اطبع هذه الصفحة


بمناسبة مرور عامين على أحداث (11) سبتمبر:
حوار بعنوان
الحادي عشر من سبتمبر محاولة للفهم ولعدم الانخداع والانجراف
(دون قراءة لتاريخ وتجارب وخلفيات الأجهزة المشبوهة)
 

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن عبدالله الغليقة

 
س: هل صحيح أن جماعة من الشباب السعوديين وغيرهم ممن ينتمون لتنظيم القاعدة هم الذين قاموا بهذه العمليات أم أنها تهمة ملفقة؟
ج: الجواب يتكون من قضيتين؛ القضية الأولى: هل بالفعل أن هؤلاء الشباب قاموا بتنفيذ هذه العملية أم لا؟ والقضية الثانية: هل سر هذه العملية بدأ مع هؤلاء الشباب وانتهى بهم أم أن هناك أيدٍ خفية خلفية أدارت العملية ومولتها ودعمتها؟
أما القضية الأولى؛ فالذي يظهر لي أن هؤلاء الشباب لديهم فكرة الإضرار بالمصالح الأمريكية فسبق أن فجروا (البارجة كول)، وقبلها السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام. وهذه المرة يريدون التفجير داخل أمريكا، بل سبق أن أشار أحدهم وهو معتقل لدى السلطات الأمريكية عندما مرت الطائرة التي تنقله على أبراج مركز التجارة العالمي فأشار إليها بـ(أن لها معهم موعدًا). المهم أن تفجير هذه الأبراج يوجد في أدبيات هذه الجماعة وأمنيات أفرادها. وبالفعل جهزوا للسفر لأمريكا وصرف لهم المال فأخذوا تأشيرات سياحية لأمريكا وقاموا بالتنكر فحلقوا لحاهم وغيروا من هيئتهم ولباسهم حتى لا يشك في أمرهم ولا يرتاب في نواياهم. ومما يبين أن هؤلاء الشباب سافروا إلى أمريكا بهذه النية فقد قال والد أحد هؤلاء الشباب: إن ولدي لما أراد السفر لأمريكا سألته عن السبب فلم يخبرني، وقال: لنا موعد مع أبي عبد الله يقصد أسامة بن لادن. حتى أنه بعد الحادث قام الناس بتعزية والد هذا الشاب.

س: لكن لما أرادوا أن يذهبوا ألم يكونوا يستصعبوا القيام بمثل هذه العملية القائمة على التقنية والمهارة الفائقة في الطيران والممارسة الطويلة في التحليق والأهداف الدقيقة؟
ج: ليس معنى قولي أنهم أرادوا تفجير الأبراج أنهم من أول وهلة كانوا يخططون للتفجير بهذه الطريقة المعقدة والدقيقة وقد يحتمل أنهم ذهبوا في البداية إلى التفجير البدائي وهو التلغيم أو التفخيخ، لكن الذي أجزم به أن هناك من غير وجهة تفكيرهم وغير طريقة عمليتهم. وهنا ندخل في الكلام في القضية الثانية وأبدأ بشرحها بالتفصيل؛ فأقول من المعلوم أن أسامة بن لادن له علاقات مع عناصر مسلمة وعناصر قد تظهر له الإسلام وتبطن له الكفر، وعناصر قد تكون غير مسلمة أصلاً، ويعرف أنها غير مسلمة. فأسامة بن لادن لا يمانع في العلاقات التي تخدمه وتصب في مصلحته وتوجهاته، ولو كانوا كفارًا، فبهذه الطريقة يحصل على السلاح من الصين ومن روسيا وباكستان ومن الدول المجاورة له، وبهذه الطريقة يحصل على التسهيلات لرجاله وأعضاء القاعدة. وبهذا الأسلوب استطاع أن يتنقل وساعده بقوة في ذلك بذل المال، بل أحيانًا يحصل على المعلومات السرية، ولو كانت معلومات بدائية أو ناقصة ومن ذلك اتصاله بالحكومة السعودية قبيل دخول صدام حسين الكويت بيوم أو يومين وتحذيرهم من صدام، وأنه ينوي فعل عمل تخريبي أو إجرامي أو نحو ذلك فلا بد أنه تسرب إليه من هذه الشخصيات التي بينه وبينها علاقات جيدة، لكن الحقيقة التي يجب أن تعرف وتفهم وتدرك أنه ليس معنى هذا أن ولاء هؤلاء الأشخاص كامل لأسامة بن لادن وتوجهاته، وأنه ليس معنى هذا أن ليس لهم توجهات وولاءات أخرى بل هم سماسرة إجرام وهمهم مصلحتهم المادية (وممن يعرف هذه الحقيقة الشيخ مقبل الوادعي، فقد قال مرة أن أسامة بن لادن مخترق من قبل رجل مصري جاسوس مقرب منه) ومما يدل على ذلك أنه كم من شخص غربي وخاصة أمريكي وصف بأنه صديق عزيز للحكومة العربية الفلانية أو لجميع الحكومات العربية، وبعد أن ينال منصب في حكومته يكون من أشد الأعداء بل يتبين أنه جاسوس خطير يكتب التقارير عن تلك الدولة محسنة الظن به، وكم من مقاول أومندوب شركة - وخاصة الشركات الكبرى - يعتبره المسلمون والعرب صديقًا حميمًا لهم وبعد أن يستلم منصبه ينقلب ذلك المقاول إلى عنصري ويميني ومن أقرب الأمثلة وأوضحها (هنري كيسنجر) فقد كان يدعى (بصديق العرب) وكم من شخص عربي كتب يفتخر بصداقته وزمالته ويثني على هذه الصداقة، وبعد أن تولى منصب وزير خارجية أمريكا ذهبت وتلاشت وصار من أشد وزراء الخارجية الأمريكية عداوة للعرب؛ بل يعتبر من الشخصيات التاريخية التي ساهمت في دعم إسرائيل والتنكيل بأصدقائه العرب. وكثير من رؤساء ومدراء شركة «بكتل» ـ فقد حدثني أحد المسئولين في الحكومة السعودية وقد كان على رأس أحد الدوائر الحكومية التي من شأنها إقامة عقود مقاولات بمليارات الدولارات ـ فالرجل يذكر أن هناك من مدراء شركة «بكتل»كانوا أصدقاء لنا نحن العرب وبيننا وبينهم علاقة قوية وجيدة، ولم يظهر عليهم عنصرية أو نظرة عدائية، لكن هذه العلاقة تغيرت وتبدلت بعد أن نالوا مناصب سياسية وصاروا أعضاء في مجالس الحكومة الأمريكية، وانتقلت الصداقة إلى عداوة، وظهرت العنصرية للدين، وبرز التعصب ضد العرب على أحاديثهم وكتاباتهم، كمثل (جورج شولتز وزير خارجية أمريكا السابق) وما الذي حصل من الرئيس الأمريكي الحالي بوش ليس عنا ببعيد، فقد أيده العرب في أمريكا ورجحوا كفته على منافسه (آل غور) وبعد فوزه قلب لهم ظهر المجن وكان من أشد رؤساء أمريكا عنصرية ودعمًا لإسرائيل وانحيازًا لها ضد العرب وقضاياهم، بل في الوقت الذي يرفض مقابلة ياسر عرفات يصف شارون برجل السلام. نعود إلى الكلام عن تنظيم القاعدة فأقول: إنه وقع في فخ رسم له وسقط في شراك مخطط إجرامي وعدائي ضد الإسلام والمسلمين.

س: لكن كيف سار هذا الأمر؟
ج: أولاً يجب أن نعرف أن هذه الخطط ليست بغريبة، وهذا الفخ ليس بجديد، فقد ترسمه وتصممه أجهزة مخابرات بعض هذه الدول التي هي أضعف من أمريكا في مجال الاستخبارات والتجسس والتنصت ووضع الخطط، فأذكر لك ما يدل على ذلك؛ فقد ذكر أبو الحسن بني صدر - أول رئيس للجمهورية الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه - في مقابلة معه حين سأله الصحفي سامي كليب: سيدي الرئيس في موضوع الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في إيران، تقول إن الخميني لم يصدر الأمر بأخذ الرهائن، وأنت أيضًا –طبعًا- كنت ضد هذه العمليات، من أصدر أمر اعتقال الرهائن؟ ومتى بالضبط تدخل الخميني في هذه القضية؟
أبو الحسن بني الصدر:
إن دراسات أمريكية حديثة تؤكد أن موضوع خطف الرهائن مسرحية أمريكية نفذت في إيران، ولم نكتشف بعد الشخص الذي من خلاله نفذت العملية، هذا ما نستطيع قوله، أيضًا بالنسبة للحرب العراقية الإيرانية من الذي شجع صدام على ضرب إيران؟!
سامي كليب:
يعني تعتقد أن خطف الرهائن الأمريكيين في السفارة كان مؤامرة أمريكية؟
أبو الحسن بني صدر:
نعم، نعم، إنه كان مشروعًا أمريكيًّا، وحتى الحرب كانت مخططًا أمريكيًّا، قلت يومها: إن أمريكا شجعت صدام على ضرب إيران.
سامي كليب:
فقط نتوقف قليلاً عند مسألة الرهائن، تقول إنها كانت مؤامرة أمريكية، هل لديك بعض المعلومات الخاصة التي لم تنشر آنذاك عن هذه المؤامرة؟ وماذا حصل بينك وبين الخميني من أحاديث حول هذا الموضوع بالضبط؟
أبو الحسن بني صدر:
بيني وبين الخميني كانت تحصل أشياء كثيرة، بعد خطف الرهائن مباشرة ذهبت للقاء الخميني، وانتقدته على هذا التصرف السيئ، قلت له: كيف باستطاعتكم القول إن أخذ بعض الأمريكيين كرهائن هو عمل أكبر من ثورة شعب؟ وقلت له أيضًا: ليس من الشجاعة احتلال سفارة في بلدكم وأخذ أمريكيين كرهائن؟ الحجة كانت يومها احتجازهم بضعة أيام، عندما تسلمونا شاه إيران نسلمكم الرهائن.
كان الاتفاق مع الأمريكيين، قبلت ذلك يومها والتقيت بوزير الخارجية لذلك السبب، كانت هذه الحجة، وكان هناك الكثير من ردود الفعل، وبعدها أصبحت رئيسًا، جاءني أحدهم لزيارتي، وأعطاني شريطًا مسجلاً كان السيد (باهشتي) الذي شاهدناه في الفيلم كان يتكلم مع مقربين له، والقصة أن عملية الرهائن كانت موجهة ضد الرئيس بني صدر وضد الرئيس (كارتر)، ذهبت لإطلاع الخميني على ذلك، وأخبرته عن قصة رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي عينه، وقد كان على حق بأن قضية الرهائن استخدمت لتقوية رجال الدين أكثر فأكثر، لهذا السبب استخدموا الرهائن.
سامي كليب:
من جهة تقول: إن الأمريكيين هم وراء القضية، ومن جهة تقول: إنها من أجل تعزيز وضع الملالي في إيران!!
أبو الحسن بني صدر:
نعم، حصل ذلك لخدمة مصالح الفريقين، لخدمة الملالي في إيران، وأيضًا خدمة الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين كانوا يريدون تغيير نفسية الأمريكيين الذين استكانوا إلى السلام بعد حرب فيتنام، وحتى أنهم عادوا إلى عزلتهم المعروفة، لهذا كان يجب إيقاظ الروح العدائية عندهم باستغلال موضوع الرهائن والنتيجة كانت وصول الجمهوريين للسلطة، وقيل كثيرًا إن الخطة كانت من إعداد (هنري كيسنجر) والسيد (روكشيلر) ولم تكن بالتأكيد من إعداد الطلبة الثوار، لم نجد طالبًا واحدًا يحدثنا عن مخطط العملية حتى الآن، لا نعرف في إيران حتى اليوم من الذي خطط لعملية الرهائن.
سامي كليب:
تحليلك الشخصي؟
أبو الحسن بني صدر:
تحليلي أن الخطة لم تكن خطة إيرانية بل كانت خطة خارجية أمريكية.
سامي كليب:
سيدي الرئيس: هل... هل لديك معطيات ثابتة حين تقول ذلك؟
أبو الحسن بني صدر:
بالتأكيد.
سامي كليب:
مثلاً.
أبو الحسن بني صدر:
مثلاً، الأول: كان (رضا باسنديدي) ابن أخ الخميني، جاء إلى (مدريد) للقاء مسئولين أمريكيين، ثم عاد إلى إيران وطلب مقابلتي، وقال لي إنه كان في (مدريد) وطلب الأمريكيون لقاءه، وأعطوه اقتراحات بوش. وقال لي: إذا قبلتها سوف يلبي (ريجان) جميع طلبات إيران عندما يصلوا – مشروع جماعة (ريغان) إلى السلطة - وهددني إذا رفضتها بالتعامل مع خصومي السياسيين، هل تتصورون أن ابن أخ الخميني يخرج من إيران دون إذن عمه؟ لم يقل لي أنه خرج من إيران للقائهم، قلت: ربما كان في زيارة إلى أوروبا، وبعدها قرأنا في الكتاب أنه كان مدعوًا لذلك.
ثانيًا: كان لدي أحد المعاونين في ألمانيا، اتصل به جماعة من حلف (ريجان – بوش) وعرضت عليه نفس الاقتراحات.
ثالثًا: كان العراق قد بدأ حربه معنا وكنا بحاجة إلى ماذا؟ كنا بحاجة إلى قطع الغيار، إلى الذخيرة وإلى السلاح، السيد (رافسنجاني) والسيد (رجائي) رئيس البرلمان يومها، عقدا اجتماعًا وأكدا أننا لسنا بحاجة إلى الأسلحة الأمريكية، هل من الممكن تصديق ذلك؟! كنا حينها بحاجة إلى كل شيء، إلا أن الرهائن بقوا في ضيافتنا حتى موعد الانتخابات الأمريكية.
كتبت حينها رسالة إلى الخميني لإطلاعه على هذه المعلومات، بعد هذه التصريحات عقد اجتماع بين جماعة (ريغان – بوش) وجماعة الخميني عقد ذلك في باريس، وكان هناك اتفاق، وفي مذكراتي اليومية أدون ذلك ليكون الشعب على إطلاع، بعدها كتبت للخميني لإطلاعه على هذه المعلومات، ولم أكن أصدق أنه كان على علم بذلك، كنت أظن أنه خارج اللعبة، إذن كيف تفسرون إطلاق الرهائن عشية أداء الرئيس (ريغان) اليمين الدستورية؟!(1)
سامي كليب:
ومررت إلى إسرائيل، هل كنت على علم بوجود علاقات – تحدثت عن موضوع الحرب العراقية من أجل الحصول على السلاح خلال هذه الحرب -معينة مع إسرائيل – كما قيل؟
أبو الحسن بني صدر:
في اجتماع المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء أسلحة من إسرائيل، عجبًا كيف يعقل ذلك؟! سألته: من سمح لك بذلك؟ أجابني: الإمام الخميني: قلت: هذا مستحيل!! قال: إنني لا أجرؤ على عمل ذلك وحدي، سارعت للقاء الخميني، وسألته: هل سمحت بذلك؟ أجابني: نعم، إن الإسلام يسمح بذلك، وأضاف قائلاً: إن الحرب هي الحرب، صعقت لذلك صحيح أن الحرب هي الحرب، ولكن أعتقد أن حربنا نظيفة، الجهاد وهو أن تقنع الآخرين بوقف الحرب، والتوق إلى السلام، نعم، هذا الذي يجب عمله هو ليس الذهاب... ليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء أسلحة منها لمحاربة العرب، لا، لن أرضى بذلك أبدًا، حينها قال لي: إنك ضد الحرب وكان عليك أن تقودها لأنك في موقع الرئاسة.
سامي كليب:
سيدي الرئيس.. يعني سؤال – فعلاً – محير، كيف أن الخميني الذي قاد كل هذه الثورة الإسلامية، ووضع القدس في أولوياته، استعادة القدس وحماية فلسطين، كيف يمكن أن يشتري السلاح من إسرائيل؟ يعني حين نسمع هذا الكلام منك لا يمكن أن نصدق شيئًا مماثلاً، يعني!!
أبو الحسن بني صدر:
حتى اليوم منذ أشهر كان الإسرائيليون يحاكمون المواطنين المتورطين في بيع الأسلحة إلى إيران (ما معنى إيران Gate ) (1). حاولوا منع ذلك خلال وجودي في السلطة، وبعدها كانت (إيران) كان شراء الأسلحة الأمريكية عبر إسرائيل.
مثال آخر يبين أن الشباب قد يقعون في شراك نصب لهم، وأنهم قد يجرون إلى مقتلة وفتنة وعاقبة وخيمة؛ حدثنا أحد المراقبين للأحداث في العالم العربي فقال: لما أراد السادات محاصرة الإخوان المسلمين في مصر كون لجنة لذلك من ضمنها شخص أمريكي وآخرين من الأجهزة الأمنية المصرية، فانتهت اللجنة إلى وضع خطة ومكيدة تقوم على استدراج هؤلاء الشباب إلى الفخ وذلك بأن يسهل لهم تهريب السلاح إلى داخل مصر؛ ويقينًا أن السلاح إذا صار في أيديهم ستطيش عقول بعضهم فيستخدمه، وهنا يقبض عليهم وبحوزتهم الأسلحة وتثبت عليهم التهمة.
ومثال آخر؛ فقد حدثني أحد الأشخاص الذين هداهم الله للسنة فهذا الأخ من الذين شاركوا في انتفاضة الجنوب في العراق أيام حرب الخليج الثانية فيقول إن أهالي الجنوب رأوا انشغال صدام حسين بالحرب مع قوات التحالف فأرادوا استغلال الموقف الحرج فحصلت انتفاضة عارمة قوية جدًّا وكانت المشاركة على جميع المستويات الكبيرة والصغيرة والشباب والشيب، وفي أثناء سيرنا قدم إلينا شخصيات لأول مرة نراهم معممين وأصحاب لحى فظننا أنهم من (الآيات) المهم أنهم أخذوا أماكنهم بيننا وبدأوا بتوجيهنا فكان من توجيهاتهم هدم هذا المستوصف، ثم بعد ذلك هدم تلك المدرسة وتلك المصلحة، فهدمت مدارس ومستوصفات وخدمات إنسانية، فكانت النتيجة أن تخلى عن هذه الانتفاضة كبار السن وتذمروا من الانتفاضة وبعد ذلك دخل الجيش وطارت الطائرات فوقنا وأخمدت الانتفاضة وقتل خلق كثير.
بعد القبض على الشباب تفاجئوا بأن الذين يقومون بالتحقيق والتعذيب في السجون هم أولئك الزعامات والشخصيات المعممة واللحى الكاذبة، وتبين أنهم وقعوا في فخ نصبته لهم المخابرات العراقية. حتى عرفوا من هم القائمون على الانتفاضة ومن الذي يوقدها ويشعلها وحكايات أخرى. فنستفيد من هذا أن الشباب يقعون في مخططات من دون أن يشعروا، وأنهم قد يقعون في شراك نصب لهم، فإذا كانت المخابرات الأمريكية أوقعت كثيرًا من الأنظمة وكثيرًا من الدول في مخططات انقلبت عليهم بعدها وأوقدت حروبًا بين شعوب وحكومات لمصلحتها، فقد ذكر نعوم تشومسكي (أن مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر زبجنيو بريجينسكي كان يتفاخر بأنه في منتصف 1979م قد حرض على دعم سري من أجل حرب المجاهدين ضد حكومة أفغانستان بمحاولة لسحب الروس إلى داخل ما سماه (بالفخ الأفغاني) وهذا تعبير يستحق أن نتذكره لقد كان فخورًا جدًّا بأن الروس قد وقعوا فعلاً في (فخ الأفغان) بإرسال قوات عسكرية بعد ستة أشهر لدعم الحكومة الأفغانية (كتاب الحادي عشر من أيلول / نعوم تشومسكي ص99). وكما حصل في دخول العراق للكويت فقد ذكر وزير العدل الأمريكي رامزي كلارك أيام حرب الخليج الثا!
نية في مذكراته والتي سماها (النيران هذه المرة) The Fire This Time (الكتاب في مجمله يعد محاولة جريئة لتعرية وإدانة الدور الذي قامت به الولايات المتحدة في التمهيد والتخطيط المتعمد لاستدراج العراق ودفعه لارتكاب الخطأ واحتلال الكويت ثم شن الحرب ضد العراق بطريقة وحشية لتدميره والقضاء على قدراته العسكرية ونفوذه تمامًا في منطقة الخليج وفرض النفوذ الأمريكي إلى الأبد على منابع البترول في المنطقة فضلاً عن إحكام سيطرة الولايات المتحدة على أسواق بيع السلاح والتجارة عمومًا في الشرق الأوسط..... وفي الكتاب أن المؤلف لما رجع من رحلته لتفقد الموقف وتقصي الحقائق بالعراق أنشأ لجنة للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الحلفاء خاصة القوات الأمريكية، وقد قدمت هذه اللجنة ما توصلت إليه من نتائج إلى محكمة دولية لجرائم الحرب شكلت خصيصًا لهذا الغرض من كبار المفكرين وأصحاب الرأي والشخصيات الدولية المرموقة. عكفت المحكمة بين 28 و 29 فبراير 1992م على دراسة ما قدم إليها من حيثيات بشأن (19) اتهامًا موجهًا إلى الولايات المتحدة ورئيسها جورج بوش (الأب) بارتكاب جرائم الحرب وخرق القانون الدولي والدستور الأمريكي!
نتيجة لشن الحرب ضد العراق.
وانتهت المحكمة أن كل الدلائل والإثباتات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية خططت وأعدت منذ سنوات للهجوم على العراق، وقامت باستفزاز هذا البلد العربي واستدراجه لاحتلال الكويت لتبرير رد الفعل الأمريكي والعالمي ضد العراق، وخلصت المحكمة إلى أن هذا يعد جريمة ضد الإنسانية (انتهى ملخصًا من عرض الدكتور إبراهيم الشيخ) المرجع مائة كتاب وكتاب محمد سلماوي ص149. وكما أججت الحرب بين العراق وإيران (حرب الخليج الأولى) فكانت تدعم الاثنين أما دعمها للأول فمعروف أما الثاني فدليله فضيحة (إيران جيت) وما صرح به واعترف به أبو الحسن بني صدر وكذلك ما صرح به آية الله منتظري في مذكراته (صحيفة الشرق الأوسط 13/3/2001م العدد 8113 صفحة 10) وقد حدثني أحد أكبر العارفين بالجهاد في أفغانستان بل كان في بدايات الحرب صديقًا لبعض زعماء الأفغان أن الزعيم حكمتيار كان ينقل السلاح الأمريكي بين إسرائيل وإيران أيام الحرب العراقية الإيرانية. بل إن الشركات الكبرى الأمريكية فضلاً عن الحكومة قادرة على شن الحروب ورسم خطط الانقلابات، ومثال بسيط على ذلك ما حصل مع رئيس جواتيمالا (جوكويو آنديز) عام 1944 م فقد قام هذا الرئيس بمصادرة أملاك شركة الفواكه الأمريكية لاحتكارها وسوء معاملتها للمزارعين الفقراء، ولكنه عوضها حسب البيانات الضريبية التي كانت تقر بها الشركة رسميًا وتدفعها للدولة، ولم يكن بحسبان الرئيس (آدنيز) أن المالك الرئيس للشركة الأمريكية كانت عائلة (روكفلر) التي كانت تملك شركة محاماة يمتلك وزير الخارجية الأمريكية آنذاك (جون فستر دالاس) حصة فيها، ومما زاد الأمر سوءً أن رئيس الاستخبارات الأمريكية (CIA) كان أخًا لوزير الخارجية دالاس وتم بعد ذلك تدبير انقلاب بدولة (جواتيمالا) المضيفة الضعيفة أعيدت بعد ذلك الأمور إلى نصابها، وأهمها استعادت (شركة الفواكه المتحدة الأمريكية) لأعمالها (نقلاً عن كتاب العولمة وثقافة الاستهلاك في المجتمع / سيف السيف ص 38). فإذا كانت هذه الدول وقعت في هذه الأفخاخ وهذه الشراك وقامت بتنفيذ مخططات نهايتها ضدها وعاقبتها وخيمة بالنسبة لها، فما بالك بمجموعة شباب أقل من هذه الدول حرفة وخبرة، وليس معنى هذا أنهم دائمًا يقعون بل أحيانًا يفكرون ويخططون وينفذون ويعجزون عدوهم عن الإمساك بهم كما حصل في مواجهتهم مع الروس في أفغانستان ومع الروس في الشيشان وعمليات تفجير السفارات الأمريكية وتدمير البارجة كول. لكن نحن في صدد الكلام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتحليلها فأنا لا أشك أن الشباب ذهبوا إلى أمريكا كما سبق وأن قلناه، وأجزم بأنهم التقوا بعناصر توقع هؤلاء الشباب أنهم مخلصون لهم وناصحون وأنهم بالفعل يكرهون أمريكا وسياستها ويريدون الانتقام منها وليس هذا ببعيد ألبتة.
وممن أكد هذه الحقيقة الكاتب والعارف بالنوايا الغربية (روجيه جارودي) حيث قال: (الأمر في غاية البساطة، فجهاز المخابرات المركزية الأمريكية قام بالتعاون مع العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة أثناء الوجود السوفييتي في أفغانستان، بل إن بعضهم هو صناعة أمريكية بحتة، بعد الانتهاء من الاتحاد السوفييتي لم يكن صعبًا على أجهزة المخابرات إقناع هذه الجماعات أن عدو الله الجديد الآن هو الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الشعارات المعلنة هي العداء لأمريكا، وصار في داخل هذه الجماعات رجال مستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل الله، وهم معروفون بالاسم للأمريكان. تلك الأسماء التي في التقارير ونتائج التحريات والتحقيقات، هذه المعرفة التي سهلت تلفيق الأدلة المزعومة لم يكن هناك آية فائدة من الطلب من هؤلاء الرجال اختطاف طائرة وتفجيرها، فقط سجلت أسماؤهم في تقارير الطيارين المزعومة أيضا قبل إقلاع الطائرات، وتم توجيه الطائرات آليًّا ومن الطبيعي والبديهي أن توجد جثث لأشخاص عرب على الطائرات الأمريكية تم إلصاق الأسماء المعدة سلفًا إلى جثثهم. (صحيفة الوطن 23/12/1422هـ.)
فهذه العناصر –العميلة- هي التي نقلت فكرة هؤلاء الشباب من الانتقام البدائي والتفجير أو التفخيخ إلى هذه العملية البالغة الدقة ذات العمق الإستراتيجي وقتل الألوف بدلاً من العشرات باستخدام التقنية والتكنولوجيا، ومما يدل على ذلك أن أسامة بن لادن اعترف بعدم معرفة هؤلاء بتفاصيل العملية فقد قال: (إن الإخوة الذين نفذوا العملية كل ما كانوا على علم به أنهم سينفذون عملية استشهادية وطلبنا منهم السفر إلى أمريكا إلا أنهم كانوا يجهلون تمامًا تفاصيل العملية)، وهذه العناصر –العميلة- تلتقي بالنهار بهؤلاء الشباب وفي الليل بالمخابرات الأمريكية ومسئولين في الإدارة الأمريكية، فالإدارة الأمريكية فيها عصابات متنفذة وكثير من الأحيان تقوى هذه العصابة فتهدد الرئيس الأمريكي ذاته وتجبره على السير في خطاها وخططها وتوجهاتها، وإذا عارضها أودت بحياته كما حصل مع (كيندي)، وأحيانًا يكون الرئيس لديه هذا التوجه كما هو مع الرئيس الحالي، ومما يبرهن أنه على علم بذلك تصريحاته بأنه شاهد الاصطدام الأول قبل حصول الثاني. وكما يقول صاحب كتاب (الخديعة المرعبة): «لا يمكن أن تكون هذه المشاهد التي رآها الرئيس هي التي صورها جون وجيد يون نودي» بالصدفة. فالأخوان كانا يصوران مركز التجارة العالمي طيلة النهار ولم يبث شريطهما إلا بعد ثلاثة عشر ساعة. كانت المشاهد إذًا صورًا سرية نقلت إليه على الفور إلى صالة الاتصالات المؤمنة التي جهزت في المدرسة الابتدائية استعدادًا لقدومه). ص 32. المهم أن هذه العناصر التي كانت بالفعل في الماضي تمد تنظيم القاعدة بالسلاح وبالمعلومات، وقد تسهل له بعض المهمات هي التي لعبت دورًا في هذه الأحداث بين هؤلاء الشباب وبين العصابة التي في الحكومة، ولا أستبعد أبدًا أن (بعض) هؤلاء الشباب مستخدم من هؤلاء العناصر ودوره في الخطة على أنه (عارف بالطيران أو دارس ومتدرب في مدارس ومعاهد الطيران) واغتر بقية الشباب القادمين من أفغانستان به، واعتمدوا عليه وأوهمهم بأنه يتدرب في هذه المعاهد لأجل القيام بهذه المهمة الخطيرة، وقد يكون بالفعل هو من الناس الذين يدرسون في هذه المعاهد. ولهذا لا يعرف عن بعضهم أنه من شباب الجهاد في أفغانستان، ولا يعرفهم أسامة بن لادن ولا يعرف عن حياتهم وسيرتهم التي نشرها تنظيم القاعدة بخلاف بقية الشباب، بل إن صورهم لم تر وهم ملتحون ولهذا جزم والد محمد عطا بأن ابنه على قيد الحياة، وأنه اتصل به بعد الحادث وجزم أهالي بعضهم بأن ابنهم من أبعد الناس عن الدين، كما حصل مع أحدهم فقد جزم أهله بأنه بعيد عن هذه الأفكار وعن هذه السلوكيات، ومما يدل على ذلك يقول صاحب كتاب (الخديعة المرعبة): (أما محمد عطا الذي يتهمه مكتب (FBI) بالعمالة للقاعدة فقد كان عميلاً للاستخبارات الباكستانية (ISI) التي طالما اعتبرت من وكالة الاستخبارات الأمريكية) ص93. وقد ذكرت إحدى القنوات الفضائية أن الاستخبارات الأمريكية ذكرت أن لمحمد عطا علاقة بأحد السفراء العراقيين، فالرجل قد يكون عميل لعدة جهات. أما أهالي شباب الجهاد فلم يتحدثوا بشيء، ولم يستبعدوا هذه الأعمال عن أبنائهم، بل أقبل الناس يعزونهم وصلوا عليهم صلاة الغائب، وأشاد بهم وبسيرتهم أسامة بن لادن، ومما يبرهن على أن هناك عصابة في الحكومة الأمريكية هي التي أدارت هذا السيناريو لكن في الخفاء وعن طريق عملائهم كما سبق. فقد ذكر أحد المتابعين عن تاجر سيارات استعمال أمريكي يقول: (بعد الأحداث استدعيت من قبل المخابرات الأمريكية، المهم امتثلت للتحقيق فإذا بالمحقق الأمريكي يستعرض تحويلاتي المالية وهي نظيفة من الشبهة. المهم أن المحقق سألني عن سبب زيارتي عندما كنت في أمريكا (للحزنوي) أحد منفذي العملية؟ فقلت: (رجل من بلدي فيهمني أمره، فالرجل عليه سلوكيات وتصرفات سيئة، فأحيانًا نرى في يده زجاجات الخمر، وأحيانًا نراه يكلم النساء فذهبت أنا وصاحب لي لنصحه وإرشاده فقط) ا.هـ. فهذا يدل على أنهم يعرفون الحزنوي وراصدين لتحركاته ومراقبين لمــن يتردد عليه.
ومما يبين أن المخابرات الأمريكية وغيرها من المخابرات تجند عملاء لها وتشكلهم على حسب شكل الجماعة أو المنظمة المراد استخدامها أو استغلالها أو اختراقها، وتوهمهم بأنهم يتعاملون مع عناصر مثلهم ونفس توجهاتهم حادثة القبض على البريطاني المتهم ببيع (صاروخ أرض جو) (أعلن المدعي العام في نيوجرسي توجيه تهمة دعم الإرهاب إلى البريطاني (هيمانت لاخني) الذي اعتقل وهو يحاول بيع (صاروخ أرض-جو روسي) إلى أحد عملاء الأمن الأمريكي الذي أوهمه بأنه (عضو في شبكة إرهابية). وكان الرجل البريطاني الهندي الأصل قد اعتقل بعد عملية مراقبة دامت خمسة أشهر وتعاونت فيها الاستخبارات الروسية والبريطانية والأمريكية التي (أوهمته بأنه يتعامل مع إرهابيين) (صحيفة الشرق الأوسط 16/6/1424هـ العدد (9025).
مثال آخر: يقول مؤلف كتاب (كيف نامت أمريكا) جيرالدنو سنر نقلا عن مصادر: (إن أبا زبيدة تناول « مصل الحقيقة » في صورة مهدئات للآلام إثر إصابته أثناء عملية اعتقاله في باكستان في مارس 2001م ليكشف المزيد من علاقات ابن لادن السرية. ويقول المؤلف أن التحقيقات مع أبي زبيدة جرت في أحد المعسكرات الأمريكية داخل أفغانستان من قبل ضباط أمريكيين من أصول عربية تحدثوا بلهجة سعودية؛ ليوهموه بأنه نقل إلى السعودية). (صحيفة الشرق الأوسط العدد 9043 بتاريخ 4/7/1424هـ ).

س: لكن ما سبب هذه التصرفات وكيف يقوم هؤلاء بطلب الشهادة وهم على هذا السلوك فهذا لا يعقل؟
ج: سؤالك في محله، وهو مشكل إذا عرفت أن هؤلاء الشباب لديهم هذا التوجه فهم قد يتظاهرون بالفسق والفجور لأجل خدمة أفكارهم وتحقيق أهدافهم، فهذا التنكر والتمويه لا ترى هذه الجماعة به بأسًا بخلاف السلفيين فهم كثيرًا ما يخالفونهم في هذا التصرف ولا يرون أن الدين أو الشريعة تخدم بهذه المظاهر وتلك التصرفات، فلا يرون أنك تدخل في المراقص والبارات كما حصل من هؤلاء الشباب. نرجع إلى الكلام على أن هناك عصابة في الحكومة الأمريكية هي التي أدارت هذه الخطة.

س: لكن أنت تقول أن هناك من هؤلاء الشباب من هو عميل، وحلقة الوصل بين هؤلاء شباب (الجهاد) وبين (العصابة). لكن السؤال كيف يقتل الإنسان نفسه لأجل حفنة من الدولارات لن يتسلمها أو غير ذلك هذا صعب جدًّا؟
ج: كلامك مبني على نظرية غير قطعية، تعتقد أنت وكثير من الناس أنها قطعية، وهي في رأيي كاذبة وهي أن هؤلاء الشباب التسعة عشر هم الذين قادوا هذه الطائرات وضربوا بها الأبراج وهذا الأمر القطعي عندك وعند كثير من الناس ليس بصحيح ألبتة، ففي رأيي وحسب تحليلي أن هؤلاء الشباب لم يركبوا الطائرات، ولا ركب واحد منهم طائرة من الطائرات. ودليل ذلك أن أول إعلان لشركات الطيران عن أسماء الركاب لم يذكروا اسم شخص من هؤلاء؛ لأن هذه الشركات إلى وقت الإعلان لم تصلها أوراق وبرقيات اعتماد الخطة أو اللعبة أو السيناريو، أو التهديد، ثم بعد ذلك وصلتهم أوراق اعتمادها إما رغبة من هذه الشركات في مشاركة هذه العصابة في نتائج هذا السيناريو وإما رهبة وتحت التهديد، بعد ذلك نشرت هذه الشركات قوائم الركاب مضافًا إليها أسماء هؤلاء التسعة عشر.قد تقول ويقول غيرك يجوز أن هؤلاء الشباب قد ركبوا الطائرات بأسماء غير أسمائهم بأسماء أمريكية؟ الجواب: لو كان الأمر كما تقول أو يقول غيرك لما أعلنت الحكومة الأمريكية بعد ذلك أنها وجدت جواز سفر محمد عطا تحت أنقاض البرجين، فعجب أن ينصهر الصندوق الأسود للطائرتين ويبقى هذا الجواز الصغير الورقي ومثله جواز الجراح! هذا أولاً. أما ثانيًا لو كان الأمر كما تتوقع لما خرجت القائمة الثانية مضافًا إليها أسماؤهم.

س: لكن هذا الاستنتاج وهذا التحليل يحتاج أدلة قوية؟
ج: نعم هناك أدلة أخرى تفيد وتقوي هذا الاستنتاج؛ فمن ذلك سؤال مهم جدًّا يطرح نفسه بقوة: أين ذهبت أجهزة الرقابة في هذه المطارات ذات التقنية العالية والمفرطة في الحساسية، جميعها تتفق على السماح لهؤلاء أن يتجاوزوا بأسلحتهم، وجميعها تغفل عن تسعة عشر راكبًا يحملون أسلحة محظورة، ومما يبرهن على أنهم لم يمروا ولم يتجاوزوا نقاط التفتيش الحكاية التي لفقت وهي أقرب إلى الطرفة منها إلى الحقيقة؛ الحكاية هي أن أحد هؤلاء الشباب لما أراد أن يتجاوز نقطة التفتيش مرت امرأة جميلة أخذت لب رجل الأمن المسئول عن تفتيش الركاب فذهب بصره وعقله خلف هذه المرأة ونسي وغفل عن الشاب المسلح؛ فإظهار وإبراز هذه الطرائف هي أقوى برهان على تكذيب تلك الأخبار، وقديمًا قال أهل علم الحديث الشريف: (إن الحديث الموضوع أو المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا تزيده الأسانيد إلا ضعفًا) وما دام أن الحكومة الأمريكية كذبت، وقالت ما يخالف الحقيقة بأن وزارة الدفاع ضربت بطائرة، وذكر بعض مسئوليها أنهم شاهدوا الطائرة وهي تنزل على المبنى فإذا كانت كذبت في هذا الأمر الواضح والصريح للعيان، فما الذي يجعلها لا تكذب في أمور غير ظاهرة للعيان وغير صريحة، بل إن دواعي الكذب في هذه الأمور الغامضة أكثر، وإخفاء الحقيقة في هذه الأمور الخفية أسهل وأيسر.

س: لكن ما الذي يجعلك تبني كلامك على أمر غير متأكد منه وهو أن وزارة الدفاع لم تضرب بالطائرة؟
ج: أنا لم أبن قولي أو استنتاجي على أمر غير متأكد منه؛ بل أنا متأكد جدًّا أن وزارة الدفاع لم تضرب بطائرة، ودليلي في ذلك عدة أمور، وقبل أن أذكر أدلتي أحب أن أنبه إلى أن الإنسان إذا لم يستخدم عقله في تلقي الأخبار وتحليلها لصدق كل شيء في الحياة وهذا مستحيل؛ لأنه سيقع في تناقض وقد كفانا في سرد الأدلة صاحب كتاب (الخديعة المرعبة) ومما يبين كذبة الحكومة الأمريكية أن إحدى الإذاعات ـ كما ذكر أحد الأشخاص وقد كان في واشنطن وقت الحادث ـ قالت عن هذا التفجير أنه (شاحنة مفخخة). ثم قالت بعد ذلك طائرة، فهذا التحول مثله مثل ما حصل مع شركات الطيران وإعلانها الأول لأسماء الركاب الخالية من أسماء المتهمين ثم إعلانه الثاني بعد إضافة أسمائهم والأدلة التي ساقها صاحب كتاب الخديعة المرعبة كافية لتجلية حقيقة حادث وزارة الدفاع.

س: لكن أين إذن هؤلاء الشباب فإذا لم يكونوا ركبوا الطائرات أين هم إذن؟
ج: الجواب يسير: لابد أنه تم التخلص منهم قبل الحادث أو بعد الحادث، وهذا بالنسبة للمخابرات الأمريكية أو غيرها أمر غاية في السهولة واليسر، ولهذا لديهم جوازات بعضهم وخاصة جوازي محمد عطا وزياد الجراح اللذين يوهمون أنهم وجدوهما بين أنقاض البرجين وهذا من الاستخفاف بعقول الناس والتبجح بالكذب.

س: لكن هذا أمر غريب: الذين تعاونوا معهم وأغروا الشباب ومهدوا الطريق إليهم تخلصوا منهم؟
ج: يبدو لي أنك بعيد عن حكايات وقصص مؤامرات المخابرات. فمثل هذا الجزاء لمن أسدى إليهم معروفًا أو أنجز لهم مشروعًا كثير، وأكتفي بحكايتين من عشرات الحكايات بل من مئات القصص فالذي قتل الرئيس الأمريكي كيندي لابد أنه إنسان عاقل قد وثق بالعصابة التي كانت في الحكومة الأمريكية أيام كيندي، ولابد أنه أغري بأموال وحياة سعيدة؛ لأن قناصًا ماهرًا مثله لا يمكن يقوم بهذه المهمة الخطرة جدًّا جدًّا التي قد تؤدي بحياته إذا فشلت أو كشفت، فلابد أنه كان واثقًا من الجائزة ومتأكدًا من المكافأة ومع ذلك كانت جائزته القتل ومكافأته الفناء. ومثله مثل قريب نشرته قناة الجزيرة وهو قاتل (يحيى المشد) فالقاتل قتل حتى تموت الحقيقة. فهؤلاء الشباب الذين كانوا حلقة الوصل بين العصابة والمجاهدين نهايتهم حتمًا ستكون الفناء، والقتل حتى تموت الحقائق وتبقى التكهنات، ومثال على ذلك أيضًا من مخابرات أقل خبرة وأقل حيلة ومكيدة من المخابرات الأمريكية فقد ذكر آية الله منتظري في مذكراته أنه عندما اعتقل قطب زاده – وزير الخارجية السابق – سمعنا أنه كان يخطط لاغتيال الخميني، وقد عثر على المواد الجرمية في أحد الآبار وكان شريعتمداري على علم بذلك. في أحد الأيام زارنا في البيت في قم السيد أحمد الخميني وتحدث بلغة تهديدية قائلاً: (إن قطب زاده سيظهر اليوم على شاشة التليفزيون ويفضح دور شريعتمداري في المؤامرة... عليكم أن تتوخوا الحذر ولا تتكلموا بشيء حول ذلك). ولقد علمت بعد ذلك أن أحمد الخميني قد ذهب إلى السجن وقابل قطب زاده وطلب منه ذكر شريعتمداري على شاشة التليفزيون مقابل العفو عنه من قبل الإمام لكن ظهور قطب زاده على شاشة التليفزيون لم يسعفه وأعدم بعد ذلك، وعلمت من مصدر موثوق أن قصة وضع المواد المتفجرة قرب مقر الإمام هي قصة مفتعلة ليس لها أساس من الصحة، وكان الهدف منها هو فقط تنظيم ضد شريعتمداري. (صحيفة الشرق الأوسط 13/2/2001م العدد 8113). ولهذا قد يكون ادعاء والد محمد عطا بأن ابنه اتصل به بعد التفجير قد يكون صحيحًا وقوله أن ابنه على قيد الحياة قد يكون صحيح لكن لا أظن أنه استمر على قيد الحياة، فقد يكون محمد عطا بالفعل اتصل على والده ليطمئنه توقعًا منه أن العصابة ستفي بعهدها وبالميثاق الذي بينهم. وعلى هذا نستطيع أيضًا أن نصدق والد وعائلة زياد الجراح بأن ابنهم لم يكن رجلاً صالحًا أو متدينًا بل عرضوا صورًا له تبين أنه رجلاً لم يكن صالحًا ألبتة كالرقص في أماكن الرقص مصطحبًا صديقة له.

س: لكن أنت هنا تناقضت فقد ذكرت عن الحزنوي أنه كان يحمل زجاجات الخمر، وأحيانًا يرى وهو يخاطب النساء وتعده من المجاهدين وهؤلاء محمد عطا والجراح ترى أن هذه الصفات لا تهيئهم أن يكونوا من المجاهدين، بل ترى أنهم قد يكونوا عملاء؛ فما الفرق؟
ج: إيرادك جيد. لكن الحزنوي لم يكن يتعاطى شرب الخمر. ففرق بين أن يشرب وبين أن يحمل زجاجات الشراب. وفرق بين أن يتحدث مع النساء وبين أن يصادقهن ويرقص معهن في أماكن الرقص. ولا يلتبس عليك أيضًا حلق اللحية بهذه الأمور، فحلق اللحية ليس كبيرة من الكبائر؛ بل هذه من الصغائر بل هناك من العلماء من يرى أنها من المستحبات وأن حلقها من المكروهات فإمكانية التنازل عنها محتملة مثل حمل زجاجات الخمر والتحدث مع الفتيات.
ومما يبين أنها خديعة وخطة من عصابة تتولى الحكومة الأمريكية تسريب خبرها لبعض الجهات وبعض أجهزة المخابرات الأجنبية؛ بل وبعض الشركات والأفراد؛ فعلى مستوى المخابرات صرح الرئيس المصري حسني مبارك أن لديه معلومات سرية حول التحضير للهجوم على أمريكا، وكان نقلها منذ عدة أسابيع إلى الحكومة الأمريكية. ولهذا قال في مقابلة مع السي إن إن: (... إذا كانت إدارة بوش قد لفقت الهجوم على البنتاغون لتخفي مشاكل داخلية، ألم تحجب كذلك بعض الأمور فيما يتعلق بالهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي). وغير المخابرات المصرية (المخابرات الألمانية والفرنسية والإسرائيلية والروسية) الخديعة المرعبة ص22، 136. وقد حدثني الأستاذ (ن.ف.) عن سفير أفغانستان وقد كان مقربًا من (رباني وسياف وأحمد شاه مسعود) أن قال للأمير تركي الفيصل عندما قابله في الرياض قبل الأحداث بفترة وجيزة (أنه سيحصل أمر في الشرق الأوسط).
أما على مستوى الشركات والأفراد فالمؤمل أن يكون في مركز التجارة العالمي ما يقارب الخمسين ألفًا أو قل الأربعين ألف شخص، لكن لتسرب المعلومات لم يذهب ذلك اليوم غالب هذا العدد، وهناك من وصله الخبر قبل الهجوم بساعة، وبعضهم بنصف ساعة فاستنتج من هذا أن الأمر لم يعد سرًّا على أفراد وشركات فضلاً عن المخابرات المصرية فضلاً عن المخابرات الأمريكية، وإذا أضفنا إلى هذا التحذيرات والتقارير التي أرسلت إلى الحكومة الأمريكية بشأن هجوم على أمريكا يتبين لنا أن الحكومة الأمريكية لديها معلومات عن الهجوم، فلماذا لم تحم الأجواء؟ ولماذا لم تسع لإفشالها وإبطالها؟ مع قدرتها على ذلك. الجواب عن هذه الاستفهامات أنها هي التي صنعتها وخططت لها ونفذتها، فكيف يطلب منها مكافحتها وإفشالها وإبطالها. وسربت خبر الهجوم للتقليل من الخسائر فقط في الأنفس، ومن في موتهم يفجر قضية داخلية كاليهود وغيرهم من الأشخاص المهمين. وبهذا نعرف سر تفجير ذاك الجزء من وزارة الدفاع والذي لم يكن فيه أحد من المسئولين، بل كان فيه (عمالة تعمل لتجهيزه وترميمه وصيانته)، ودم هؤلاء في العادة عند هذه الحكومات الدموية هدر ومطية لتنفذ العصابة الحكومية خططها وبرامجها الاستعمارية والتخريبية وأفكار الهيمنة، ومثل هؤلاء الجنود وقبلهم السفير الأمريكي في باكستان الذي قتل مع الرئيس ضياء الحق.

س: لكن غريب أن تقوم هذه العصابة النافذة في الحكومة الأمريكية بقتل الآلاف من الشعب الأمريكي، وهذا يرجع عليهم وعلى عهدهم وتجربتهم السياسية والأمنية، وتعرف أن الحكم هناك قائم على انتخاب الشعب، والشعب لا ينتخب إلا من وعده بحياة أفضل وأكثر أمانًا ورخاء، ألا تخشى تلك العصابة أن يكتشف الشعب بأنهم يتآمرون على شعبهم أو يخشون بأن يسقطوا من الحكم فضلاً عن ألا ينتخبوا مرة أخرى؟
الجواب: سأذكر لك أمثلة ذكرها تيري ميسان صاحب كتاب (الخديعة المرعبة) تبين لك هل هذا غريب على مثل هذه العصابة أم لا، مع أنه سبق أن ذكرت لك تآمر هذه العصابة على احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران 444 يومًا، يقول:
في كوبا عام 1958م نجح عدد من الثوار بقيادة فيدل وراؤول كاسترو وتشي غيفارا وكاميلو ثينفويغوس في قلب نظام فولخانسيو باتيستا. ووضعت الحكومة الجديدة - التي لم تكن شيوعية بعد - حدًّا لاستغلال الجزيرة الذي فرضته بالقوة قبل ست سنوات مجموعة باكاردي وبعض الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات (ستاندرد أويل Standard Oil وجنرال موتورز General Motors وأي تي تي ITT، وجنرال إلكتريك General Electric وشيراتون Sheraton وهلتون Hilton ويونايتد فروت United Friut وإست إنديان كو Est Indian Co.). في المقابل عملت هذه المؤسسات على إقناع الرئيس الأمريكي أيزنهاور بالإطاحة بالكاسترويين.
في السابع عشر من آذار عام 1960م أقر الرئيس أيزنهاور(برنامج عمل خفي ضد النظام الكاستروي) شبيه بسجل جورج تنت ولو كان محدودًا بكوبا وحدها. أما الهدف المتوخى فكان (استبدال نظام كاسترو بنظام آخر أكثر وفاءً للمصالح الحقيقية للشعب الكوبي وأكثر ملاءمة للولايات المتحدة الأمريكية وذلك عن طريق تطبيق أساليب تخفي التدخل الأمريكي)(3).
في السابع عشر من نيسان 1961م قام فريق من المنفيين الكوبيين والمرتزقة بمحاولة للنزول في خليج الخنازير. غير أن هذه العملية التي دعمتها CIA بشكل أكثر أو أقل قد باءت بالفشل. ورفض جون ف. كنيدي، الذي كان قد تولى الحكم لتوه، إرسال القوات الجوية الأمريكية لدعم المرتزقة، وقبضت السلطات الكوبية على ألف وخمسمائة رجل فيما أنكر كنيدي العملية وعزل مدير CIA (آلن داليس) والمدير المساعد (تشارلز كابل) ومدير Stay behin (ريتشارد بيسل). ثم كلف مستشاره العسكري الجنرال ماكسويل تايلور بإجراء تحقيق داخلي لم يسفر عن أي تدبير ملموس. وراح كنيدي يتساءل عن موقف هيئة الأركان المشتركة التي باركت العملية مع أنها كانت تعرف سابقًا أن مصيرها الفشل (4).
بدا أن كل شيء جرى وكأن القادة قد حاولوا توريط الولايات المتحدة في حرب مفتوحة ضد كوبا.
إذا كان الرئيس كنيدي قد أقر بفشل الـCIA وأساليبها إلا أنه لم يشك في السياسة العدائية التي تعتمدها واشنطن ضد السلطة في هافانا. وشكل (مجموعة خاصة وموسعة تتولى مهمة تنظيم وقيادة الحملة ضد النظام الكاستروي)، وتألفت تلك المجموعة من شقيق كنيدي روبرت (نائب عام) ومستشاره العسكري (الجنرال ماكسويل تايلور) ومستشار الأمن القومي (ماك غورج باندي) ووزير الدولة (دين راسك) يساعده المستشار ألكسس جونسون ووزير الدفاع (روبرت ماك نمارا) يساعده المستشار ووسويل جلباتريك، والمدير الجديد للـCIA (جون ماكون) ورئيس هيئة الأركان المشتركة (الجنرال لايمان ل. لمنيتزر).
وتصورت هذه المجموعة الخاصة الموسعة سلسلة من الأعمال السرية جمعت تحت العنوان العام عملية (Mangoose) (النمس) ولإنجاز هذه الأعمال أوكلت مهمة التنسيق العملي بين وزارة الدولة ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية إلى الجنرال إدوارد لنسدايل (مساعد وزير الدفاع الذي يتولى العمليات الخاصة، وعليه مدير NSA). في حين شكلت وحدة خاصة (Groups W) داخل CIA بقيادة وليام هارفي.
في نيسان 1961 م مرَّ جيش الولايات المتحدة بأزمة خطيرة: فقد قام الرئيس كنيدي بعزل اللواء أدون أ. والكر الذي تسبب بمواجهات عنصرية في ليتل روك قبل أن يتولى قيادة جيش المشاة في ألمانيا(5). وقد اتهم بنشر الدعوة إلى اليمين المتطرف بين الجيوش وقد يكون هو نفسه منتميًا إلى مجتمع جون بيرش John Birch Society وفرسان كلوكلوكس كلان الأصليين Klu Klux Klan .
قامت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بتحقيق حول اليمين العسكري المتطرف. وجرت التحقيقات بإدارة السناتور آلبرت غور (الحزب الديمقراطي – تينيسي) والد نائب الرئيس الأمريكي المقبل. واشتبه أعضاء مجلس الشيوخ بتورط رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال لايمان ل. لمنتيزر في (مؤامرة والكر).
وكان غور على علم أن لمنيتزر اختصاصي في العمل السري فقد تولى إدارة المفاوضات الهادفة إلى قلب إيطاليا ضد نظام الرايخ عام 1943م، ثم بالاشتراك مع آلن دالس في المفاوضات السرية مع النازيين في أسونة (سويسرا) استعدادًا للتسليم (عملية سانرايز Sunrise). وشارك إضافة إلى ذلك بإنشاء شبكة ستاي بيهايند Stay-behind في حلف شمال الأطلسي حاملاً بعض العملاء النازيين على القتال ضد الاتحاد السوفيتي، كما عمل على إقصاء مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى أميركا اللاتينية. إلا أن غور لم يتمكن من إثبات مسئوليته في ما يتعلق بالأحداث المعاصرة.
وقد نشرت مؤخرًا رسائل سرية للجنرال لمنيتزر تظهر أنه كان يتآمر مع قائد القوات الأمريكية في أوروبا (الجنرال لورس نورستاد) ومسئولين رسميين رفيعي الشأن لتعطيل سياسة جون ف. كيندي.
أما الجنود المتطرفون فاستنكروا رفض كيندي التدخل العسكري في كوبا، واعتبروا المدنيين من وكالة الاستخبارات المركزية مسئولين عن سوء التخطيط لعملية النزول في خليج الخنازير، فيما نعتوا الرئيس كيندي بالجبان لرفضه إرسال القوات الجوية الأمريكية لدعم العملية، وعملوا على تقديم حجة سياسية لكيندي ليقوم بالتدخل العسكري، ويفسح هذا المخطط الذي أطلق عليه اسم عملية «Northwoods" (الغابات الشمالية) المجال أمام دراسات معمقة أضفى عليها العميد ويليام كرايغ طابعًا رسميًّا.
وكان الجنرال لمينيتزر هو الذي عرض الخطة على المجموعة الخاصة للموسعة في الثالث عشر من آذار 1962م. وقد عقد الاجتماع في البنتاجون في مكتب وزير الدفاع ودام من الساعة الثانية والنصف حتى الخامسة والنصف بعد الظهر.
وانتهى الاجتماع بشكل سيئ فقد رفض روبرت ماك نمارا المخطط برمته في حين قام الجنرال لمينيتزر بإطلاق التهديدات. واستمرت العداوة بين إدارة كيندي وهيئة الأركان المشتركة لستة شهور متتالية أبعد لمينيتزر، وعين قائدًا للقوات الأمريكية في أوروبا.
وأمر الجنرال قبل مغادره بتدمير كل أثر لمشروع Northwoods إلا أن روبرت ماك نمارا احتفظ بنسخة عن المذكرة التي قدمت إليه.
كانت عملية نورث وودز تهدف إلى إقناع المجتمع الدولي بأن فيدل كاسترو غير مسئول إلى حد أنه يشكل خطرًا على السلم في بلاد الغرب. ولتحقيق ذلك الهدف يقتضي التنسيق وإلحاق أضرار عظمى بالولايات المتحدة على أن تعزى إلى كوبا. إليكم بعض الاستفزازات المعتزمة:
• شن هجوم على القاعدة الأمريكية غوانتانامو. تنفذ هذه العملية بقيادة بعض رجال المرتزقة الكوبيين باللباس الخاص بقوات فيدل كاسترو وتتضمن أعمال تخريب عديدة وانفجار مخزن الذخائر فتتسبب بأضرار مادية وبشرية جسيمة.
• إغراق سفينة أمريكية في المياه الإقليمية الكوبية بحيث تبعث ذكرى تدمير سفينة Maine عام 1898 م الذي أودى بمئتين وستة وسبعين شخصًا، وأدت إلى التدخل الأمريكي ضد أسبانيا. وتكون السفينة في الحقيقة خالية وخاضعة للتحكم عن بعد. ويكون من الممكن رؤية الانفجار من هافانا أو سانتياغو للحصول على شهود عيان وتجرى عمليات الإنقاذ لتصديق الخسائر وتنشر لائحة الضحايا في الصحف وتنظم مراسم جنائزية زائفة لإثارة السخط والنقمة. تنفذ العملية في وقت تكون سفن وطائرات كوبية موجودة في المنطقة لينسب الهجوم إليها.
• ترهيب المنفيين الكوبيين عبر استهدافهم بأعمال تدمير بالبلاستيك في ميامي وفلوريدا وحتى في واشنطن. ويلقى القبض على عملاء كوبيين كاذبين للحصول على اعترافات، ويعد الأمريكيون وثائق تعرض على الكوبيين للشبهات قبل أن يصادروها ويوزعوها على الصحف.
• تجنيد الدول المجاورة لكوبا من خلال إيهامها أنها تتعرض لخطر اجتياح محدق وتقوم طائرات كوبية مزيفة بقصف الجمهورية الدومينيكية أو أي دولة أخرى من المنطقة. وتكون القنابل المستعملة من إنتاج سوفيتي بدون شك.
• تحريك الرأي العام العالمي من خلال تدمير طائرة مدنية ولمزيد من التأثير يقع الاختيار على جون غلن ليكون الضحية فهو أول أمريكي يطوف حول مدار الأرض الكامل (طيران مركوري). وتمت دراسة عملية (مخططة) واحدة بعناية فائقة هي التالية:
- من الممكن اختلاق حادث يثبت بصورة مقنعة أن طائرات كوبية قد هاجمت طائرة مدنية مستأجرة وهي في طريقها من الولايات المتحدة إلى جامايكا أو غواتيمالا أو بنما أو فنزويلا وأسقتطها. ولإتمام ذلك يمكن أن تقوم مجموعة من الركاب المتواطئين، قد يكونون من الطلاب مثلاً - باستئجار طائرة تابعة لإحدى الشركات التي تملكها وكالة الاستخبارات المركزية سرًّا. وفي عرض فضاء فلوريدا تلتقي طائرة الركاب بطائرة أخرى شبيهة بها ظاهريًّا ولكنها تكون خالية من الركاب وخاضعة للتحكم عن بعد. ويعود الركاب المتواطئون إلى قاعدة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية فيما تكمل الطائرة الأخرى مسارها وتصدر إشارات خطر تدل على تعرضها للهجوم الكوبي وتنفجر أثناء طيرانها.
ويقتضي الأمر إنجاز هذه العمليات بالضرورة موت العديد من المواطنين الأمريكيين المدنيين والعسكريين. إلا أن ذلك الثمن البشري هو الذي يجعل من تلك العمليات أعمال سيطرة فعالة.
وفقًا لجون ف. كنيدي يعتبر لمنيتزر هستيريًّا مناهضًا للشيوعية يحظى بدعم شركات متعددة الجنسيات عديمة الذمة.
وكان الرئيس الجديد على علم بفحوى التحذير الذي تلفظ به سلفه الرئيس أيزنهاور قبل عام في الخطاب الوداعي الذي ألقاه بمناسبة نهاية ولايته:
(علينا أن نحذر في مشورة الحكومة من تملك سلطة غير مشروعة سواء كانت متوخاة من التجمع العسكري الصناعي أو لم تكن، فخطر نمو سلطة مغتصبة موجود وسيبقى. ولا يجب علينا أن نعتبر أي شيء مكتسبًا. فالتيقظ والضمير الوطني هما الوحيدان القادران على ضمان التوازن بين تأثير آليات الدفاع الصناعية والعسكرية العملاقة ووسائلنا وغاياتنا السلمية، بحيث ينمو الأمن مع الحرية على مستوى واحد).
وفي النهاية وقف جون ف. كيندي بوجه الجنرال والكر والجنرال لمينيتزر وأصدقائهما ورفض أكثر من أي وقت مضى توريط أمريكا في حرب إبادة ضد الشيوعية في كوبا ولاوس وفيتنام وغيرها من الدول. فأدى ذلك إلى اغتياله في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1962م. وعام 1969م تقاعد الجنرال لمنيتزر، إلا أن جيرالد فورد، الذي تولى الرئاسة بالنيابة عن نيكسون منذ فضيحة ووتر غايت Watergate، طلب إليها عام 1975م المشاركة في التحقيق الذي بدأه مجلس الشيوخ حول الدور الصحيح الذي أدته وكالة الاستخبارات المركزية في ظل إدارة نيكسون. وبعد أن ساعد في طمس الحرب الكلامية طلب إليه فورد مجددًا وبإلحاح إحياء فريق للضغط، وهو عبارة عن لجنة حول الخطر الحالي (CPD) Committee، on the Present Dangers وقد شكلت وكالة الاستخبارات المركزية هذه الجمعية حين كانت تحت إدارة جورج بوش الأب. وشنت الجمعية حملة ضد الخطر السوفيتي وتولى إدارتها عدد من المسئولين بمن فيهم بعض مسئولي CIA وبول د. ولفوويتر (مساعد وزير الدفاع الحالي الذي يتولى مهمة العمليات في أفغانستان). في المقابل رفع جيرالد فورد اللواء ويليام كرايغ الذي أدار الدراسات التم!
هيدية لعملية Northwoods إلى منصب مدير وكالة الأمن القومي (NSA)، وفي الثاني عشر من تشرين الثاني 1988م توفي الجنرال لايمن ل. لمينيتزر.
عام 1992 م بدأ الرأي العام الأميريكي يتساءل حول اغتيال الرئيس كيندي بعد بث فيلم لأوليفر ستون يظهر تناقضات الرواية الرسمية. وأمر الرئيس كلينتون فتح محفوظات وسجلات عديدة تعود إلى عهد الرئيس كيندي. وهكذا عثر بين أوراق وزير الدفاع روبرت ماك نمارا على النسخة الوحيدة المحفوظة لمشروع Northwoods. ا.هـ. (كتاب الخديعة المرعبة ص 127-134).
ومن الأدلة على أن عملية (11سبتمبر) مخطط لها: فقد قال سفير أفغانستان في السعودية أيام حكومة رباني قال: قبل (أحداث 11 سبتمبر) بما يقارب ثلاثة أشهر التقى وفد أمريكي بالرئيس رباني وسياف وأحمد شاه مسعود، وكنت حاضرًا في (طاجكستان) فطرح الوفد الأمريكي على الزعماء الثلاثة أن الولايات المتحدة تريد التخلص من حكومة طالبان وتنصيب الملك ظاهر شاه ملكًا وطلبت منهم الموافقة والمساعدة على ذلك، ودعمتهم بـ(مائتي مليون دولار). فقال الزعماء الثلاثة: (وما الحل مع باكستان؟) فرد رئيس الوفد الأمريكي بقوله: (إن باكستان لن تتدخل ولو تدخلت لضربناها على وجهها). لم يظهر الزعماء أي معارضة لذلك لكنهم طلبوا من الوفد مهلة للتشاور فيما بينهم. بعد ذلك اتفق الزعماء على أن ينهوا مشاكلهم مع طالبان من دون أن تتدخل أمريكا؛ لأنهم لا يريدون عودة الملك ظاهر شاه، فاقترحوا أن يتوجه وفد إلى السعودية سرًّا لتكون السعودية حلقة وصل بينهم وبين طالبان، فاتصلوا بالسفير السعودي في قازاخستان وبدوره أجرى اتصالاً بالحكومة السعودية، فطلبت السعودية أن يأتي رجل واحد فقط فرشحني الزعماء لذلك فوصلت إلى الرياض في واحد سبتمبر، وقابلت (تر!
كي الفيصل) رئيس الاستخبارات وحدثته بما حصل فقبلت السعودية الوساطة وطلبت من الزعماء الثلاثة كتابة مذكرة تفاهم فاتصلت برباني وأخبرته بطلب السعودية فكتبوا (16 ورقة) وأرسلوها. بعد أربعة أيام في يوم (6 سبتمبر) قتل أحمد شاه مسعود. وفي يوم 11 سبتمبر وقعت الحادثة.

إلى هنا نصل إلى نهاية المحاولة لفهم هذا السيناريو من ناحية إدارته على الأرض، أما أمر السماء فليس لنا في ذلك إلا نقل رأي المختصين والمحترفين وأصحاب الخبرة والمهنة؛ فقد نقل جارودي أن (200) مائتين طيار مدني وحربي أمريكي التقوا في حلقة مناقشة حول الحادث، وأكدوا من خلال تلك المناقشات أن هذه الرواية غير ثابتة لأسباب عديدة وهي:
1. العثور على أدلة في أماكن سقوط الطائرات، مثل وجود بعض الكتيبات للطيران باللغة العربية ومصاحف وأيضًا جوازات سفر عربية؛ وهو شيء لا يمكن حدوثه أو تصديقه حيث إن انفجارًا بمثل هذه القوة لا يبقى على بعض الأوراق والمصاحف وجوازات السفر سليمة وواضحة بالدرجة التي تمكن من قراءة اللغة المكتوبة بها أو تفسيرها.
2. أجمع الجميع على أن عملية بهذه الدرجة من البراعة والدقة لا يقوم بها إلا طيارون على مستوى عال جدًّا من الكفاءة والخبرة مما يتنافى تمامًا مع وجود كتيبات تعليم الطيران في سيارات قريبة من منطقة سقوط الطائرات، وماذا ستفيد هذه الكتيبات لشخص يقود الطائرة بسرعة تقترب من ألف كيلومتر في الساعة، وعلى هذا الارتفاع ويريد التصويب نحو هدف بعينه، هذه العملية كانت بحاجة إلى كفاءة عالية جدًّا لا تفيد معها أشرطة الفيديو أو كتيبات تعليم الطيران.
3. أهم النقاط التي تدحض الرواية الأمريكية هي أنه لابد أن يعرف الجميع أن الرموز السرية للطيران فوق هذه المناطق التي اتخذت كأهداف لا يعرفها إلا مجموعة صغيرة جدًّا من البشر؛ لأنه يتم تغيير هذه الرموز بصفة مستمرة عن طريق جهاز المخابرات المركزية الأمريكية.
4. صعوبة ـ بل استحالة ـ الهروب من كل خطوط الأمن، لاسيما حينما نعرف بوجود فرقة من الطائرات المقاتلة في حالة استنفار كامل ودائم للإقلاع لاعتراض أية طائرة تحلق فوق منطقة كولومبيا؛ فلماذا لم يتلقوا أي أمر للتحرك؟ خصوصًا إننا يمكننا القول إن كل متر مربع من منطقة سقوط الطائرات مؤمن بالأمن العسكري وجهاز المخابرات المركزية، وعلى الرغم من ذلك لم يحدث شيء وهو الأمر الذي لا يمكن لأية مجموعة انتحارية أن تتنبأ به.
5. وهذه نقطة حاسمة؛ الأمريكان منشغلون دائمًا بموضوع اختطاف الطائرات؛ لذلك ابتكروا نظامًا يسمح بقطع جميع الدوائر الإلكترونية للطائرة المختطفة وهي في الجو عن طريق جهاز تحكم ويمكن من فرض خط معين على الطائرة المختطفة، وهذه العملية تتم عن طريق القاعدة الأرضية أو عن طريق طائرات (الأوكاس).
لهذه الأسباب يمكننا توقع أن مقاعد الطيارين كانت خالية تمامًا وقت انفجار الطائرات.
صحفية الوطن بتاريخ (23/12/1422هـ).

وأخيرًا: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين » فهذه محاولة لفهم هذه الحادثة ومحاولة لتكريس الاحتمالات وتعزيز نظرية (التاريخ يعيد نفسه) لفهم الأحداث؛ وذلك للاستفادة من تاريخ وتجارب وخلفيات الأجهزة المشبوهة حتى لا نخدع مرة أخرى، وحتى لا نوهم ونتوهم النصر ونحن عنه بمعزل. فيكفي المسلمون في هذا العصر (أن يصنع عدوهم هزائمهم)؛ أما أن يصنع لهم الفخ بصورة نصر وتصور لهم الهزيمة بصورة انتصار فهذه هزيمة مركبة وتعزيز للتشتت والوهن، فاكتفاء المسلمين في هذا العصر بالانتصارات الوهمية التي تضعها لهم أجهزة المخابرات الغربية؛ هي سبب بعدهم عن النصر الحقيقي وجهلهم بعوامل العزة والتمكين والنهضة والنصرة، وحتى لا ننجرف نحو سراب بقيعة نحسبه حقيقة فنجلد أنفسنا أكثر من المطلوب. ونتقاتل ونتنازع فيما بيننا أكثر من مقاتلتنا ومنازعتنا لأعدائنا؛ فتذهب ريحنا كما قال تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...


-------------------------
(1)  مما يدل على ذلك أيضا أن رونالد ريغان – استخدم مصرف (BCCI) لرشوة الحكومة الإيرانية من أجل أن تؤخر إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من السفارة في طهران وبالتالي تشويه عهد الرئيس كارتر (عملية لقبت October Surprise ) نقلاً عن كتاب الخديعة المرعبة ، ص 97 .
(2)  ومما يدل على التعاون الوثيق بين أمريكا وإيران استناداً الى التقرير الأمريكي النهائي عن (إيران جيت) : (إدارة ريجان قدمت لطهران أسراراً عسكرية عراقية حساسة) ص84 صحيفة الشرق الأوسط 25/6/1414هـ العدد 5489 من رسالة الدكتوراه (معوقات الجهاد في العصر الحاضر) في الوقت نفسه كانت أمريكا وبعض الدول الغربية تقدم المعونات المادية وقدمت حجماً هائلاً من المعلومات العسكرية الهامة عن إيران إلى العراق مكنته من تحقيق بعض الانتصارات المرحلية أ. هـ من كتاب (المملكة العربية السعودية وأزمة الخليج) تأليف د/ وهيب صوفي و د/ عدنان صوفي ص390 .
(3)  A program of covert operations against the Castro Regme مستند غير مصنف في CIA بتاريخ 16 نيسان 1961 م.
(4)  The Chairman of the Joint of Staff, Willard J. Webb & Ronald H. Cole, DoD. 1989. Swords & Plowshares, Maxwell D. Taylor, 1972
(5)  العودة الى دراسة 235 “Les Forces speciales clandestines” in Les Notes d`Information du Reseau Edwin A. Walker and the Right Wing in Dallas. ولمزيد من المعلومات ، Voltaire n Chris Cravens, South Texas State University 1993
 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية