اطبع هذه الصفحة


عندما ينقلب الديموقراطيُّون على الديموقراطيَّة
استراتيجيَّة أمريكيَّة يوم أن فاز الإسلاميون عبر الطرق الديموقراطيَّة!!

خبَّاب بن مروان الحمد


(إنَّ انتقالاً فورياً نحو برلمان منتخب سيُسَبِّب الأذى أكثر من الخير ؛ فالإسلاميُّون سيحقِّقون نتائج حسنة ، ما شأنه أن يعقِّد استراتيجيتكم الأمنيَّة).
تلك كلمات قالها (إف جريجوري غوز ) ـ أستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة فيرمونت، ومدير مركز دراسات (الشرق الأوسط)[1] في جامعة فيرم ، محذِّراً قادة الدول العربيَّة من خطر نتائج الديمقراطيَّة على يد الإسلاميين الوصوليين الأصوليين !
أودُّ أن أقول في البداية : بغضِّ النظر عن موقفي الشخصي وموقف بعض العلماء والمشايخ والمفكِّرين من حكم التعامل مع المنهج الديمقراطي ، وحكم الدخول والمشاركة في المجالس البرلمانيَّة أو التشريعيَّة من ناحية شرعيَّة ؛ فإنَّ مقالي سيتخطَّى تلك الحالة المفاهيميَّة المُختَلَفِ عليها بين العلماء والمفكرين في عالمنا الإسلامي إلى ما هو أبعد من تلك القضيَّة...
إنَّ التكشير عن الأنياب ، والتشمير عن ساعد الإرهاب الفكري والعضلي ، بات واضحاً في سياسية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكيَّة ، ومن يوافقهم على سياساتهم من الدول الغربيَّة ؛ فمن خلال تصريحات لفيف من المفكرين أو القادة الرسميين وخبراء التخطيط الاستراتيجي الغربي ، نجد أنَّ التحدث عن نشر الديمقراطيَّة في الشرق الأوسط بات أقلَّ حضوراً في المؤتمرات الصحافيَّة أو اللقاءات الميدانيَّة ، بعد أن أدركوا أنَّه :

ما كلُّ ما يتمنَّى المرء يدركه * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

لقد كانت أمنيات بوش وغيره من أنصاره المحافظين الجدد ، أو الصهاينة النصارى ، ومن تبعهم من صنَّاع القرار الغربيين ـ تتمركز حول إعادة البناء في منطقة الشرق الأوسط بنشر قيم الديمقراطيَّة والحريَّة . ولك أن تتخيَّل بأنَّه في محاضرة واحدة ألقاها بوش قبل برهة قصيرة أُحصِيَت خلالها كلمة (الحرية) ، التي ردَّدها ودندن عليها الرئيس الأمريكي بوش وبلغت أكثر من (60) مرَّة ، والذي يستمع له يشعر وكأنَّه يستمع لداعية السلام والحرية والديمقراطيَّة !!
لقد آلت تلك الأمور إلى غير ما يريد هذا الرجل ؛ فالديمقراطيَّة التي اختار كثير من الإسلاميين المشاركة فيها عبر الانتخابات البرلمانيَّة أو التشريعيَّة أو النيابيَّة في العالم العربي والإسلامي ، وقدِّر للإسلاميّيين النجاح فيها بشتَّى أطيافهم الفكريَّة على منافسيهم من الحركات الأخرى ـ كانت نتائجها ومآلاتها على أمِّ رؤوس الأمريكان وحلفائهم ؛ حيث جاءت نتائج تلك الانتخابات على غير ما كان يطمح له الغربيون.
لقد وقعت الإدارة الأمريكيَّة وأصدقاؤهم الغربيين في ورطة كبيرة ؛ إذ كيف يوفِّقوا بين نشرهم لثقافة الديموقراطيَّة ، وما تنتجه وتفرزه هذه الديمقراطيَّة من فوز الإسلاميين ، عن طريق هذه الانتخابات ، وأنتج هذا الأمر خوفاً كبيراً لدى القائمين على السياسات الغربيَّة، وكذا من رفقائهم السياسيين القائمين بحكم البلاد الإسلاميَّة ؛ ولهذا سارعت كثير من حكومات الدول العربيَّة والإسلاميَّة إلى تخويف الغرب من:(الفزَّاعة الإسلاميَّة) ؛ ليتوقف الغرب عن الحديث عن الديمقراطيَّة ؛ خوفاً من وصول الإسلاميين لصناعة القرار .

* الخطَّة الغربيَّة المناسبة للتعامل مع الظاهرة الإسلاميَّة الصاعدة :

 من منشأ هذا الخوف الغربي والليبرالي في الدول العربيَّة والإسلاميَّة بدأت الأطروحات تتجه نحو كيفية هزيمة الإسلاميين ، أو التعامل مع الخطأ غير المدروس في نشر ثقافة الديمقراطيَّة في الشرق الأوسط ، وقد انقسمت الخطط تجاه ذلك إلى أقسام :
فمن قائل بأنَّ الديموقراطيَّة ينبغي أن تكون (فكرة مشروطة) على المزاج الأمريكي ، والتي لا تخالف أو تعارض على الأقل التوجُّهات الأمريكيَّة في المنطقة.
وذلك يعني : التحايل على المصطلح لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة ، وممَّن يتبنَّى هذا الرأي وبقوَّة ؛ الرئيس الأمريكي جورج بوش حيث ألقى خطاباً قبل مدَّة وبثَّته جمع من القنوات الفضائيَّة قائلاً: إنَّ تطبيق الديمقراطية بالشكل التدريجي في المنطقة سيقضي على التطرف ، الذي يُعتبر عدو أمريكا المباشر والمهدد الأساسي لأمنها الداخلي.
لذلك فإنَّ جورج بوش يصرُّ على إبعاد الأحزاب الإسلامية من تولِّي زمام السلطة في جميع الدول العربية.
وقد صدرت دراسة عن (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) حول سياسة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وممَّن صاغ هذه الدراسة ودوَّنها (كارل غيرشمان) وهو رئيس (المؤسسة الوطنية للديمقراطية) وعضو (اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية)، حيث يرى دعم الإصلاحات الحقيقية داخل الأحزاب السياسية الحاكمة والتيار الإسلامي المعتدل ؛ الذي يقبل فكرة الإصلاح الديمقراطي، ومساعدة هذا التيار على تطوير قيم وقواعد جديدة للمشاركة السياسية ، تتجاوز مجرد قبول المشاركة في الانتخابات واحترام نتائجها.
ويواصل حديثه قائلاً : (هذه القواعد والمبادئ يجب أن تشمل : التخلِّي عن العنف، وقبول حقوق المرأة وحقوق الأقليات، ودعم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وقبول التعددية ليس فقط في مجال السياسات ؛ ولكن أيضاً في مجال تفسير نصوص الشريعة الإسلامية. إن تطوير شكل من (الديمقراطية الإسلامية) في الشرق الأوسط مسألة يمكن تحقيقها إذا تمكن الإسلاميُّون من المشاركة في الانتخابات الدورية؛ لأن ذلك من شأنه أن يشجعهم على التحول إلى فاعلين سياسيين براجماتيين، وعلى صياغة سياسات تستجيب للحاجات الحقيقية للمواطنين وقابلة للمحاسبة والمساءلة من الناخبين).
وهذا (إدوارد ووكر) ـ السفير الأمريكي السابق في القاهرة ، ومساعد وزير الخارجيَّة من 1999 إلى 2001 ـ يقول في برنامج حواري معه على في قناة الجزيرة بعنوان:(من واشنطن) ؛ حيث قال :" من المهم أن نعلم أننا ليست لدينا مشكلة مع الديمقراطية في أي بلد، شريطة أن يكون الأفراد أو الأحزاب معارضين للعنف ، و أن يعملوا من داخل النظام ، ولا أعتقد أن هناك مشكلة فيما يخص الإخوان بحد ذاتهم ؛ ولكنني سأكون أكثر ارتياحاً إذا ما علمت بأي اتجاه يسير به الإخوان ، وما خططهم فيما يخص مستقبل مصر. ولا أعتقد أن هذه الأمور واضحة ، نعم ! لا بأس بأن نقول : إن الإسلام هو الحل ؛ لكن الحل إلى ماذا ؟ هذه أمور بحاجة إلى توضيح".
وهناك من يقول : ينبغي التريُّث حين يفوز الإسلاميُّون ؛ فإن ذابوا في أتون الأفران السياسيَّة وتنازلوا شيئاً فشيئاً عن قيمهم وثوابتهم فهذا الأفضل لدينا ، وإن بقوا على ثوابتهم فإنَّ أحسن طريقة تكون لإضعافهم ؛ مساعدة من ينقلب عليهم ليقوِّضوا نجاح الإسلاميين بتلك الانتخابات ، وخلق حالة من الفساد الاجتماعي والسياسي والضغوطات الاقتصاديَّة وبث القلاقل الأمنيَّة ؛ لينشغل بها الإسلاميُّون عن القضايا التي كانوا يرغبون في إصلاحها في البلد الذي انتخبوا فيه ، وخير ما يشهد على ذلك ؛ إجهاض الانتخابات الجزائرية في عام 1991م ، التي فاز بها الإسلاميون فيها بنسبة تفوق (80%) ؛ بانقلاب دبرته فرنسا ؛ لصالح تلاميذها العلمانيين!
ومن الشواهد الأخيرة على ذلك : فوز حركة حماس الإسلاميَّة بالانتخابات التشريعيَّة؛ فقد ضيَّق الأمريكان والصهاينة ومن تبعهم الخناق على هذه الحكومة الوليدة ، من قبيل  الضغوطات الاقتصاديَّة والسياسيَّة واعتقال أكثر من 60 نائباً في المجلس التشريعي وأكثر من تسع وزراء من حكومة حماس ، وأوعزوا لأتباعهم وعملائهم في الضفة وقطاع غزَّة بالانقلاب عليها وإشغالها بإثارة الفتن والقلاقل ، وصناعة المشكلات ؛ وهذا حتماً هو إشغال للحركة عمَّا كانت تقصده من الإصلاح السياسي والاقتصادي ، بعد الفساد الذي عشَّش في زمن حكومة فتح. وأخشى ما أخشاه الآن أن تذوب حماس شيئاً فشيئاً مع كثرة الضغوط والتأويلات السياسيَّة والدبلوماسيَّة في هذا الوقت الحاضر!
ومن قائل ثالث ، وهو بيت القصيد ومربط الفرس في هذه المقالة :
إنَّها خطَّة استراتيجيَّة تكتيكيَّة لها أنصارها في مراكز القرار الغربيَّة ، وتقضي بتأجيل نشر الديمقراطيَّة في العالم العربي والإسلامي . وذلك أنَّه ما من انتخابات نزيهة وعادلة إلاَّ فاز بها الإسلاميون ؛ كما جرى في الكويت ومصر ودول الخليج والجزائر وفلسطين وتركيا، وكذا الوضع قد يكون لصالح جماعة العدالة والتنميَّة المغربيَّة في المغرب في الانتخابات الجارية عام 2007م.
ومن هنا فقد ارتأى كثير من خبراء التخطيط الاستراتيجي ، وكذا الإدارة الأمريكية، أنَّ حلَّ إشكاليَّة فوز الإسلاميين في الانتخابات تكمن في إضعاف الروح الإسلاميَّة في البلدان الإسلاميَّة ، وحقنها بالغزو الفكري والثقافي التغريبي ، بغية صرف أنظار المسلمين إلى اللبرلة والعلمنة ، حتى إذا ما كانت هناك انتخابات قادمة ؛ فسيكون الحظ الأوفر للفائزين بها تلكم الأطراف الليبرالية الموافقة لسياسة الإدارة الأمريكيَّة في العالم أجمع ـ وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط كما يقولون ـ .
ولعلَّ ما يعكس ذلك ما نشرته صحيفة (الفايننشيال تايمز) البريطانية ؛ حيث نشرت تقريرًا تحدثت فيه عن المخاوف التي تنتاب الأوساط السياسية الأمريكية من صعود الإسلاميين في الشرق الأوسط في حال فُتح باب الديمقراطية والإصلاح ، مشيرة إلى تحريض المحافظين الجدد للرئيس بوش على مراجعة كل تلك الخطط المتعلقة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط ؛ إذ إنه ومنذ الفوز الكاسح لحماس انهالت على مكتب بوش عشرات التقارير والدراسات التي تنصح بالتروِّي والإبطاء في مسألة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وعرضت الصحيفة النصائح والنداءات التي تدعو بوش إلى عدم التسرع والضغط من أجل فرض الديمقراطية على الشرق الأوسط، ومنها ما قاله (أريل كوهين) الباحث في (مؤسَّسة هيريتج) ـ مركز الدراسات المحافظ الداعم للسياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة ـ حيث يقول:" إن الدرس المستفاد من فوز حماس هو أن عملية نشر الديمقراطية يجب أن يتم إبطاؤها وإضفاء صبغة واقعية عليها، إضافة إلى وجوب اعتبار الدمقرطة عملية طويلة المدى"، وقد وجَّه هذا الكلام لبوش معتبراً أنَّ الانتخابات في الدول العربيَّة والإسلاميَّة ليست هدفاً في حدِّ ذاتها !
وفي هذا التقرير حذَّرت (اليزابيث تشيني) ابنة نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) ـ والتي تقود أجندة الخارجية الأمريكية للإصلاح والحريات ـ حيث حذَّرت من الاندفاع نحو الديمقراطيَّة ، وترى أنه لا يجب على الولايات المتحدة الضغط على النظام المصري بفتح مجالات الانتخابات في هذا الاتجاه بسرعة ؛ حتى لا يفتح الباب أمام الإخوان المسلمين – أكبر حركات المعارضة تنظيمًا في البلاد – وذلك حتى يتم التأكد من أن الليبراليين المسحوقين قادرون على مواجهة الإخوان في أية انتخابات.
وهذا التوجُّه أصبح شبه سائد في مراكز الأبحاث الأمريكيَّة ؛ حيث أصدرت عدد من مراكز الدراسات الأمريكيَّة توصيات مهمَّة حول تعامل الإدارة الأمريكيَّة مع العالم الإسلامي ، ومن أبرز التوصيات في ذلك : يجب عدم دعم الديمقراطيَّة في العالم الإسلامي قبل أن يتمَّ تطوير المجتمع بالرؤية الليبراليَّة الغربيَّة ، إلى حين خمود أو خمول الحركات الإسلاميَّة وضعفها أو إضعافها بالقمع والسجن وغير ذلك ؛ فإذا تحقَّق هذا المراد فلا بأس من إعادة نشر الديمقراطيَّة المدعومة أمريكيَّاً من قبل الأنظمة العربيَّة.
ومن هنا فقد أصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ـ المعروف بانحيازه للكيان الصهيوني ـ ، تقريراً في نوفمبر عام 2006 م بعنوان : ( مواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع : استراتيجيات بديلة).
ويتناول محرِّرو التقرير السبل المطلوبة لهزيمة الإسلاميين في صناديق الاقتراع ، وتناولوا فيه قضيَّة مهمَّة برأيهم ، وهي : كيف يمكن لأمريكا دعم الديمقراطيَّة في العالم العربي دون فوز الإسلاميين بتلك الانتخابات ؟
وكان من ضمن المتحدِّثين ( إف . جريجوي جوز) ؛ حيث قال: "إنَّ الاستراتيجيَّة البديلة يجب أن تكون إيقاف تشجيع صناديق الاقتراع من الأساس ؛ حيث نوقف تشجيع الديمقراطية في العالم العربي بالأخص, والذي يشكل جزءاً من الشرق الأوسط . والذي أعرفه تماماً أنَّ الإسلاميين سينتصرون إذا كان هناك انتخابات ديمقراطية ، لكن ما أقوله : إنَّه لا يمكن للأمريكيين الحديث عن دعم الديمقراطية والحث على تطبيقها .وفي المقابل نقول : إنَّه لا يمكننا إجراء انتخابات, أو إنَّه لن يتم إجراء هذه الانتخابات خلال 20 سنة ، أو إنَّك لن تجري هذه الانتخابات إلى أن يصبح العرب ليبيراليين تماماً !" ثمَّ اختتم حديثه بقوله :" أعتقد أنَّ علينا أن نضع الآن هذه المسالة ـ أي نشر الديمقراطية ـ خلفنا بانتظار التحولات التي ستحصل, وبعدها نرى إن كان بالإمكان الحديث عنها من جديد".

· تساؤل متسائل :
قد يتساءل متسائل :لِمَ هذه الهجمة الشرسة على الإسلاميين ومحاولة تحييدهم عن صناعة القرار ؟ والجواب فيما أراه بعدَّة نقاط :
أنَّ الكفَّار أعداء للمسلمين ما بقوا ، وشواهد التاريخ تقضي بذلك ، فلابدَّ من ربط ماضي الأمَّة الإسلاميَّة بحاضرها لكي يعلم الناس شدَّة حقد الكفَّار على المسلمين.
شدَّة خوفهم من أن ينقلب المسلمون عليهم ويستكملوا قوَّتهم ضدَّ أعدائهم . ولهذا تسعى دول المركز إلى تخويف الأقليات من نتائج الديمقراطية ، ويشعرونها بأنَّ الإسلاميين إذا وصلوا بالديمقراطية إلى الحكم فقد ضاعت حقوق الأقليات.
حماية أمريكا والدول الغربيَّة للدولة الصهيونيَّة ؛ فهناك تحالف واندماج استراتيجي ما بين أمريكا وإسرائيل بالذات .
عدم تمكين الإسلاميين من الوصول إلى مراكز القوة ؛ لئلاَّ يكون لهم هيمنة على الثروات المعدنيَّة والنفطيَّة .
حماية النظم الرسمية العربيَّة والإسلاميَّة ، وتهيئة المجال لها بالإبقاء على مراكز الرئاسة قبالة المتشددين الإسلاميين ـ كما يصفونهم ـ !ومن المعلوم أنَّ منظري السياسة الأمريكية والأوروبية يؤمنون بأن أي انفتاح ديمقراطي جدِّي سيكون لصالح الحركات الإسلامية ؛ لذا فإنهم يفضلون التعامل مع الأنظمة القائمة ، مع السعي إلى إصلاحها بدلاً من تبنِّي خيارات ديمقراطية.
لدى الغربيين عموماً والأمريكان خصوصاً عقدة التفوق العنصري ، والتقدم التقني؛ فهم لا يسمحون بأي حال من الأحوال أن يكون لدى الإسلاميين دور في ذلك التقدم ؛ فأنت تجدهم يحتكرون صناعة السلاح والتقانة النووية إلى غير ذلك من وسائل الاحتكار ويحرمان الدول العربيَّة (الدكتاتوريَّة) من وسائل التقدم والتي بدورها تسمع وتطيع ولا تقصِّر مع العم سام. لذلك يخشى الأمريكان أو دول المركز أن يتقدم الإسلاميون ؛ فيحوزوا ثقة شعوبهم ، ومن ثمَّ يبدؤوا باختراق الحدود والخطوط الحمراء التي رسمتها دول المركز لدول الأطراف ، وأوعزت إليها بعدم تجاوزها.

وقبل الختام :
لا بدَّ للإسلاميين ، وبخاصَّة الحركات الإسلاميَّة الكبيرة منهم ، أن يقلِّبوا النظر، ويعيدوا الفكر والبصر، في مشاركاتهم القادمة في الانتخابات التشريعيَّة أو البرلمانيَّة ، مع أهميَّة فقه المآلات واستشراف المستقبل ، وتقدير أهميَّة المشاركة من عدمها ؛ فإنَّ اتخاذ موقف من هذه الخطط الغربيَّة المذكورة آنفاً من الأهميَّة بمكان.
نعم ! هناك مفكرون ومحلِّلون يرون أن صعود الحركات الإسلاميَّة يوفر فرصاً لأمريكا لتحقيق مصالحها وخدمتها، وبخاصة إذا ما أبدت أمريكا تشجيعاً وتأييداً للديمقراطية في الدول العربية والإسلامية، ويجنب أمريكا البغضاء واستهدافها في أعمال إرهابية.
ولكنَّ الظاهر أنَّ هذه آراء أصبح لا يلتفت لها في دوائر القرار من دول المركز ، التي يؤسفنا أن نقول بأنَّها تقود دول الأطراف ، ومنها عالمنا الإسلامي بكليَّته إلى حيث المصير المجهول !
وقد صار كثير من خبراء التخطيط الاستراتيجي لا يفرِّقون بين إسلاميين معتدلين ومتشدِّدين ، وما نبأ تأخيرهم لنشر الديموقراطيَّة في الشرق الأوسط ، أو أن تكون ديموقراطيَّة مشروطة ؛ إلاَّ لخوفهم من الإسلاميين المعتدلين الذين يخوضون معارك انتخابيَّة ضد الآخرين من مناوئيهم.
فهذا (دانيال بايبس ) الباحث الأكاديمي الأمريكي ، وأحد المعادين للإسلاميين ـ في نقاش بمركز نيكسون البحثي في واشنطن ـ، يعتبر أنَّ من الحماقة التفرقة والتمييز بين حركة الإخوان المسلمين التي تنبذ العنف وبين المجموعات المتطرفة؛ حيث يعتبر الجميع "جزءاً من حركة يوتوبية [2] راديكالية".
كما أنَّ معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عقد مؤتمراً بعنوان (الطرق المختلفة لمواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع)، ونشر موجزاً لأعماله على الموقع الإلكتروني للمعهد في نوفمبر 2006م ، وكان من ضمن المتحدثين الرئيسيين فيه (سونر كاجابتاي) مدير مركز الأبحاث التركية في معهد واشنطن ؛ حيث قال :" إن الوسيلة الوحيدة والمناسبة لمواجهة الإسلاميين هي قيام الولايات المتحدة بدعم وتمكين الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الشرق الأوسط في مقابل الأحزاب الإسلامية".
وقد اقترح (كاجابتاي) أن تستفيد الولايات المتحدة من التجربة الإيطالية في تفعيل دور الأحزاب الليبرالية أمام الإسلاميين في الشرق الأوسط من خلال إقامة تحالفات سياسية مع الليبراليين ، وعدم الوقوع في فخ ما يسمى بالإسلام المعتدل؛ ففي الواقع لا يوجد خلاف بين الإسلاميين والإسلام المعتدل ؛ فجميعهم لديهم الأهداف والرؤى نفسها، ومن ثمَّ فإن سياسة دمج الإسلاميين المعتدلين ستسفر عن نتائج خطيرة".
وبهذا يتبيَّن قبح ادِّعاءات دول المركز في نشرها للديموقراطيَّة التي كفروا بها بعد أن خانتهم نتائجها . وصدق الدكتور (فؤاد نهرا) حيث قال في كتابه :( الشرق الأوسط الجديد في الفكر السياسي الأمريكي) :"الشرق الأوسط هو المنطقة التي تكشف فيها الخلفيات السياسية والحضارية للخطاب الأمريكي حول الديمقراطية والليبرالية، والتي يتغلب فيها الخطاب المجرد حول التوسع الديمقراطي إلى موقف الدعم للبؤرة الديمقراطية الإسرائيلية".
ولعلَّ ما قاله (جورج كانن) ـ المخطط الاستراتيجي الأمريكي عام 1948 م، ـ ينطبق على حالهم ؛ فقد قال بالحرف الواحد:"نحن الأمريكيين نمتلك أكثر من 50% من ثروة العالم، بالرغم من أننا لا نشكل سوى 6% من سكانه! وفي هذه الحالة تتمثل مهمتنا الرئيسية في المستقبل أن نحافظ على هذا الوضع المختل لصالحنا. ولكي نفعل ذلك علينا أن نضرب بالعواطف والمشاعر عرض الحائط، علينا أن نتوقف عن التفكير بحقوق الإنسان ورفع مستويات المعيشة وتحقيق الديمقراطية في العالم. تلك هي النظرة الأمريكية الحقيقية لنا ولغيرنا".حقَّاً.... إنَّ فاقد النزاهة والحريَّة لا يعطيها حتماً !
 

------------------------
[1]  كلمة ( الشرق الأوسط) كلمة دخيلة من تخطيط الأعداء ، لأجل تسويغ  إقامة الدولة الصهيونيَّة في قلب العالم الإسلامي ، فإنَّها لو بقيت في التسمية منطقة إسلاميَّة أو حتَّى عربيَّة فكيف يحق أن تقوم فيها  دولة لليهود ؟ والجزيرة العربيَّة والشام والدول العربيَّة لا تدخل فيها ما يسمَّى بـ(إسرائيل) فتمَّ إنشاء هذا المصطلح لتصبح منطقة جغرافيَّة لا انتماء لها فكل شيء ممكن حينئذٍ ، ولا شكَّ أنَّ لهذه الألفاظ والمصطلحات مدلولاتها (للمزيد انظر : مذاهب فكريَّة معاصرة ، للشيخ محمد قطب)
[2]  يوتوبية : نسبة إلى كلمة (يوتوبيا) وهو مصطلح فلسفي يقصد به : المدينة الفاضلة أو المعاني المثالية.
 

خباب الحمد