اطبع هذه الصفحة


علماء الشرع و قيادة المرأة للسيارة
(نظرة واقعية)

خالد بن عبدالله الغليقة

 
نسمع في بعض الأحيان من يقول: إن قيادة المرأة للسيارة لم يأت (نص) على حرمتها، وآخر يقول: إن هناك (نصًا) يدل على أن عائشة - رضي الله عنها - وغيرها من الصحابيات ركبن الجمل، وثالث يقول: إن الأمر سيصير وأن القضية وقت وزمن وأيام، ورابع يرفع لواء المصلحة الشرعية وأن قيادتهن أفضل لهن وللمجتمع من السائق الأجنبي وأقل خطرًا من الرجل الغريب.

مع أن كثيرًا ممن يتكلم في هذه المسألة وكثيرًا ممن يخوض فيها لا تستطيع أن تفلت ورقة من طاولته بدون أن يشرح عليها بوجوب عمل دراسة لهذه الجزئية، ولا يستطيع أحد أن يطرح عليه عمل صغير من دون أن يقفله بقوله: لا نستطيع أن نتجاوز هذه النقطة إلا بإجراء إحصائية دقيقة جدًّا جدًّا جدًّا.

أما قضية كبيرة تتعلق بنصف المجتمع كقيادة المرأة للسيارة، ومشروع عظيم تترتب عليه أمور عظيمة فلا يحتاج إلى دراسة، ويحرم إجراء إحصائية، ويجب أن يبت فيه من دون استقراء ونظر في تجارب الآخرين مع قيادة المرأة للسيارة في نظر هؤلاء، فالأول أهان المرأة وجعلها من سقط المتاع فلا تحتاج أمورها إلى دراسة، والآخر جعلها أقل قيمة من البضاعة فلا تحتاج شؤونها إلى إحصائيات، والثالث جعلها دون السلعة فلا تحتاج قضيتها إلى استقراء ونظر في تجارب الآخرين!

علماؤنا خالفوا نظرة هؤلاء تجاه المرأة، وشؤونها، فعلى هذا لا يمكن أن يطرحوا فتاوى تجيز قيادة المرأة للسيارة بنفسها إلا بدراسة متأنية تبين أن قيادتها أفضل من السائق الأجنبي، ولا يمكن أن يسمح المشايخ بأمر من شأن المرأة حتى تجرى إحصائية أن قيادتها للسيارة بنفسها أقل ضررًا عليها، وعلى المجتمع من السائق الأجنبي، وأن ذلك سبب في عدم انتهاك حرمتها،فالدراسة هي التي توجه الفتوى، والإحصائية والاستقراء هما اللذان يبنى عليهما الحل، والحرمة عند علمائنا بناء على القاعدة الأصولية المعروفة: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره).

فعلى من يريد للمرأة أن تقود سيارتها أن يقدم للعلماء دراسة تبين أن السائق الأجنبي أخطر عليها من كونها تقود بنفسها، ثم بعد ذلك سيسمع العلماء يفتون بالسماح للمرأة أن تقود سيارتها، وسيرى المشايخ ينددون بالسائق الأجنبي، وأن على المرأة أن تعتمد على نفسها في قيادة سيارتها، وتغير الفتوى بعد تقديم الدراسة والإحصائية أجزم به جزمًا قاطعًا وعن معرفة وإدراك.

هنا مفارقة عجيبة لم يفطن لها كثير من الناس، وهذه المفارقة تبين بوضوح أي الفريقين أولى بالدفاع عن حقوق المرأة، وأيهما أكثر حرصًا على المساواة بين المرأة والرجل، العلماء في منعهم من قيادة المرأة للسيارة، وإلزام الرجل بالقيام بذلك نيابة عنها،أم الآخرون المنادون بقيادة المرأة للسيارة بنفسها، فأقول:
كثير من هؤلاء المنادين بقيادة المرأة للسيارة يسعى نهاره ليتملك سائقًا خاصًّا من قبل وظيفته، أو من قبل نفسه، ويسعى ليله مفتخرًا بين الناس بذلك، وفي مكان آخر يسير متباهيًا بالرجل الأجنبي.
فالسائق في مجتمعنا دليل الرقي، وعلامة المنصب العالي في منطقتنا، وبرهان البرجوازية في مملكتنا، ومؤشر العز والتحضر والتقدم في بلادنا، فتملك سائق خاص مادة خصبة للتنافس بين الذكور.

