اطبع هذه الصفحة


هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مشروع إصلاح ومنهاج تغيير

إعداد: خبَّاب بن مروان الحمد


يفترق المسلمون عن المنافقين بعدَّة فوارق، من أهمِّها وأبرزها: أنَّ المسلمين امتازوا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث شرَّفهم الله بها وامتدحهم بإقامتها بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [آل عمران: 110]، وأمّـَا المنافقون الطاغون فإنَّهم لا محالة سيعيشون على سياسة قلب الموازين وخلط الأوراق لمحاولة هزِّ القيم والمبادئ؛ لهذا وصفهم الله ـ تعالى ـ بقوله: {الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمَعْرُوفِ} [التوبة: 67]
وهكذا مضى المسلمون، فقد عاشوا في صدر الإسلام وعصـوره الزاهرة يأمـرون بالمعـروف وينهـون عن المنـكر، وما فتئ الزمان يدور حتَّى ضعفت الأمَّة واستبيحت حرماتها بالاستخراب الذي يسمونه استعماراً، واستُبدِلَت المناهج الوضعيَّة بحكم الله ومنهجه، وصارت غالب البلدان المسلمة تُحارَبُ فيها هذه الشعيرة من أفراد أو مجموعات مشبوهة وشانئة لأسباب لا تخفى على المسلمين.
وتُعدُّ تجربة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في المملكة العربيَّة السعوديَّة تجربة رائدة، حقَّقت إنجازات عظيمة، وخدمات جليلة، تستحق الإشادة والتأييد.
وفي هذا التحقيق نحاول تسليط الضوء وإبراز الدور الذي تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجالها الفضلاء من الأعمال الجليلة والآثار الإيجابيَّة على الفرد والمجتمع.
وبما أنَّ هناك الكثير من التساؤلات التي قد يطرحها أنـاس أو يثيـرها آخرون عن جهاز هيئة الأمر بالمعروف، فإننا حاولنا أن نضعها بين يدي المشاركين في هذا التحقيق، من رجال الهيئة وغيرهم؛ ليتم الإجابة عنها وإيضاحها.
فكيف نشأ جهاز الحسبة في المملكة العربيَّة السعوديَّة؟
وهل جهاز ضخم كهذا يتصادم مع الحرية الشخصية، كما يثيره بعضهم؟
وما الجهود التي يقوم بها رجال الحسبة في إنكار المنكرات؟
وكيف تعالج الهيئة هذه المنكرات؟
هناك العديد من الجهود الضخمة التي أوقف بها رجال الهيئات شعوذة المشعوذين وسحر السحرة وهذيان العرَّافين؛ فما هذه الجهود؟
وهل كان لأداء الهيئات أثر ملحوظ في كبح الفساد وأهله؟
وما مجالات الضبط الاجتماعي والأخلاقي الذي تقوم به الهيئات في مجال الإصلاح؟
وما مدى موضوعيَّة تلك الأقلام الناقدة لجهاز الهيئات والتي تثير عليها الضغائن والأحقاد؟ وماذا يُقال لهؤلاء؟
ولكن! أليس هناك من سلبيات وأخطاء وقع بها بعض رجال الهيئات؟
هذه نتف من أسئلة متعددة نثرناها في ثنايا هذا التحقيق، محاولين الغوص وراء الحقيقة أين تكمن؟ وما وراءها؟... فإلى محاور التحقيق وإجابات المشاركين ننتقل بعون الله وتوفيقه؛ رغبة في الوصول إلى الحقيقة!

• جهود الهيئات تجاه إبطال المنكرات:
تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحملة كبيرة في رعاية مصالح الناس والحفاظ على حقوقهم ورعاية حرماتهم وصيانة أعراضهم، وفي الموضوع ذاته سألنا معالي الشيخ إبراهيم الغيث ـ الرئيس العام لإدارة جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ عن ماهيَّة الجهود التي تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إنكار المنكرات العامَّة؟
فأجـاب معـاليه: أما عن جهود الرئاسة في إنكار المنكرات فالجهود ـ ولله الحمد ـ في هذا المجال كثيرة وواسعة ولا يمكن حصرها في هذه العجالة، لكنها تتركز في عدة جوانب، أبرزها:
ـ حماية العقيدة من شوائب الشرك والبدع والخرافات والسحر والكهانة.. إلخ.
ـ إلزام الناس بإقامة الواجبات الشرعية، وحث الناس على إظهار الشعائر الإسلامية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتهاونين بها.
ـ صيانة الأعراض وحماية الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية وحفظ الفضيلة مما يدنسها من سيئ القول والفعل، وقمع الرذيلة، ووقاية المجتمع من مخاطرها.
بيدَ أنَّه يُلحظ أن جهود الهيئة مركزة ومنصبة في قضية النهي عن المنكر أكثر من الأمر بالمعروف، ولهذا وجَّهت سؤالاً بهذا الفحوى لمعالي الشيخ الغيث فأجاب: تقوم الرئاسة بمكافحة المنكر قبل وقوعه وذلك بالأساليب الوقائية، وتقوم بالأمر بالمعروف كل في موطنه، لكن النهي عن المنكر غُلِّب بسبب تسليط الإعلام عليه، كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكملان لبعضهما وكل له أحواله حسبما هو مقرر في فقه الحسبة.
وبهذا الخصـوص طلبـنا من الدكـتور عبـد العزيز الفوزان ـ عضو هيئة حقوق الإنسان بالمملكة ـ أن يتحدث لنا عن دور جهاز الهيئات في هذا المجال وبخاصة في الحفاظ على حقوق الإنسان، فقال فضيلته:
المتأمل فيما تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية يدرك بجلاء أهمية القيام بهذه الشعيرة، وأثرها العظيم في مكافحة الجرائم، وملاحقة المجرمين، وقطع دابرهم، وحماية المجتمع من شرِّهم وفسادهم، هذا بالإضافة إلى ما يقومون به من توجيه وإرشاد، وتربية وإعداد، ودعوة إلى الله ـ تعالى ـ بالحكمة والموعظة الحسنة، من تذكير الغافلين، وتعليم الجاهلين، حتَّى ينهض العاطل، وينشط المتكاسل، ويرعوي المتطاول.
ويواصل حديثه: إنهم يسهمون مساهمة فعالة في تحقيق الأمن، وحماية مصالح الناس، وحماية الضروريات الخمس، التي أجمعت الشرائع السماوية والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها، وحمايتها من كل اعتداء واقع أو متوقع عليها، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. والحفاظ على هـذه المصـالح هو جماع العناية بحقوق الإنسان والاهتمام بها.
ومن جانب آخر يقول الدكتور عبدالله بن دجين السهلي: من خلال أنظمة الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتقارير الإحصائية الصادرة عنها، وبرامجها المختلفة؛ نجد لها مهام كبيرة وجليلة، فهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة مميزة للمجتمع السعودي المسلم، تحفظ له هويته، وتصون نسيجه الاجتماعي، وتعزز وقايته من الانحرافات السلوكية التي تصحب متغيرات الانفتاح على ثقافات الآخرين؛ صيانة للقيم، ومحافظة على الأخلاق الفاضلة. وإن حماية المجتمع وصيانته وبقاءه نقياً هو مقصد نبيل تسعى إليه كل المجتمعات.
ويختصر الجواب الدكتور عبد العزيز الفوزان حول هذه القضيَّة فيقول: المقصود بهذه الشعيرة باختصار: حماية حقوق الإنسان الدينية والدنيوية.

• معايير الاختيار لرجال الهيئات:
ما الآليـة التي يـتـم مـن خلالـها اختيار أعضاء الهيئة؟ وهل هناك معايير وشروط معينة لقبول الأعضاء الجدد؟
عن هذين السؤالين أجاب معالي الشيخ إبراهيم الغيث بالتالي: بالنسبة للتعيين في العمل الميداني في الهيئة فهو يتم وفق الشروط التي حددها النظام وتحديداً دليل تصنيف الوظـائف في الخدمة المدنية، لذا نحن في الرئاسة نعمل وفقاً لما تضمنه قرار مجلس الخدمة المدنية والمتضمن قواعد وشروط، مع أنَّه يتم الإعلان عن الوظائف للجميع بهدف توسيع دائرة الاختيار للأفضل من بين المتقدمين ممن تتوفر لديهم المؤهلات والشروط المطلوبة للوظيفة ومن ثَمَّ تحديد مواعيد لهم من قبل اللجان المختصة لإجراء المقابلة الشخصية معهم واختيار الأفضل وفق ما يحصل عليه كل منهم من درجات.
ووجَّهت له سؤالاً: ما الشروط المحددة؟ فأجاب: حدَّد دليل تصنيف الوظائف في الخدمة المدنية معارف وقدرات ومهارات مطلوبة لشغل وظائفنا الميدانية، منها:
ـ المعرفة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسيرة السلف الصالح بواقع الحسبة.
ـ أن يكون متحلياً بالحلم والأناة، مطبقاً لأحكام الله، مجتنباً لما نهى عنه وكل ما يخل بالمروءة، متحلياً بالأخلاق الفاضلة.
ـ أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، حليماً صبوراً.
ـ اجتياز المقابلة الشخصية.
ويضيف الدكتور السهلي على هذا الحديث: الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تولي عناية فائقة في اختيار الأعضاء الميدانيين؛ نظراً لخصوصية التعيين في هذا الجهاز، حيث إن المتقدم يخضع إلى معايير واختبارات دقيقة، وذلك من خلال لجنة مشكلة لهذا الغرض من عدة إدارات؛ لمعرفة مدى تطابق الشروط الواجب توفرها في المتقدم، ولعل من أبرزها:
1 ـ سلامة المعتقد، والإلمام بالأحكام الشرعية بحيث يكون على دراية بما يأمر به وما ينهى عنه.
2 ـ أن يكون مظهر المتقدم مناسباً للعمل في الهيئة، وذلك من حيث التزامه بالسنن الشرعية، والمحافظة على الفرائض، والبعد عن كل ما يخل بالمروءة.
3 ـ التأهيل الشرعي والعلمي المناسبين للوظيفة والمرتبة.
4 ـ سلامة الجسم والحواس والقدرة على مخاطبة الآخرين.
5 ـ الحرص على من لديه تزكيات علمية من العلماء وأساتذة الجامعات والمشهود له فيها بالعلم والصلاح.

• أشدَّاء على السحرة:
كان لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهود كبيرة في قمع السحرة والمشعوذين، وندلِّل على ذلك بحالة واحدة من مئات الحالات التي كان للهيئات فيها دور في كبح وقمع آثار السحرة، حيث تناقلت وكالات الأنباء والصحف السعوديَّة تمكُّن مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحي الفاروق بالرياض من ضبط أكبر وأخطر عصابة من المشعوذين والسحرة، وقد صرح بذلك لجريدة (الجزيرة) الشيخ عادل المقبل رئيس هيئة الفاروق، وأوضح أن الهيئة وضعت خطة محكمة للقبض على السحرة، وذلك بعد تلقيها بلاغاً يفيد بقيام بعض السحرة بممارسة السحر والشعوذة مقابل مبالغ مالية..
وعن طريقة القبض على الساحر قامت الهيئة بدورها وكلفت أحد أعضائها بالاتصال بالمشعوذ وطلب مساعدته في حل مشكلة أسريَّة، وعندها طلب الساحر أسماء الزوجات ووالداتهن واسم الزوج، وطلب مبلغ 100 ألف ريال مقابل أجرة هذا العمل. بعدها قام الساحر بالاتصال بعضو الهيئة الذي كان (متخفياً)، وقال له: إن هذا العمل أكبر منه وعليه أن يتوجه إلى شيخ (ساحر) أكبر منه وسيقوم هو بدور الوسيط.. ووفقاً لهذه الخطة تم تحديد الموعد خارج مدينة الرياض بسبب أن الساحر قام بربط العمل برِجل طائر الحمام وسيقوم بإطلاقها بعيداً حتى لا يجد أحد هذا العمل. وهنا وضعت فرقة من الهيئة كميناً في الموقع الذي حدد من قبل الساحر المزعوم، بعدها ألقت القبض عليه وعلى بقية المجموعة.
وقد أكَّد الشيخ المقبل أن الساحرَيْن اعترفا بعملهما بعد إجراء التحقيق معهما وبوجود زعيم لهم مع مجموعة من السحرة الآخرين يقيمون في أحد المواقع السكنية بحي النسيم شرق الرياض.. ولفت الشيخ عادل المقبل النظر إلى أن الهيئة توجهت إلى الموقع وداهمت وكرهم وألقت القبض على أربعة سحرة، من بينهم كبيرهم الذي علمهم السحر.. وتم خلال المداهمة العثور على كتب وطلاسم سحرية تعلم السحر، كانت قد دونت عليها أسماء الضحايا الذين خدعوا بما يقومون به من أعمال سحر وشعوذة تجاههم.
ولهذا حدَّثنا معالي الشيخ إبراهيم الغيث عن تلك الجهود التي تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه السحرة والمشعوذين قائلاً: لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كما لا يخفى ـ جهود مستمرة في متابعة السحرة والمشعوذين والقبض على من ثبت عليه ذلك. وقد أولت الرئاسة العامة هذا الموضوع اهتماماً كبيراً، ومن ذلك: تخصيص مركز هيئة معين في كل مدينة ليكون هو المسؤول عما يظهر له من وجود سحرة أو مشعوذين واستقبال البلاغات والإخباريات عن المتهمين بالسحر والشعوذة.

• كثير من النقد يراد به النقض لأغراض خاصَّة:
هـناك بعـض الأقـلام تتـحدَّث نـاقـدة بشـدَّة جـهاز الهيـئات، والـتي هـمُّـها في الغـالب عرض الأخطاء والزلاَّت التي تـقع مـن أي فرد يعمل في قطاع حكومي، فما القول حيال ذلك؟
يتحدَّث لنا الدكتور السهلي: بأنَّ هذا النقد له أغراض لم تعد مجهولة، وهذه الأغراض تتضح جلية بالمقارنة والجمع بينها، كما أنَّ بعض هذا النقد سببه توجهات فكرية مناهضة للإسلام كالعَلْمانية وغيرها. ومحاربتهم للهيئات لأنها تمثل ولاية شرعية من نظام الحكم في الإسلام، ولأنها مظهر من مظـاهره في المجـتمع، لذلك فإن بعضـهم لا يعـترض علـى ما يشابهها في الأنظمة الغربية.
كما أشار فضيلة الدكتور السهلي إلى أنَّ بعض النقد كان نتيجة لسلوك خاطئ، مع عدم ادِّعاء العصمة لرجال الهيئات، لكن ينبغي الحرص على النقد الهادف، ومعالجة الانحراف في بعض وسائل الإعلام، حتَّى يؤدي النقد هدفه بدلاً من أن يثير الرأي العام فحسب.
وأمَّا الأستاذ زياد الرقيب ـ المدير العام لأسواق (صحارى) التي تعد من أكبر الأسواق التجاريَّة في مدينة الرياض ـ فيتحدَّث لنا حول ذلك بقوله: في اعتقادي أنَّ رجال الهيئة هم وحدهم من يستطيع الرد على هذه الأقلام ببرهنة مدى أهميتهم في المجتمع المسلم، فالخطأ وارد من أي شخص سواء أكان من منسوبي الهيئة أم غيرهم، ويجب أن لا تلصق أخطاء فرد بجهاز بأكمله، ولكن وللأسف فإن الحسن يخص والسيئ يعم عند الناس.
ومن جهته يقول الأستاذ يوسف القفاري ـ الرئيس التنفيذي لأسواق العثيم التجاريَّة ـ: لا أعتقد بأن أي جهاز حكومي معصوم من الخطأ، إلا أني أرفض قطعياً أي نقد يراد به الإساءة لهذا الجهاز أو محاولة إلغاء دوره أو التقليل من شأنه، وأي نقد لا يهدف إلى الإصلاح أو إضافة نوعية للجهاز فإني أرى عـدم إعـارته أي اهتـمام؛ لأن أهدافه في الغالب مغرضة ولا تخدم المصلحة العامة. وأعتقد أن على جهاز الهيئات تسليط الضوء خلال المراحل القادمة على دور الهيئة الإصلاحي؛ من خلال عرض بيانات وأرقام إحصائية تعكس النتائج المحققة، والتركيز على الشفافية من خلال الاعتراف بالأخطاء الفردية التي قد تصدر من أفراد الهيئة والإعلان عنها مسبقاً قبل استغلال هذه الأخطاء من قِبَل المغرضين.
أمَّا الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان فيرى أنَّ الهيئات جـهاز حكـومي شأنـه شأن بقيـة الأجـهزة الحكـومـية التي لا تخلو من النقص والتقصير ومنها الاجتهادات الخاطئة من بعض منسوبيها.
لكنَّه استدرك بقوله: العاملون في الهيئات من خيرة الناس، وصفوة المجتمع، وأهل الخير والصلاح، والحمية والغيرة، لكنهم بشر غير معصومين، وقد يجتهدون ويخطئون، ولكن أخطاءهم مغمورة في بحور حسناتهم، وما يقع فيه شواذ من أفرادهم أو المتعاونين معهم لا يجوز أن يرمى به جميعهم، ويتهم به جملتهم، فضلاً عن أن تنتقص به مهمتهم، ويطعن به في أساس وظيفتهم، التي هي وظيفة الأمة جمعاء، وبها استحقت الخيرية على سائر الأمم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [آل عمران: 110].
وما يفعله بعض الجهلة والحاقدين من تقصي أخطاء الهيئات، وتتبع عثراتها، وتهويلها والمبالغة فيها، حتى يجعلوا من الحبة قبة ـ كما يقال ـ ومن الصغير كبيراً، وربما طالب بعضهم بإلغاء الهيئات وتعطيلها؛ كل ذلك من الظلم والجهل وقصر النظر وسفاهة العقل. ولو أنا طبقنا هذا المنهج على بقية الدوائر الحكومية، والمؤسسات الأهلية؛ لم نبقِ منها شيئاً، ولعطلناها جميعاً.
وهذا لا يعني بحال تبرير أخطاء الهيئات، أو السكوت عن تجاوزات منسوبيها ـ إن حصلت ـ، بل من أخطأ منهم يجب أن يصوّب، ومن تعدى وظلم يجب أن يُعاقب ويُؤدب.
ويختتم جواب هذه القضيَّة معالي الشيخ إبراهيم الغيث حيث يرى أنَّ الأقلام التي تتناول جهاز الهيئة بالنقد غير البنّاء كثيرة في الداخل والخارج، وعلَّل ذلك بقوله: ومردُّ ذلك راجع إلى عدة أمور، منها: العداوة أو الجهل بحقيقة هذه الشعيرة أو الهـوى الذي يعمي ويصم، ونحن كغيرنا نتعرض للنقد ونقبله إذا كان واقعياً ومفيداً. أما النقد الخالي من الدلائل والبراهين المبنـي على الإشـاعات وسـوء الظـن وكـلام المجالس فهذا لا نأبه به.
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء
ويضيف معاليه: ولكننا في الرئاسة نحفل ونهتم بالرأي الآخر والنقد البناء الذي يطور عمل الرئاسة ويسمو بأهدافها عالياً لما فيه خدمة المجتمع وأهله.

• نتائج وثمرات تستدعي وجود الهيئات:
في جواب لمعالي الشيخ إبراهيم الغيث عن سر الثمرات الداعيـة لبقـاء جهـاز الهيـئات؟ وهـل هـناك مـا يدعـو إلى إلـغائه أو تحجيم دوره؟ أجابنا: لا شك أن وجود جهاز الهيئة في المملكة له ثمرات إيجابية في إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث إن الهيئة لها أثر عظيم في حفظ عقيدة الإسلام ومكافحة ما يضادها، ولها دور كبير في حفظ أمن وأخلاق المجتمع، ويلمس هذا الأثر كل من عاش في هذه البلاد المباركة، ورأى ما تنعم به من خير في إقامة الصلاة وإغلاق المحلات التجارية أثناء إقامة الصلاة في وقتها المفروض وهذا ما تفتخر به هذه البلاد المباركة بين بلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث.
ومن جهته أجابنا الدكتور السهلي بجواب طويل، حيث يرى أنَّ للهيئات داعياً للوجود والبقاء كما هي بل تفعيلها أكثر فأكثر؛ لأنَّه يرى أنَّها تقوم بعمليَّة إصلاح كبيرة وذلك من خلال الضبط الاجتماعي والأخلاقي والأمني.
سألته وكيف تقوم الهيئات بذلك الضبط في هذه النواحي؟
فأجاب: يراد بالضبط الاجتماعي الذي تقوم به الهيئات: المحافظة على الشعائر الظاهرة والقيم السائدة والآداب العامة في المجتمع، بطريقة متوازنة، مع الأخذ بأسباب التطوير والتحديث.
ويدخل في هذه المهمة للهيئة جوانب كثيرة من الواجبات الشرعية، فمنها: المحافظة على الصلاة في المساجد، وإغلاق المحلات، وعدم مزاولة البيع أثناء الصلاة، ومنع الإفطار في نهار رمضان، ومنع الاختلاط والتبرج، وتشبُّه أحد الجنسين بالآخر، والجهر بالألفاظ المخلة بالحياء، أو المنافية للأدب، ومراقبة الأسواق العامة والطرقات والحدائق وغيرها.
ثمَّ حدَّثنا عن الأثر الأخلاقي فقال: بقاء الأمم ببقاء الأخلاق، وعمل الهيئات هو ضبط أخلاق المجتمع من الانفلات، ومنع الغرائز والشهوات من التعدي على الآخرين، وقد تم ضبط من يقع في القضايا الأخلاقية فبلغ عدد الحالات في العام المالي 1424/1423هـ أكثر من 45 ألف حالة، وتمثل نسبة 11.8% من إجمالي عمل الهيئة، بزيادة عن العام الذي قبله بنسبة 9.5%. ومن عمل الهيئات في الجانب الأخلاقي قضايا المطبوعات والتي تشمل: الصور الخليعة، والأشرطة والأقراص المدمجة المحتوية على المشاهد الجنسية وغيرها، وتبلغ (3093) حالة، وتمثل 0.8% من إجمالي عمل الهيئة، وبزيادة عن العام السابق 41.2%.
وأما الأثر الأمني لعمل الهيئات فحث الناس على أداء العبادات هو في حد ذاته حفاظ على أمن المجتمع، فهذه الشعائر لها أثر كبير في سلوك المسلم. كما أنها تحاول منع الجريمة قبل وقوعها عبر عدة برامج كالتوعية وغيرها، وكذلك وضع المعوقات أمام السلوك المنحرف بتواجدها في الأماكن العامة. ويلاحظ تضمن نظام الهيئات وتقاريرها الإحصائية جوانب أمنية مهمة، مثل: ضبط المسكرات، ففي تقرير العام المالي 1423/1424هـ بلغت قضايا المسكرات (3366) قضية، وقضايا المخدرات (785) قضية.

• والتقارير شاهدة على جهود الهيئات:
لقد أوضح التقرير السنوي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعام 1425ـ 1426هـ والمقدَّم إلى مجلس الشورى أنه تم ضبط 390117 قضية، وتفاصيلها على النحو التالي:

الأخطاء في العقيدة : 444
العبادة والتقصير بالصلاة : 302825
السلوك الأخلاقي السيِّئ : 45709
الإخلال بالآداب العامة : 20500
تعاطي المخدرات وترويجها : 810
المطبوعات السيئة : 3533
المخالفات الشرعية للمحلات التجاريّة : 5030
تعاطي المسكرات والمخدرات : 3379

كما أنَّ التقرير شمل رصداً دقيقاً لمناشط الرئاسة ومنجزاتها التي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: في مجال التوعية والتوجيه: تم إقامة (50) مركزاً توجيهياً لتوعية أفراد المجتمع، وعقد (741) ندوة، وإلقاء (2756) محاضرة، و (21.517) كلمة وعظية قصيرة، كما تم توزيع (5.904.074) مطبوعة مقروءة، و (1.103.887) مطبوعة مسموعة، وذلك لتوجيه الشباب إلى عدم الوقوع في المخالفات وتحذيرهم من المنكرات ولا سيما في المواسم والإجازات.
كما تم استدعاء ومناصحة (14.682) شخصاً لمن صدرت منه بعـض المخـالفـات الشـرعـية التي تدخل ضمن اختصاصات الرئاسة.
ثانياً: في مجال ضبط الوقوعات: تم ضبط (390.117) واقعة، بزيادة عن العام الماضي مقدارها 6%.
ثالثاً: في مجال الدراسات والبحوث: تم التعاقد مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات لإعداد دراسة ميدانية تحليلية شاملة للوقوعات التي يتم ضبطها من قِبَل مراكز الهيئة.

• رجال الأعمال يتحدَّثون عن آثار الهيئات:
سألنا بعض التجَّار ورجال الأعمال وأصحاب المحلاَّت التجاريَّة ورأيناهم يجمعون على ما للهيئات من أثر كبير في الحفاظ على بنية المجتمع ورعاية حقوقه، وبهذا حدَّثنا الأستاذ يوسف القفاري ـ الرئيس التنفيذي لأسواق العثيم ـ حيث يرى أن للهيئات أثراً كبيراً وبالغ الأهمية في حماية السوق من التجاوزات غير الأخلاقية، ويضيف: وقد لمسنا ذلك ووقفنا عليه في العديد من المخالفات التي ضبطت بجهود وتعاون رجال الهيئة.
ويضيف الأستاذ زياد الرقيب ـ المدير العام لأسواق صحارى التجاريَّة ـ فيقول: لا شك أن للهيئات دوراً كبيراً في حماية السوق من المفسدين. وبشكل أشمل وأعم: لها دور كبير في حماية البلاد من الفساد، ولقد أسهمت بالفعل في مساعدة رجال الشرطة في كثير من القضايا والحد من المخاطر التي تهدد المجتمعات.
غير أني سألتهم ما الإنجازات التي لمستموها كونكم تجاراً ورجال أعـمال من خلال ما رأيتموه من جهود الهيئات في حفـظ حقوق المسـلمـين وأعراضـهم؟ وكـيف تقـارنون بين ما تشاهدونه في بلاد الحرمين وبين غيرها من عدم الرقابة الشـرعيَّة والديـنيَّة في الأسـواق والـشوارع الـعامة؛ وذلك كأمر واقع؟
فالأستاذ زياد الرقيب تحدث قائلاً: كما تلاحظ فإن وجود الهيئة في الأسواق يحد من المعاكسات والمشاكل الأخلاقية في الأسواق وكذلك التبرج وغيره، واختتم جوابه بقوله: الحمد لله الذي حمى هذه البلاد بالإسلام.
أمَّا الأستاذ يوسف القفاري فقد أجاب بقوله: لا شك بأن للهيئات دوراً إيجابياً كبيراً فيما نحن عليه الآن وما نتميز به عن البلدان الأخرى في جوانب عديدة، أهمها: الحفاظ على أعراض الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا بالإضافة إلى أني أرى أن لهم دوراً كبيراً في تمسّكنا بعاداتنا وتقاليدنا المستمدة من شريعتنا الإسلامية والثبات عليها وعدم انجراف المجتمع نحو التبرج والسفور الذي تعرضه الفضائيات وتسوقه الثقافات الغربية.

