اطبع هذه الصفحة


الأجوبة الرائدة على الأسئلة الواردة

حكم تعزية النصارى

خبَّاب بن مروان الحمد


الشيخ خباب الحمد حفظه الله
أرجو الإجابة عن هذا السؤال: ما حكم عزاء النصارى، وهل يجوز الدعاء لأمواتهم بالرحمة، وماذا نقول لهم حينما نعزيهم؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب:


لا يجوز الدعاء للكافر بالرحمة، فإنَّ ذلك حرام بالإجماع، لقوله تعالى : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أُولي قربى}، وإنما يُدعى لهم بما يناسب حالهم، بحثّهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه.
وأمَّا بشأن حكم تعزية الكافر، فإنَّ من المعلوم كراهةُ بعض السلف لعزاء النصارى، وتحريم بعضهم له، ولكنَّ الذي يترجَّح لدي - والله أعلم – القول بجواز ذلك، وهو قول أكثر أهل العلم، وهنالك الكثير من السلف الصالح قد عزَّى غير المسلمين.
والقول بجواز تعزية النصارى أو الكفار عموماً هو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول الإمام الشافعي وقولٌ في مذهب الإمام أحمد وغيره، شرط ألاَّ يكونوا محاربين، وخصوصاً إن كان في ذلك رجاء إسلامهم، وتأليف قلوبهم، أو دفع أذاهم.
ومِمَّا يمكن الاستشهاد به على جواز ذلك أنه: (كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده ، فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له : أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : (الحمد لله الذي أنقذه من النار). أخرجه البخاري (1356) .
وأمَّا ألفاظ العزاء التي تُقال للكافر غير المحارب فهي: أخلف الله لكم خيرًا منه، ونحو ذلك من الكلمات، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله قال في: (أحكام أهل الذمة): «قال الحسن إذا عزيت الذمي، فقل: لا يصيبك إلا خير، وقال عباس بن محمد الدوري: سألت أحمد بن حنبل قلت له: اليهودي والنصراني يعزيني أي شيء أرد إليه، فأطرق ساعة، ثم قال: ما أحفظ فيه شيئًا، وقال حرب: قلت لإسحاق: فكيف يعزي المشرك؟ قال: يقول أكثر الله مالك وولدك».ا.هـ.
ومن الألفاظ التي ذكرها العلماء في ذلك -أي في تعزية الكافر-: أخلف الله عليك ولا نقص عددك، ذكر ذلك النووي وابن قدامة (انظر في ذلك: المجموع شرح المهذب: 5/275) (وانظر المغني لابن قدامة: 2/410). وقال بعضهم يقول له: أعطاك الله على مصيبتك أفضل مما أعطى أحدًا من أهل دينك. ولو قال أيضًا: جبر الله مصيبتك أو أحسن لك الخلف بخير، وما أشبهه من الكلام الطيب، فلا بأس.
وورد عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني ـ رضي الله عنه ـ: (أنه مر برجل هيئته هيأة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعة حتى أدركه، فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك).
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ: (في هذا الأثر إشارة من الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم من باب أولى، ولكن لا بد أن يُلاحظ أن لا يكون الكافر عدوًّا للمسلمين، ويترشح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الأثر).
والله ولي التوفيق.

 

خباب الحمد