فأي الطائفتين تريد للمرأة الرقي، والتقدم، والتحضر، والعز، والكرامة: من يسلب المرأة السائق الخاص بها، ويريدها تقود سيارتها بنفسها لتواجه الإجراءات المرورية بذاتها، وتعالج مشاكل السيارة الميكانيكية، والكهربائية، والهيدروليكية بنفسها، أم من يريد أن يبقي لها عزتها، وذلك بفتوى تلزم الولي بخدمتها، ويريد أن يوقرها، وذلك بفتوى تلزم الرجل إذا لم يستطع خدمتها جلب سائق خاص بها كما أن له سائقًا خاصًّا به، ويريد أن يكرمها وذلك بأن يقوم السائق الخاص بإجراءات المرور، ويواجه مشاكل السيارة عنها ؟!

وأي الفريقين العلماء أم الآخرون يمارسون منع المساواة بين الذكر والأنثى في الرقي، والتحضر، والعز، والتقدم: من يسعى نهاره ليمتلك سائقًا خاصًّا، ويسير ليله متباهيًا، ومفتخرًا بذاك السائق، ويمنع المرأة من أن تساويه أو تقلده في هذا الأمر، أم من لا يبحث عن السائق من هؤلاء العلماء، وإذا أكرم به ركَّب السائق وقاد السيارة العالم كما يحصل مع الشيخ ابن جبرين.
وهناك عالم آخر في المدينة المنورة بمرتبة وزير يسكن شقة، ويركب سيارة أجرة تواضعًا وبعدًا عن لفت الأنظار، وجميعهم لهم فتوى تلزم الرجل بخدمة المرأة أو جلب سائق يتكفل بخدمتها.

فمن الذي يريد تكريم المرأة وتوقيرها، وإبعادها عن مواطن الابتذال ومواقع الإهانة، ومساواتها بالرجل في التكريم والتوقير؟!
ومن الذي يريد من الفريقين للمرأة أن تكون دائمة النعومة، ودائمة الأناقة، وطيبها دائم، وبشرتها رطبة، الذي يوفر لها سائقًا يكون بينها وبين سواد الإطارات، وبينها وبين رائحة الزيوت، أم مَن يريد أن يستبدل بشرتها الناعمة والرطبة بجلد التمساح ذارفًا عليها دموع التماسيح، ويريد أن يستبدل رائحتها الطيبة برائحة مشتقات البترول وهو متعطر بجوار السائق الخاص، ولا يعرف الطريق إلى الشرطة، ولا إلى الورشة ؟!

ومن ناحية أخرى أقول: كثير ممن يتكلم في هذه القضية يدرك تمامًا أن نسبة الوفيات في النساء أقل من الرجال في مجتمعنا خاصة، وأجزم أن لديه إحصائية تبين أن من أكبر أسباب ارتفاع نسبة الوفيات في الرجال تعرضهم للحوادث، ومن ذلك حوادث السيارات، وخاصة في منطقتنا، وأنا على يقين أنه يعرف تمام المعرفة أن من أسباب قلة وفيات النساء في حوادث السيارات منع المرأة من القيادة.

ومع ذلك لم يستفد المنادي بقيادة المرأة من هذه المعرفة التي لديه، ومن تلك الإحصائية، بل يريد أن تشاركه المرأة في هذه الإصابات، وتتساوى مع الرجل في إحصائية الوفيات، فمن يريد لها البقاء والحماية من الفريقين، من يمنعها من القيادة، ويأتي لها بسائق خاص يقضي حاجاتها، ويتحمل عنها أخطار السير، وحوادث السيارات، أم من يريد أن تكون المرأة الطرف الآخر في ذاك الحادث المروع؟! ومن الذي يريد لها السلامة، والأمن في طريقها: من يفتيها بأن الواجب عليها أن تركب في المقعد الخلفي من السيارة بعيدًا عن منطقة الخطر، أم من يريدها في المقعد الأمامي في مواجهة حوادث السير؟

وأي الطائفتين يريد أن تشاركه المرأة بأن تقتني سائقًا خاصًّا بها لتكون عزيزة ومحترمة، ولا فرق بينه وبينها:الذي يأمرها بأن تقود سيارتها بنفسها وهو يفتخر بالسائق الخاص متنزهًا ومترفعًا عن قيادة السيارة، أم العالم الذي يوجب على الرجل أن يوفر سائقًا خاصًّا بالمرأة؟
لكن رمتني بدائها وانسلت !
 
 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية