اطبع هذه الصفحة


مسألة هدم الأوثان وكسر الأصنام

خالد بن عبدالله الغليقة

 
إن الأوثان التي في أفغانستان تترك بحجة أنها لا تعبد؛ فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ثم إن الإسلام جاء باحترام الأديان الأخرى ولا يعرف عن المسلمين أنهم إذا استولوا على بلد هدموا تماثيله.

هذه باختصار أقوى حجج من رأى ترك هدم الأوثان وكسر التماثيل والأصنام في هذا الزمن والرد عليهم من وجوه:
الوجه الأول: الرد على قولهم: (إن هذه الأوثان الضخمة في أفغانستان لا تعبد)، فهذا كلام شخص لم يسمع في حياته بقوله تعالــى: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 23] ولا يعرف تفسيرها مع أنها آية من كتاب الله مصدر التشريع وتفسيرها في صحيح البخاري كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت).
فهذا هو سبب الشرك في الناس وهذه بدايته فلم تكن تلك التماثيل تعبد أبدًا، بل كانت للذكرى والتذكر لكن لما تركت جاء في المستقبل من يعبدها.

الوجه الثاني: أن تركها يسبب عبادتها، فمن المعلوم تاريخيًّا أن أهل الجزيرة التي هي مهبط الوحي وسكانها أقرب الناس إلى الحق فقد نزل القرآن بلسانهم والنبي أرسل من جنسهم ومع ذلك راجت فيهم عبادة الجمادات ورجعت إليهم الجاهلية الأولى، بل أعظم منها كما ذكر ذلك المؤرخون لتلك الحقبة؛ ففي الجاهلية الأولى كانوا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين بخلاف الأخرى إذا ركبوا في الفلك دعوا فلانًا وعلانًا فلا يلجئون إلى الله ويخلصون له لا في السراء ولا في الضراء فدل على أنها أشد جاهلية وأكثر رجعية.

الوجه الثالث: يدل على عدم صحة هذا الكلام: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة كسر جميع الأصنام والتي كان عددها ثلاثمائة وستين صنمًا حول الكعبة فلم يحترم أديان أهل تلك الأصنام ولم يوقر معبوداتهم ولم يبال بآلهتهم ولا برموزهم ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بذلك، بل أرسل الصحابة رضي الله عنهم إلى جميع أقطار الجزيرة ليهدموا الأصنام ويكسروا الأوثان.. وهنا سؤال يطرح نفسه واستفهام في محله يقول: إذا كان هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل يقال إن الرسول لم يحترم الأديان الأخرى ولم يوقر معبودات الآخرين ولم يبال بطقوسهم ورموز آلهتهم! أو هل يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتد بالتراث الإنساني؟!.

الوجه الرابع: الرد على زعمهم (إنها كانت تعبد) أي قبل فتح مكة لكن أثناء تكسيرها وما بعد ذلك هل يتوقع أحد بأنها كانت تعبد والرسول صلى الله عليه وسلم حي وبين ظهرانيهم؟ وقد قال عن الدجال وهو أعظم فتنة وأكبر ضررًا «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه» فالصحابة رضي الله عنهم كانوا في مأمن من فتنة الدجال وكذلك في مأمن من الشرك أكثر من غيرهم لوجود الرسول عليه الصلاة والسلام بينهم ثم الذين يلونهم أقل أمنًا وأكثر عرضةً للفتن ثم الذين يلونهم إلى عصرنا هذا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «هذا العام خير من الذي بعده».

فزمن الصحابة والحالة كانت آمنة ورجعة عبادة الأصنام مستبعدة جدًّا وعودة الجاهلية أكثر بعدًا من زمننا هذا ومع ذلك استمر الصحابة رضي الله عنهم في هدم الأصنام وكسر الأوثان آخذين بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يتواصون بها كما في حديث أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته ولا صورة إلا طمستها ولا قبرًا إلا سويته»).
مع العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف قرنه بأنه خير القرون وأنه لا يمكن أن يأتي قرن خير منه فقال: «خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه...». والخيرية هنا تشمل الخيرية في العقيدة والثبات على الدين الصحيح والإخلاص لله وعدم الشرك. وبلا شك أنها خير من قرننا هذا ومع ذلك كسر عليه الصلاة والسلام الأصنام وأمر بهدمها.. فهل يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تناقض كيف يصف قرنه بذلك الوصف ومع ذلك يكسر الأصنام ويهدم الأوثان خشية على الصحابة من الشرك وشفقته على عقيدتهم من الكفر، فهل يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقواله تناقض أفعاله؟!