• تطوير الهيئات مطلب ملحٌّ!
وجَّه الدكتور عبد العزيز الفوزان دعوة إلى رئاسة الهيئات بقوله: أدعو إخواني في رئاسة الهيئات إلى تكثيف البرامج التطويرية، والدورات التدريبية، لجميع أعضاء الهيئات في فن التعامل مع الناس، وأحكام وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعرفة الإجراءات والأنظمة المتعلقة بأهل الحسبة.
وبدورنا سألنا معالي الشيخ إبراهيم الغيث: هل هناك دورات متخصصة في كيفية التعامل مع الجمهور؟ وما دور الرئاسة في الرفع من مستوى منسوبيها الميدانيين؟
فأجابنا بقوله: الرئاسة العامة تعنى بتوجيه العاملين في الميدان وتنمية مهاراتهم في التعامل مع المخالفين، ولدينا دورات متخصصة في كيفية التعامل مع الجمهور والآلية المثلى للتعامل مع المخالف، وقد لمسنا المردود الإيجابي لهذه الدورات في سير العمل الميداني وانتظامه وفاعليته.

ثمَّ ذكر معالي الشيخ إبراهيم الغيث بعضاً من الدورات التي تقيمها الرئاسة، ومنها:
1 ـ دورة الحسبة والعلاقات الإنسانية: وتركز على التعامل مع الجمهور وطرق ذلك ووسائله وكل ما استجد في هذا العلم، وهي دورة تستهدف حملة الشهادة الجامعية، ومدتها أربعة أسابيع؛ نظري وميداني، وتقام الدورات بشكل دوري في جميع فروع الرئاسة.
2 ـ الدورة التأهيلية للمستجدين: وتستهدف المعيَّنين الجدد، إذ لا يمكن مباشرتهم العمل الميداني إلا بعد أخذ هذه الدورة، والتدريب الميداني مع بقية الأعضاء، وهذه الدورة تقدم للمشاركين فيها المواد المتعلقة بأحكام الحسبة وأنظمتها في المملكة، وكذلك تاريخ الحسبة في الإسلام وصفات المحتسب والقواعد الشرعية في الاحتساب، وكذلك كيفية كتابة التقارير وغيرها من الأمور الميدانية والإدارية.
3 ـ الدورة التوجيهية: وهي دورة علمية يستفيد منها كافة منسوبي الرئاسة العاملين في الميدان، وتشتمل على موضوعات مختلفة، منها: احتساب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفقه إنكار المنكر، كما تحوي بعض اللقاءات المفتوحة مع بعض المسؤولين في الدوائر الحكومية ذات العلاقة من ناحية طبيعة عملها بطبيعة عمل الهيئة وذلك من منطلق التعاون وتبادل الخبرات مع إمارات المناطق والشرط وبقية أجهزة الدولة.
4 ـ دورات التميز : وقد خصصت هذه الدورات للأعضاء المتميزين، ومن هم في مراتب قيادية في الميدان، ومدتها خمسة أيام، يشارك فيها بعض المسؤولين من القطاعات الحكومية والمتميزين من منسوبي الجهاز. وهناك دورات من قِبَل معهد الإدارة العامة وكذلك من قِبَل المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجامعة أم القرى وبعض المعاهد المتخصصة الأخرى.

• هل الحسبة تتصادم مع الحريَّة الشخصيَّة؟
يزعم بعضهم أنَّ الحسبة تتنافى مع الحريَّة الشخصيَّة، ومع حقوق الإنسان، ولهذا حاولنا أن نسأل هذا السؤال المشـروع، فالدكتـور السـهلي يقـول: الحرية في الإسلام هـو ما يعـرف بالمـباح، وهـذا لا يمـكن لأحـد أن يعـتـرض علـيـه، أو يتصادم معه لا الهيئة ولا غيرها، أما مفهوم الحرية عند المذاهـب المخالفة للإسـلام فمفاهيم متضادة منحرفة، فأيها المقصود؟ فمن أحب الكفر زعم أنه الحرية! ومن أحب الانحـراف الخلقي زعم أنه الحرية! وهذه مفاهيم باطلة، كما أن تلك المذاهب باطلة.
ومن ناحيته يشرح الدكتور عبد العزيز الفوزان سبب معارضة بعضهم لوجود الهيئات بأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه معارضة لرغبات أهل الأهواء وإراداتهم الفاسدة، ولهذا فهم يرون أنَّ عملهم من باب التدخل في خصوصيات الآخرين، وكبت حرياتهم، ومنعهم من ممارسة رغباتهم، ويجهل هؤلاء أو يتجاهلون أن المجتمع لحمة واحدة، وبناء واحد، يتأثر بعضه ببعض، ويكمل بعضه بعضاً، وكل فرد فيه عبارة عن لبنة في هذا البناء، يتأثر به ويؤثر فيه، وأن الإضرار بالمصالح العامة والاعتداء على مصالح الآخرين وإشاعة الفساد؛ هو خرق سفينة المجتمع بمعاول الهدم والتخريب، وليس من الحرية الشخصية في شيء، وليس ضرر من يفعل ذلك مقصوراً عليه، بل هو سبب لغرق السفينة، وهلاك الجميع.
ودفع الظلم وتحقيق العدل من أعظم دعامات حقوق الإنسان، لا سيما إذا تم ذلك عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن، فإذا أمكن إنكار المنكر عن طريق الملاينة والحكمة كان هذا هو المطلوب، فلا تستعمل اليد إذا أمكن تغيير المنكر باللسان، ولا يستعمل التعنيف إذا أمكن تغيير المنكر بالتعريف والنصح اللطيف، قال الله ـ تعالى ـ: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، واستعمال الأسلوب المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب، فإذا كان الموقف يقتضي اللين فلا تُستعمل الشدة، وإذا كان يقتضي الشدة فلا يُستعمل اللين.

• الهيئات والإعلام التوعوي:
لا شك أن الإعلام له دوره المأمول في خدمة قضايا المجتمع وكشف همومه وإيصال الصورة الصحيحة.
وعن هذه الخصوص تقدَّمت بسؤال للدكتور السهلي فقلت له: هل هناك أعمال إعلامية للهيئة لتوعية المجتمع المسلم بالأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة؟
فأجاب فضيلته: هناك برامج إعلامية للرئاسة لتوعية المجتمع، منها على سبيل المثال: خلال العام المالي 1425/1426هـ أقيم خمسون مركزاً توجيهياً، و (741) ندوة، و (2756) محاضرة، و (21.517) كلمة. وفي العام المالي 1423/1424 أقيم (16) معرضاً إعلامياً. هذه جهود ضخمة اختصرت في أرقام جامدة، كان ينبغي على وسائل الإعلام بيان أهداف هذه الأعمال، وآثارها الإيجابيَّة.
ولكن للأسف فإن بعض وسائل إعلام المسلمين لا تلتفت إلى هذه الجهود للتعريف بها، بل هي مشغولة عن هذه البرامج بأخبار فنانات الغرب؛ فلانة حملت سفاحاً، وأخرى دخلت مصـحة للعلاج من المخدرات وغير ذلك دون تعقيب أو إنكار لهذه الأعمال.
ويزيد الموضوع وضوحاً بحديث معالي الشيخ إبراهيم الغيث حيث يقول: نحن كغيرنا من الأجهزة الحكومية نتعاطى مع الإعلام لإيضاح دورنا وأهدافنا ورسالتنا وهي الحفاظ على الدين والعقيدة والأخلاق والآداب المرعية، ومن هنا كان لا بد من تعريف الناس بهذا الجهاز وبالأهداف التي أنشئ من أجلها. والرئاسة لها عناية بالإعلام بجميع وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة حيث أولت هذا الجانب جل عنايتها، فلديها إدارة للعلاقات العامة والإعلام تشرف على الجوانب الإعلامية، ولها مشاركات إعلامية وصحفية؛ فهناك مجلة الحسبة، وكذلك صفحة الرسالة الأسبوعية بجريدة الجزيرة في كل جمعة، ناهيكَ عن إصدارها بشكل يومي كلَّ أخبار الرئاسة وفروعها وإرسال تلك الأخبار إلى وكالة الأنباء السعودية وجميع الصحف، كما أن لها دوراً في التواصل مع الإعلام بشتى أنواعه عبر الحوارات والندوات والمداخلات المرئية والمسموعة وبخاصة التلفزيون السعودي والإذاعة السعودية وإذاعة القرآن الكريم وغيرها.

• خطط تطويريَّة مستقبليَّة:
لكلِّ عمل حكومي أهدافه، ولكل مركز حكومي خطط تطويريَّة يشهدها أو يخطِّط لها في مستقبله. والأجهزة الحكـوميـَّة بمخـتـلف مستوياتـها تشـهد نقـلة تطـويـريَّة، فما الخطط التطويريَّة التي تشهدها الهيئة عموماً؟
يرى معالي الشيخ إبراهيم الغيث أنَّ الهيئة تولي اهتماماً كبيراً لعموم الجوانب التطويرية للرقي بالعمل الميداني والإداري في الهيئة، وقد تم القيام بعدد من الدراسات ووضع خطط للتطوير والتدريب وخاصة في جانب العمل الميداني، وأيضاً فقد تم وضع خطة لتقنية المعلومات في الهيئة يتم تنفيذ المرحلة الثانية منها حالياً والتي تهدف إلى ميكنة الإجراءات الإدارية بالرئاسة، كما تم مؤخراً إنشاء مركز للبحوث والدراسات بالرئاسة ليتكامل مع الإدارة العامة للتطوير الإداري في تطوير الخطط المعمول بها وإعداد خطط جديدة. والرئاسة حالياً بصدد وضع منهاج تطوير إستراتيجية شاملة لتطوير العمل في الهيئة، وهناك تواصل وتعامل مستمر مع مراكز استشارية متخصصة ومستشارين أكفاء لبحث وإعداد وتنفيذ الخطط التطويرية وفق الإمكانيات المتاحة.
وعن هذا التطوير يحدِّثنا كذلك الدكتور عبدالله السهلي بأنَّ الرئاسة العامة للهيئات تشهد كل عام خططاً تطويرية كثيرة، آخرها المؤتمر الذي عقده مركز البحوث والدراسات في الرئاسة عن برامجه العلمية في تطوير الرئاسة، وتمثلت في خمس دراسات مهمة جداً، منها: دراسة عن وقوعات الرئاسة، ودراسة لتطوير العمل الميداني، ودراسة عن المشكلات الميدانية، ودراسة عن جهود الرئاسة في محاربة العنف. وفي هذا العام أعلن المركز عن رغبته في إجراء عدة بحـوث؛ مـنها ما يتعلق بالميدان ومنها ما يتعلق بالمشكلات الاجتـماعـية، ولكن للأسف فإن كثـيراً من هذه الأنشطة لا تحظى بتغطيات إعلامية مناسـبة، أو يـتم تجـاهـلها من قِبَل بعض وسائل الإعلام التي لا يهمها سوى نشر أي نقد للهيئات، علماً أن مركز البحوث والدراسات بالرئاسة عمره ما يقارب السنتين فقط.

• تطلُّعات مستقبليَّة للرقي بمستوى الهيئات:
حاولنا أن نسأل في هذا المحور عدداً من رجال الأعمال، وشخصيات من عموم المجتمع عن التطلُّعات المستقبليَّة التي يودون أن يروها على أرض الواقع لهذا الجهاز؟
فالأستاذ يوسف القفاري يتمنى من أعماق قلبه ـ كما يقول ـ أن يكثف الجهاز من برامجه التوعوية والثقافية وإبراز دوره إعلامياً، ويضيف: كما أتمنى من المسؤولين عن الجهاز أن يركزوا على استقطاب الكفاءات المؤهلة وأن يبذلوا جهداً أكبر في تدريبهم وتطويرهم؛ لعكس هوية موحدة للجهاز لا تتفاوت بين منطقة وأخرى أو بين فرع وآخر أو بين فرد وآخر. هذا بالإضافة إلى أني أتطلع إلى أن أرى جهازاً خدمياً يسهم في تنظيم الفعاليات والأنشطة الاجتماعية التي آمل أن تسهم في تذويب الحواجز الاجتماعية بين الجهاز وأفراد المجتمع وتقود إلى صنع ترابط وثيق بين الجهاز ومؤسسات الدولة الأمنية الأخرى.
أمَّا الأستاذ زياد الرقيب فيقول: أتمنى الدعم لهذا القطاع وكذلك تطويره، وأن يتم التركيز على توظيف المتعلمين الذيـن يكون أسلوبـهـم حسـناً حـتى مع المخطئين؛ لأن هذا ما حثنا ديننا عليه من النصح والإرشاد بالمعروف واللين، وليس بالشدة، وأن يتمتعوا بالقدرة على الحوار والإقناع، وأن يتم تحديد المهام التي توكل إلى الجهاز بشكل عام.
كما تحدَّث إلينا الكاتب الإسلامي محمد معافي ـ يمني الجنسيَّة ـ بأنَّه يتمنَّى أن يكون لهذه الهيئات انتشار أوسع، وأن تكون لهم صلاحيات أكبر، ونتمنى أن نرى جهاز الهيئة في كل دولة عربية؛ لما لها من آثار إيجابيَّة معروفة.
ويتـطـلَّع الباحـث فـي عـلوم الحديـث مـعن حسـين نعـناع ـ سوري الجنسية ـ إلى أهميَّة زيادة أداء دور الهيئات، مع التنبـيه على ضـرورة أن يـأخـذ رجـال الحـسبة الناس باليقين لا الظن؛ لأنَّ هذا كان منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - عند القبض على الجناة، وكذا منهج الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
أمَّا محمد بن سعيد ـ من السعودية ـ فيقول: أتمنَّى أن تُعطى لأفراد الهيئات الصلاحيَّة التامَّة لمراقبة الغش التجاري الواقع في الأسواق والمتاجر ليستكملوا دور الحسبة، ويكون بذلك ردع لأولئك الغشاشين، ويضيف قائلاً: أعتقد أنَّ هذا ليس صعباً إذا كان هناك تعاون بين وزارة التجارة والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أمَّا محمد الخطيب ـ من فلسطين ـ فيرى أهميَّة التأكيد على رعاية أهل الهيئات لحقوق المرأة وصيانة أعراضها، وخصـوصاً في ظـل الفساد الجارف في هذه الأزمان، حتى لا تطالها أيدي الذئاب البشريَّة.
بهذا الجواب يقف بنا المطاف في الحديث عن الجهود المبذولة من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيـل الإصلاح والتغيـير قدر الجـهد والمستطاع، ونسأل الله لهم التوفيق والسداد، والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.


ملاحظة:
نشر هذا المقال في مجلة البيان عدد رقم: (241)


 

خباب الحمد