العراق أكثر من عشرين دولة؛ فهم يعرفون ماذا يعني أن يكون السلاح بأيدي الأهالي، لكنهم كانوا يتمنون أن تشتعل الحرب الأهلية ليجعلوا الناس ينشغلون بعضهم ببعض وهم يقعدون في المعسكرات ويشرفون على هذه الحرب، ويزيدون نارها وقوداً، ولكن هذا ـ بفضل الله ـ لم يتحقق، وأنا أحب دائماً أن أكرر كلمة سمعتها من أحد الساسة العراقيين أنَّ العراق له مناعة داخلية من الحرب الأهلية، وهذا كلام صحيح؛ فالعراقيون منصهرون بعضهم ببعض إلى حد يحول في العادة بينهم وبين الانزلاق إلى الحرب الأهليَّة؛ فهناك عشائر نصفها شيعة ونصفها سنة، وهناك زيجات بين السنة والشيعة، وكذا بين العرب والأكراد، بلغت في تشخيص المختصين أكثر من 25%، فمن الصعوبة الدفع بالبلد للحرب الأهلية، وآخر فرصة من دون شك عُقدت عليها الآمال هو موضوع تفجير مرقدي سامراء، وكانوا يريدون إشعال حرب ولم تحدث. ولدينا عنف طائفي وهو بين الأحزاب السياسية وليس بين عامة الناس؛ فالأحزاب السياسية تمارس تطهيراً طائفياً، ولكن حتَّى هذه اللحظة لم ينتقل هذا العنف للطبقات الشعبية الأخرى ليتحول لحرب أهلية، ويسعى هؤلاء جميعاً إلى محاولة نقل هذه التفرقة للقاعدة العامة، ونأمل ألاَّ يحدث هذا، لكن يفترض أن نعمل جميعاً على تقوية هذه المناعة الموجودة لدى الشعب العراقي؛ لأن استمرار المجازر والقتل لأهل السنة هذا قد يبعد المناعة، ونخشى أن ينفلت الوضع بمرور الوقت، وما زالت ثقتنا بالشعب العراقي عالية، ونسأل الله أن يكون شعبنا عند حسن الظن به.

البيان:
يرتبط الحديث عن احتمالات الحرب الأهلية بالحديث عن احتمالات التقسيم؛ فهل هناك أرضية دافعة لهذا التقسيم؟

* من خلال قراءتنا للواقع نحسُّ أنَّه كان هناك نية لدى الأمريكيين لتقسيم البلاد باسم الفيدرالية في جميع جهات العراق، ولكن أعتقد أنه بعد التجربة التي خاضها الأمريكيون لم يعودوا يعوِّلون على هذا التقسيم؛ لأن هذا التقسيم في الأساس فكرة صهيونيَّة، وهو يخدم العدو الصهيوني، ولكن يبــدو أن الأمريكيـــين لا يرونها تصب في مصلحتهم الآن، خاصة بعد أن قوي نفوذ إيران في المنطقة. أما إيران فيبدو أن من مصلحتها ذلك؛ لأن فيدرالية الجنوب تعني أن يتحول الجنوب إلى قطعة من إيران، وبهذا يكون لها هيمنة على الخليج وعلى النفط، ولذلك نحن نلاحظ أنَّ الذين يصرحون بضرورة الفيدرالية للجنوب هم من الشخصيات المعروفة بولائها لإيران، ومن دون شك أن هذا الأمر لم يأت اجتهاداً من عـند أنفسـهم، بـل لأن هنـاك دوافع خارجية، تدفعهم لمثل هذه المبادرة.

البيان:
لو حصل شيء من ذلك فهل هناك تحرك للسنة للتعامل مع هذا الوضع؟

* أهل السنة ـ وأقولها من غير تعصب ـ ينظرون إلى المصلحة الوطنية؛ فهم الآن يعانون القتل من أجل ألاَّ يتقسَّم العراق؛ وهم الآن لو أرادوا أن يعزلوا أنفسهم فبإمكانهم أن يعزلوا مناطقهم، وتبقى مناطقهم سليمة ويعيشون بأمن وسلام، ولكنَّ حرصهم على الوحدة الوطنية يجعلهم حتى هذه اللحظة يرفضون الفيدرالية ويقاومونها بشدَّة ويدفعون الثمن غالياً، وهناك من يفسِّر حرص أهل السنة على رفض الفيدرالية، بسبب أن النفط ليس لديهم، وهذا ليس صحيحاً؛ فالنفط موجود في شمال العراق بالموصل وهي منطقة سنية وغنية بالنفط، ومنطقة الوسط التي يعيش فيها أهل السنة فيها الفوسفات الذي قال عنه الرئيس الأسبق كلينتون: بأنَّ العراق حتى هذه اللفظة لم يستعمل واحداً بالألف من مخزونه من الفوسفات، فالمنطقة غنية جداً، لكنهم هم يحرصون على الوحدة الوطنية ولا يريدون أن يكونوا سبباً في تمزيق العراق؛ لأنها أمانة تاريخية، وستذكر الأجيال كل من ساهم بتمزيق العراق بالسوء، وقبل ذلك هي المسؤولية أمام الله؛ لأننا نعتقد أنَّ العراق في قلب العالم الإسلامي، وإذا تقسم هذا البلد فإن الانقسام سيصيب كثيراً من البلاد المجاورة، ولهذا السبب تجد أهل السنة يدافعون بقوة ويتحملون في سبيل هذا الهدف الكثير من التضحيات.

البيان:
الحرب المنهجية أو (حرب الأفكار) التي يروِّج لها المنظِّرون في أمريكا، قد يكون أثرها خطيراً في العراق، بحكم ما يشبه العزلة الدعوية التي عاناها في العهد السابق؛ فما أوجه التعامل المطلوب مع حرب الأفكار في العراق على المستويات المختلفة؟

* أنا أعتقد أن حرب الأفكار بعد اشتعال هذه الحرب نقطة ضعف؛ لأنَّ الشعب العراقي لم تعد لديه ثقة إطلاقاً بأي مستورد أمريكي وبأي متعامل مع المحتل، وبأي جهة تثار حولها شبهات بأن لها علاقة بالأمريكان؛ فأنا أعتقد أن هذه الحرب تكاد تتلاشى على أرض العراق؛ لأن الحرب العسكرية الموجودة الآن أفرزت شيئاً جديداً: إما أن تكون عراقياً مسلماً، أو تكون أمريكياً عميلاً.

البيان:
بخصوص المحاكمة القائمة لرموز النظام السابق، هل ترون أنَّها تخدم أهل السنة أم تضرُّ بهم، وهل هناك بالفعل بقايا وجود مؤثِّر لحزب البعث العراقي؟

* بالنسبة للمحاكمة أنا لا أعتقد أن لها علاقة بأهل السنة؛ لأن الرئيس السابق لم يكن سنياً في فكره؛ فالمعروف أنه كان علماني الفكر، والعلماني ليست تلك المعايير لديه، ولهذا تجد أنَّ الرئيس السابق كانت أكثر عناصر حزبه من الشيعة؛ فالشيعة كانوا يشكلون 65% من عناصر حزب البعث، وتجد أن حكومته كثير من عناصرها من الشيعة.

وإليك معلومة بأن قائمة الخمسة والخمسين المطلوبة أمريكياً، 36 منهم شيعة، ولكن الإعلام من أجل أن يستبيح أهل السنة ويستحل دماءهم أخذ يروِّج أن السنة كان أكثرهم من النظام السابق، ولدينا من الشواهد ما لا تعد ولا تحصى في هذا المجال وسأذكر لك شيئاً منها:

ففي زمن الرئيس السابق هناك شخصان فقط احتلاَّ في عهده منصب رئيس الوزراء كلاهما من الشيعة: سعدون حمَّادي، ومحمد حمزة الزبيدي، ومرافق صدام الشخصي الذي يمشي خلفه وهذا يعني أنه موطن ثقة عالية لسنوات طويلة (صباح مرزا) هو كردي شيعي، ومرافق صدام الشخصي الذي كانوا يقولون إنه يدخل معه إلى غرفه الخاصة هو عبد العليم الشيعي من الحلَّة.

البيان:
ولكن يُتداول في بعض وسائل الإعلام بأن صدام حسين ظلم الشيعة وأنَّه كان بينه وبينهم ثأر، وأنَّه سلب ما لديهم من عز؛ فهل هذا الكلام صحيح؟

* سأحدثك عن هذا، فصدام حسين كان لا يهمُّه هذا الموضوع: شيعي أو سني؛ فكان يبحث عن الولاء، فيمنحه لأي جهة تمجِّده، والسياسيون الشيعة لديهم مظلة في فِقْهِهِم وهي موضوع (التقيَّة) ولذلك هم يستجيبون للانتماء للحزب والتقرب من السلطان، على أن يضمروا بغضه، وأهل السنة ليس لديهم هذا المخرج؛ فهم حدِّيُّون: إما أن يكون المنتسب بعثياً وبهذا يستحق اللوم، وإما أن يكون واضحاً، ولهذا فإن نسبة أهل السنة في حزب البعث معروفة لدينا كعراقيين أنها نسبة قليلة.

وأما قصة العداء الذي بين صدام وبين الشيعة فهذا يرجع إلى حرب إيران؛ فقبل الثمانينيات من القرن الماضي، بإمكانك أن ترجع إلى التاريخ العراقي فإن90% من الذين أعدمهم صدَّام حسين كانوا من السنة، سواء من القادة العسكريين أو من علماء الشريعة، وهذا معروف.

ولكن بعد حرب إيران ظهر نشاط حزب الدعوة، وهو ذو نشاط مسلح كما حدث في عملية الجامعة المستنصرية في بغداد وغيرها، فكحاكم يخشى على نفسه، فقد تحوَّل باتجاه حزب الدعوة، وحزب الدعوة لديه نفوذ كبير، وبما أنَّه حزب قديم وله صلة بالمراجع الدينية، فإنَّ هذه القوى استطاعت في أكثر من مرَّة تحريك الشارع الشيعي ضد النظام، فقسا في التعامل مع هذه التظاهرات كما يفعل أي حاكم يُعارَضُ حكمه، وقتل منهم من قتل؛ ومن هنا كان ذلك التسلط.

ونحن أحياناً نجلس مع بعضهم ويقولون لنا: نحن دفعنا ثمناً وصدام حسين استهدفنا بالقتل والمجازر. فنحن نسألهم سؤالاً:

هل استهدفكم، لأنكم شيعة، أم لأنكم خرجتم ضده؟

فيُحرَجون، ثم نسألهم سؤالاً آخر: ماذا لو كانت هذه المظاهرات من أهل السنة في الموصل، فهل كان سيتعامل صدام معهم بغير هذا التعامل؟ فالمنصف فيهم يقول الحق.

ثم نقول لهم: لماذا كانت هناك أكثر من عشر محاولات انقلابية وكانت من السنة فقط؟

ولو كان صدام حسين يتعامل على أساس أنه سني فلا حاجة لمثل هذه الانقلابات؛ فقد أعدم النظام السابق خيرة رجال أهل السنة من علماء وجامعيين وقادة وسياسيين وضباط؛ فهذه الدعوى التظلمية ليست صحيحة.

نعم! أصابهم ظلم كما أصاب الآخرين وليس على أساس طائفي، وإنما على أساس عدم الولاء للحاكم.

البيان:
هل أنتم راضون عن تفاعل العالمين العربي والإسلامي مع قضيَّتكم في العراق؟

* ليس لدينا أي نسبة من الرضى؛ فنحن محبَطون من مواقف الدول العربية والإسلامية التي رضيت أن تنظر إلينا بمنظار المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، فتأبى أن تناصرنا بكلمة أو بأي وسائل أخرى، مع أنها تعلم جيداً أن العراق يمثل السد أو صِمَام الأمان بالنسبة لها، فلا سمح الله إذا انهار هذا الصمام فسيصل الضرر إلى جميع الدول العربية والإسلامية وخاصة الدول المجاورة.

والمشكلة ـ يا أخي! ـ أنَّ النظام السابق حينما كان يخوض حرباً ضد إيران وقفت الدول كلها معه، وزودته بالسلاح وبالمواقف المطلوبة سياسياً وإعلامياً، وتلك الحرب كانت لها ظروفها، وتلك الحرب كانت ليست ضرورية، وفيها من الجوانب السلبية ما فيها.

ونحن الآن في حرب صادقة ونحن فيها مظلومون، وقد جاءت دول التحالف واحتلتنا ضد الإرادة الشعبية والدولية؛ فالحق معنا، بل حتَّى الشرعية الدولية معنا، ومع ذلك تجد أن الجميع للأسف الشديد بعيدون عن المساندة ربما خوفاً من أمريكا. ولكن... لماذا تتدخل إيران في العراق مثلاً؟

إنَّني أعتقد أن مواقفهم سياسياً خاطئة، والنتائج التي تتمخض عنها هذه المعركة ستنعكس سلباً عليهم بكل تفاصيلها، نعم! نحن نتمنَّى أن تنتهي هذه المعركة بانتصار أبناء المقاومة، ولكن لا بأس من وضع احتمال الأمر الآخر: ماذا لو انكسر البلد ـ لا سمح الله ـ؟ لن يبقى أحد بمنأى عن هذا الطوفان ـ لا قدَّر الله ـ.

البيان:
ما أوجه النقص في نظركم في ضعف التفاعل الدولي الإيجابي مع قضيَّة العراق؟

* لا يوجد تفاعل، وهناك مواقف قليلة كما حصل مثلاً في موقف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وقد نبَّه إلى خطورة النفوذ الإيراني في العراق. وعلى أيّ حال نحن قلنا إنها بدايـة الوعـي، لكن بعدها لم يحدث شيء.

كما أن هذا الوعي تجاه خطورة الدور الإيراني يجب أيضاً أن يكون تجاه التدخل الأمريكي واحتلال العراق، فيجب أن يكون لدى الدول العربية شعور بأن الخطر الأمريكي لا يقل خطراً عن النفوذ الإيراني، وأن نتعامل مع الجميع تعامل الفطن الذي إن لم يفعل ذلك من أجل نصرة الدين، فليفعل ذلك من أجل رعاية مصالحه.

البيان:
ما الدور الذي تنتظرونه من إخوانكم أهل السنة في العالم؟

* أنا أعتقد أنَّ العراقيين الآن يمرون في أسوأ الظروف، وأهل السنة بالذات إذا كان لا بد من التحدث عنهم فإنهم يتعرضون إلى تطهير طائفي، وذبح مستمر، ويجب على الدول العربية أن تسعى في دعمهم في كل الاتجاهات وبشتَّى الظروف، وبكل ما يستطيعون؛ لأن الأمريكيين يعملون على تدمير البنى التحتيَّة لهذه المناطق، فيهدمون المستشفيات، ويحرقون المزارع، ويقصفون المساجد، ويضربون المدارس، فيوجد مسلسل مدروس لإنهاء كل مقوِّمات الحياة لديهم، فضلاً عن استهداف شبابهم بالآلاف وقتل الآخرين؛ فنحن نشعر بأنَّ ظهرنا مكشوف، لكن إذا اهتمت الدول بهذه الأزمة، ودعمت من يقع عليهم الظلم بكل وسائل الدعم الممكنة، فمن دون شـك وعلى الأقل سيعيد ذلك الثقة إلى هؤلاء بأنفسهم، ويطيل من فترة صمودهم أمام الخطرين القادمين.

البيان: أخيراً: نسأل الله ـ تعالى ـ للشعب العراقي المجاهد أن ينصره، ويفرِّج كربه، ويصلح أحوال المسلمين، والله حسبنا ونعم الوكيل.


ملاحظة: نشر هذا الحوار في مجلة البيان ، عدد (224)

 

خباب الحمد