الوجه الخامس: وهو أكثر صراحة وأقوى في الدلالة على دحض شبهة القول بأن هذه الأصنام وتلك التماثيل لن تعبد وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر الصحابة بهدم الأصنام وكسر التماثيل كما سبق مع أنه قال للصحابة: «أيس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب» ومع ذلك لم يرو عن أحد من الصحابة الاعتراض على الأمر بهدم الأصنام وتكسير الأوثان, ولم يرد عن صحابي واحد أنه قال: ما دام الشيطان لن يعبد في جزيرة العرب فلماذا إذن تكسير الأصنام وهدم التماثيل فلتترك لأنها من التراث الإنساني؟!

وأيضًا لا يعرف عن صحابي أو من سار على نهج الصحابة من التابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين أنه قال: إن هذا تناقض من الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يأمر الصحابة بهدم الأصنام وتكسير الأوثان مع أن الله أوحى إليه (بأن الشيطان أيس من أن يعبد في جزيرة العرب)، فهذا يدل على أن الشرع الصحيح والقول الصواب أنه لا يلتفت إلى هذه الشبهة ولا يقال بأن هذه الأصنام وتلك التماثيل لا تعبد.

الوجه السادس: إن هذه الأصنام وتلك التماثيل على فرض أنها لا تعبد في الحاضر أو المستقبل فهي في نفسها منكر يجب إزالته؛ لأنها آلهة عبدت من دون الله في الماضي فكيف يرضى المسلم أن يراها منصوبة ويتركها؟ وآلهة ضاهت الله في خلقه وزاحمته في ألوهيته وتدبيره فكيف يراها غير منكر لها؟ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ولهذا قال العلماء أن من لا ينكر المنكر بقلبه فهو على خطر عظيم وعلى جرف هارٍ، بل إن هناك من العلماء من نهى عن النظر إلى التماثيل والصور خشية أن يراها فلا ينكرها بقلبه أو بلسانه أو بيده وقد يكون مستطيعًا؛ فيقع في النهي الوارد في هذا الحديث، قال المروذي: قلت للإمام أحمد رحمهما الله: الرجل يدعى فيرى سترًا عليه تصاوير؟ قال الإمام أحمد: لا ينظر إليه، قلت له: قد نظرت إليه كيف أصنع، أهتكه؟ قال: تخرق شيء الناس؟ ولكن إن أمكنك خلعه اخلعه. فقلت له الرجل يكتري البيت يرى فيه تصاوير ترى أن يحكه؟ قال: نعم فقلت لـه: إن دخلت حمامًا فرأيت فيه صورة ترى أن أحك الرأس قال: نعم) (1).
وقال الشيخ عبد الله الغماري المالكي: (إن القاعدة الشرعية المستمدة من الأحاديث وإجماع العلماء أن كل ما حرم الشرع فعله تحرم مشاهدته ـ على وجه الرضا والاستحسان ـ والمساعدة عليه بأي نوع من أنواع المساعدة فالذي يشاهد عملية الزنى آثم، والذي يشاهد التماثيل المجسمة في الميادين آثم؛ لأن عمل التماثيل حرام فالنظر إليها حرام...) (2).

قد يقول قائل أين كلام أهل العلم في رد شبهة (أن هذه الأصنام والتماثيل لا تعبد الآن؟).
الجواب: قال العلامة ابن دقيق العيد الشافعي: «قد تضافرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور. ولقد أبعد غاية البعد من قال: «أن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان. وهذا الزمن حيث انتشر الإسلام، وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد» وهذا القول عندنا باطل قطعًا؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، وأنهم يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل. وقد صرح بذلك في قوله عليـه الصلاة والسلام: «المشبهون بخلق الله» وهذه علة مستقلة مناسبة لا تخص زمانًا دون زمان. وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره، وهو التشبه بخلق الله). قال الصنعاني اليماني تعليقًا على كلام ابن دقيق العيد: (قد أصاب ابن دقيق العيد في قوله: (إنه قول باطل قطعًا)(3) .

قد يقول قائل: إن هذا الكلام في التصوير؟
الجواب: إن الشبهة هي نفسها، ومبدأ الاعتراض واحد، والقصد من الإتيان بكلام ابن دقيق العيد هو أنه ليس لأحد أن يعترض على النصوص الشرعية المتظاهرة والمتضافرة بعلل معلولة وكما سماها ابن دقيق العيد (خيالية) وهذا الكلام من ابن دقيق والمؤيد من الصنعاني في الوسيلة ينسحب على الغاية عقلاً والغاية داخلة فيه من باب أولى فمن الشذوذ أن يقبل شخص كلام ابن دقيق والصنعاني في الوسيلة ويعترض على الغاية بنفس الشبهة وبنفس الإراد .

وهناك من المشايخ المعاصرين من رد شبهة (أن هذه التماثيل لا تعبد الآن) نذكر منهم:
1 ـ الشيخ أحمد الشرباصي: قال في جوابه على السؤال التالي: ما حكم إقامة التماثيل الكاملة المجسمة للإنسان والحيوان بقصد تزيين حديقة المنزل؟
الجواب: إن كانت التماثيل أو التصاوير المتخذة، لغير ذي روح، كالأشجار والأزهار والبحار، فلا مانع شرعًا من اتخاذها، وإن كانت التماثيل مجسمة ولذوي أرواح، كالإنسان والحيوان، كان اتخاذها حرامًا، كما يذكر الفقهاء، واستثنوا من ذلك لعب الأطفال والبنات.
وإذا كانت التصاوير غير مجسمة، فهناك من يحرمها، وخصوصًا إذا كانت الصورة كاملة الأعضاء، ويستند هؤلاء المحرمون في قولهم إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون». وكذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
وجاء في الحديث أيضًا: «من صوَّر صورة في الدنيا كُلِّف يوم القيام أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».
ويقول العلماء: إن الإسلام قد حرَّم هذه الصور سدًّا لذريعة الإشراك بالله، وإغلاقًا لباب عبادة الأصنام والتماثيل، وخاصة إذا كانت هذه التماثيل والتصاوير مجسمة وموضوعة موضع التكريم والتوقير. وأما إذا كانت الصورة موضوعة موضع التحقير، كما إذا كانت في سجادة تداس، فإن ذلك جائز.
ونصَّ المتأخرون من الفقهاء على أن الصور الشمسية جائزة، لأنها غير مجسمة، ولأنها بعيدة عن مظنة التعظيم.
ومن هذا البيان نعرف أنه لا يجوز شرعًا إقامة تماثيل كاملة مجسمة لإنسان أو حيوان بقصد تزيين حديقة المنزل(4).
2 ـ الدكتور يوسف القرضاوي: قال في جوابه على السؤال التالي: ما حكم التماثيل في الإسلام؟ إن لدي تماثيل لقدماء المصريين، وأريد وضعها زينة في البيت، فاعترض البعض وقالوا: إنها حرام، فهل هذا صحيح؟
ج: حرم الإسلام التماثيل.. كل الصور المجسمة، ما دامت لكائن حي مثل الإنسان أو الحيوان فهي محرمة، وتزاد حرمتها إذا كانت لمخلوق معظم، مثل ملك أو نبي كالمسيح أو العذراء، أو إله من الآلهة الوثنية مثل البقر عند الهندوس، فتزداد الحرمة في مثل ذلك وتتأكد حتى تصبح أحيانًا كفرًا أو قريبًا من الكفر، من استحلها فهو كافر.
فالإسلام يحرص على حماية التوحيد، وكل ماله مساس بعقيدة التوحيد يسد الأبواب إليه.
