اطبع هذه الصفحة


حكم الاقتراض من البنوك الربوية للضرورة

خبَّاب بن مروان الحمد


السؤال:
 متى يجوز الاقتراض من البنوك الربوية للضرورة ؟!!

الجواب:

إثم الربا كبير؛ وخطره عظيم؛ وتأثيره في محق المجتمع ظاهر، وتحريم الربا وتجريمه شرعاً معلوم من الدين بالضرورة؛ فالله تعالى يقول {...وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...} (البقرة: 275). ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ...} (البقرة: 278-279).

وعليه؛ فإنّه يحرم الاقتراض من البنوك الربويّة لأجل شراء سكن، أو الزواج، أو سيّارة، أو غيرها من القضايا الحياتيّة، وقد جلست وسألت أغلب الناس الذين يزعمون حاجتهم للقرض لأجل الضرورة؛ والواقع يقول أنّ نسبة 95% منهم لم يبلغوا درجة الضرورة التي تُبيح ارتكاب المحظور.

إنّ تقدير أمر الضرورة ليس إلى آحاد الناس؛ بل لأهل العلم الربّانيين، خاصّة أنّ الأهواء والأمزجة والتّشهيات باتت تتحكّم بغالب الناس؛ حتى من بعض المنتسبين إلى التديُّن - وللأسف - فباتوا يُلبسون الأهواء لباس الضرورة حتّى يُقنعوا أنفسهم أنّ ما يقومون به حلال شرعاً؛ والحق يُقال أنّهم يُخادعون أنفسهم؛ الذي يعرفه من يعرف السرّ وأخفى !
إنّ الضرورة في الاقتراض من البنوك قدّرها العلماء بشروط إن اجتمعت كان صاحبها من أهل الضرورة؛ وهذا بعد أن يستشير أهل العلم الثقات؛ لا أن يقرأها ويُفتي نفسه بنفسه، فكم من شخص يظنّ الأمر هيّناً وهو عند الله عظيم....

وكم من شخص يُعطي لنفسه مُسوّغ الضرورة وهو معتدٍ باغٍ في مزاعمه؛ ولهذا حين أباح الله للمضطر الأكل مما حرّم أعقبه بالتذكير بخطر البغي والعدوان فقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة:173.

وللشيخ أحمد المراغي كلام نفيس في تفسيره لهذه الآية إذ يقول : "إنما ذكر قوله (غير باغ ولا عاد) لئلا يتبع الناس اهواءهم في تفسير الاضطرار إذا وكل إليهم تحديده، فيزعم هذا انه مضطر وليس بمضطر، ويذهب ذلك بشهواته إلى ما وراء حد الضرورة".

وقد نبّه الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - على مبحث بلاغي نفيس في الآية فقال: "ومن مباحث البلاغة في الآية أن ذكر ( غفور ) له فيها نكتة دقيقة لا تظهر إلا لصاحب الذوق الصحيح في اللغة ، فقد يقال : إن ذكر وصف الرحيم ينبئ بأن هذا التشريع والتخفيف بالرخصة من آثار الرحمة الإلهية ، وأما الغفور فإنما يناسب أن يذكر في مقام العفو عن الزلات والتوبة عن السيئات . والجواب عن هذا أن ما ذكر في تحديد الاضطرار دقيق جدا ، ومرجعه إلى اجتهاد المضطر ، ويصعب على من خارت قواه من الجوع أن يعرف القدر الذي يمسك الرمق ويقي من الهلاك بالتدقيق وأن يقف عنده ، والصادق الإيمان يخشى أن يقع في وصف الباغي والعادي بغير اختياره ، فالله تعالى يبشره بأن الخطأ المتوقع في الاجتهاد في ذلك مغفور له ما لم يتعمد تجاوز الحدود "

* وقفات مع شروط الاضطرارات :

إنّ الاضطرارات التي تُبيحها مقولات فقهاء الشرع في الاقتراض من البنك الربوي من أهمّ بُنود شروطها:
1. أن تكون الضرورة بقدرها؛ فلا يتجاوز ذلك لأشياء أخرى؛ بل يقتصر على الحد الذي يدفع عنه الضرر.

2. أن يندفع بهذه الضرورة خطر أكبر، وضرر أعظم؛ مُتيقن منه؛ أويكون على غلبة الظن؛ وليس توهمات عقليّة؛ حيث يتعرّض الشخص لهلاك شيء إذا لم يقترض حصل له به التضرر؛ مما يجعله يلجأ مُضطراً على ارتكابها؛ مع كراهة نفسه لذلك؛ وشعوره بالإكراه على هذا الفعل؛ وليس بسماحة نفس، ومُسامحة حال!

3. أن تكون الضرورة لا تنشأ عنها ضرر أكبر من حجم الضرورة؛ كمن يقترض مالاً وهو يعلم أنّه لن يستطيع الإيفاء به في المدّة التي اقترضها فيلجأ لقرض آخر أو ما يُسميّه العوام بـ : (تلبيس الطواقي) فمثل هذا حرام؛ لأنّ ضرره فاق الضرورة المزعومة.

4. أنّ الضرورة التي يلجأ لها الشخص تكون حينما لا يُوجد أيّ بديل آخر؛ كبنوك تتعامل بتعاملات إسلامية، أو قرض حسن، أو قبول أموال الزكاة، أو قبول أموال الصدقات، وغيرها؛ فالمضطر الذي يزعم أنّه يقبل مال الربا ولا يقبل مال الزكاة مُكابر؛ لأنّ مال الزكاة حلال له إن كان من أهله المستحقين له؛ فيما أنّ مال الربا حرام؛ ولهذا يقول سيدنا الإمام أحمد : " لا تحل الميتة لمن قدر على دفع ضرورته بالمسألة" [ المغني لابن قدامة : 11 /74 ]

5. أن تحصل مُطالبات له بدفع دين أو مبلغ مالي قد اقترضه؛ ولم يجد وسيلة قد فكّر بها إلاّ وطبّقها لينأى بنفسه عن مال الربا؛ ثمّ حصل الضرر بذلك بمطالبة الدائن له بالمال وإلاّ عرّضه للسجن أو غلب على ظنّه أنّه الدائن سيؤذيه فيحلّ له في هذه الحالة الاقتراض من البنك ويستغفر الله ويسأله الخلاص من هذه الحال كذلك !

6. أن تكون الضرورة قائمة تنتظره؛ وليس مؤجّلة أو مستقبليّة؛ إذ لكل حادثة حديث.
إن كان الحال كذلك؛ فيجوزالاقتراض من البنك الربوي لهذه الضرورات المشروطة؛ وما أرى هذه الحالات إلاّ نادرة قليلة وليست بحجم المزاعم العريضة !
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل،،

 

خباب الحمد