بعض الناس يقول: هذا كان في عهد الوثنية وعبادة الأصنام، أما الآن فليس هناك وثنية ولا عباد للأصنام.. وهذا ليس بصحيح.. فلا يزال في عصرنا من يعبد الأصنام.. من يعبد البقرة ويعبد المعز. فلماذا ننكر الواقع؟ هناك أناس في أوربا لا يقلون عن الوثنيين في شيء.. تجد التاجر يعلق على محله (حدوة حصان) مثلاً، أو يركب في سيارته شيئًا ما.. فالناس لا يزالون يؤمنون بالخرافات، والعقل الإنساني فيه نوع من الضعف ويقبل أحيانًا ما لا يصدق.. حتى المثقفون، يقعون في أشياء هي من أبطل الأباطيل ولا يصدقها عقل إنسان أمي.
فالإسلام احتاط وحرم كل ما يوصل إلى الوثنية أو يشتم فيها رائحة الوثنية.. ولهذا حرم التماثيل.
فتماثيل قدماء المصريين من هذا النوع.
ولعل بعض الناس يعلقون هذه التماثيل بوصفها نوعًا من التمائم، كأن يأخذ رأس «نفرتيتي» أو غيرها ليمنع بها الحسد أو الجن أو العين.. وهنا تضاعف الحرمة. إذ تنضم حرمة التمائم إلى حرمة التماثيل.
لم يبح من التماثيل إلا ألعاب الأطفال فقط، وما عداها فهو محرم.. وعلى المسلم أن يتجنبه (5).
3 ـ الشيخ حسن مراد مناع (المستشار الشرعي في دار الفتوى في الكويت) فقد قال في جوابه على السؤال التالي: مدرس تربية فنية يقول: اختلفنا في موضوع قيام النشاط المدرسي بعمل تمثال لشخصية تاريخية تخليدًا لذكراها وليكون نوعًا من وسائل الإيضاح التعليمية فما الحكم؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا أخي الفاضل ينبغي ألا تضيق نفسك لو كان الحكم ليس معك ويجب أن تعرف أن التماثيل محرمة ونسوق إليك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل». يعني المكان الموجود فيه تمثال سواءً أكان بيتًا أم مدرسة أو ناديًا أو ملعبًا مثلاً تبتعد عنه الملائكة، بل تحريم الإسلام على من يعملها للمسلمين من باب أولى.
وسبب التحريم، البعد عن مشابهة الوثنيين في احترام الأوثان التي يصنعونها ثم يقدسونها ويقفون أمامها خاشعين.
رب قائل يقول: هذا المعنى بعيد عن عقيدة المسلمين. نعم هو بعيد الآن ولكن الإسلام لا يشرع لعصر أو عصرين إنما يشرع للأجيال كلها, وفي أرجاء الدنيا إلى قيام الساعة, فاحتاط بشدة حتى لا يتسرب إلى العقول في عصر من العصور نوع من أنواع الشرك ولو بحسن نية. خاصة وأن ما يعتبر مستحيلاً في عصر قد يصبح واقعًا مألوفًا في عصر آخر سواء كان قريبًا أم بعيدًا, الأصنام التي كان يعبدها المشركون أصلها صور للموتى والصالحين اتخذوها تخليدًا لذكراهم, وبعد زمن طويل عبدوها من دون الله ولهذا فالإسلام على حق حين يسد هذا الباب نهائيًّا. أما تبرير هذا العمل بأنه تخليد للعظماء والأبطال، فنحن لا ننكر خدماتهم للدولة والتاريخ ولكن التخليد لا يكون بأمر محرم وإنما بالكتابة عنهم مثلاً وتأليف كتب سيرتهم بدراسة تاريخهم. والرسول صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق لم يخلد بصور مادية وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم ما نحت المسلمون لهم تماثيل ولكن سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه محفوظة في الصدور مسطورة في الكتب منذ خمسة عشر قرنًا من الزمن. لا تتخذوا المحرم وسيلة إيضاح وربوا الشباب تربية إسلامية رشيدة، ساعدوهم على سلامة العقيدة وحسن العبادة والله معكم في أداء هذه الرسالة. والله أعلم(6).

فهذه فتاوى لعلماء متقدمين ومشايخ معاصرين صريحة في رد هذه الشبهة وهذه الفتاوى موافقة لصحيح المنقول وصريح المعقول ولا يعرف عن أحد من العلماء المتقدمين أو المعاصرين اعتراض ولهذا حكى بعض العلماء (الإجماع والاتفاق) على تحريم اتخاذ التماثيل ولو لم تعبد بل التحريم منصب على ذاتها فمن ذلك:
1 ـ العالم أبو بكر بن العربي المالكي حيث قال: (وحاصل ما في (اتخاذ) الصور أنها إذا كانت ذوات أجسام فحرام (بالإجماع) (7).
2 ـ العلامة النووي الشافعي: قال: (ذهب السلف أن الممنوع ما كان له ظل). ثم قال في رده على الحنابلة في قولهم: (إن ما لم يكن له ظل فلا بأس باتخاذه). قال: وهذا المذهب باطل، فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك ومع ذلك أمر بنزعه) (8).
يلاحظ أن النووي يرى إزالة الصورة التي ليس لها ظل وأنه يحرم اتخاذها كما يحرم اتخاذ التماثيل ولا فرق.
3 ـ العلامة الطاهر بن عاشور المالكي: حيث قال: (اتفق الفقهاء على تحريم اتخاذ ما له ظل من تماثيل ذوات الأرواح) (9).
4 ـ الشيخ عبد القادر أحمد عطا: قال: (أما اتخاذ التماثيل ـ المجسمة ـ فهي كبيرة من الكبائر بالإجماع) (10).
الوجه السابع: إن من القواعد الشرعية المتفق عليها قاعدة (سد الذرائع) الموصلة للشرك.
فمن الجناية على الشريعة أن يقال: إنها حرمت تعليق التميمة؛ لأنها تفضي إلى الشرك ولم تحرم نصب الأصنام والتماثيل التي أفضت بالتجربة إلى الشرك ودل التاريخ الإنساني على أنها عبدت مرة أخرى كما في قصة قوم نوح وما كان من العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان من أهل الجزيرة العربية قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل إن الشارع حرم وسائل أقل خطرًا على المسلم وأخف ضررًا عليه ولا تفضي إلى الشرك فقد قال سبحانه وتعالى: « وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا» فنهى عن القرب من الوسائل التي تجر إلى الزنا، وكذلك حديث: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» فالشارع لم ينه عن الزنا فقط، بل نهى عنه وعن أسبابه والوسائل المفضية إليه. ولما حرم الله الخمر سكب الصحابة رضي الله عنهم جميع ما عندهم في الأسواق ولم يبقوها بين أيديهم وأمام أعينهم. فغريب أن ينهى أب أبناءه عن شرب الخمر ويتركها بين أيديهم وأمام نظرهم بحجة أنها الآن لا تشرب. ولهذا قال الطاهر بن عاشور المالكي رحمه الله: (إن قصد كثير من العلماء في قولهم بنجاسة الخمر الحسية تقريرًا لكراهيتها في النفوس والبعد عنها).
وقال ابن عقيل الحنبلي: (ريح الخمر كصوت الملاهي، حتى إذا شم ريحها، فاستدام شمها كان بمثابة من سمع صوت الملاهي وأصغى إليها، ويجب سد المنخرين والإسراع كوجوب سد الأذنين عند الاستماع).
وقصد في ذلك البعد عن الخمر ومكان وجودها خشية الوقوع في شربها. يقول الشيخ محمد أبو زهرة المصري: (... وأخيرًا فإن سد الذرائع المؤدية إلى الشر توجب وضع العقوبات الزاجرة لمن يشرب الخمر, لأن رؤية المسلم غيره يشرب الخمر يغريه بها، فكان سدًّا للذريعة أن يعمم العقاب على كل من يشربها. وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ، نجد أن المسلمين لما اختلطوا بغيرهم، وأبيح لغير المسلمين أن يشربوا، وقامت الحانات كان ذلك إغراء للشباب المسلم بالشرب، فشرب غير متحرج ولا آثم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(11).
بل إن هناك من العلماء من حرم التشبه بمتعاطي الخمر؛ لأن التشبه في الظاهر دليل على الرغبة في الباطن، قال الشيخ أحمد الشرباصي: (إن الطيور على أشكالها تقع, وبهذا نستطيع أن نحكم على أن شرب الشيء المباح بصورة شرب الشيء المحرم أمر لا يليق بالمسلم أن يأتيه, وتعجبني هنا عبارة للعلامة الغزالي ـ المتقدم ـ يقول فيها: (لو اجتمع جماعة وزينوا مجلسًا، وأحضروا آلات الشرب وأقداحه وصبوا فيها شرابًا (يحل تناوله) ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيي بعضهم بعضًا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مباحًا في نفسه، لأن في هذا تشبهًا بأهل الفساد) (12).
ومما يدل على ذلك حديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار فيها الخمر»(13). فإذا كان هذا التشديد في وسيلة تفضي إلى أمر محرم لا يتجاوز ذلك فالتشديد في الوسيلة المفضية إلى الشرك بالله من باب أولى وأليق بالشرع وأحكم.
الوجه الثامن: وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته, ولا صورة إلا طمستها, ولا قبرًا إلا سويته»، فلما تساهل المسلمون في بناء الأضرحة والقباب على القبور ولم يعملوا بهذا الحديث, ولم يأتمروا بأمر الرسول كانت النتيجة أن جاء من يعبدها, وجاء من يعظمها ويتوسل بأصحابها ويستغيث بهم ويذبح لهم؛ فوقع الشرك الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان مشفقًا على أمته منه، وكان حريصًا على قطع دابره.
ولا يشك عاقل في هذا العصر بوجود الشرك عند القبور وسببه هو:عدم العمل بهذا الحديث وترك الائتمار بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم تفعيل مبدأ (سد الذرائع) المفضية إلى الشرك. وأكبر سبب لترك العمل بمضمون هذا الحديث هو الاعتقاد السائد في عصر من العصور بأن تسوية القبور وكسر الأوثان وهدم الأصنام حكم خاص ببداية الإسلام, أما بعد ذلك فلا يعمل به؛ لأن الإسلام انتشر فلا يتوقع أن يرجع الشرك في الناس, ولا يتصور أن يصرف شخص عبادة لغير الله, فكانت نتيجة هذا الاعتقاد المعارض لاعتقاد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سار على نهجهم أن صرفت العبادة لغير الله، وكان أثر هذا الظن المخالف لظن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في ترك الأوثان وعدم كسرها وعدم تسوية القبور في الأرض أن وقع الشرك فهذه تجربة قوية وبرهان واضح ودليل جلي على خطأ هذا الفهم تجاه حديث: «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته».
أما بالنسبة لأصنام بوذا في أفغانستان، فقد صرح رئيس المحكمة العليا في حكومة طالبان: (14) (بأنه ثبت يقينًا أن هناك بعض الأجانب يأتون إلى تلك الأصنام لكي يتعبدوا عندها، ويسجدون لها، وأن لديهم شهودًا على هذا الواقع) (15).

الحجة الأخرى لمن يرى ترك التماثيل والأصنام في هذا الزمن: أن الصحابة رضي الله عنهم دخلوا مصر زمن عمر بن الخطاب ولا يعرف عنهم هدم الأصنام وتكسير الأوثان الفرعونية.
الجواب على هذه الشبهة:
أولاً: لا يعارض صريح القرآن وظاهر السنة بعمل صحابي ولو كان أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما للصحابة عندما اعترضوا عليه بقول أبي بكر وعمر قال: (توشك أن تقع عليكم حجارة من السماء، أقول قال الله وقال الرسول، وتقولون قال أبو بكر وعمر).
ثانيًا: أن هذا الكلام من الناحية التاريخية فيه عدة أخطاء وملاحظات وهي كالتالي:
1 ـ لم يثبت من الناحية التاريخية أن الصحابة رضي الله عنهم تركوا هدم هذه التماثيل وليس هناك دليل على الترك، فالأصل أنهم مؤتمرون بأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في كسر الأوثان وهدم الأصنام هذا هو الأصل فيهم، ومما يدل على أن هذا الأصل فيهم وصية كبار الصحابة لأتباعهم بذلك كما في وصية علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي، فهذا هو الأصل والناقل عنه يحتاج إلى دليل.
2 ـ أن هذه التماثيل الفرعونية الموجودة الآن بمراجعة ما كتب عنها وما كتب عن تاريخ اكتشافها يتبين أنها لم تكن موجودة في وقتهم قطعًا بل إن تسعة وتسعين بالمائة منها لم يعثر عليه ولم يكتشف إلا على أيدي الرحالة الغربيين وفرق التنقيب والاستكشافات منذ قرنين فقط؛ يتضح هذا بمراجعة كتب الآثار الفرعونية وكتب تاريخ مصر القديم فعلى كل تمثال تاريخ استكشافه. وهذا واضح جدًّا جدًّا.
ولهذا لما سئل المؤرخ الزركلي: هل رأى الصحابة الأهرامات وأبا الهول عندما دخلوا مصر قال: (كان أكثرها مغمورًا بالرمال ولا سيما أبا الهول).
أما النسبة المتبقية من التسعة والتسعين بالمائة لا نستطيع الجزم بنفيه نفيًا قاطعًا وهو وجود رأس أبو الهول فهناك احتمال أنه كان ظاهرًا زمن الفتح الإسلامي؛ فممن ذكره المؤرخ التجيبي السبتي المتوفى سنة (730هـ) في كتابه (مستفاد الرحلة والاغتراب) فقد قال تحت عنوان «أبو الهول»: (وبمقربة من هذه الأهرام الثلاثة رأس صورة من حجر جعله هائل المنظر على صورة رأس الإنسان، غير أنه غاية في الكبر قد قام كالصومعة العظيمة...) (16).
وممن ذكره من المؤرخين ابن فضل العمري المتوفى سنة (749هـ) في كتابه (مسالك الأبصار) قال: (أما أبو الهول فهو صنم بقرب الهرم الكبير في وهدة منخفضة وعنقه أشبه برأس راهب حبشي) (17).
وممن ذكره كذلك المؤرخ المقريزي المتوفى سنة (845 هـ) (18).

والرد على وجود رأس أبو الهول زمن دخول الصحابة رضي الله عنهم مصر من ثلاثة وجوه:
أولاً: ليس هناك دليل قاطع يدل على أنهم رأوه وتركوه وكما سبق الأصل فيهم الاقتداء والاتباع والاستجابة لمطلب الشريعة؛ فالظن بهم أنهم لو رأوه لما تركوه، فمن خالف هذا الأصل فهو مطالب بالدليل. والقول بأنهم رأوه وتركوه احتمال؛ لأنه لم يثبت تاريخيًّا ويقابله احتمال آخر بأنهم لم يروه.. وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، فضلاً عن مخالفته للأصل في الصحابة وهو الاستجابة والإتباع لأمر الشارع بالهدم والكسر.
ثانيًا: تنزلاً مع القول بهذا الاحتمال أنهم (رأوا هذه التماثيل وتركوها) أنه لا يلزم من هذه الرؤية أنهم كانوا يستطيعون تكسيرها أو هدمها، فعدم الاستطاعة مانع، والأحكام الشرعية منوطة بالاستطاعة كما قال سبحانــه: « فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ »، فعدم الاستطاعة مانع فإذا كانت حركة طالبان لم تستطع هدم تمثالي (بوذا) بسهولة ويسر في هذا العصر عصر التقنية المتطورة، فمن ألف وأربعمائة سنة من باب أولى وأولى بالعجز وعدم القدرة.. ودليل ذلك أن الخليفة هارون الرشيد لم يستطع هدم (إيوان كسرى) وكذلك الخليفة المأمون لم يستطع هدم (الأهرام) مع أن أدوات الهدم والتكسير في عهدهما أكثر تطورًا واستطاعة.
ثالثًا: بما أن القول بأن (رأس أبو الهول) كان ظاهرًا زمن الفتح احتمال يقابله احتمال بعدم ظهوره وهذا الاحتمال أقوى وأرجح تاريخيًّا؛ ودليل ذلك أن المؤرخ (هيرودت المتوفى سنة 430 قبل الميلاد لم يذكر (أبا الهول) في رحلته الشهيرة ألبتة، بل ذكر (الأهرام) في الجيزة ووصفها ووصف المنطقة، وحلل كثيرًا مما شاهده ولم يذكر (أبو الهول) ورحلته عمدة في دراسة المنطقة، فهذا يدل على أنه كان مطمورًا بالرمال في زمنه ويدل على هذا ويقويه أن كثيرًا ممن تكلم عن المنطقة التي يقع فيها (أبو الهول) وصفوها بأن رمالها متحركة جدًّا وبين زمن المؤرخ (هيرودوت) 430 قبل الميلاد وزمن الفتح الإسلامي لمصر سنة 636 ـ 642م ما يقارب ألف سنة، فمعنى هذا أن رأس (أبو الهول) قد يظهر في زمن ويختفي في زمن آخر بسبب الرمال المتحركة، فيحتمل أنه في زمن الفتح الإسلامي كان مغطى بالرمال أيضًا؛ ولهذا لما ظهر ذكره المؤرخون المسلمون وجاء من يرى في رأس (أبو الهول) أنه منكر يجب إزالته فقد ذكر المقريزي: (ففي زمننا ـ القرن التاسع ـ كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوه وجه (أبي الهول) وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ومن حينه غلب الرمل على أراضٍ كثيرة من الجيزة وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه (أبي الهول) ولله عاقبة الأمور)(19).
وهذا الاعتقاد من أهل تلك النواحي من الشرك الأصغر والتي قامت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على النهي عنه والتحذير منه فقال «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد أو حياته» ونهى عن القول (مطرنا بنوء كذا وكذا بل مطرنا بفضل الله ورحمته) لكن يستفاد من هذه الحكاية أن رمال المنطقة متحركة، ويستفاد أيضًا أن أهل تلك المنطقة لم يكونوا على عقيدة راسخة تعرف أن دين الأنبياء وخاصة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قائم على محاربة وسائل الشرك والتي منها التماثيل والأصنام. بل هذه العقيدة المخالفة ليست مقتصرة على أهل تلك المنطقة، بل هناك من شابههم في العالم الإسلامي لم يكونوا بدرجة واعية تجاه هذه التماثيل الموجودة.. ودليل ذلك انتشار الأضرحة والعقائد الشركية فهذه الأزمان بهذه الانحرافات ليست حجة، وعدم الوعي العقدي عند بعض المسلمين ليس دليلاً شرعيًّا نعارض به قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: « وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » [الأنعــام: 74] وقولـه تعالى « وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ » [الأنبياء: 57] وقوله تعالى: « فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ » [الصافات: 91-95] وقولـه تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام في قصته مع السامري: « قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا» [طه: 97] وكيف يعارض احتمال أن الصحابة رأوا هذه التماثيل وتركوها بالأمر اليقين من قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته» وقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن عبسة حين سأله بأي شيء أرسلك الله؟ قال: «بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئًا» (20).
وقولـه عليه الصلاة والسلام: «إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني ربي عز وجل بمحق الأوثان» (21).
بل لو ثبت يقينًا أن عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة الذين دخلوا مصر تركوا كسر الأوثان والأصنام فلا يعارض هذا بتكسير الرسول صلى الله عليه وسلم التماثيل عندما دخل مكة ولا يعارض وصيته بذلك.
فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال سبحانه:  «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»(21) [الأحـزاب: 21]،
وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » [الحشر: 7] والله سبحانه وتعالى لن يسأل الناس عن استجابتهم لأحد يوم القيامة غير الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: « مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ »  [القصص: 65].


----------------------------------------------
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح 10/219.
(2) الحاوي في فتاوى الغماري، ص66.
(3) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني 3/321.
(4) يسألونك في الدين والحياة 4/437.
(5) فتاوى معاصرة 1/697.
(6) فتاوى وتوجيهات ص94-95.
(7) إحكام الأحكام بحاشية الصنعاني 3/322.
(8) أحكام الإحكام 3/322.
(9) تفسير التحرير والتنوير 22/162.
(10) هذا حلال وهذا حرام، ص188.
(11) الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، ص30.
(12) يسألونك عن الدين والحياة 2/296.
(13) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
(14) تصريح قديم قبل سقوط الدولة.
(15) صحيفة الشرق الأوسط العدد (8150).
(16) مستفاد الرحلة والاغتراب ص167.
(17) تحفة الكرام بخبر الأهرام للسيوطي ص16.
(18) المواعظ والاعتبار، 1/122.
(19) المواعظ والاعتبار للمقريزي 1/123.
(20) أخرجه مسلم في صحيحه.
(21) أخرجه أحمد في المسند.
 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية